وأفادت وکالة الأنباء القرآنیة الدولیة(إکنا) أنه فی کل حین تظهر لنا مجموعات تطالب بحقوق الإنسان وحقوق المرأة بالخصوص، وهو حق مشروع ومقدس، لکنهم فی کل ذلک یتبعون النسق الغربی غیر آبهین بکل القیم والتقالید التی تسود بیئتنا العربیة والإسلامیة، وغدت تلک المجامیع تسیر مغمضة العینین بل تلهج کالببغاء مرددة أقوالهم ومقتفیة آثارهم، والفرق أن الغرب بعد التغییر الذی حصل هناک وانتکاسة الکنیسة الکاثولیکیة وعلمنة الدولة بل المجتمع کان ذلک متسقاً مع ذلک التغییر، أما فی بیئتنا فالوضع یختلف فلسنا نعیش مرحلة انتکاسة للإسلام بل تنامى فی المدة الأخیرة المد الإسلامی على مختلف اتجاهاته وتیاراته بدءاً من الیمین إلى الیسار وما بینهما من المعتدلین المتنورین بغض النظر عن اختلافنا أو اتفاقنا مع هذه التیارات، لکن الواقع یتکلم عن نفسه دون شک أو ریبة.
وفی الأیام الأخیرة المنصرمة خرجت تظاهرات فی العراق تطالب بحقوق المرأة فی المساوات والحریة، والتندید بالقانون الذی أرسلته الحکومة العراقیة للبرلمان، محتجة أن هذا القانون رجعی ویثیر الطائفیة وینتقص من المرأة ویسلب حقوقها التی کفلتها لها القوانین المدنیة، وأقول جازماً أن الکثیر ممن خرجن لم یقرأن مسودة القانون وتلفظن بألفاظ تثیر الإشمئزاز حتى بحق الشریعة المقدسة؛ بسبب هذا القانون أو فقرة أو فقرتین منه، وهذا هو قمة الظلم والاعتساف، فلم یکن الدین الإسلامی فی یوم من الأیام خانقاً لصوت المرأة أو سالباً لحقوقها أو ممتهناً لها کما فی بعض الدیانات الأخرى بل هو الذی کرمها وساوى بینها وبین الرجل فی کثیر من الواجبات والحقوق، ولم یمنعها من الإدلاء بصوتها فی المجال السیاسی، فهذه السیدة الزهراء(س) بنت نبی الإسلام عندما شعرت بالغبن واجهت النظام السیاسی الحاکم وأعلى سلطة فیه وهو الخلیفة قائلةً له: "أفی کتاب الله ترث أباک ولا أرث أبی لقد جئت شیئاً فریاً أفعلى عمد ترکتم کتاب الله ونبذتموه وراء ظهورکم إذ یقولوَوَرِثَ سُلَیْمانُ داوُدَ) وقال فیما اقتص من خبر یحیى بن زکریا إذ قال "فَهَبْ لِی مِنْ لَدُنْکَ وَلِیًّا یَرِثُنِی وَ یَرِثُ مِنْ آلِ یَعْقُوبَ" وقال "وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِی کِتابِ اللَّهِ" وقال "یُوصِیکُمُ اللَّهُ فِی أَوْلادِکُمْ لِلذَّکَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَیَیْنِ" وقال "إِنْ تَرَکَ خَیْراً الْوَصِیَّةُ لِلْوالِدَیْنِ وَالْأَقْرَبِینَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِینَ" وزعمتم أن لا حظوة لی ولا إرث من أبی ولا رحم بیننا أفخصکم الله بآیة أخرج أبی منها أم هل تقولون إن أهل ملتین لا یتوارثان أو لست أنا وأبی من أهل ملة واحدة أم أنتم أعلم.
فهذا المنطق العلمی والحجة الدامغة والشجاعة القلبیة فی مواجهة الخصوم فی مجتمع لم یغادر ظاهرة وأد البنات إلا قبل سنوات، فهل توجد فی کل البلاد فتاة لم تغادر سن المراهقة تلهج بهذا المنطق الرائع.
وبعد عدة مراجعات ونقاشات دارت بینها وبین الخلیف،اعتقدت أن لا جدوى من الاستمرار بها وإنما کان ذلک لإلقاء الحجة وإعلام الأمة وتوعیتها بما جرى من تغییر فی التجربة الإسلامیة الفتیة، بعد شعورها بالیأس من القوم فالتفتت فاطمة علیها السلام إلى الناس و قالت: "معاشر المسلمین المسرعة إلى قیل الباطل المغضیة على الفعل القبیح الخاسر أفلا تتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها کلا بل ران على قلوبکم ما أسأتم من أعمالکم فأخذ بسمعکم وأبصارکم ولبئس ما تأولتم وساء ما به أشرتم وشر ما منه اغتصبتم لتجدن والله محمله ثقیلا وغبه وبیلا إذا کشف لکم الغطاء وبان بإورائه، الضراء وبدا لکم من ربکم ما لم تکونوا تحتسبون و خسر هنا لک المبطلون".
فهی فی هذا القول تعنف المسلمین الذین سکتوا عن الحق ومواجهة السلطة؛ بسبب انتهاکاتها وتوجهها الوجهة الصحیحة أی الوجهة التی ترتبط بمصالح الأمة الحقیقیة، ولیست بالأمور التافهة والکمالیات الزائلة والتی یقاتل أهل الباطل فی توجیه أنظار الأمة لها، بینما یصرفون أنظار الشعوب المضطهدة والمستضعفة عن المصالح الحقیقیة، فهل یا ترى یجوز لنا أن نتهم الإسلام بالرجعیة أو التخلف! أو اضطهاد المرأة، أم الحق الذی لا مناص من الاقرار به هو أن الإسلام هو منبع الحریات وهو الذی کرَّم بنی آدم ولا سیما المرأة فی عصر کانت الشعوب الأوربیة غارقة فی ظلام دامس تحتقر المرأة لا تقر لها بأی حق.
بقلم الباحث والکاتب العراقی: عبدالله البحرانی
المصدر: براثا