ایکنا

IQNA

في ذكرى يوم الأرض: لا بديل عن المقاومة الشاملة

10:44 - March 30, 2021
رمز الخبر: 3480617
القدس المحتلة ـ إکنا: يشكل يوم الأرض يوماً نضالياً وطنياً شاملاً لأنه يعبّر عن جوهر الصراع الذي يخوضه الشعب الفلسطيني والأمة ضد الكيان الصهيوني والدول الامبريالية والاستعمارية الداعمة له.

وتطل ذكرى يوم الأرض الخالد في 30 آذار/ مارس هذا العام في ظل تسارع نهب الأرض في الضفة الغربية وتصاعد عملية التهويد وزيادة عدد المستوطنين وتوحشهم. كيف واجه الفلسطينيون خطة تهويد الجليل قبل 45 عاماً، وما هي الدروس التي يمكن الاستفادة منها لمواجهة خطط العدو التهويدية على أرض فلسطين، لا سيما في الضفة الغربية؟

يشكل يوم الأرض يوماً نضالياً وطنياً شاملاً لأنه يعبّر عن جوهر الصراع الذي يخوضه الشعب الفلسطيني والأمة ضد الكيان الصهيوني والدول الامبريالية والاستعمارية الداعمة له، كونه ينطلق من الأرض التي سرقها العدو لإقامة كيانه الاستيطاني، ومن الأرض التي هجّر أهلها لإحلال مستوطنين يهود مكانهم، ومن الأرض التي تمثل هوية وتاريخ وجغرافيا الشعب الفلسطيني.

ويعبّر يوم الأرض عن الهوية الفلسطينية الراسخة الممتدة عبر العصور، كما يعبّر عن النضال من أجل الأرض، للبقاء عليها كشعب، ورفض الظلم المتمثل بإقامة كيان استيطاني غربي وغريب عن الأمة.

ويعبّر كذلك عن الأمل بإمكانية الانتصار واستعادة الأرض إذا توفرت الرؤية الواضحة والعزيمة، مهما كانت قوة المستعمِر ومهما كان عدد الدول العربية والإسلامية المعترفة به والداعمة لسياسته الإجرامية.

وما هي الدروس التي يمكن استخلاصها من حدث يوم الأرض، حيث تصدى فلسطينيو 48 لمصادرة 21 ألف دونم من أراضي الجليل ومنعوا إحاطة بلداتهم بالمستوطنات اليهودية وتقليص الحيّز الفلسطيني، كما يحصل اليوم في الضفة الغربية المحتلة؟

وأثبت يوم الأرض أن المشروع الصهيوني واحد، من الخليل الى الجليل، كما أشار اليه قبل عقود وزير الحرب موشي ديان. يسعى هذا المشروع الى اقتلاع الشعب الفلسطيني من أرضه، بطرق مختلفة، تبدأ بالمجازر ولا تنتهي بهدم المنازل، مروراً بنهب الأرض ومحاصرة الحيّز الفلسطيني الى أبعد الحدود، لجعل الفلسطيني يهاجر طوعاً.

ويعتبر الصهيوني أن أرض فلسطين ملكه، إن كانت بملكية خاصة أو أراضي عامة، ومن "حقه" الديني والدنيوي "تخليصها" من العرب الفلسطينيين. يحاول الاحتلال بث الخلافات والفتنة بين الفلسطينيين، انطلاقاً من مفهومه العنصري للشعب الفلسطيني والشعوب العربية بشكل عام. بالنسبة له، لا وجود لشعب فلسطيني، بل مجموعات عربية تسكن في البلاد، يمكن إزاحتها وتهجيرها عند الحاجة، ويمكن التلاعب بها من خلال التلويح ببعض المصالح والمكاسب الفئوية أو الشخصية. حاول منع الإضراب يوم 30 آذار 1976 بالمناورة والتهديد وشق صفوف المجالس المحلية وزرع الشك بينها، والتقرب من بعضها بالوعود الكاذبة.

واليوم، يؤدي الاحتلال الدور نفسه في الضفة الغربية، بما فيها القدس المحتلتين. يتهم المقاومين والمنتمين الى الفصائل المقاتلة بـ"الإرهاب" ويريد عزلهم عن مجتمعهم، مدعوما بالدول الغربية التي فرضت المعايير الصهيونية كشرط "للدعم" الذي تؤمنه لبعض الجمعيات.

ويستخدم العدو الصهيوني القوة، بكل أشكالها، ضد كل من يتجرأ على الوقوف بوجه مشاريعه. في يوم الأرض، أدخل دباباته وجيشه وحرس حدوده وشرطته الى البلدات الفلسطينية، ولاحق الأطفال في بيوتهم وضرب وقتل الشباب والنساء والشيوخ، واعتقل المئات من الفلسطينيين لأنهم طالبوا بحقهم بأرضهم وبالحياة الكريمة في وطنهم. تجندّ الإعلام الصهيوني وكافة المؤسسات ضد الفلسطينيين المنتفضين ونسجوا أساطير وأكاذيب حول أهداف الإضراب في يوم الأرض، وكأنها مؤامرة دولية استهدفت الكيان "المظلوم". واليوم، يتباكى العدو الذي يقتل ويجرح ويعتقل الفلسطينيين بالمئات كل شهر، ويهدم بيوتهم ومزارعهم ومنشآتهم، بأن "معاداة السامية" تستهدفه وتريد نزع الشرعية عنه.

وكان إضراب يوم الأرض، قبل 45 عاما، نتاجا لتعبئة شعبية استمرت، على الأقل، على مدى شهور، منذ يوم إعلان الاحتلال عن نيّته مصادرة الأراضي في الجليل ورفض الطلب الفلسطيني بإعادة "المنطقة 9" الى البلدات الفلسطينية، وهي منطقة تتوسط هذه البلدات كان العدو قد أعلنها "منطقة مغلقة" بذرائع أمنية. تشكلت اللجان المحلية ووزّعت البيانات الداعية الى الإضراب العام، وعقدت المهرجانات والاجتماعات لتوعية الجماهير حول خطورة مشروع الصهاينة، وتصدّت للمحاولات الترهيبية للاحتلال وأعوانه. ولولا تعبئة الجماهير واستعدادها لخوض المعركة لما حصل يوم الأرض، بسبب تراجع وتردّد بعض القيادات السياسية، حتى قبل أيام من 30 آذار، مع تصاعد التهديدات الصهيونية بحقها. فالجماهير الشعبية هي التي تحمل مشروع التصدي والتحرير، وتحميه من تقاعس الزعامات والسياسيين، وهي مستعدة للذهاب حتى النهاية والتضحية، كونها تدرك أهمية الأرض لمستقبل الشعب الفلسطيني وأنها خط الدفاع الأول عن الأمة.

وتواصلت الجماهير الفلسطينية بين كافة البلدات والقرى والمدن، من خلال المجالس المحلية و"لجنة مبادرة للدفاع عن الأراضي" التي انبثق عنها "اللجنة القطرية للدفاع عن الاراضي"، التي ضمت 21 عضوا من كل التيارات السياسية والفكرية ومن كل المناطق، والتي شكّلت اللجان المحلية. تجاوزت الجماهير الفلسطينية ولجانها التجزئة الجغرافية التي أحدثها الكيان الصهيوني بعد العام 1948 في مناطقها بإقامة المستوطنات اليهودية في وسطها، وشق الطرقات لربط المستوطنات ببعضها، تماما كما يفعل اليوم في الضفة الغربية. لم تناضل كل بلدة أو قرية على حدا، كما هو الآن في الضفة الغربية حيث تواجه المستوطنين وجيش العدو، بل ناضلت سويا من أجل كل الأراضي المنهوبة والمصادرة، إن كانت في الجليل أو النقب أو كفر قاسم وغيرها، ذلك لأن قرار المصادرة كان مركزيا. ولكن، خلافا لما يحصل اليوم في الضفة الغربية، لم يواجه فلسطينيو 1948 المستوطنين، الذين لم يخرجوا من أوكارهم ولم يعتدوا جماعيا وعلنا عليهم، قبل انتفاضة الأقصى في العام 2000.

كانت المعركة شاملة للدفاع عما تبقى من الأراضي الفلسطينية، قادتها لجنة مركزية فلسطينية مؤلفة من عدة لجان وتجمعات (طلاب، نقابات، أحزاب وشخصيات، مجالس محلية)، توحّدت من أجل إطلاق يوم الإضراب العام والمظاهرة المركزية أمام مقر الكنيست الصهيوني.

بعد نكبة 1948، والصدمة التي أحدثتها لدى من بقي على أرضه، وكان قد تحوّل من شعب بكل فئاته الى أقلية مبعثرة بلا قيادة، تحكمها مجموعة من المستوطنين المسلحين بالكراهية والاستعلاء العنصري، تبلور الوعي الوطني والقومي تدريجيا مع تأسيس الأحزاب والجمعيات والنقابات المهنية واللجان الطلابية. ونشأ جيل جديد لم يشهد النكبة، ففكّ عزلته بعد احتلال العدو للأراضي الفلسطينية المتبقية ولأراض عربية عام 1967، وتخلّص من وهم "الجيش الأسطوري" (الصهيوني) بعد حرب 1973. فدافع عن نفسه وعن أرضه بالحجارة والزجاجات الحارقة وبمحاصرة جنود العدو في البيوت أحيانا (سخنين ودير حنا)، واحتجاز مصفحة "إسرائيلية" (عرابة).

رغم الوعي الجماعي لخطورة الوضع في الضفة الغربية بعد تغلغل المستوطنات الصهيونية وتهديد الوجود الفلسطيني، ورغم المحاولات لإطلاق انتفاضات شعبية ضد العدو، استمرت المواجهات مع المستوطنين وجيش العدو مشتّتة وغير مرتبطة بعضها ببعض، ذلك بسبب سيطرة السلطة الفلسطينية، بعد اتفاقيات أوسلو، على المشهد الفلسطيني وتكبيلها باتفاقيات مع العدو والمجتمع الدولي. إضافة الى تعاونها مع العدو لمنع أي مقاومة وملاحقة المقاومين وزجّهم في السجون، ابتدعت السلطة ومثقفوها وأحزابها أشكالا من "المقاومة الشعبية السلمية" غريبة عن المفاهيم التي يتبناها كل شعب احتلت أرضه ويطالب بحقه بالأرض والحرية. بدلا من تزويد الفلسطينيين المهدّدين في كافة أنحاء الضفة الغربية والقدس بما يحتاجونه لصد اللصوص الهمج وكيانهم وطردهم من الأرض الفلسطينية، تكتفي بالشكوى الى الأمم المتحدة والمجتمع الدولي. وبدلا من السعي لإطلاق انتفاضة شاملة ضد الكيان ومستوطنيه، أو على الأقل عدم عرقلتها، تصفّق لأي قرار دولي لصالح فلسطين. ذلك لأن الهدف من "المقاومة الشعبية السلمية" التي تريدها هو لفت أنظار العالم وانتظار قراراته، وليس طرد المستوطنين اليهود من الأرض الفلسطينية، في حين كان هدف يوم الأرض، في 30 آذار 1976، هو منع مصادرة الأرض وبناء مستوطنات عليها. وقد نجحت الجماهير المنتفضة في ذلك الى حين، لأنها حدّدت هدفا واضحا ضمن رؤية واضحة للصراع.

captcha