ایکنا

IQNA

المشاركون في ندوة بيروت يؤكدون؛

جلال الدين الرومي؛ لحظةٌ حملت من جمالية الشعر وسحر المعاني ما يتجاوز عائق اللغة

10:17 - September 30, 2020
رمز الخبر: 3478412
بيروت ـ إکنا: أكد الباحثون والباحثات في الندوة الافتراضية التي أقامتها المستشارية الثقافية الايرانية لدى لبنان بمناسبة الذكرى السنوية لتكريم الشاعر العارف جلال الدين المولوي الرومي أن الشاعر الرومي لحظةٌ حملت من جمالية الشعر وسحر المعاني ما يتجاوز عائق اللغة.
جلال الدين الرومي؛ لحظةٌ حملت من جمالية الشعر وسحر المعاني ما يتجاوز عائق اللغة
وبمناسبة الذكرى السنوية لتكريم الشاعر العارف جلال الدين المولوي الرومي، أقامت المستشارية الثقافية للجمهورية الإسلامية الإيرانية في لبنان ندوة افتراضية تحت عنوان "التصوّف والعرفان في الأدبين الفارسي والعربي" شارك فيها نخبة من أهل الفكر والادب في العالم العربي وايران.

وبداية  تقديم من الكاتبة والمترجمة مريم ميرزاده, بعدها كلمة افتتاحية  للمستشار الثقافي للجمهورية الاسلامية الايرانية الدكتور عباس خامه يار والذي قال: "هذا العام يصادفُ أن يكونَ يوم تكريم الشاعر العارف مولانا جلال الدين الرومي متزامناً مع يوم الترجمة العالمي، إذن احتفالُنا اليوم بالمترجمين كما بالشعراء والعارفين من المتصوفة في الثقافتين الفارسية والعربية. وكم جميلٌ أن يتزامن يوم المولوي مع يوم الترجمة، فلقد بلغت أشعارُ مولانا مسامعَ الشرقِ والغرب بفضلِ تأثير الترجمة والمترجمين.

وأضاف الدكتور خامه يار "نحن اليوم ندينُ للمترجمين وترجماتهم بكل ما وصلنا من الأدب العالمي المعاصر وكل ما وصلَ من حضارتنا إلى مسامع العالم. حيث صار شعراؤنا عالميينَ وعرفانُنا عالمياً يدرسه الكبير والصغير من عشاق التصوف. وقد كان التبادل قائماً دائماً بين العرب والفرس على صعيد الفكر والثقافة والشعر والعرفان. ورغم اختلافات اللغة، إلا أنّ العرفان كان دائماً هذه اللغة العالمية الروحية التي تجتازُ الحدودَ والجغرافيا، وتبلغُ بالإنسانِ مبالغَ الارتقاء المعنوي والتهذيب الروحي".
جلال الدين الرومي؛ لحظةٌ حملت من جمالية الشعر وسحر المعاني ما يتجاوز عائق اللغة
وقال: الترجمة كانت بمثابة التبليغ بالعرفان الفارسي وكذلك العربي، حيث انفتح العالم العربي بعد ترجمة آثار المولوي على فضاءٍ جديدٍ وشاسع من المعنويةِ والروحانية ربما لم يسبق له أن عرفه بشكله هذا، مثل نمط المثنوي والرباعيات القصص الشعرية، وإنما بأشكالٍ مختلفة تتواءمُ مع الروح العربية، وهذا يعدُّ غنىً حضارياً يشهدُه تاريخ العلاقة التبادلية بين الثقافتين.
 
الدكتور ة دلال عباس، الأستاذة في الجامعة اللبنانية والباحثة في الأدبين الفارسي والعربي

ثم تحدثت د. دلال عباس ـ الأستاذة في الجامعة اللبنانية والباحثة في الأدبين الفارسي والعربي عن تأثر الشيخ البهائي بشعر مولانا جلال الدين الرومي, بالاشارة الى رموز التصوُّف والعرفان في شعر الشيخ البهائي، العربي والفارسي.
                
وسألت  الدكتورة عباس "ما هي نقطة الالتقاء بين المولوي والبهائيّ بالنسبة إلى موضوع التصوّف والعرفان؟: قبل الإجابة عن هذا السؤال  من المفيد أن نجيب عن التساؤل حول نقطة البدء للتصوّف الإسلامي بمعناه العام؛ هل تعاليمه برمّتها نشأت من الإسلام أوكما يقول علي بن عثمان الهجويري في "كشف المحجوب" : إنّ جذوره تنحدر من فرضيّاتٍ وأعمال زهديّةٍ لأصحابِ الصفّة، أو كما يُقال : أنّ مبادىء الاعتقاد في المسيحيّة كالرهبانيّة والمحبّة والسلام الكامل قد أثّرت في نشوء التصوّف، أو أنّه تأثّر بالآراء العرفانيّة في البوذيّة والهندوسيّة وبالفلسفة الأفلاطونيّة المُحدَثة التي تتّسم بالعرفان الحادّ أو معتقدات الأديان الإيرانيّة القديمة  ـ لا سيّما المانويّة ـ فأيًّا كان منشؤه الأصلي فهو مختلفٌ عن التصوّف الذي ظهر في العصر الإسلاميّ، ونضج متدرّجًا من بداية الإسلام، وتبدّل  من  زهدٍ فرديّ ، وتعبّدٍ شخصيّ إلى مدرسةٍ واسعةٍ ذات شُعبٍ متعدّدةٍ مصحوبةٍ بآدابٍ  وتقاليدَ مختلفة وأحيانًا متناقضة. فنشأ في مجرى هذا التطوّر تصوّفٌ يعتمدُ التزهّدَ  والعباداتِ المستمرّةَ  والإقبال على التوبة والتخلّي عن العلائق المادّيّة والرياضات الشاقّة، وهذه مدرسة أويس القرنيّ ( المتوفّى سنة ٣٧ ه ) والحسن البصريّ ( ٢١ـ ١١٠ ه ) وسواهما ؛ كما نشأ التصوّف المتسم بالعشق الذي يرتكز على العشق الروحاني الحقيقي.  في التصوّف المتّسم بالعشق ومدرسة العرفان التي ينتمي إليها المولوي نجد الصفاتِ الأخرى المنبثقةَ من العشق الحقيقيّ ومحبّةِ الله المتمثّلةِ بالزهد والورع والصبر والاستقامة والتوكّل ، والرضا  والتسليمِ للمشيئة الإلهيّة والفقر والفناء في الله. لذلك فإنّ جلال الدين المولوي في "المثنوي المعنوي " يذمّ الصوفيّين المزوّرين المتصنّعين الذين يشكّلون "الصوفيّة السلبيّة " ، وما يصحبها من  لؤم الصوفيّة اللئيمة المرائية  والمدنّسة بالمنكرات في إطار قصص تربويّة عذبة مباشرة أو غير مباشرة ، ويسخر بنظرة سلبيّة مليئة بالنقد من سلوكهم وآرائهم، مقابل التصوّف الإيجابي المتّسم بالعشق ، الذي هو العرفان الإسلاميّ  نفسُه.
جلال الدين الرومي؛ لحظةٌ حملت من جمالية الشعر وسحر المعاني ما يتجاوز عائق اللغة
 فقالت "نرى مهمًّا هنا أن نشير إلى العلاقة بين التصوّف والفقه في حياة الشيخ البهائي العمليّة وفي آرائه النظريّة؛ فهو على الرغم من عشرات الكتب التي ألّفها، ومن ممارسته التعليم طوال حياته، ومن نشاطه البارز والفعّال، كان أميَل إلى الزهد في الدنيا والتزام الصّمت، والبعد عن التماس العطاء من غير الله عزّ وجلّ، هذا الزّهد في الحياة الذي يظهر واضحًا جليًّا، في تشجيعه النفوس على التخلّص من ربقة المادة، كما يتضّح من نَفَسِهِ العرفانيّ الذي ظهر في سوانحه، وفي شعره العرفاني بالفارسيّة، وفي إكثاره من الحديث عن المتصوّفة وأخبارهم في كتابه: "الكشكول"، كما أنه يكثر، في هذا الكتاب ، وفي مثنوياته الشعرية، وفي قصّته النثرية" "موش وگربه" [القط والفأر ]، من التحذير من الدنيا والإقبال عليها، كما يُكثر من الترغيب بالآخرة والميل إليها، وينصح الإنسان بأن لا يطلب الدنيا للتمتّع بلذاتها، بل أن يطلبها لصالح يرجو إعانتَه أو طالح يخاف إهانتَه. (بهاء الدين العاملي ،الكشكول، .ط.أعلمي، ج1، ص 198 و210
 
كما أنّ المولوي في المثنوي المعنوي يُزكّي الصوفيّة الإيجابيّة المتّسمة بالعشق ، وينظر إلى التصوّف السلبي نظرةً ساخطة،  رأت الدكتورة عباس ان البهائي يدعوإلى التّوفيق ما بين "الطّريقة" والشّريعة، في وقت أخذ التطرّف والغلّو من الفقهاء القشريين والمتصوّفة في عصره خطًّا تصاعديًا ناميًا، وحكم كل فريق على الآخر بالخروج على الجادّة. ويُجمِل موقفَ البهائي من الفقهاء والمتصوّفة العنوانُ الذي جعله في بداية مثنوي: "نان وپنير" (الخبز والجبن)، وهو: "فصل في ذم المنتقدين للحكمة وينكرون لطفائها وسرائرها من الغفلة والظلمة، وفي تفسير من تفقّه ولم يتصوّف فقد تفيْقه، ومن تصوّف ولم يتفقّه فقد تزندق، ومن جمع بينهما فقد تحقّق" (كليّيات شيخ بهائي ، مقدمة مثنوي "نان وپنير) ، ص١٤٤)
 
قيصر مصطفى الأكاديمي والأستاذ الجامعي  في الأدب والنقد  من  الجزائر

 من جهته د. قيصر مصطفى الأكاديمي والأستاذ الجامعي  في الأدب والنقد  من  الجزائر تحدث عن تأثير التصوف والعرفان  في الأدبين العربي والفارسي ، فقال: "لماذا الأدبين العربي والفارسي  تحديداً؟  وقبل البداية أردت طرح السؤال علما أن التصوف والعرفان كان لهما تأثير على الأدب العالمي شرقا وغربا ، وطرح السؤال يلفت إلى طبيعة العلاقات التاريخية التي كانت وما زالت تربط بين الأدبين الفارسي والعربي  ، بحيث عقدت التوأمة بينهما  منذ أن  اعتنقت إيران الإسلام بخلفية ثقافية وحضارية مشهود لها ، وعلى يد الرحالة الأكبر الباحث عن نور الإسلام ،  سلمان الفارسي الذي جاب الأقطار وعانى الأمرين  رقا وأسرا ، حتى وصل إلى غايته والتقى النبي محمدا  وحبيبه عليا بن أبي طالب ،  وأسهم بالحرب التي كانت تدور رحاها بين  كفار قريش  وأنصاررسول الله  محمد الذين كانوا مايزالون يمثلون الأقلية .. كان المسلمون محاصرين  ومهددين فاقترح سلمان على المسلمين حفر خندق حول  معسكرهم  وشارك هو والنبي وعلي  بالحفر وتكسير الصخور، ويومذاك كانت الغلبة للمسلمين بعدما تمكن علي الشاب  من قتل عمرو بن ود فارس الجزيرة العربية، ويومها تعانق سلمان مع علي وعانق النبي الأكرم الرجلين ، وبعد ذلك  بقليل وفي مرحلة لاحقة ، قال رسول الله عبارته المعروفة : سلمان منا أهل البيت....
جلال الدين الرومي؛ لحظةٌ حملت من جمالية الشعر وسحر المعاني ما يتجاوز عائق اللغة
 ثم اضاف د. قيصر مصطفى "من هنا نبدأ فأمة الفرس هي الأمة الوحيدة التي اعتنقت الإسلام  بدون قتال  على خلفية ثقافية حضارية  راسخة باتت معروفة، وظهرت نتائجها عندما  طهر الفرس الخلافة من رجس بني أمية، ثم أسهموا ببناء حضارة الخلافة العباسية في بغداد، كما  أسهموا بالحركة الأدبية العربية وأدخلوا العلوم على اختلافها  وكان منهم سيبويه والخوارزمي  وغيرهما كما كان منهم الشعراء كبشار  وأبي نواس  وآخرين،  إن القوم أهل فكر وعلوم وأدب وثقافة ضاربة في عمق التاريخ  واعتناق الإسلام كان عن دراية واختيار إيماني معمق ومدروس، وكان  سلمان  بوابتهم  إلى الإسلام والتصوف معا  وعلى مسامعه قال رسول الله "من عرف نفسه عرف ربه " وأخذ التصوف والزهد والعرفان  عن رسول الله وعن علي مباشرة وكان معه أبو ذر الغفاري...
جلال الدين الرومي؛ لحظةٌ حملت من جمالية الشعر وسحر المعاني ما يتجاوز عائق اللغة
  وظهر  بعد ذلك  جلال الدين الرومي  ونظامي الكنجوي  والفردوسي  وغيرهم .. وعلى أيديهم  بلغ التصوف والعرفان القمة  وتركوا من الآثار ما سنكتب عنها فيما بعد ونكتفي هنا بالإشارة إلى هؤلاء الثلاثة إشارات عابرة  لأن التصوف  بحد ذاته شغل العالم  كل العالم ومن فيه من العلماء والنقاد والمتابعين ،  لأن التيار قد استقر أخيرا على أنه من العلوم الربانية والإنسانية والأخلاقية ، وله  ظواهره وإشراقاته لدى جميع أهل الفكر  والرأي  لدى مختلف الشعوب  شرقية كانت أم غربية،  ابتداء من الهند فإيران  والصين  فاليونان وبغداد وروما ، وقد ارتبط بشفافية مريديه وأعلامه ، بقدر حساسيتهم وإدراكهم  وتفاعلهم  لمسارات الفكر  وتوغلهم في العمق  دون السطح  وهؤلا فيما تركوه من آثار خالدة هم المتصوفة  في مجملهم  وقد عبروا عن ذلك أحسن تعبير وفي ثنايا  تعبيراتهم  دعوا إلى التحلي بالقيم الإنسانية.
 
الدكتورة شيرين عبد النعيم محمد حسنين , أستاذ اللغة الفارسية وآدابها

بعد ذلك كلمة للدكتورة شيرين عبد النعيم محمد حسنين, أستاذ اللغة الفارسية وآدابها, وكيل كلية الدراسات العليا والبحوث الأسبق في  كلية الآداب جامعة عين شمس  بمصر

ـ الاستلهام القرآني في مثنوي مولوي" كان عنوانها

ومما جاء فيها:

عندما نتحدث عن جلال الدين محمد البلخي المعروف بالرومي (ت. 673 هـ) و محيي الدين أبو بكر محمد الأندلسي المعروف بابن عربي ( ت 638 هـ) فإننا نتحدث عن قطبين من أقطاب التصوف و العرفان الإسلامي، شغلا أهل التصوف و العرفان و الباحثين في هذا المجال منذ القرن السابع الهجري حتى يومنا هذا. و قد سعت كثير من الدراسات إلى إثبات تأثر جلال الدين الرومي بابن عربي انطلاقاً من حقائق تاريخيةٍ عدّة مذكورةٍ في كتب موثوقة، ففي أكثر من كتاب، مثل: (مناقب العارفين) للأفلاكي (ت. 761 هـ) و شرح كمال الدين خوارزمي (ت. 840 هـ) على (مثنوى معنوى) الموسوم بـ (جواهر الأسرار) و غيرهما ذُكر اللقاء الذي حصل بينهما في دمشق، فقد سافر الرومي مع أبيه بهاء ولد المعروف بسلطان العلماء إلى حلب سنة 630 هـ، و انتقلا بعدها إلى دمشق و أقاما فيها بين أربع سنوات إلى سبع سنوات على اختلاف الروايات، و قد كان ابن عربي في تلك الفترة مقيماً في دمشق من سنة 620 هـ إلى سنة 638 هـ (تاريخ وفاته) حيث كان منشغلاً بالرياضة و التأليف. و في ذاك اللقاء قال ابن عربي عبارته الشهيرة: " سبحان الله! محيط يمشي خلف بحيرة".
جلال الدين الرومي؛ لحظةٌ حملت من جمالية الشعر وسحر المعاني ما يتجاوز عائق اللغة
كما أن مثنوي معنوي الذي هو نتاجٌ أدبي، و فكري، و أخلاقي، و كلامي، و عرفاني يضمّ في طياته كثيراً من الآراء و المسائل التي تكلم عليها ابن عربي و تناولها بالبحث و التفسير.
 
واكدت الدكتورة شيرين عبد النعيم محمد حسنين : صحيحٌ أن جلال الدين الرومي قد تطرق في مؤلفاته  إلى مسائل وحدة الوجود، و الإنسان الكامل و وحدة الأديان و غيرها مما جاء في مؤلفات ابن عربي، لكن الأخير لم يكن أول من ذكرها و خاض فيها فهي موجودة في مؤلفات الأولين، كما وردت على شكل إشارات و إيماءات في مؤلفات مَن سبقه من أهل التصوف الإسلامي، مثل: العطار، و سنائى و جنيد و غيرهم.
 

الشاعر  والاديب محمد صالح صرخوه  من الكويت والعضو في ورشة السهروردي الفلسفية

اما  الشاعر  والاديب محمد صالح صرخوه  من الكويت والعضو في ورشة السهروردي الفلسفية  فتكلم على انقداح اللغة الصوفية ووما جاء في كلمته: "إن كون الإنسان كائناً اجتماعياً يعيش في الجماعة بكافة مستوياتها ، ابتداءً من الأسري الصغير وصولاً إلى العائلي و انتهاءً بالحزبي أو الديني المذهبي مثلاً ، يتطلب منهاجاً خاصاً يلعب دور الأب المهذب لأبنائه ، و هذا بدوره يتطلب توجهاً خاصاً تقوده القيادات المجتمعية بمختلف مواقعها كل حسب دائرته ، فهناك القيادة السياسة المتمثلة بالأنظمة الحاكمة ، و هي بما تملك من قدرات و إمكانيات مادية تتحمل الدور الأُثقل في هذه التربية ، و هناك أيضاً الزعامات الفكرية ، دينية كانت أو لا دينية ، و هناك رأس الهرم في الأسرة ، أي الأب .. رب الأسرة ، بيد أن المشهد الواقعي يضع هذا الاهتمام التربوي الجمعي في سفح هرم أولويات الأنظمة الحاكمة ، إذ لا شغل يشغلها إلا ابتكار شتى أطباق الوهم المزيّنة على مائدة الحياة اليومية ، و ذلك كله في سبيل الهاء الفرد و بقية أٌقرانه في المجتمع نفسه ، و تشتيت بوصلة الفكر ليبقى دائماً منتصباً أمام احتياجات الجسد ، و طالما امتلكت الدولة مفاتيح الجسد و حاجاته يبقى الفرد خاضعاً ، و يسلم المجتمع عنقه أملاً بلعقة ! إذ ذاك يتحول الاهتمام البشري كله إلى الخارج و ما فيه من ملذات مأمولة ، و ذلك يُصنع صنعاً في مختبرات المتآمرين ! يشرف عليها خبراء سياسيون و اقتصاديون و علماء نفس ، يستثمرون كل ما توصل إليه العقل البشري من فتوحات علمية على صعيد المادة ، و على صعيد السلوك البشري ، لإنجاح تلك المؤامرة الكبرى على العقل !
جلال الدين الرومي؛ لحظةٌ حملت من جمالية الشعر وسحر المعاني ما يتجاوز عائق اللغة
وتابع الشاعر  والاديب محمد صالح صرخوه إن ذاك السفر ، الرحيل إلى الغيب الذي حدث مع جلال الدين الرومي مثلا في خلوته ، يشبه إلى حد كبير تلك الأفكار التي تتحدث عن سماع صوت اللوغوس، و تلك التي تظهر في كافة أدبيات العرفان منذ كتابة ملحمة جلجاميش على تلك الألواح العتيقة مرورا بألف ليلة و ليلة و قصص السندباد و حاسب كريم الدين ، و صولاً إلى حي بن يقظان ، و الغربة الغربية للسهروردي ، و كلها تنهج نفس النهج المتمثل بضرورة الغياب ، و العودة من العالم الآخر بمفاتيح جديدة للأسئلة القديمة ، و أسئلة جديدة لا مفاتيح لها ! و هنا تكمن بوابة الأسطورة.
 
وفي تلك الزاوية يجد الانسان وصلة بأكثر الأشياء تأثيرا به ، و أعمق نقطة في نفسه ، فهي حالة خارج الزمان و المكان ، حاضرة دوما على هيئة اللحظة الراهنة ، كملاذ يدخله الانسان في لحظة شتاته الذهني إثر حوادث الواقع المرير ، يتصل منها بحقيقته العميقة خارج إطار التاريخانية المادية ، فشخصية كالإمام علي مثلا ، هي للعامة الواقعيين (و الفقهاء منهم) شخصية عاشت و ماتت قبل قرابة ألف و أربعمئة عام ، بيد أنها لأولئك الباحثين عن حالة كاسرة للزمن في زاوية الأسطورة حاضرة دوما ، فقد ظهر الامام علي في خلوة حافظ الشيرازي مهديا إياه كأسا مليئة بالماء . كما نجد الكثير من هذه الأحداث المشابهة في آثار المتصوفة باعتبار التصوف إحدى تشكلات الأسطورة في اللاوعي البشري ، فأفلوطين السكندري يخلع نفسه عن بدنه كخلع المرء لقميصه مرتفعا لعالم الغيب متصلا بالواحد ، و فريد الدين العطار يكتب رائعته عن جبل قاف و جلال الدين الرومي يخلع جبّة الفقيه الخطيب متحولا إلى جوّال في بلاد الله الواسعة باحثا عن شمس تبريز ، مظهرا معاجزه اللغوية بعد سنّ الخمسين!
 
الدكتورة ميرفت سلمان ,مدرّسة اللغة الفارسية في جامعتي تشرين اللاذقية والبعث - حمص
 
بعد ذلك تكلمت الدكتورة ميرفت سلمان , مدرّسة اللغة الفارسية في جامعتي تشرين اللاذقية والبعث - حمص والمركز الثقافي الإيراني في اللاذقية بسوريا  وكان عنوان بحثها العرفان النظري والعملي (السير والسلوك) بين ابن عربي وجلال الدين الرومي>

ومما جاء في كلمتها:

عندما نتحدث عن جلال الدين محمد البلخي المعروف بالرومي (ت. 673 هـ) و محيي الدين أبو بكر محمد الأندلسي المعروف بابن عربي ( ت 638 هـ) فإننا نتحدث عن قطبين من أقطاب التصوف و العرفان الإسلامي، شغلا أهل التصوف و العرفان و الباحثين في هذا المجال منذ القرن السابع الهجري حتى يومنا هذا. و قد سعت كثير من الدراسات إلى إثبات تأثر جلال الدين الرومي بابن عربي انطلاقاً من حقائق تاريخيةٍ عدّة مذكورةٍ في كتب موثوقة، ففي أكثر من كتاب، مثل: (مناقب العارفين) للأفلاكي (ت. 761 هـ) و شرح كمال الدين خوارزمي (ت. 840 هـ) على (مثنوى معنوى) الموسوم بـ (جواهر الأسرار) و غيرهما ذُكر اللقاء الذي حصل بينهما في دمشق، فقد سافر الرومي مع أبيه بهاء ولد المعروف بسلطان العلماء إلى حلب سنة 630 هـ، و انتقلا بعدها إلى دمشق و أقاما فيها بين أربع سنوات إلى سبع سنوات على اختلاف الروايات، و قد كان ابن عربي في تلك الفترة مقيماً في دمشق من سنة 620 هـ إلى سنة 638 هـ (تاريخ وفاته) حيث كان منشغلاً بالرياضة و التأليف. و في ذاك اللقاء قال ابن عربي عبارته الشهيرة: " سبحان الله! محيط يمشي خلف بحيرة".
جلال الدين الرومي؛ لحظةٌ حملت من جمالية الشعر وسحر المعاني ما يتجاوز عائق اللغة
 و لا ننسى هنا أن صدر الدين قونوي تلميذ ابن عربي و ناشر أفكاره و طريقته في العرفان و شارح مؤلفاته كان معاصراً لجلال الدين الرومي في قونية و كان لديه فيها مدرسةٌ و صومعةٌ، و تذكر المؤلفات لقاءاتٍ عدة حدثت بينهما

لكن هذا كله لا يعني أن جلال الدين الرومي قد تأثر بابن عربي و طريقته العرفانية تأثراً كاملاً، فهو لم يكن منه بمنزلة التلميذ من الأستاذ أو المريد (السالك) من الشيخ المرشد.

و لا بد هنا من التأكيد على اختلاف المشارب بين جلال الدين الرومي و ابن عربي، فالرومي من أهل خراسان و متأثر بطريقتهم بما فيها من وجدٍ و سماعٍ و كشفٍ وشهود.
إضافة إلى ذلك فإن اللقاء الذي هو لحظة التحول التاريخي في حياة كلٍّ من ابن عربي و جلال الدين الرومي  اضافت الدكتورة ميرفت سلمان يحمل في طياته إشاراتٍ واضحةً إلى الاختلاف في الطريقة، فالقصة الشهيرة للقاء ابن عربي بصديق والده قاضي قرطبة (أبو الوليد ابن رشد) و الحوار الذي دار بينهما، و تلك الأخرى التي تتحدث عن لقاء الرومي الفقيه (آنذاك) بشمس التبريزي في قونية تسلطان الضوء على حقيقةٍ لا يمكن تجاهلها فابن رشد أستاذ ابن عربي و شيخُه كان فيلسوفاً و من أهل البرهان و الاستدلال، بينما كان شمس عارفاً من أهل الكشف و الشهود.

الدكتور مصطفى محسن اللواتي  الشاعر والكاتب والصحافي من  عمان
 
الدكتور مصطفى محسن اللواتي  الشاعر والكاتب والصحافي من  عمان حاضر عن  فقال :(جلال الدين الرومي الجسر الثقافي بين الأمم):

الحديث عن الرومي ليس حديثا عن شاعر او اديب، وإن كان الرومي شاعرا وأديبا، ولا هو حديث عن حكيم وإن جرت على لسانه الكثير من الحكم، ولا هو حديث عن متصوف وعارف وإن كانت شخصيته كلها اصطبغت بالتصوف والعرفان.
    
وظلت أفكاره العرفانية والعقلية محط اهتمام الناس وأيضا محط تجاذب بينهم، مما جعلها تنتشر بشكل سريع وعميق.
جلال الدين الرومي؛ لحظةٌ حملت من جمالية الشعر وسحر المعاني ما يتجاوز عائق اللغة
وكان الرقص الدائري سبيلا للرومي للتجرد من الدنيا والمادة، وكانت تلك الرقصة سببا لخلوده من خلال طقس إبتدعه لنفسه ليصبح طريقة لسيل من البشر يريدون من خلاله الوصول للكمال، حينما حول ولده "رقص" والده إلى "طريقة" لا تزال تعرف بـ "المولوية".

 أيضا الأدب لغة عالمية، تجمع حولها المثقف والمتذوق والصوفي والإنسان العادي، وقد برز الرومي في هذا المجال بقوة.

وففي الشعر تجانس شعره مع موسيقاه ورقصه فأنتج مزيجا صوفيا فنيا جميلا، وقد كتب أكثر من 70 ألف بيت شعر باللغة الفارسية ترجمت إلى العديد من اللغات، وله بحدود ألف بيت باللغة العربية، فضلا عن الشعر "الملمع" المتناثر كثيرا في أشعاره، وأشهر دواوينه "الرباعيات" وديوان "شمس الدين التبريزي" الذي يعرف أيضا ب"الديوان الكبير" و"مثنوية المعاني" الذي يعتبره بعض الكتاب أنه من أهم دواوين الشعر الصوفي، وقد احتوى شعره الفارسي على كثير من إستلهامات القرآن الكريم والأحاديث الشريفة وأمثال العرب وحكمهم.
جلال الدين الرومي؛ لحظةٌ حملت من جمالية الشعر وسحر المعاني ما يتجاوز عائق اللغة
وفي النثر لعل أشهر كتبه التي انتشرت في أصقاع الأرض هو كتاب "المثنوي" والذي احتوى على مباديء الرومي وتعاليمه وأفكاره من خلال قصصه اليومية وتجاربه المستمرة وإستلهاماته القرآنية.

بعد ذلك كانت مداخلة للاستاذة أمل ناصر وهذا نصها:

يُلقي التَّلاقحُ الحَضاريُّ، والتَّمازجُ الثَّقافيُّ بظلالِه وآثاره على المستوياتِ الفكريَّة والمعرفيَّة للأفراد، وبالتَّالي ينعكس على بلورةِ أيديولوجيَّةٍ ذات جزئيَّاتٍ خصبةٍ لها قدرةٌ متوثِّبةٌ على طيِّ التَّباعد المكانيِّ وكسرِ الجدارِ الزَّمنيِّ، فتُحدث مثقافةُ الفكرة الَّتي تحوي مضَامينَ روحيَّةً، تُحدث مشهداً رؤيويّاً مختلفاً من منظارٍ فردِيٍّ واجتماعيٍّ في إطار دينيٍّ ودنيويٍّ أوسع، وانطلاقاً من هذه الرُّؤية تُخلقُ أزمنةٌ متعدِّدةٌ، أحدُ هذة الأزمنةُ هو الزَّمن الأدبيِّ، الَّذي يتضمَّن قدرةً احتوائيَّةً تستوعبُ تَشكُّلَ العصرِ المرتبطِ به، ولا يقفُ عند هذا الحدِّ إنَّما يلعبُ دوره في طريقةِ إظهار خصائصَ تلك الحقبة الزَّمنيَّة، لتحجزَ لنفسها مكاناً في المحصاصة التَّاريخيَّة، وكذلك تصنع المثاقفة الحضارية تاريخاً في امتدادِ الحرف وتوسُّع اللُّغة، المثاقفةُ نفسُها الَّتي عالقت الحضارتين الفرعونيَّةِ والرُّومانيَّة، وأحدثتْ نقطةَ تحوُّلٍ زمنيٍّ في تشظٍّ معرفيٍّ أعمق وأوسع، فماذا إذن عن المثاقفة الحضاريَّة تحت عنوان الصُّوفيَّة بين الأدبين العربيِّ والفارسيِّ، إنَّها تضفي انصهاراً متيناً يحوِّل الأدب المرتبطَ بها إلى ثباتٍ ممتدٍّ نحو ما يشبهُ اللَّانهاية، ويتمخَّضُ عنه رؤيةٌ اجتماعيَّةٌ متفرِّعةٌ من رؤية دينيَّةٍ قائمةٍ على مبدأ الاتِّصال الحقيقيِّ بالله، وعلاقة التَّجذُّر المعرفيِّ والغوصِ في تجلِّي الحقائقَ والعرفان المطلق، ليحدثَ التَّكاملُ على مستوى حياة الأفراد والمجتمعات في نضال الرُّوح النَّقيِّ لتذوُّقِ الجمال الحقيقيِّ في وجه كلِّ التَّشوُّهات الَّتي طالته وطالت كلَّ المجالات الثَّقافيَّة والاجتماعيَّة، ليحوِّلَ العشقَ الصوفيَّ تلك المداركَ الجماليَّة إلى لغةٍ شعريَّةٍ تلامس الحِسَّ الفطريَّ عند البشريَّة، ولتثبِّت تلك الاستضاءات النُّورانيَّة في نفس كلِّ متلقٍ حيث صحوة العرفان، لتسقطَ عنده الحدودُ المَاديَّة في حضرة الله.
جلال الدين الرومي؛ لحظةٌ حملت من جمالية الشعر وسحر المعاني ما يتجاوز عائق اللغة
كان للطَّواف العرفانيِّ عند مولانا الرُّوميِّ تأثير بالغ  في ملاقحة الأدب العربي، ليس فقط في صوره العشقيَّة وإنَّما في طريقة تناوله لهذا العشق، حتَّى أصبح اسمه يمازج الشِّعر العربيَّ الحديث في عنوان الرَّمز والأسطورة، ليطبِّع الحداثة بمضامينَ أخَّاذة تشرق دلالتها مع كلِّ قارئ جديد، وتخلق شذراتِ شعرهِ تناصاً في الأسلوب، فيتكوَّن على صعيد المضمون محاكاة ليست تقليداً، بل إعادة تدوير لمفاهيمَ حياتيَّة تعزِّز القيمة الفكريَّة بيعداً عن نظام التَّفاهةِ السَّائد، لتعيد إقامة وزنٍ للمعايير الحَقَّة الَّتي يساهم الأدب في أحيائها بشكل مباشر وأساسٍ.

وايضا مداخلة للاستاذة فاطمة فنيش وهذا نصها:

 لن اتطرّق الى الحديث كثيرا عن المثنوي وعن جلال الدين الرومي لانه من سبقني اعرفُ مني في هذا الامر ، ولكن بما اننا نتكلم عن العرفان وعن اللغة الفارسية وت‍زاوجها ايضا مع اللغة العربية ، يُلفتني هنا البعد الصوفي العرفاني في اصل اللغة الفارسية ، على الرغم من انني لست من متقنيها لكنني ادّعي من مستشعريها ، تلفتني هذه الفطرية العرفانية في اللغة الفارسية  وهو ما لا اجده في اللغة العربية ، وبما انني مترجمة مايؤلمني حقا انني وحتى اليوم ، على الرغم من قراأتي الكثيرة لبعض الترجمات لكتب تاريخية مترجمة الى اللغة العربية ، اقول حتى اليوم هناك القلّة القليلة القليلة الذين يستطيعون نقل بعض من روح الفارسية الى اللغة العربية ، اتمنى من جهود المترجمين ان يتمكنوا من نقل هذه الروح رويدا رويدا ، اسمحوا لي ان استعير عبارة من كلام الرومي وهو: ان اللفظ كالاناء والمعنى فيه كالماء ، مايجعل فيه من الماء صافيا هو المعنى العرفاني الصوفي ، ويجعله اكثر صفاء من المعنى العادي واكثر رقّة  هنا رقّة المعنى.
جلال الدين الرومي؛ لحظةٌ حملت من جمالية الشعر وسحر المعاني ما يتجاوز عائق اللغة
 
كذلك كانت الكاتبة والمترجمة مريم ميرزادة قد قدمت للندوة بمداخلة وهذا نصها:
 
 في يومِ مولانا، لا بدّ من هدمِ الأبنية المصطنعة، حتى تتوحّدَ خيوطُ الشمس في شعاعٍ واحد، كما عبّر هو في المثنوي، ولا بدّ من ملامسةِ الجمالِ الذي في دواخلِنا.. من خلال تذوّق جمالية الشعرِ وسحرِ المعاني، بعد تجاوز عائق اللغة، فما بين العربية والفارسية، تاريخٌ عريقٌ من الجذبِ والانجذاب لا ينتهي ولا يتوقف عن إضفاء المعنى على حياة الإنسان والارتواء على عقله. ولم يُقبلِ العالَمُ العربيُّ والغربي على جلال الدين الرومي بهذا النهَمِ إلا بعد ترجمة قصصه المثنوية ونقلِ أفكارهِ ورواية تأُثيرِ شمسٍ على مسيرتِه، على يدِ مترجمين تارةً أو من خلال توظيفه في الرواية العالمية، حيث إنّ الإقبالَ على قراءةِ المثنوي وفيه ما فيه بدأ بعد التفاتةِ الروائيين والأدباء إلى جمالِ العرفان المولوي وعمق الصور والإشباع الروحي الذي يتحصّلُ من فهمِها. وذلك ما حصلَ مع ابنِ عربي الذي احتلّت أفكارُه حيّزاً مهماً في مدرسة النور والعرفان الفارسية، فكان كبارُ المتصوّفة تحت تأثيره ومازالوا، حتى أنه يظهرُ بين سطورِ شمس التبريزي في محادثاتِه عن جلال الدين، والتي نقلها إلى العالم بشكلٍ واسع المترجم والباحث وليم شيتيك الذي قالت عنه المستشرقة آنا ماري شمل إنه نقلَ ببراعةٍ معلّمَ الرومي شمس، من الظلّ إلى النور...
جلال الدين الرومي؛ لحظةٌ حملت من جمالية الشعر وسحر المعاني ما يتجاوز عائق اللغة
captcha