وأفادت
وكالة الأنباء القرآنية الدولية(إكنا)، رغم التعديلات التعليمية في المناهج، واتهامات متبادلة باستغلالها أو
تفريغها من محتواها، تظل المدارس القرآنية بالجزائر مطلباً اجتماعياً خاصةً في
بيئات إسلامية محافظة تجاهد للحفاظ على هويتها الثقافية والدينية في عالم
أصبح متعدد الثقافات والهويات.
في ظل الجدل والصراع الذي تعيشه المدرسة الجزائرية بسبب المناهج الجديدة التي يرى البعض أنها محاولة لفرنسة المنظومة التربوية بالبلاد فقد باتت المدارس القرآنية أحد خيارات الأسر لتربية أبنائها على القيم الدينية والوطنية، في ظل مخاوف من استغلالها من بعض التيارات الفكرية.
وتعكس أهمية المدارس القرآنية درجة الإقبال عليها من كل الفئات الاجتماعية صغاراً وكباراً رجالاً ونساءً، إلا أن أوضاع تلك المدارس التي يتجاوز عددها وفق وزارة الشؤون الدينية والأوقاف أكثر من 2500 مدرسة وتستقطب ثلاثين ألف طالب ليست بخير، فهي تعاني من مشاكل أهمها الاكتظاظ في الفصول الدراسية إلى جانب غياب مناهج تعليمية موحدة.
وأكثر من ذلك، تخوف بعض أولياء أمور التلاميذ من تحول بعض تلك المدارس إلى مراكز للتنشئة على ما يرونه تشدداً دينياً خاصة بعد أن استقلّت عن المساجد وباتت تحظى باستقلالية تامة في عملية التسيير والتوجيه.
ومخاوف الأولياء عززتها تصريحات وزير الشؤون الدينية والأوقاف الجزائري، "محمد عيسى" الاثنين الماضي، حينما حذر من تجاوزات تحدث بالمدارس القرآنية، والخاصة منها على وجه التحديد التي تقع خارج رقابة وزارته، كما اتهمها بتعليم الطلاب مرجعية دينية مخالفة لمرجعية الجزائريين، محذراً في نفس الوقت من استغلال بعض المدارس لنشر التشيع بالبلاد.
وكشف عيسى أن وزارته ستحقق في طريقة سير المدارس الخاصة والتي قدر عددها بـ139 مدرسة، وشدّد على أن الوضع يستدعي مراجعة القانون الخاص بهذه المدارس من خلال وضع مناهج دراسية موحدة، وعدم الاكتفاء بتعليم القرآن وعلوم الشريعة مثلما هو معمول به الآن.
ويتمثل دور هذه المدارس في تعليم الأطفال والشباب اللغة العربية وعلوم الشريعة إلى جانب تعليم القرآن الكريم، وهناك مطالب بتمكينها من استصدار شهادات رسمية كتلك التي تمنح في التعليم الحكومي لفتح أفق أفضل للطلاب المتخرجين.
حرب غير معلنة
وكشف المستشار الإعلامي الأسبق لوزير الشؤون الدينية "عدّة فلاحي" أن المدارس القرآنية في الأصل أنشئت كمراكز مكملة للتعليم الحكومي، وكانت الأمور تسير بشكل عادي، لكن الانفلات ـ وفق رأيه ـ بدأ مع استقلال هذه المدارس عن المساجد، حيث باتت هدفاً سهلاً لمن يريد تمرير أفكار دينية مخالفة، وبرأيه فإن "التيار السلفي كان أكثر جهة استغلت هذه الفرصة وعملت على تربية جيل من السلفيين بعيداً عن رقابة الدولة".
وأوضح فلاحي أن "هذا الانفلات استهوى تيارات أخرى أهمها الشيعة، والتي استثمرت في هذه المدارس لنشر التشيع". كما كشف عن وجود "حرب غير معلنة" بين التياريْن السلفي والشيعي من أجل الاستحواذ على بعض المدارس، ووصل الأمر في بعض الأحيان إلى اللجوء للقضاء.
وكشف بالمقابل عن وجود مدارس خاصة لها تراخيص من وزارة التجارة وليس وزارة الشؤون الدينية باعتبارها مدارس ذات صبغة تجارية وتتلقى أموالاً مقابل خدماتها، وقال للجزيرة نت إنها باتت تستهوي حتى التيار العلماني والحداثي الذي بات ينشر بعض الأفكار الغربية بين طلاب التعليم القرآني.
واللافت أن أغلب المدارس القرآنية الخاصة تابعة لجمعيات دينية مستقلة عن الحكومة، أهمها جمعية العلماء المسلمين، وجمعية الإرشاد والاصلاح الذراع الخيري لحركة مجتمع السلم (حزب إسلامي).
وكان الوزير قد هدد جمعية العلماء المسلمين بالمقاضاة بعد أن أعلنت عن امتلاكها لهيئة فتوى، وهو الأمر الذي اعتبره الوزير مخالفا للقانون.
ضد التطرف وبخصوص إقحام اسم جمعية العلماء المسلمين من طرف وزارة الشؤون الدينية، أكد رئيس الجمعية "الشيخ عبد الرزاق" قسوم أن جمعيته هي أول من يحصن النشء ضد كل أشكال التطرف والغلو، مضيفا أن الجمعية تخرج كل عام أجيالا متمسكة بدينها وتعمل على تلقينهم القرآن كتابة وحفظا وتطبيقا وفهما.
ورغم نفيه لأي تجاوز للجمعية، فإن قسوم أكد استعداد جمعيته لقبول أي لجنة تفتيش، وفي حال ثبوت أي مخالفة فإن القانون هو المرجع في كل ذلك.
واختتم حديثه قائلاً إن الأجدر بمن يريد مراقبة المدارس التي تعلم القرآن وتربي النشء على ثوابت الهوية الوطنية أن ينشغل بمراقبة المدارس الخاصة التي لا علاقة لها بالقرآن والمدارس العلمانية التي تربي النشء على مقومات لا علاقة لها بالدين أو الثوابت، كما يقول قسوم.
المصدر: الجزيرة نت