ایکنا

IQNA

المقرئ محمد الترابي.. وحياته مع القرآن

12:59 - October 16, 2016
رمز الخبر: 3462124
الرباط ـ إکنا: قضى المقرئ المغربي الشيخ محمد حسن الترابي حياته كلها مع القرآن الكريم، وكان صوته دليله للاستمرار في التعلّم، سخر موهبته الصوتية في الأداء القرآني حتى صار من أكبر القراء في العالم الإسلامي منذ أكثر من 50 عاماً.
المقرئ محمد الترابي.. وحياته مع القرآن الكريم

وأفادت وكالة الأنباء القرآنية الدولية(إکنا)، قضى حياته كلها مع القرآن الكريم، وكان صوته دليله للاستمرار في التعلّم، سخر موهبته الصوتية في الأداء القرآني حتى صار من أكبر القراء في العالم الإسلامي منذ أكثر من 50 عاماً، شارك في العديد من المسابقات القرآنية، كما أنه صار في العديد منها محكِّماً في الأداء الصوتي، أسس مدرسته الخاصة في تعليم التجويد والمقامات حتى تخرّج منها العديد من المقرئين أصحاب المواهب والأصوات الندية، ضيفنا في هذا اللقاء المقرئ المغربي الشيخ محمد حسن الترابي.. فمع اللقاء.

كيف اكتشف الشيخ محمد الترابي موهبته وحسن صوته في تلاوة القرآن الكريم؟

منذ الصغر في المدرسة شد أذني صوت الشيخ عبدالباسط عبدالصمد، وما كان والدي يدري ما الذي يجري في بيته وجارنا من اليمن، وقد كان من أهل الفن والإنشاد نعرفه قديماً، فبدأت ذلك اليوم أقرأ سورة الأعلى بتقليد عبدالباسط، وجارنا قال لأمي ارفعي صوت المذياع - ظنًا منه أن الصوت منطلق من المذياع- فابتسمت وقالت: إنه محمد الصغير الذي يقرأ، فتعجب لذلك الأمر. وحينما أتى أبي من العمل أخبره جاره اليمني وقال له: ولدك أعطاه الله موهبة صوتية فعليك الاعتناء به، فإنه سيكون له شأن بإذن الله، فبكى ابي وأخذني إلى البيت وقال لي: اقرأ.. فقرأت سورة الأعلى فبكى، ومن هذا الموقف وأبي يده على يدي في كل محفل فيه قراءة لأستمع وأتعلم، وأخذ لي اشرطة متنوعة للقراء خصوصًا محمد صديق المنشاوي آنذاك، وبدأت أستمع للتسجيلات كثيرًا حتى وصلت إلى سن الثامنة وبدأت بقراءة القرآن وتجويده وأدائه بالصيغة المصرية، ومع توالي الأيام عندنا في المغرب ما يسمى بالصيغة المغربية في القراءة التي لها بعض الخصوصيات وتميز عن الصيغة المشرقية وتسمى مقاماتها الطبوع للمغرب العربي.

كيف حوّلت هذه الموهبة إلى احتراف الأداء القرآني والتلاوة بالمقامات؟

هذا المنشأ من البيت.. والبيت كان محافظًا، فقد كان أبي من أهل الله، يحب القرآن ومجالس المدح النبوي، فهذه التربية جعلتني أنشأ على هذه الشاكلة، وإلا فإنه حدثت حادثة في سنة 1965 ذلك أن وزيرًا في المغرب استمع إلى صوتي واستدعاني أنا وأبي إلى الوزارة وأمر بأحد المسؤولين بالإذاعة أن يحضر آنذاك، وقرأت القرآن ثم ذهب هذا المسؤول، وبعد أسبوع طلب منا الوزير العودة، فلما عدنا قال لأبي اترك الولد هنا عندنا في العاصمة وسيقوم بزيارتك نهاية كل أسبوع، فعلم أبي ان هذا الأمر سيخص الغناء وهو أنه هناك من يكفلني من أجل أن أصبح مطربًا، فقال أبي للوزير إن على ابني أن يكمل دراسته، فاستجاب الوزير مباشرةً لطلبه، فاستطاع أبي بأسلوب مناسب أن يعتذر عن ذلك ويبعدني عن مجال الطرب وأن أتمسك بكتاب الله تعالى.

وتعلمت المقامات المتنوعة على شيوخ كبار في المغرب، قد كان بعضهم يعلمني في بيته لأنهم كانوا يحبونني ويحبون صوتي. وهكذا كوّنت نفسي واستطعت أن أرتوي من تشكيلة منوعة من المدارس الصوتية، حتى أسست مدرسة المواهب وخرَّجت بفضل الله عددًا من القراء والمبتهلين.

من هم المشايخ الذين تأثرت بهم وتتلمذت على أيديهم؟

وتتلمذت على بعض الشيوخ في مجال القراءة المغربية عن طريق الأندلسيات كما هو معروف، فتعلمتها جيدًا وأصبحت من روادها في بلدنا وألفت فيها كتابًا خاص بالصيغة المغربية، وهناك بدأت هذه المرحلة إلى أن أصبحت قارئًا، وفي سن العشرين شاركت في مسابقة مغربية وطنية، كان حكامها من دول العالم العربي والإسلامي، وأحرزت في عام 1970م على الجائزة الأولى في مسابقة تجويد القرآن الكريم، وهكذا مرت المراحل تلو المراحل حتى أصبحت أقرأ في الدروس الحسنية سنين في عهد الحسن الثاني، وكذلك عهد محمد السادس.

وكذلك أصبحت أفتتح الجلسات الرسمية للملكين، وهناك ابتدأت المراحل وأصبحت أسجل في الإذاعة والتلفزيون، ولنا برنامج يخص المقامات الصوتية في إذاعة محمد السادس وأسست مدرسة في الدار البيضاء سميتها مدرسة المواهب الصوتية لتلاوة القرآن الكريم والأمداح النبوية والابتهالات، وتخرجت منها أصوات وأجيال متعددة تنافس على المسابقات العالمية وتحرز مراكز متقدمة ومنهم محمد القصطالي الذي فاز بالجائزة الأولى في مسابقة القارئ العالمي في فرع الترتيل، والحمدلله على نعمة الصوت الحسن وخدمة القرآن الكريم.

ما هي المشاركات والإنجازات التي يفتخر بها الشيخ الترابي؟

عندما كنت صغيرًا في سن الـ 12 عينت في مسجد المحمدي وهو مسجد كبير في الدار البيضاء أقرأ القرآن قبل دخول الخطيب في عام 1962 وفي عام 1965 صلى رؤساء العرب في المسجد المحمدي وذلك بمناسبة مؤتمر عربي استضافته المغرب آنذاك، وقد كنت معينًا بشكل رسمي للقراءة في ذلك المسجد ففاجؤوني وأتاحوا لي فرصة الأذان في ذلك الجمع الكبير وقد كنت طفلًا، فأذّنت ذلك الأذان وبقي في ذاكرتي دون أن أنساها. والشيء الآخر هو أنني كنت أقرأ في الكثير من الافتتاحات الرسمية التي يحضرها ملك المغرب، وكذلك التحكيم.. فقد حكمت المسابقة الوطنية في المغرب فيما يزيد عن 12 سنة، وكنت كذلك محكما دوليا منذ كنت شابا في تونس عام 1974، وكذلك في البحرين فقد حكمنا في مجال الصوتيات.

كنت أصغر مقرئ يتم تسجيل قراءته في الإذاعة سنة 1962، وعندما بلغت سن الرابعة عشر وكان ذلك سنة 1965 عينت مقرئًا رسميًا في المسجد المحمدي المعروف في الدار البيضاء.. ما الذي تمثّل لك كل هذه الإنجازات؟

تمثل لي أعز شيءٍ في حياتي، وإنها لذكريات لا تنسى.. فقد كنت من القلائل الذي وجدوا في تلك الفترة من القراء الموهوبين الصغار، والحمدلله أن وجدت من يضمني إليه ليشجعني ويتمنى لي المزيد في هذا الميدان.
أخبرنا عن قصة دعوتك للفاتيكان في عام 1999.

وهي من أعز الذكريات أيضًا، وتبكيني كلما ذكرتها.. استدعاني كاتب وزارة الثقافة قال إن لكم تسجيلًا رائعًا في القناة الثانية وبالضبط قبل أذان المغرب، آتني تلك التسجيلات أرسلها إلى الفاتيكان لأنهم سيختارون من الدولة التي ستمثل الإسلام في حفلٍ كبير لحوار الأديان بمصاحبة الإنشاد يقيمها الفاتيكان مرةً في كل قرن، وبعد ثلاثة أشهر من إرسال التسجيل تم اختيار المغرب لهذه المناسبة، وأعطيتهم 10 منشدين ولم يقبلوا إلا اثنين، وأرسلت معهم القصيدة التي سينشدونها في الحفل وهي أحد شروطهم، وكانت القصيدة كلها ابتهالات لله عز وجل وعظمته ورحمته، فلما ذهبنا للفاتيكان استقبلونا ودخلونا للتدريب ومعنا فنانون كثر مع مختلف الآلات، ورفضنا ذلك وقلنا إننا سنتدرب وحدنا وسننشد بلا آلات، وكانت هناك أغنية تجمع الجميع فرأينا أن فيها كلامًا لا يليق بنا كمسلمين، فتعذرنا بالمرض حتى أصروا علينا بالوقوف على الأقل وإن لم تقولوا شيئًا فقبلنا بذلك، فلما دخلنا الحفل اثنين متأخرين وجلسنا في الصف الأول، كأنها رسالة أن الإسلام يأتي في المقدمة، فلما بدأت فقرتنا اهتز المكان الذي يحمل أكثر من 10 آلاف شخص وكثر التصفيق، وقد كان المنظر مهيبًا، فوالله إنه يبكي العيون، فقلت إنه الإسلام وتأثيره.

حدّثنا عن تأسيسك لمدرسة المواهب للتجويد والأداء القرآني.

المدرسة أسست على أجيال متنوعة أسستها في عام 1976 وآنذاك أسستها في دور الشباب، وقد كنت أذهب لهم بنفس على حصص متنوعة في أوقات محددة أعلمهم على التجويد والأداء القرآني، والحمد لله لي تلاميذ منذ الوقت، إلا أنه في عصرنا هذا عام 2006 ظهرت أصوات رائعة جدًا من الأطفال فلما علمت أن في كل صوت شيء وهبه الله إلا وأضمه إلى مدرستي، ومكانها صار في المسجد العلمي في منطقة عين الشقر.

والحمد لله المدرسة كانت بذرة فأثمرت وأينعت، وبان حصادها في الجوائز التي يفوز بها المغاربة بسبب التكوين الذي يفرز الأصوات ويصقلها لتكون على مستوى عالٍ.

من هي الفئة المستهدفة لمثل هذه المدارس ولتعلّم المقامات والأداء القرآني؟

هي مخصصة للأصوات موهوبة، وكلمة موهوب تعني أن الزخرفة الصوتية تلتقي مع الزخرفة الفنية، فالزخرفة التي يتعلمها هي موجودة في المقام فإن لم تجد صوتًا مطاوعًا لم تكتمل التركيبة الجميلة التي تحب سماعها، لا كل من هب ودب يقول أنا أتعلم المقامات. نعم هناك من يستطيع تعلم السماع فيصبح ذا ذوق، وليس شرطًا أن يستطيع تطبيق المقام عمليًا.

ما الذي تضيفه تلاوة القرآن الكريم بالمقامات للأداء نفسه وللمستمع؟


صاحب الأداء ينبغي له أن يوظف المقام توظيفًا سليمًا في القرآن الكريم بدلًا من الاعتباطية والعفوية، فالاعتباطية والعفوية قد تولّد عارضًا بين المعنى والصوت، فتجد مثلًا أن الصوت فرح في المقابل أن المعنى حزين، فصاحب الصوت الجميل مع المساحات الصوتية التي يمتلكها والتنغيم والتوظيف السليم للمقامات مع معاني الآيات يعطينا قرآنًا فيه تعبيرٌ وتصوير.

وهذه الغاية التي يمكن أن يصل إليها القارئ المتمرس والدارس، وإلا فالكثير يقرؤون القرآن دون أن يدري بالمراحل التي يمر بها، فيحدث في نفسنا ثقلًا لا نستطيع ان نستسيغه، ناهيك عن الذين يقرؤون القرآن للتطريب والاستعراض، فهناك أساليب غير جائزة في التلاوة كالترقيص والتحزين والترعيد - وليس ذلك من العُرب- وكأن يجعل الحركات ممدودة، كأن يمطط في قراءته وينظر يمينًا ويسارًا ويضحك في تلاوته مع معجبيه، وهذه من الأشياء الخادشة للحياء والتي قد تدخل في قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «رب قارئ للقرآن والقرآن يلعنه».

ما رأيك في من يقول: إن قراءة القرآن اختلطت بالموسيقى من خلال استخدام هذه المقامات، وأفقد كلام الله تعالى شيئًا من هيبته؟

هذا قولٌ مردودٌ على أصحابه، لأن المقام ليس بالضرورة هو الذي يستخدم للغناء، فذاك يخص أصحابه الذين يأخذون الشعر فيلحنونه ويزيدون فيه ما شاؤوا مع استخدام الآلات والكورال وغيرها، فهذا شيءٌ أدخل عليه المقام، فالمقام مجرد وهو رمز، فالذي لا يستخدم التنغيم يستخدم المقام، فهناك المقام في القراءة الطبيعية والترتيل العادي فهناك الرست والنهاوند والبيات وغيرها، فهو يستخدم المقام من غير لا يحتسب، فمثلًا السديس يقرأ بالرست والحذيفي بالرست والغامدي مجموعة من المقامات، وشيوخ مصر كذلك قرؤوا بمجموعة من المقامات، فالمقام محايد متى استعملته يمكن أن تكون قراءتك طيبة أو مردودة.

ليس المقام في طبيعته هو الغناء، لا لا.. المقام متاع وهل كل المتاع حلال؟ فنأخذ المال على سبيل المثال، فقد يقول إن المال حلال، ومن قال ان المال حلال؟ فالمال نفسه يمشي إلى الحرام إذا استعمل في الربا مثلًا، كما أنه يكون حلالًا إذا استعمل فيما هو طيب، فالمقام وسيلة ليست للغناء فقط، فهذا خطأ فادح!

المصدر: الأيام
captcha