ایکنا

IQNA

الغدير؛ وسيلة للتآلف والتآخي بين المسلمين

9:08 - July 20, 2022
رمز الخبر: 3486926
إن کتاب "الغدير في الكتاب والسنة والأدب" أو موسوعة "الغدير" للعلامة عبدالحسين الأميني وسيلة لوحدة العالم الإسلامي كما أنه يمكن أن يكون وسيلة للتآلف والتآخي بين المسلمين.

الغدير؛ وسيلة للتآلف والتآخي بين المسلمينإن الأعداء يأملون في أن تكون قضية الغدير سبباً في التناحر وإشعال فتيل الحرب والخصومة، في حين أنّ الغدير يمكن أن يكون وسيلة للتآلف والتآخي بين المسلمين.

لو فكّرنا جيداً وسلكنا المسلك الصحيح والمتوازن لوجدنا أنّ كتاب الغدير وسيلة لوحدة العالم الإسلامي وبمقدور جميع الفرق الاسلامية أن يراجعوا مصادر الغدير بعقلية حيادية وبلا أحكام مسبقة، وحينئذ لهم حق القبول أو الرفض.

إن عهد عيد الغدير يمتد إلى أمد قديم متواصل بالدور النبويّ، فكانت البدأة به من حجّة الوداع بعد أن أصحر نبيُّ الإسلام (صلى الله عليه وآله) بمرتكز خلافته الكبرى، وأبان للملأ الديني مستقر إمرته من الوجهة الدينيَّة والدنيويَّة، وحدَّد لهم مستوى أمر دينه الشامخ، فكان يومًا مشهودًا يسرُّ موقعه كلّ معتنق للاسلام، حيث وضح له فيه منتجع الشريعة، ومنبثق أنوار أحكامها، فلا تلويه من بعده الأهواء يمينًا وشمالًا، ولا يسفّ به الجهل إلى هوّة السفاسف وأيّ يوم يكون أعظم منه؟ وقد لاح فيه لأحب السنن، وأكمل فيه الدين، وتمَّت فيه النعمة، ونوّه بذلك القرآن الكريم والعترة الطاهرة.

لقد كَتَب العلماء والادباء والشعراء في الغدير كثيراً ومن أروع ما كُتب كتاب الغدير لمؤلفه العلامة الشيخ عبد الحسين بن أحمد الأميني التبريزي النجفي الذي تميز بجهدٍ موسوعيّ فريد، أراد مؤلِّفُه أن يَستقصيَ فيه كلّ ما يرتبط بالحَدَث المصيريّ في الأمّة الإسلاميّة، بل البشريّة جمعاء، ذلك من خلال تنصيب رسول الله "صلّى الله عليه وآله" بأمرٍ من الله المتعال، عليًّا "عليه السلام"وليًّا من بعده. وكان العلّامة الأمينيّ قد ألَّف أوَّلًا كتابًا في ستّة أجزاءٍ باسم (شعراء الغدير)، وأخَذَه إلى آية الله السّيّد أبي الحسن الأصفهانيّ ليَكتب له تقريظاً، فشطب السّيّد كلمة «شعراء» وقال: اسم «الغدير» كافٍ. وبهذه الالتفاتة من المرجع الكبير أصبح اسم «الغدير» هو العنوان والمحوَر الّذي يدور عليه الكتاب.

يحتوي كتاب الغدير على عدة أجزاء وهي كالتالي:

الجزء الأوّل:  فيه تعريفٌ مختصَر بواقعة الغدير، وذِكْرُ عدد الّذين رَووا حديث الغدير من الصّحابة وهم 120 صحابيًّا، وذِكْر رُواة حديث الغدير ونَقَلَته من علماء أهل السّنّة من القرن الثّاني وحتّى الرّابع عشر الهجريّ، وعددهم 360 عالماً، والكُتُب المؤلّفة في الغدير بالخصوص.

ويحتوي هذا الجزء أيضاً مناشدات واحتجاجات أمير المؤمنين وفاطمة الزّهراء والحسن والحسين "عليهم السلام" بحديث الغدير، وفيه إشارة إلى الآيات الثّلاث النّازلة في حادثة الغدير، ومصادر نزول هذه الآيات في الغدير. 

الجزء الثّاني: تطرَّق فيه المؤلِّف لقيمة الشّعر والشّعراء في الكتاب والسُّنّة، ثمّ تعرَّض لشعراء الغدير في القرن الأوّل الهجريّ (خمسة شعراء)، والقرن الثّاني (ثلاثة شعراء)، والقرن الثّالث (شاعران).

الجزء الثّالث: ذَكَرَ فيه المؤلِّف بقيّة شعراء القرن الثّالث الهجريّ (شاعران)، وشطراً من شعراء القرن الرّابع الهجريّ (سبعة شعراء). وأهمّ ما تضمَّنَه هذا الجزء مناقشاته الافتراءات والمغالطات والشُّبُهات المطروحة في كُتُب علماء البلاط.

الجزء الرّابع:  ذكر فيه بقيّة شعراء القرن الرّابع (22 شاعراً)، وشعراء القرن الخامس (9 شعراء)، وبقيّة شعراء القرن السّادس (9 شعراء).

الجزء الخامس:  ذَكر فيه بقيّة شعراء القرن السّادس (3 شعراء)، وشعراء القرن السّابع (9 شعراء). وقد تضمَّن هذا الجزء مسائل مهمَّة:

منها: ما ورد من رواياتٍ في كُتُب العامّة تُثبتُ الكثير من فضائل أمير المؤمنين عليه السلام وبقيّة الأئمّة عليهم السلام لشخصيّاتٍ أخرى، ومن تلك الفضائل: طيّ الأرض، وردّ الشّمس، وصلاة ألف ركعة، وختم القرآن، وتحدُّث الملائكة إليهم، وعِلمهم بالغَيب.

ومنها: أجوبة الاعتراضات على بعض ما يفعله الشّيعة من نقل الجنائز إلى المشاهد، وزيارتها والتّوسّل والاستشفاع والتّبرُّك بالمدفونين فيها، وكذلك النّذر لها.

الجزء السّادس: ذَكَر فيه المؤلف شعراء القرن الثّامن (7 شعراء)، وبَحَث فيه، ضمن عرض محتويات أشعار شعراء هذا القرن، مطالب مهمّة، مثل: مصادر ولادة أمير المؤمنين عليه السلام في الكعبة، ومصادر حديث: «أنا مدينةُ العلم..».

الجزء السّابع: ذكر فيه المؤلِّف بعض شعراء القرن التّاسع (3 شعراء)، مختتمًا بذكر الأدلّة على إيمان أبي طالب "رضوان الله تعالى عليه".
الغدير؛ وسيلة للتآلف والتآخي بين المسلمين
الجزء الثّامن:  واصَل في بدايته ما خَتَم به الجزء السّابق في الدّفاع عن أبي طالب، ومناقشة الغلوّ في بعض الفضائل الموضوعة لبعض الصّحابة.

الجزء التّاسع: ناقش فيه مرحلة خلافة عثمان بن عفّان، وممارسات السُّلطة في حقّ مجموعةٍ من الصّحابة كابن مسعود، وقصّة حصار عثمان ومقتله.

الجزء العاشر:  واصل العلّامة الأمينيّ في هذا الجزء ما خَتَم به الجزء السّابق في تفنيد ما ورد في فضائل بعض الخلفاء، واستعرض سيرة عبد الله بن عمر، ثمّ ردّ ما ورد من غلوّ في فضائل معاوية ابن سفيان، واستَعرَض سِيرتَه وجناياته.

الجزء الحادي عشر:  واصلَ عرض سيرة معاوية، وخاصّة دوره في قتل الإمام الحسن عليه السلام، وعدد من شيعة أمير المؤمنين عليه السلام، ثمّ ردّ المناقب المفتعلة في معاوية (40 منقبة)، ثمّ استَعرَض الغلوّ في مناقب جَمْعٍ من الصّحابة والكرامات والقصص المكذوبة لهم ولغيرهم (100 قصّة)، ثمَّ واصل ما تبقّى من شعراء من القرن التّاسع إلى الثّاني عشر.
 
وقد تميز هذا الكتاب بعدة خصائص من أهمها:


العمل الموسوعيّ:

يحتوي كتاب الغدير على مطالب كثيرة في العقيدة، والأدب، والأخلاق، والتّاريخ، وغير ذلك ممّا يصلح معه أن يكون دائرة معارف كبرى.

ويقول المرجع السّيّد عبد الهادي الشيّرازيّ قدّس سرّه في تقريظ الكتاب: «وقد يَفتقرُ مثل هذا التّأليف الحافل المتنوِّع إلى لجنة تجمع رجالًا من أساتذة العلوم الدّينيّة، ولو لم يكن مؤلِّفه العلّامة الأمينيّ بين ظهرانينا، ولمْ نرَ أنّه بمفرده قام بهذا العبء الفادح، لكان مجالًا لحسبان أنَّ الكتاب أثرُ جمعيّة تصدّى كلّ من رجالها لناحية من نواحيه».

وقد تتّبع العلّامة الأمينيّ مئات المصادر وفي مختلف البلدان والمكتبات لتحصيل مصادر هذه الموسوعة، ثمّ قام بقراءتها قراءة متأنِّية لاستخلاص ما ينفع في إثبات الأفكار الّتي يروم الاستدلال عليها. يقول السّيّد جعفر الشّهيديّ، وهو من أصدقاء المؤلِّف: «قال لي العلّامة الأمينيّ ذات يوم: لقد قرأتُ عشرة آلاف كتاب لأجل تأليف كتاب (الغدير)».

الرُّجوع إلى المصادر الأصليّة:

لم يَكتفِ العلّامة الأمينيّ بالنّقل عن كتابٍ ينقل عن مصدر سابق، بل كان يرجع إلى المصدر الأصليّ وذلك إحترامًا للأمانة العلمية وتوثيقًا للدقة والموضوعية.

الأمانة والدّقّة العلمية في النّقل:

ويقول الشّيخ محمّد هادي نجل العلّامة الأمينيّ: «ولقد أوصاني والدي رحمه الله بأمرَين في مجال التّحقيق والتّأليف، حيث قال: أوصيك بأمرَين: الأمر الأوّل: يجب أن تترك كثيراً من الرّوابط الاجتماعيّة، وإلَّا فإنّك لا تَجِد الوقت الكافي للكتابة والتّأليف.

والثّاني: أن ترعى الأمانة في التّأليف وإيّاك والتّصرُّف والتّصحيف في التّاريخ والمصادر، ويجب أن تعدّ نفسك من أجل أن تبلغ هدفك بالتّأليف للمشاكل الحياتيّة من جوعٍ، وحرمانٍ، وتحمُّلٍ، وصبر، وإلّا فبعكسها لا تبلغ هدفك.

الجرأة والصَّراحة في طرح القضايا التّاريخيّة:

 وقد كَلَّفت هذه الجرأة المؤلف إلى حدٍّ جَعَلتْهُ يضطرّ، بعد تأليف الأجزاء المتوسِّطة والمتأخِّرة من الغدير إلى تغيير زيِّه المعهود (لباس العلماء) أحيانًا خوفًا على نفسه من حسد الباغين.

جودة الأسلوب، وجمال العبارة:

 وقد أثنى على هذه الصّفة كبار العلماء مِمَّن قرّظ كتاب (الغدير)، منهم المرجع السّيّد محسن الحكيم، حيث يقول قدّس سرّه: «وقد سرحتُ النّظر في أجزائه المتتابعة فوجدتُه كما ينبغي أن يصدر من مؤلّفه المعظَّم، وألفيتُه كتاباً لا يأتيه الباطل مِن بين يدَيه ولا مِن خلفه بتوفيقٍ من عزيزٍ عليمٍ، ولقد توفَّق كلّ التّوفيق في قوّة حجَّته، وشدّة عارضته، وروعة أسلوبه، وجمال محاوَرَته. وقد ضمَّ إلى حصافة الرّأي جودة السَّرد، وإلى بداعة المعاني قوّة المباني، وتفنُّن في المواضيع المختلفة فوَرَدَها سديداً، وصَدَرَ عنها قويماً».

أخيرًا نقول تعالوا لنجعل الغدير بابًا للتآخي بين المسلمين لا سبًا للفرقة والتنازع.

إنّ الأعداء يأملون في أن تكون قضية الغدير سببًا في التناحر وإشعال فتيل الحرب والخصومة، في حين أنّ الغدير يمكن أن يكون وسيلة للتآلف والتآخي بين المسلمين.

لو فكّرنا جيداً وسلكنا المسلك الصحيح والمتوازن لوجدنا أنّ كتاب الغدير وسيلة لوحدة العالم الإسلامي. وبمقدور جميع الفرق الاسلامية أن يراجعوا مصادر الغدير بعقلية حيادية وبلا أحكام مسبقة، وحينئذ لهم حق القبول أو الرفض.

وفي كلتا الحالتين فمن المسلّم به أنّ قضية الغدير لن تؤدي إلى احتراب أو خصومة أو خلاف على الإطلاق بين من يقبلون ومن يرفضون.

وهكذا هو الأمر بالنسبة للشيعة، فعليهم أن يحمدوا الله تعالى على أن منّ عليهم بنعمة معرفة الحقيقة والاعتقاد بأصل الغدير.

وأما الذين لم يقبلوا بهذه الحقيقة، أو لم يراجعوا مصادرها، أو لم يطّلعوا عليها، أو لم يستطيعوا إقناع أنفسهم بها، فلا بأس من عدم اعتقادهم؛ وهذا ليس من شأنه أن يسبّب الفرقة والاختلاف بل يثير لغة الحوار القائم على مبدأ الموضوعية والنقد البنَّاء وإحترام المُختلف.

بقلم رئيس مركز حوار الأديان والثقافات في لبنان وعضو الهيئة الحَبرية العالمية الاسلامية المسيحية " السيد الدكتور علي السيد قاسم"

captcha