ایکنا

IQNA

أهل اليمن وفتوحات الإسلام

16:08 - January 31, 2024
رمز الخبر: 3494434
قد ذهب كثير من علماء الإمامية، ومنهم العلامة الطباطبائي إلى القول بأنها نزلت قبل فتح مكة، وجاء هذا الفتح ليعبر عن دخول الناس في الإسلام أفواجاً.

يسأل بعض الإخوة الأعزاء عن حقيقة ما تستبطنه سورة النصر من دلالات، وجاء السؤال على الشكل الآتي: لماذا يختلف الموقف التفسيري بشأن سورة النصر؟وهل لهذه السورة من علاقة بأهل اليمن؟وكيف لنا أن نهتدي إلى حقيقة ما تنطوي عليه هذه السورة من دلالات بحكم كونها تتحدث عن المستقبل في حياة رسول الله(ص)؟وما هي خلاصة موقفكم التفسيري في ضوء ما عهدناه منكم من تخصص في علوم القرآن الكريم؟


إن الإجابة المختصرة على سؤال الإخوة الأعزاء يمكن التأسيس لها من خلال ما استقر عليه الموقف التفسيري لسورة النصر، ولسنا نحتاج إلى المطولات في عرض المواقف لعلماء التفسير طالما هم يرون جميعًا أن السورة تتحدث عن مستقبل الإسلام؛ ولكنهم يختلفون في سبب وزمان نزول السورة المباركة،فمنهم من يرى أنها نزلت قبل سورة الفتح، وقبل فتح مكة، ومنهم من قال بأنها نزلت بمنى في حجة الوداع،وسميت بسورة التوديع، وهي آخر ما نزل من السور بعد سورة التوبة.فالإشكالية التفسيرية تكمن هنا، وقد ذهب كثير من علماء الإمامية، ومنهم العلامةالطباطبائي إلى القول بأنها نزلت قبل فتح مكة، وجاء هذا الفتح ليعبر عن دخول الناس في الإسلام أفواجاً.

كما روي عن علماء آخرين من مدارس إسلامية وحديثية مختلفة قولهم إن السورة تتحدث عن أهل اليمن حينما وفدوا على رسول الله(ص) في المدينة، فقال كما روي عن ابن عباس:"جاء نصر الله والفتح، جاء أهل اليمن رقيقة قلوبهم، راسخ إيمانهم، الإيمان يمان، والفقه يمان، والحكمة يمانية…"، ويكفي أن نشير هنا إلى ما جاء في جوامع الجامع،"أن  جابر بن عبد الله بكى ذات يوم، فقيل له في ذلك، فقال"سمعت رسول الله(ص) يقول: دخل الناس في دين الله أفواجاً…أراد بالناس أهل اليمن، وروى عنه الحديث الآنف، وقال(ص):"أجد نفسَ ربكم من قبل اليمن…".
 
وبما أنكم أيها الإخوة ترومون خلاصة الموقف، وجدوى المناقشة، فنقول: إن نزول السورة يفيد حتماً المستقبل لدلالة "إذا" على ذلك، إذ هي ظرف لما يستقبل من الزمان، وقوله تعالى: "ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً.."،تفيد أن الرسول(ص) سيرى في مستقبل الأيام الدخول في الدين، وهذه الرؤية البصرية تنفي أن يكون المراد بالنصر والفتح جنسه،وإنما هو نصر قادم، وسيراه الرسول(ص) في حياته، ويكون سبباً للتسبيح والتحميد الخاصين، وكذلك الاستغفار لدلالة جواب الشرط على ذلك.
 
أما ما ذهب إليه بعض العلماء لجهة أن الفتح هو فتح مكة، وهو ما سيراه الرسول(ص)، فيمكن للباحث القرآني مناقشة هذا الموقف ومخالفته، وذلك إنما يكون له من واقع أن الناس لم يدخلوا أثناء فتح مكة في الدين أفواجاً لقوله (ص): "اذهبوا فأنتم الطلقاء"،وما جرى في يوم حنين يؤكد ذلك، فلاتكون الرؤية متحققة، ولاكانت كثرتهم مفيدة، لقوله تعالى:"ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم…".
 
كما يمكن لنا المناقشة أيضاً في ما ذكره أهل السيَر عن عام الوفود في السنة التاسعة للهجرة،حيث لم تبق قبيلة إلا  وأرسلت وفدها للدخول في الإسلام، ويكفينا في هذا السياق أن نشير إلى ما أجمع عليه العلماء من أن الرسول(ص) طلب إلى الإمام علي(ع) أن يوافيه من اليمن إلى مكة في حجة الوداع، وكان اللقاء في مكة بالآلاف المؤلفة من أهل اليمن  جاؤوا مع الإمام علي(ع)، وقد سبق ذلك سلام الرسول(ص) في المدينة في السنة العاشرة من الهجرة على قبائل همدان حين سمع  بسرعة دخولهم في الإسلام أفواجاً.
 
فأهل اليمن هم المخصوصون بهذه السورة المباركة، لأن الإسلام لم يعرف الفوجية (أفواجاً) إلا معهم وبهم،ولهذا قال(ص): "أجد نفس وروح ربكم من أهل اليمن". وها هم اليوم يعودون أفواجاً،وقد سبق لعلي بن أبي طالب(ع) أن سلم على أهل همدان، واعداً إياهم بجنان الرحمان، قائلاً:"لو كنت بواباً على باب  جنةِ ..لقلت لهمدان ادخلوا بسلام..".إن السورة المباركة تتحدث عن نصر وفتح خاصين للرسول(ص) في المستقبل،نصر وفتح يمتدان في الأمة إلى يوم القيامة،وهذا ما رأه الرسول(ص) في حياته،وكان سبباً لهذا التسبيح والتحميد الخاصين.
 
هذه هي خلاصة موقفنا في معالجة هذه الإشكالية التفسيرية، التي أكدنا فيها على ما تعنيه السورة  في دلالاتها من خصوصية لأهل اليمن في مستقبل الأمة الإسلامية،ويكفى أهل اليمن فخراً أنهم لم يكونوا في تاريخهم إلا عزاً للإسلام والمسلمين، ولتكن أمة العرب والمسلمين حذرةً من أن تخطئ في التفسير والتقدير مجدداً بحيث لا ترى لهذه الأمة اليمنية دورها وعزها في مستقبل الإسلام،وخصوصاً أن الروايات الإسلامية لاتحصى بخصوص ما جاء عن اليماني ودوره.! فرايته أهدى الرايات، وغداً يبدأ مسيره لتكون الأحداث كلها رهن وجوده وحضوره في ميادين العزة والكرامة، وما البحر الأحمر من أمتنا ببعيد!
 
بقلم الأكاديمي والباحث اللبناني في الشؤون القرآنية "د . فرح موسى"

تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي:
captcha