ایکنا

IQNA

نحو علاقة قرآنية متينة

13:23 - July 09, 2008
رمز الخبر: 1667636
طهران - وكالة الانباء القرآنية العالمية (IQNA): قال تعالى: (یَا أَیُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّیْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَیْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا)؛ إنّ الكثير من الناس قد تهيأ لمثل هذه الأيام من العطلة الصيفیّة، وادّخر الأموال لسفر ينفّس عن تعب النّفس وما واجهته من ضغوطات العمل طوال هذا السنة، وهناك أناس تهیّئوا لحج بيت الله الحرام - وفّقنا الله جميعًا لحجّ بيته، وزيارة قبر نبیّه (ص).
وفی هذا السياق، فشهر رمضان سوف يدخل علينا – إنّ شاء الله، وأسأله أن یُبلغنا إیّاه، ويعيننا على صيامه وقيامه، وتلاوة كتابه فی لياليه وايامه-، وشهر رمضان شهر ربيع القرآن، كما رُوی عن أبی جعفر (ع): (لكلّ شیء ربيع وربيع القرآن شهر رمضان)، وأردت التّنبيه على بعض المسائل المهمة المتعلّقة بالقرآن؛ لنتهیّأ لها ونربِّی أنفسنا عليها، حتى لا تفوتنا الفوائد والموائد العظيمة التی ادّخرها الله لعباده فی شهر الضيافة والرّحمة، ومن هذه المسائل هی:
قراءة القرآن وتلاوته
فعن رسول الله (ص) أنّه قال: (ومَن تلا فيه – أی فی شهر رمضان- آية من القرآن كان له مثل أجر من ختم القرآن فی غيره من الشهور).
وهناك موارد عديدة لتهيئة النّفس لتحصيل هذه المسألة، وأول هذه الموارد أنْ نقوم بما أوصانا به النبی (ص) إذ قال: (فاسألوا ربّكم بنیّات صادقة، وقلوب طاهرة أنْ یُوفّقكم لصیَامِه، وتِلاوَةِ كِتَابِه، فِإنَّ الشَّقیّ مَن حُرم غفران اللهِ فی هذا الشهر العظيم).
وقد حثّ الخالق عباده على الانشغال بتلاوة كتابه فی شهر رمضان على وجه الخصوص، لأنّه الشهر الذی قد كرّمه الله سبحانه، وعظّمه، وشرّفه بإنزال كتابه فيه، كما اختصه بليلة القدر التی هی خير من ألف شهر.
* ترويض النفس
واستعراض بحث الاهتمام بالتلاوة والقرآءة من هذه الأيام هو من أجل أنْ نروّض أنفسنا على التلاوة، فهناك استثقال عند الكثيرين للارتباط بالقرآن.
وخلق حالة من الارتباط والأنس تتطلّب ترويض النّفس على قراءة القرآن، حتى نصل إلى القدرة على ختمة قرآنیّة فی شهر رمضان على أقل تقدير، بل ورجائی أنْ نتطّلع لختمة قرآنیّة كاملة فی ليلة القدر الشريفة، أو فی مجموع ليالی القدر الشريفة، وعملیًّا قد تتعذّر الختمة الواحدة فی اللّيلة الواحدة لقصر الليل، وضعف المزاج، لكنّ النیّة والتطّلع أمر لا ينبغی إهماله، والنیّة ليست حالة من التّمنی، بل هی فيض من الله سبحانه - فنسأل الله أنْ لا يحرمنا منه، كما نسأله لختمة قرآنیّة فی ليلة من ليالی القدر الشريفة، كما وفق الله عباده بتوفيقاته -.
* ما هی حقيقة القرآن؟
ومن المهم أنْ أنوّه إلى أنَّه یُستفاد من بعض الآيات القرآنیّة أنّ حقيقة القرآن عالية عن أفهام العقول إلى أنْ تنزّلت إلى مرتبة الذِّكر بهذا اللّفظ البليغ، والبيان الفصيح، بلسان النّبیّ (ص)، والغاية من هذا التّنزل بالتيسير هو أنْ یُبشّر به (ص) المتيقّن من عباده، وينذر المعاندين كما قال تعالى: (فَإِنَّمَا یَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا)، فإنّ هذا "التسهيل یُنبئ عن حالة سابقة ما كان يسهل معها تلاوته ولا فهمه، وقد أنبأ تعالى أنّه قد جعله عربیًّا مقروءًا، ولو بقی كما كان عليه عنده علیًّا حكيمًا أی آبیًّا مُستعصیًّا لما كان یُمكن أنْ ترقى إليه الأفهام، ولما أمكن أنْ تفهمه العقول، قال تعالى: (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِیًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * وَإِنَّهُ فِی أُمِّ الْكِتَابِ لَدَیْنَا لَعَلِیٌّ حَكِيمٌ) الزخرف: 3-4، وهذا التنزيل نعمة من نعم الله على عباده، فلنستذكرها ونحمده عليها، ونبذل جهدنا للاستئناس به، وعملية الاستئناس والعشق تتوقفان على عدد من الأمور، وسأشير لبعضها الظاهریّ، ویُمكننی أنْ أُسمّيها بالأدوار القرآنیّة:
* ما هو دورنا تجاه القرآن؟
الدور الأول: قراءته
وذلك لكی لا يكون القرآن خصمًا لتارك القراءة يوم القيامة، فعن الإمام الصادق (ع): (ثلاثة يشكون إلى الله تعالى: مسجد خراب لا یُصلِّی فيه أهله، وعالم بين جهّال، ومصحف مُعلق قد وقع فيه الغبار، ولا یُقرأ فيه)، فمن المعيب للمؤمن أنْ يترك تلاوة القرآن الكريم؛ لأنّها من مروءته، والمروءة تعنی فيما تعنيه: أن یُحافظ المؤمن على ما يليق بشأنه فی الأمور، واجتناب ما يعد عيبًا عرفًا، فلا يليق بشخصیّة لها وزنها الاجتماعیّ أنْ تخرج فی الشارع بلباس داخلیّ، فهذا لا يليق بشأنها، ومُخالف لمروءتها، وكذلك ترك التلاوة لا يليق بشأن المؤمن ومخالف لمروءته، ففيما أوصاه أمير المؤمنين (ع) لابنه محمّد بن الحنفية (رضوان الله عليه): (واعلم أنّ مروءة المرء المُسلم مروءتان: مروءة فی حضر ومروءة فی سفر، فأما مروءة الحضر فقراءة القرآن، ومجالسة العلماء، والنّظر فی الفقه، والمحافظة على الصّلاة فی الجماعات، وأمّا مروءة السفر الزّاد، وقلّة الخلاف على صحبك، وكثرة ذكر الله عزّ وجلّ فی كلّ مصعد ومهبط، ونزول وقيام وقعود).
وهناك ظاهرة أجدها خاطئة لا تتناسب مع شأن القرآن الكريم، وهی ظاهرة الحديث فيما یُسمّى بالمجالس القرآنیّة فی شهر رمضان، فقارئ القرآن فی وادٍ والحاضرون فی وادٍ آخر، فهی مجالس للحديث وليست للقرآن، وهی مجالس للزّيارات الاجتماعیّة وليست للقرآن، وهذه ظاهرة مؤلمة للنّفس، وهی ظاهرة يتأذّى منها قُرّاء القرآن الذين وفدوا على هذا البلد، فالمؤمل أنْ نصل لمستوى إقامة مجالس قرآنیّة تُقدّر، وتُعلی من شأن القرآن ومكانته.
الدور الثانی:- تَعلّمه
فعن النبی (ص): (خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه.
وعن أبی عبد الله (ع): (ينبغی للمؤمن أنْ لا يموت حتى يتعلم القرآن، أو يكون فی تعليمه).
الدور الثالث: حفظه
فعن يعقوب الأحمر قال: قلت لأبی عبد الله (ع): إنّ علیّ دينًا كثيرًا، وقد دخلنی ما كان القرآن يتفلت منّی، فقال أبو عبد الله (ع): (القرآن القرآن، إنّ الآية من القرآن والسورة لتجيئ يوم القيامة حتى تصعد ألف درجة - يعنی فی الجنّة -، فتقول: لو حفظتنی لبلغت بك ههنا).
لا يعنی حفظ القرآن أنْ يكون جميعه، فمن حفظ سورًا كان ممّن حفظ القرآن، ويبدو أنّ استخدام لفظ القرآن على بعض السور أمر متعارف فی لسان المتشرّعة، ففی سؤال علیّ بن جعفر لأخيه (ع): وسألته عمّن ترك قراءة القرآن ما حاله؟ قال: (إنْ كان متعمّدًا فلا صلاة له، وإنْ كان نسی فلا بأس).
وما الذی یُضير المؤمن أنْ ينشغل بالحفظ طوال حياته، ولو كان شيئًا بسيطًا فی كلّ يوم أو ليلة، لعلَّ هذه الآية التی حفظها تكون سببًا فی صعوده الدّرجات العاليات فی الجنّات، والظروف مهیَّأة لنا لو استثمرناه، فعدد الإشارات التی نبتلی بها فی كلّ يوم وتُشيب رؤوسنا يمكننا استثمارها فی حفظ آيات من كتاب الله، فيضع المؤمن القرآن بجانبه، فإذا توقّف تلى آية من القرآن، وانشغل بترديدها، وتكرارها حتى يحفظها، وبذلك يتوفّق لحفظ الكثير من آيات كتاب الله.
والمراجعة من متطلبات الحفظ: فقد يتمكن المؤمن من حفظ القرآن، ولكن لا تنتهی المسألة عند هذا المقدار، ففی المروی عن النبی (ص): (واستذكروا القرآن، فلهو أشدّ تفصیًّا من صدور الرجال من النعم من عقلها).
والمراد من التّفصّی هنا الذّهاب والتفلّت، فشبّه (ص) تفلّت القرآن وذهابه من الصدر ما لم یُحدث بالتلاوة، ویُتعهّد بالقراءة بتفلّت النعم المعقلة من عقلها، إذا لم یُستظهر بإحكام عقلها.
الدور الرابع: العمل به
فعن أبی عبد الله (ع): (الحافظ للقرآن العامل به مع السفرة الكرام البررة).
الدور الخامس: تعليمه، ومدارسته
فعن الّنبیّ الأعظم (ص): (ما اجتمع قوم فی بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم إلاّ نزلت عليهم السَّكينة، وغشيتهم الرّحمة، وحفّتهم الملائكة، وذكرهم فيمن عنده)، وهناك برامج مسجدیّة يتلى فيها القرآن ویُدرس، وهی برامج مختصرة والمحروم من لم يحضرها، وسبب الحرمان هو أنّه لم يعد مشمولاً بالعطاءات المكتوبة للتالين والقارئين للقرآن، وحبّذا يضغط المصلّون على أئمتهم لإقامة مثل هذه البرامج.
وسوف أسلط الحديث عن الدور الأول، وهو دور القراءة، وأردت أنْ نُهيئ أنفسنا للقيام بهذا الدّور بشكله اللائق فی شهر رمضان، وسيما ليالی القدر الشريفة.
طبعًا لقراءة القرآن وتلاوته عطاءات وفوائد كثيرة سأشير لبعضها؛ لتكون طريقًا من طرق التحفيز، وبناء العلاقة بكتاب الله.
* لماذا نقرأ القرآن؟
الدّاعی الأول: إيقاظ النّفس من غفلتها
فالأوضاع الهدّامة التی تعيش فی ظلالها، والحالات المنحرفة المغرية المُلهية، المثيرة للشهوات النّفسانیّة كلّ ذلك يقتضی تنبيه النّفس من سباتها؛ لتلتفت من الضياع، وتواجه التّحدّيات والابتلاءات، ولذا قال تعالى: (یَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)، فعن أبی أسامة، قال: زاملت أبا عبد الله (ع)، فقال لی: (اقرأ، فافتتحت سورة من القرآن، فقرأتها فرقَّ وبكى، ثم قال: يا أبا أسامة، ارعوا قلوبكم ذكر الله عزّ وجلّ، واحذروا النكت، فإنّه يأتی على القلب تارات، أو ساعات الشكّ من صباح ليس فيه إيمان ولا كفر شبه الخرقة البالية، أو العظم النّخر – إلى أنْ يقول - فاذكروا الله عزّ وجلّ واحذروا النكت، فإنه إذا أراد بعبد خيرًا نكت إيمانًا، وإذا أراد به غير ذلك نكت غير ذلك، قال: قلت: ما غير ذلك جعلت فداك؟ قال: إذا أراد كفرًا نكت كفرًا).
ومن هنا كانت التلاوة حياة قلب الإنسان، فنحن نقرأ فی الدعاء: (بذكرك عاش قلبی)، وكيف لا تصنع القراءة اليقظة، والمقروء له من الوقع من تتزلزل منه الجبال، كما قال تعالى: (لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَیْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْیَةِ اللَّهِ)، ولذا نجد النّبیّ (ص) يتعجّب قائلاً: (إنّی لأعجب كيف لا أَشيب إذا قرأت القرآن)، وفی ذلك إشارة إلى ما يولّده هذا الكتاب من حزن وخوف للقلوب الحیّة، حزن من عقوبات يوم القيامة وعقباته وشدائده وأهواله، وخوف أنْ يجری ما جرى على الأمم الماضية من العقوبات الدّنيویّة من خسف وغيره، وكلّ ذلك من شأنه أنْ يعظ ويذِّكر وينبِّه النفس، ويبنی علاقتها بالله سبحانه.
الداعی الثانی: حلول البركة فی المنزل
فالبيوت التالية للقرآن بيوت نامية معنویًّا ومادیًّا، يتسع الزّاد لكلّ العائلة دون أنْ يضيق بها، وينبسط الرّزق دون أنْ تشعر بالنّقص، ويستمر ويدوم خيرها، ويحفظ مالها دون أنْ يتلف، بيوت خالية من العيوب، بخلاف البيوت الخالية من التلاوة، فهی بيوت محرومة من البركات وخالية من الخيرات، بيوت كالنّار تحرق الخيرات، فالأشياء تتلف وتخترب، والحاجيات لا تُلبی، ويشعر أهلها بالضيق والنّقص فی ممتلكاتهم، وسرّ كلّ ذلك هو قراءة القرآن، فعن النبی (ص) أنّه قال: (..إنّ البيت إذا كثر فيه تلاوة القرآن كثر خيره، واتسع (أمتع) أهله، وأضاء لأهل السماء كما تضيئ نجوم السماء لأهل الدنيا).
وعنه (ص): (اجعلوا لبيوتكم نصيبًا من القرآن، فإنّ البيت إذا قُرء فيه تيسّر (يسّر) على أهله، وكثر خيره، وكان سكّانه فی زيادة، وإذا لم يقرأ فيه القرآن ضیّق على أهله، وقلّ خيره، وكان سكّانه فی نقصان).
فبركات القرآن بركات مادیّة وسكانیّة، مادیّة فی تكثرها، وسكانیّة فی توسعها وديموميتها، بخلاف البيوت التی لا یُقرأ فيها القرآن بكثرة، فهی بيوت محرومة من الرّزق، والتوسع السّكانی.
وهنا ألفت النّظر إلى أنّ المسألة لا تقف عند مقدار راتبك، ومقدار عملك، فهناك أبعاد غيبیّة أخرى لها أثرها فی نماء مالك وسعادتك، فقد يكون راتبك جیّدًا لكنّه لا يكفيك لآخر شهرك، فهناك عطب فی ثلاجة بيتك بحاجة لتصليح، وعطب فی المكیّفات، وعطب فی سيارتك، وحاجات طبیّة، وغير ذلك ممّا تستنزف لأجله الأموال، وبعد من أبعاد ذلك هو أنّه لا بركة فی هذا المال رغم كثرته، وهذا ما عنيت به حول حديث الزّكاة والخمس، فالزّكاة والخمس یُنْمِيان المال، فمن لم يخمِّس سوف يصرف أكثر من خمسه فيما يصرفه على حوائجه التالفة، وكذلك العكس، فقد يكون راتب الإنسان المؤمن قليلاً لكنّه مباركًا، وأحد أسرار ذلك هو قراءتك للقرآن فی بيتك، فهذه البيوت مباركة فی سعة رزقها، ومباركة فی ديميوية حاجاتها، فنادرًا ما تجد عندها تلفًا فی شیء، وهذا بعد ممّا ينبغی التنبه عليه، فللقرآن بركات وعطاءات لا يدركها إحساس الإنسان العادیّ.
الداعی الثالث: صناعة الأجواء الملكوتیّة فی المنزل
البيوت التالية للقرآن بيوت لا يعبث بها الشيطان، بيوت عامرة بالملائكة، وتملأ زواياه الأنوار الربانیّة، عن أبی عبد الله (ع): (والبيت الذی يقرأ فيه القرآن، ويذكر الله عزّ وجلّ فيه تكثر بركته، وتحضره الملائكة، وتهجره الشياطين، ویُضیء لأهل السماء كما یُضیء الكوكب الدّریّ لأهل الأرض، والبيت الذی لا يقرأ فيه القرآن، ولا يذكر الله فيه تقلّ بركته، وتهجره الملائكة، وتحضره الشياطين). كيف سيكون حال أهل بيت يحضره الملائكة، وبيت تحضره الشياطين؟!، فالطيور على أشكالها تقع، فالبيوت التی تعجّ فيها الشياطين بيوت كريهة، ملوّثة، عامرة بالغناء، بيوت تسودها الخلافات والمشاكل، بيوت غافلة عن الله.
وأما البيوت التی تعجّ بالملائكة بيوت طیّبة، زكیّة، يسودها الهدوء ويعمّها السلام، ولا شكّ فی أنّ للنّفحات الملائكية تأثيرها على نفس الإنسان وراحته وسعادته، أليس هناك فرق بين بيت تفوح منه رائحة المسك والعنبر، وبين بيت تفوح منه رائحة كريهة؟!
الداعی الرابع: أنْ تكون بيوتنا محطّ أنظار الملائكة
مرّ علينا فی بعض الروايات السابقة أنّ البيت إذا أكثر فيه تلاوة القرآن (أضاء لأهل السماء كما تُضیء نجوم السماء لأهل الدنيا، وعن الصادق (ع): (إنّ البيت إذا كان فيه المسلم يتلو القرآن يترائاه أهل السماء كما يترائا أهل الدنيا الكوكب الدّریّ فی السماء (الدنيا)).
ويخطر ببالی أنّ القيمة فی ذلك هو أنّنا بتلاوتنا نُلفت أنظار الملائكة المقرّبين وأرواح القدِّسين، فيذكّروننا بالخير، ويدعون لنا، ويستغفرون لذنوبنا، وكفى بذلك شرفًا، فهناك من يصبو لنظرة من إنسان عادی، فكيف لا يصبو لنظرة من أهل السماء؟!
الداعی الخامس: تحرير الأوطان من الطغيان
فهناك علاقة تكوينیّة بين قراءة القرآن وإزالة الطغيان، وهذا ما نتعرف عليه ممّا روی عن أبی جعفر (ع) قال: (قرّاء القرآن ثلاثة: رجل قرأ القرآن فاتخذه بضاعة واستدر به الملوك، واستطال به على النّاس, ورجل قرأ القرآن فحفظ حروفه، وضيع حدوده, وأقامه إقامة القدح، فلا كثر الله هؤلاء من حملة القرآن، ورجل قرأ القرآن، فوضع دواء القرآن على داء قلبه، فأسهر به ليله، وأظمأ به نهاره، وقام به فی مساجده، وتجافى به عن فراشه، فبأولئك يدفع الله العزيز الجبار البلاء، وبأولئك يديل الله عزّ وجلّ من الأعداء، وبأولئك ينزل الله عزّ وجلّ الغيث من السماء، فوالله لهؤلاء فی قرّاء القرآن أعزّ من الكبريت الأحمر).
* ارتباط الإمام الخمينی بالقرآن
والإمام الخمينی (رضوان الله عليه) من أجلى مصاديق هذا الحديث، وبهذه الرّواية الشريفة عرفت فلسفة ارتباطه (قده) بالقرآن، فسيرته القرآنیّة مذهلة بالنسبة لموقعیّته وانشغالاته، فهو يتلو القرآن كلّ يوم بمقدار لا يقل عن جزء أو ثلاثة أو أربعة أجزاء بحسب الظروف والأوضاع التی يمرّ بها، وختمه قرآنیّة أقل ما يتلوه فی كلّ شهر من الشهور مهما كانت الظروف، باستثناء شهر رمضان فلم أرَ إلاّ نقلاً واحدًا، وهو أنّه يقرأ عشرة أجزاء فی كلّ يوم وليلة، ممّا يعنی ختمه للقرآن كلّ ثلاثة أيام مرّة واحدة، فمثل هذه الشّخصیّة العلمیّة المنشغلة لم تترك قراءة القرآن، ولم تخادع نفسها بالأولویّات والانشغالات والارتباطات، كان ارتباطها القرآنیّ قویًّا لدرجة لم تعدْ تسمح لأیّ قضية أنْ تقطع هذه العلاقة، لا تُقدم على القرآن ما تراه مهمًّا كما هی عادة الكثيرين، فهذه الشخصية لما ارتبطت بالقرآن - كما قالت الرّواية - استطاعت أنْ تديل وتزيل الأعداء.
وأدال الله من العدوّ يعنی أخذ الدولة منه، وأعطاها غيره.
فمواجهة الظلم والطغيان يتطلّب قراءة القرآن، وتلاوة القرآن زاد للقوّة والصلابة فی مواجهة التّحدّيات وانتزاع الحقوق، فقد قال تعالى بعد أنْ أمر نبیّه (ص) بقيام الليل، وتلاوة القرآن: (إنا سنلقی عليك قولاً ثقيلا إِنَّا سَنُلْقِی عَلَیْكَ قَوْلًا ثَقِيلًاً)، وهذا يعنی أنّ التلاوة القرآنیّة أحد مقومات بناء الأرض الصلبة التی تمكّن صاحبها من تحمّل ثقل التبليغ، وعليه فترك تلاوة القرآن من الخلل الكبير فی شخصیّة السياسیّين والاجتماعیّين.
الداعی الخامس: نيل شفاعة القرآن ودفاعه
فعن أبی عبد الله (ع): (مَن قرأ القرآن وهو شاب مؤمن اختلط القرآن بدمه ولحمه، وجعله الله مع السَّفَرَه الكرام البَرَرَة، وكان القرآن حجيجًا عنه يوم القيامة).
وعنه (ع): (إنّ الدّواوين يوم القيامة ثلاثة: ديوان فيه النعم، وديوان فيه الحسنات، وديوان فيه السيئات، فيقابل بين ديوان النعم وديوان الحسنات، فتستغرق النعم عامّة الحسنات، ويبقى ديوان السیّئات، فيدعى بابن آدم المؤمن للحساب، فيتقدّم القرآن أمامه فی أحسن صورة، فيقول: يا ربِّ أنا القرآن, وهذا عبدك المؤمن قد كان يتعب نفسه بتلاوتی, ويطيل ليله بترتيلی, وتفيض عيناه إذا تهجّد, فأرضِه كما أرضانی, قال: فيقول العزيز الجبّار: عبدی، أبسط يمينك، فيملاها من رضوان الله العزيز الجبّار، ويملأ شماله من رحمة الله، ثم یُقال: هذه الجنّة مباحة لك، فاقرأ، واصعد، فإذا قرأ آية صعد درجة).
الداعی السادس: أنْ یُحرم التارك من أحد المدافعين عنه يوم القيامة
فكثرة تلاوة القرآن لها أثرها فی حماية لسان الإنسان من الحرق بنيران الآخرة، ففی المروی عن رسول الله (ص) أنّه قال: (يؤمر برجال إلى النّار، فيقول الله عزّ وجلّ لمالك: قلْ للنّار: لا تحرق لهم أقدامًا، فقد كانوا يمشون إلى المساجد، ولا تحرق لهم فرجًا فقد كانوا يعفون، ولا تحرق لهم وجهًا فقد كانوا يسبغون الوضوء، ولا تحرق لهم أيدیًا، فقد كانوا يرفعونها بالدعاء، ولا تحرق لهم السنة، فقد كانوا يكثرون تلاوة القرآن. قال: فيقول لهم خازن النّار: يا أشقياء! ما كان حالكم؟ قالوا: كنّا نعمل لغير الله عز وجل، فقيل: لتأخذوا ثوابكم ممّن عملتم له).
بقلم الشيخ عادل الشعلة؛ نقلا عن موقع المجلس العلمائی.
captcha