ایکنا

IQNA

مجزرة قانا بعد ربع قرن...دلالات ودروس

9:53 - April 19, 2021
رمز الخبر: 3480858
كانت مجزرة قانا محطة سياسية بالغة الأهمية تركت دلالات فارقة في تاريخ الصراع العربي ـ الصهيوني المستمر منذ أكثر من قرن من الزمان.

ولم تكن مجزرة قانا الأولى التي ارتكبها جيش الاحتلال الاسرائيلي في مثل هذا اليوم قبل ربع قرن (18 نيسان، ابريل 1996) مجرد مجزرة أخرى من مجازر العدو التي بدأها في فلسطين ووسعها لتشمل لبنان و سورية  ومصر وتونس والعراق وغيرها فقط ، بل كانت أيضاً محطة سياسية بالغة الأهمية تركت دلالات فارقة في تاريخ الصراع العربي – الصهيوني المستمر منذ أكثر من قرن من الزمان.

أولى هذه الدلالات  هو ان تلك المجزرة التي جاءت في سياق عدوان صهيوني على لبنان(عملية عناقيد الغضب) -بدأ في 11 نيسان، ابريل عام 1996 ـ  واتى في اطارتنفيذ مقررات مؤتمر "دولي"  انعقد في 22 آذار/ مارس من العام ذاته في شرم الشيخ بحضور 30 دولة عربية وأجنبية ، بما فيها الكيان الصهيوني نفسه والرئيس الاميركي كلينتون ، والرئيس الروسي يلتسين ، والرئيس الفرنسي شيراك ودول "التطبيع" العربي العلنية ،و"السرية" يومها، وكان عنوان المؤتمر "مؤتمر صانعي السلام" ليؤكد ان "السلام" كما تفهمه تل ابيب وحلفاؤها هو حرب مستمرة على الفلسطينيين والعرب، وان "المؤتمرات الدولية" لم تنعقد حتى الآن إلا لخدمة الارهاب الصهيوني والمشروع الاستعماري بغطاء "فلسطيني وعربي".

ثاني تلك الدلالات  هو ان المؤتمر الذي مهّد لعدوان نيسان 1996 على لبنان بهدف القضاء على المقاومة، قد أدى الى نتيجة معاكسة حيث انعقد "تفاهم نيسان " برعاية فرنسية وأميركية وهو "التفاهم الخطي " الذي كرس تفاهماً شفهياً جرى التوافق عليه في حرب تموز 1993 على لبنان(عملية تصفية الحساب) يحول دون اي اعتداء اسرائيلي على المدنيين في لبنان، بل يكرّس شرعية المقاومة وحقها في الرد على اي عدوان صهيوني ، والاحتلال هو بطبيعته عدوان يفرض مقاومته.

ثالث الدلالات كان ان "تفاهم نيسان" لم يكن ليقوم أصلاً، لولا وحدة الموقف الرسمي والشعبي اللبناني الرافض لذلك العدوان، ولولا المساندة السياسية واللوجستية الكبيرة التي قدمتها دمشق وطهران وفصائل المقاومة الفلسطينية دعماً للبنان ومقاومته للعدوان، وكلنا يذكر كيف اضطر وزير خارجية الولايات المتحدة آنذاك وارن كريستوفر الى العودة الى دمشق بعد صمود المقاومة ليباشر اتصالاته لوقف الحرب بعد أن كان قد أبلغ وزير الخارجية السوري آنذاك الاستاذ فاروق الشرع مع بدء العدوان انه ذاهب في جولة اسيوية، وأعطاه رقم هاتفه في حال احتاجت دمشق اليه للاتصال به والاستنجاد به لوقف العدوان... فجرت الأمور على عكس ما توقع كريستوفر واضطر هو للعودة والمشاركة في مشاورات مع سورية والحكومة اللبنانية(التي كان يرفض الاجتماع بها في البداية كما كان يرفض اي دور لفرنسا في المشاورات الجارية بعد أن كان وزير خارجيتها دو شاريت مرابطا لأيام طويلة في دمشق التي أصرت على اشراكه في الحل)  وهي المشاورات التي أدت الى "تفاهم نيسان".. وإعطاء دور لواشنطن وباريس في الإشراف على تنفيذه.

اما الدلالة الرابعة  ان تلك الحرب التي شنتها حكومة شمون بيريز رجل "الاعتدال" الاسرائيلي ، وصاحب مشروع "الشرق الأوسط الجديد"، كانت موازية لحرب مماثلة كان قد شنها الصهاينة ضد المجاهدين  الفلسطينيين بعد قيامهم بسلسلة من العمليات الاستشهادية، وهي حرب لم تحتاجها تل أبيب لضمان " الامن والاستقرار" في الكيان الصهيوني فحسب، بل كان بيريز وحزبه"العمل" "المتضاءل تأثيره اليوم" ،  يحتاجان اليها للفوز في انتخابات 1996 التي كانت كل الاستطلاعات فيها تشير الى تقدم حظوظ نتنياهو مرشح "اليمين المتطرف" والذي فاز فعلاً في تلك الانتخابات التي جرت بعد أسابيع من العدوان في لبنان، وهو ما يؤكد قولاً شهيرا "لكيسنجر بان ليس هناك  من سياسة خارجية في الكيان الصهيوني، بل ان السياسة الداخلية هي التي تقرر تلك السياسة". مشيراً الى التنافس الانتخابي داخل هذا الكيان والذي تشير كل التحليلات الى انه مقبل على "انتخابات خامسة" هذا العام، بعد أربع انتخابات خلال عامين، لم يستطع معها تشكيل حكومة ، وهو أمر لم يكن معروفاُ في تاريخ الكيان لولا اهتزازه بفعل تصاعد قوة المقاومة داخله وحوله ،ولولا المتغيرات المتسارعة في موازين القوى المحلية والاقليمية.

الدلالة الخامسة كانت في صمود المقاومة اللبنانية وحلفائها بوجه العدوان الصهيوني، (الذي كان في السابق لا يحتاج "لأكثر من كتيبة مجندات على دراجات هوائية لتحتل لبنان" حسب قول موشيه دايان وزير دفاع العدو عام 1967 )هو مقدمة لانتصار هذه المقاومة بكل أجيالها ومكوناتها، في تحرير الأرض عام 2000،  وفي ردع العدوان عام 2006 ، وفي تأسيس معادلة ردع ما زال لبنان ينعم بمفاعيلها منذ 16 عاماً.

الدلالة السادسة هي  ان اي حديث من ان "المجتمع الدولي" قادر على ردع التوحش الصهيوني، الذي تجلى في العديد من المجازر، حديث مناقض للواقع تماماً، فهذا "المجتمع" الممثل بالأمم المتحدة ما زال عاجزاً ، ان لم يكن متواطئاً، امام هذا العدو حسب العديد من الادلة الموثقة وأولها تنكر تل أبيب للعديد من قرارات الأمم المتحدة، ومجلس الامن، وسائر المنظمات الدولية المنبثقة عنهم، بما فيها القرارات المتعلقة بعودة اللاجئين(القرار الأممي 194) وقيام دولة فلسطينية ورفض ضم القدس والجولان، والانسحاب من الاراضي المحتلة عام 1967، والقرار الشهير الذي دعا تل ابيب الى  الانسحاب الفوري من الاراضي اللبنانية التي احتلتها عام 1978 والذي بقي دون تنفيذ لـ 22 عاماً لولا المقاومة التي نححت فى تحريرها عام 2000.

فالقرارات الدولية ضد الاعتداءات والاحتلال الاسرائيلي, في ظل السياسة الاميركية وحلفائها,قرارات غير قابلة للتنفيذ، إلا اذا اقترنت بقوة عربية تضع حداً للغطرسة الصهيونية وهذا ما رأيناه في سينا مصر وبعض الجولان بعد حرب 1973، والتي جرى اغتيالها سياسياً في معاهدة "كمب ديفيد" ،  وفي لبنان بعد مقاومة استمرت 22 عاماً.

وقد جاءت الغارة الجوية على مقر الأمم المتحدة في قانا ،حيث لجأ العديد من العائلات الجنوبية التي ظنت أن هناك حصانة دولية لهذا المقر ،لتظهر مدى استهتار العدو الصهيوني بالامم المتحدة  ،حتى لا نقول احتقارهالها رغم ما تقدمه لها، ناهيك عن انحيازها الفاضح لتل أبيب حين رفضت المنظمة الاممية  تقرير الأمم المتحدة حول مسؤولية العدو في تلك المجزرة رافضة التمديد للمشرف على التقرير وهو امين  عام الأمم المتحدة الدكتور بطرس غالي رغم الخدمات "الجليلة" التي قدمها لواشنطن في "كمب ديفيد "وبعدها.

نستعيد هذ "العلامات – الدروس" ونحن نترحم على شهداء مجزرتي قانا الأولى(عام1996) والثانية (عام 2006)  وشهداءالمجازر الأخرى قبلهما وبعدهما ، و على كافة شهداء المقاومة العربية من فلسطين الى لبنان الى العراق الى سورية ومصر وتونس واليمن وليبيا والسودان وكل أقطار أمتنا العربية، ويكتسب التذكير بهذه الدروس – الحقائق اليوم في ظل مواجهة عدوان جديد على لبنان، هو عدوان الخبز والدواء والفساد والجشع والجوع  والفقر،عدوان الحصار والدولار والغلاء المرعب في الاسعار، والذي يهدف الى ان يحقق بالاقتصاد ما عجز عن تحقيقه بالحروب والسياسة.

وكما كان الفشل  مصير كل عدوان سابق، سيكون الفشل مصير كل عدوان نراه اليوم على لبنان وفلسطين وسورية والعراق واليمن ومصر وكل قطر عربي.. 
 فهذه أمة يشهد لها تاريخها انها عرفت هزائم عدة في جولات وفي معارك، لكنها كانت في النهاية تنتصر دائماً في حروبها على مستعمريها وأعدائها باذن الله وهمة المقاومين وكافة شرفاء الأمة واحرار العالم.
 
بقلم الكاتب والمفكر السياسي اللبناني و رئيس المركز العربي الدولي للتواصل والتضامن في لبنان "معن بشور"
کلمات دلیلیة: مجزرة ، قانا ، دلالات ، دروس ، معن بشور
captcha