ایکنا

IQNA

باحث عراقی یتکلم عن مفهوم العدالة فی المنظور القرآنی

7:39 - September 20, 2014
رمز الخبر: 1451168
بغداد ـ إکنا: تحدث طالب الدکتوراه العراقی محمد مصطفى عثمان، عن اطروحته الموسومة «مفهوم العدالة فی المنظور القرآنی الکریم» مبیناً فیه أن موضوع العدل یعد فی القرآن الکریم محوراً لکل شیء وعلیه ترتکز فلسفة التشریع،وحکمة القانون، وبناء المجتمع، وحفظ الحقوق،وتعمیق المبادئ الأخلاقیة.

 وأفادت وکالة الانباء القرآنیة العالمیة (إکنا) أنه هذه الأطروحة والمعنونة بـ «مفهوم العدالة فی المنظور القرآنی» تتحدث عن موضوع من مواضیع القرآن الکریم ألا وهو العدل. فیأتی ملخص البحث هذا فیما یلی:
"إن العدل یُعَدّ فی الرؤیة القرآنیة محوراً لکل شیء، وعلیه ترتکز فلسفة التشریع، وحکمة التکوین، وبناء المجتمع، وحفظ الحقوق، وتعمیق المبادئ الأخلاقیة.
وکما یعلم سیادتکم بأن العدل لا یقتصر على جانب دون آخر، بل هو مطلوب فی کل المجالات والحقول، إذ یجب أن یعم فی السیاسة والاقتصاد والاجتماع والقضاء وفی کافة مجالات الحیاة.
ومما یدل على أهمیة العدل فی المنظور القرآنی  ذلک الحیز الکبیر المخصص لمفهوم العدالة فی القرآن الکریم حیث بلغت الآیات القرآنیة التی اشتملت على لفظ العدل والألفاظ الأخرى ذی الصلة، وباستخدام تعبیرات متنوعة، کالأمر بالعدل، والثناء على العادلین، والنهی عن الظلم والجور، والذم والتشنیع لمرتکبیه، على ما یزید على ثلاث مائة وخمسون موضعاً ومن العبارات المستخدمة فی ذلک: (العدل: القسط، المیزان، الحق) والنهی عن (الظلم: البغی، العدوان، البخس)، بالإضافة إلى وضع التشریعات التی تحقق العدل على أرض الواقع، وهذه تشکل آلیة القرآن الکریم فی إدراج مفهوم العدل فی الفکر الإنسانی عموماً والإسلامی خصوصاً، وکذا تطبیقه فی حیاة الأفراد والمجتمعات.
ولأهمیة العدل فی حیاة الناس، فإن أهم هدف لبعث الأنبیاء والرسل (علیهم الصلاة والسلام) بعد تعریف الناس بالخالق جلَّ وعلا هو بسط العدل بینهم، قال تعالى: "لقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَیِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْکِتَابَ وَالْمِیزَانَ لِیَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ"(سورة الحدید، الآیة: (25)).
أما عندما تنتفی العدالة من حیاتنا، فإن نقیضها سیحل محلها، وهو الظلم والجور، وهو أساس کل شر، وسبب کل شقاء، ومنبع الرذائل والفواحش، وجذر التخلف والتقهقر الحضاری: "وَکَأَیِّنْ مِنْ قَرْیَةٍ أَمْلَیْتُ لَهَا وَهِیَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَیَّ الْمَصِیرُ"(سورة الحج، الآیة: (٤٨))، کل هذا الذی ذکرناه کان السبب فی اختیار هذا الموضوع.
أما أهمیة الموضوع فی نظری فتکمن فی حاجة البشریة إلى المنظور القرآنی لمفهوم العدالة على مستوى حیاة الأفراد والجماعات والأمم لأن البشریة قد عانت کثیراً قدیماً وحدیثاً، وسادت الفوضى وعدم الاستقرار وانتشر الظلم والفساد، وذلک بسبب تخبطهم فی تحدید مفهوم للعدالة یحقق السعادة للبشریة جمعاء دون تمییز.
وتظهر أهمیة هذه أیضاً الأطروحة من أن هناک خلطاً بین مفهومی العدالة والمساواة فی أغلب المواثیق والإعلانات العالمیة التی تحدثت عن العدالة وحقوق الإنسان ومنها (الإعلان العالمی لحقوق الإنسان) الذی صدر عام 1948، فالعدالة فی نظرهم هی المساواة الکاملة بین الرجل والمرأة، وبسبب هذا الخلط ولإبراز الفرق بین المفهومین ووضع ضابط ومعیار محدد یبرز الفرق بین مفهوم العدل وغیره من المفاهیم الأخرى ظهر أن هذه الدراسة تکمن أهمیتها فی حل هذا الإشکال وهذا التخبط، ولإظهار السبق القرآنی فی تحدید هذه المفاهیم وغیرها.
وقد برزت دعوات کثیرة تنادی بتطبیق العدالة الاجتماعیة والاقتصادیة والسیاسیة، والقرآن الکریم وضع حلولاً لحاجة المجتمعات، وهذا واضح من شمولیة نظرة القرآن الکریم لمفهوم العدالة حیث تشمل مجالات العدل السیاسی والاجتماعی والاقتصادی والقضائی، والعدل مع الصدیق ومع العدو، وفی السلم وفی الحرب، ویشکل هذا الطرح لمفهوم العدالة فی النظرة القرآنیة من الأهداف الرئیسیة لهذه الأطروحة.
وأما المنهجیة التی استندت علیها فی الأطروحة فهی المنهجیة الاستقرائیة، حیث جمعت النصوص القرآنیة التی حصرت ألفاظ العدل، واستخدمت أیضاً المنهج التحلیلی للوقوف على المعنى الدقیق لمفهوم العدل، وهذا ما دفعنی للتطرق إلى الألفاظ الأخرى التی لها صلة مباشرة بالعدل، کلفظ القسط والمیزان والحق والوسط، وکذا النصوص القرآنیة الأخرى التی تحقق مفهوم العدل، وقمت بتصنیف الآیات المتعلقة بألفاظ العدل والقسط والمیزان والحق والوسط، حسب المجالات المتنوعة، فمنها ما کان فی مجال السیاسة والحکم باعتباره سلطة تنفیذیة، ومنها ما کان فی مجال التشریع باعتباره سلطة تشریعیة، ومنها ما کان فی مجال القضاء باعتباره سلطة قضائیة، ومنها ما کان فی المجال الاجتماعی والاقتصادی، وهذا ما دفعنی إلى تصنیف الدراسة وتبویبها فی الفصول حسب هذه المجالات المتنوعة وتم الاعتماد على التفاسیر القدیمة والمعاصرة للوقوف على معانی الآیات ودلالاتها، واستخلاص المعانی التی تبرزها الآیات حول مفهوم العدل، وقمت بتخریج الأحادیث معتمداً على کتب التخریج المعتمدة، مع الوقوف على درجة الحدیث، بالإضافة إلى الإشارة إلى اللطائف والإشارات والحقائق القرآنیة، وقمت بعمل فهرست خاص للآیات القرآنیة وفهرست خاص بالأحادیث الشریفة وقمت بترجمة الأعلام.
وقد واجهتنی صعوبات منها قلة المصادر القدیمة التی أشارت إلى موضوع العدل بالشکل الذی أردت طرحه فی هذه الأطروحة، مع تشعب الموضوع وشموله لجمیع جوانب الحیاة وصعوبة حصره والسیطرة علیه وذلک لتوسعه.
أما الهدف الرئیس الذی أردت أن أصل إلیه هو بیان أن مفهوم العدالة فی القرآن الکریم مفهوم شامل یشمل جمیع مجالات الحیاة، لأن مصدرها الحکیم الخبیر، والعدل هی صفة من صفات الخالق فهذه الصفة تتجلى فی تشریعاته وأوامره ونواهیه، وهی عدالة مطلقة ولیست محددة فی مجال أو زمان أو مکان أو للون من البشر أو للمسلم دون غیره.
ولبیان البون الشاسع بین مفهوم العدالة فی المنظور القرآنی مع مفهوم العدالة فی الفکر البشری، المتمثل فی مجتمعاته القدیمة والمعاصرة، وبیان علاقة مفهوم العدالة بالمفاهیم الأخرى القرآنیة التی لها علاقة بمفهوم العدل، وأردت أن أظهر أن مفهوم العدالة فی المنظور القرآنی لیس مجرد مفهوم نظری بل هو تطبیقی، ویشمل جمیع مجالات الحیاة.
وحاولت أن أبین التأثیر الإیجابی على المجتمع البشری من خلال تطبیق العدل القرآنی، وأن هذا العدل مطلق یشمل جمیع من هم تحت کنف الدولة الإسلامیة من مسلمین وغیر مسلمین، بل وحتى مع من هم خارج الدولة الإسلامیة سواء کانت الحالة حرب أم سلم، فأساس التعامل مع الکل وفی کل الحالات هو العدل لا غیر.
أما خطة البحث فقد تم تقسیم الأطروحة إلى مقدمة وخمسة فصول، وخاتمة تشتمل على نتائج الدراسة والتوصیات، وقد سمیت الفصول الخمسة بعناوین تتطابق مع موضوع البحث ومراعاة لعدم الاطالة فإننی سأقتصر على ذکر عناوین الفصول وبعض المباحث فقط. 
الفصل الأول: وهو بعنوان "مفهوم العدالة وصورها فی الفکر الإنسانی"، وقسم إلى أربعة مباحث، مفهوم العدالة وعلاقته بمفهوم العدل، ومفهوم العدالة فی المجتمعات القدیمة، ومفهوم العدالة عند الدیانات السماویة السابقة، ومفهوم العدالة عند المتکلمین والفلاسفة المسلمین.
وفی الفصل الثانی: تم بیان "مفهوم العدالة وعلاقته ببعض المفاهیم القرآنیة الأخرى ذی الصلة"، وذلک من خلال خمسة مباحث، وهی: مفهوم العدالة وعلاقته بمفهوم القسط، ومفهوم العدالة وعلاقته بمفهوم المیزان، ومفهوم العدالة وعلاقته بمفهوم الحق، ومفهوم العدالة وعلاقته بمفهوم الوسطیة، والقرآن بمجمله یحقق العدالة.
والفصل الثالث: تضمن "المنظور القرآنی للعدالة فی السیاسیة والحکم"، وذلک من خلال ثلاثة مباحث، المبحث الأول: تناول الحدیث عن السیاسة فی القرآن، والثانی: تم الحدیث عن العدالة فی التشریع القرآنی، والثالث: خصص للعدالة فی الحکم.
وفی الفصل الرابع: تم بیان "المنظور القرآنی للعدالة فی السلطة القضائیة"، ومن خلال ثلاثة مباحث، الأول: خصص لمفهوم العدالة القضائیة وأهمیتها، والثانی، تم التطرق إلى ضمانات تحقیق العدالة القضائیة، والثالث: خصص للعدالة بین الخصوم والمتهمین.
والفصل الخامس: تم تخصیصه لبیان "المنظور القرآنی للعدالة فی المجالات الاجتماعیة"، وذلک من خلال ثلاثة مباحث، تم الحدیث فیه عن العدالة فی التعامل الأسری، والحدیث عن العدالة فی المعاملات التجاریة وأثرها على الاستقرار فی المجتمع، والحدیث عن العدالة وأثرها فی تقویة روابط المجتمع.
وفی الخاتمة تم ذکر الاستنتاجات التی توصلت الدراسة إلیها، مع ذکر بعض التوصیات بخصوص الاهتمام بموضوع العدالة، وذکر بعض العناوین لبحوث ودراسات مقترحة.
وبعد أن انتهیت من کتابة الفصول بمباحثها ومطالبها أود هنا أن أشیر إلى أهم الاستنتاجات التی ذکرتها فی خاتمة أطروحتی هذه والتوصیات مع الدراسات المقترحة وکالآتی:
1. الفرق بین المفهوم والمصطلح یظهر من خلال استخدام المفردتین، فعندما یذکر المفهوم یقترن بتعریف ما یحیل علیه اللفظ بمفردات غیر منضبطة أو ما یعرف بالتعریف الإجرائی، وعندما یذکر المصطلح فغالباً ما یقترن بتعریف منضبط للمعنى المقصود الإحالة علیه وذلک من خلال مفردات متماسکة ومختصرة، وهو ما یعرف بالتعریف الحدی، وبعض المفردات القرآنیة هی من قبیل المصطلح الذی لا یختلف فی معناه وإن اختلف التعبیر عن معناه لکنه یبقى حصریاً، فالمفردات القرآنیة مثل: الصلاة، الزکاة، الحج. وهی مصطلحات لا یختلف فی تعریفها، ویعبر عنها فی التفاسیر بالألفاظ الشرعیة المنقولة عن معناها اللغوی، کما هناک مفردات قرآنیة أخرى غیر منضبطة فی تعریفها مع اتفاق على مجمل المعانی التی تحیل علیها کالتقوى، والعدل، والعمل الصالح ویمکن اعتبارها من قبیل المفاهیم بالمعنى الذی أوضحناه.
2. العدالة فی اصطلاح العلماء تناول أصل من أصولها أو مجالا من مجالاتها دون أن تکون جامعة وهی لا تصلح أن تکون معنىً شرعیاً عاماً لمفهوم العدالة.
3. العدالة فی الاستعمال القرآنی وردت فی سیاق الحدیث عن السلوک الفردی الخاص وأیضاً فی سیاق الحدیث عن تنظیم حیاة الناس العامة فی علاقاتهم السیاسیة والاجتماعیة والاقتصادیة، ویمکن تعریف العدالة بأنها الاستقامة فی جمیع شؤون الحیاة على ما جاء به الإسلام.
4. تفرق القوانین الوضعیة والنظم الدیمقراطیة بین (العدل والعدالة)، وذلک بسبب نظرتهم الضیقة للقانون، أما الشریعة الإسلامیة فإنها لا تفرق بین العدل والعدالة من هذا المنطلق، لان الأحکام تدور مع العدل دائماً، فحیثما وجد العدل فثم شرع الله ودینه، والشریعة نفسها وبمبادئها تحقق العدل وترفع الظلم، وهی لا تخرج عن کونها تطبیقاً مستخرجاً من قواعد الشریعة نفسها لا نظریة مستقلة.
5. العلاقة بین العدل والقسط تظهر من کون القسط هو العدل البین الظاهر ومنه سمی المکیال قسطاً والمیزان قسطاً؛ لأنه یصور لک العدل فی الوزن حتى تراه ظاهراً، وهناک فرق معنوی بین القسط والعدل، فالذی یمعن النظر فی آیات القرآن الکریم یجد أن القسط ورد فی الآیات التی تبحث فی الأمور المالیة، وشؤون الیتامى وارتبط دائماً بالکیل والمیزان، لکأنما القسط هو العدل فی أمور الحیاة الاجتماعیة والاقتصادیة، أما العدل فهو المفهوم الذی یفید معنى العموم والشمول فی صدق الحکم وصدق القول، فالعدل هو الحکم بالحق "فقط" أما القسط فهو تنفیذ هذا العدل.
6. العلاقة بین العدل والمیزان: أغلب المواضع التی جاء فیها لفظ (المیزان) ومشتقاتها فی القرآن الکریم جاء بمعنى الاعتدال بان تتساوى کفتا المیزان حقیقة أو مجازاً، وهذا یظهر وجود علاقة وطیدة بین معنى اللفظین، وکل ما جاء على لسان بعض المفسرین فی العلاقة بین المیزان والعدل، یجد أن هناک ترابطاً وثیقاً بین المفهومین، ولوجد أن کل ما جاءوا به إجمالاً وتفصیلاً عن المیزان هو العدل فی المعاملات.
7. العلاقة بین العدل والحق: أکدت الدراسة أن القرآن الکریم فی کثیر من الآیات یجمع ما بین العدل والحق، وإن من معانی الحق هو العدل، ومن المواضع التی استخدم فیها القرآن الکریم الحق بمعنى العدل أنه کل ما جاء عن الحکم بالحق یراد به العدل، وما تم استنتاجه أن القرآن الکریم یرى أن العدل هو الحق مطبقاً، وأن الحق هو العدل مجرداً، فهما من أصل واحد فکل من العدل والحق اسم من الأسماء الحسنى لله تعالى ویستخدم القرآن کل کلمة منهما مکان الأخرى، ولکنهما یختلفان فی أن إحداهما تأخذ الصفة العلمیة التطبیقیة وأن الثانیة تأخذ الصفة النظریة المجردة.
8. العلاقة بین العدل والوسطیة: إن أغلب المواضع التی جاء فیها لفظ (الوسط) فی القرآن الکریم إنما جاء على معنى العدل، وهذا یظهر لنا بوجود علاقة وطیدة بین معنى اللفظین، والعدل والتوسط والتوازن عبارات متقاربة المعنى، فالعدل فی الحقیقة توسط بین الطرفین المتنازعین أو الأطراف المتنازعة دون میل أو تحیز إلى أحدها، فیعطی کلا منها حقه دون بخس ولا جور، واستنتجت الدراسة من أقوال المفسرین الفهم الواضح المحدد لمعنى الوسطیة المذکورة فی صفة هذه الأمة وکونها أمة وسطًا، فالخیریة والأفضلیة لم تتصف بها هذه الأمة إلا لکونها قائمة بالعدل والقسط والحق. ولکونها وسطًا بین الإفراط والتفریط.
9. استنتجت الدراسة أن العدالة فی المنظور القرآنی لا ینحصر فی تحقیق هذا المفهوم فی المصطلحات الواردة الذکر والتی لها علاقة وثیقة بمفهوم العدل، بل هناک نصوص قرآنیة عدیدة هی بمجموعها تحقق مفهوم العدل بأوسع معانیها وهی أحد الأغراض والمقاصد التی جاء القران الکریم من أجلها، وأن القرآن الکریم بمجمله وفی کل أحکامه وتشریعاته وأوامره ونواهیه لم یخرج عن مفهوم العدل.
10. استنتجت الدراسة بعد جمع آیات العدل والقسط والمیزان وبعد تحلیلها وفرزها تبین أن القرآن الکریم استعمل هذه الآیات فی جمیع مجالات الحیاة ولم یقتصرها على مجال دون آخر، فاستخدمها فی مجال الحکم والسیاسة، وفی مجال التشریع الثابت والمتغیر، واستخدمها فی مجال القضاء، والفصل بین النزاعات وفی جمیع مجالات الحیاة الاجتماعیة والاقتصادیة، وهذا ما حاولت الدراسة إثباته وعلى هذا الأساس تم تقسیم فصول الدراسة، وبهذا یظهر شمول نظرة القرآن لمفهوم العدل، لا یقتصر کونه مفهوماً نظریاً لا یمکن تطبیقه.    
11. توصلت الدراسة إلى أنه على الرغم من أنَّ کلمة (السیاسة) لم ترد فی القرآن الکریم، ولم ترد أی لفظة مشتقة منها وصفاً أو فعلاً، ولکن معنى ومضمون السیاسة واضح فی کثیر من آیات القرآن الکریم، فکلمة (سیاسة) تطلق على کل عمل یتعلق برعایة الأمة، وتدبیر شؤونها. سواء الاقتصادیة أو الاجتماعیة أو التعلیمیة، أو إدارة الدولة، أو القضاء وإدارة العلاقات الخارجیة والدفاع عن الأمة والعقیدة والأوطان، والقرآن الکریم وفرة فیه المعانی التی تدل على معنى السیاسة بمفهومها العام، مثل کلمة (المُلک)، وکلمة (التمکین)، وکلمة (الحُکْم)، وکلمة (الخلافة).
12. عدالة الله تتجلى فی خلقه وتشریعه، ذلک أن الله سبحانه وتعالى عدل فی خلقه وإیجاده، وعدل فی تشریعه وتکلیفه، وعدل فی أمره الکونی القدری وفی أفعاله، فالعدالة أمره وقاعدته التی سنّها فی الخلق تکویناً وللخلق تشریعاً، فکما أقام الله سبحانه الکون کله بموجب قانون العدل، فقد أقام شریعته للناس على أساس العدل، وقد برزت هذه العدالة فی کثیر من التشریعات الثابتة التی جاء بها القرآن الکریم، مثل نظام المیراث، والزکاة، والحدود وغیرها، وفی التشریعات غیر الثابتة والتی لم یرد فیها نصٌّ، وذلک عن طریق تحدید أصول وقواعد ومعاییر للاجتهاد، کمبدأ الاستحسان، وسد الذرائع وفتحها والاستصلاح. وغیرها، وذلک لأن العدل هو الدعامة الأساسیة التی بنیت علیها أحکام الشریعة الإسلامیة.
13. بین القرآن الکریم مسالک العلاقة وحدودها بین الحاکم والمحکوم، وجعل هذه العلاقة علاقة میثاقیة فکما أمر الله سبحانه وتعالى الأمة بطاعة ولی أمر المسلمین وعدم الخروج عن طاعته، فقد أمر الحاکم بالعدل والشورى بین الأمة، فالعلاقة هی حقوق وواجبات، فإذا کان واجباً على الأمة طاعة ولی الأمر، فإن من حقوقها حقهم فی اختیار الحاکم، وحقهم فی محاسبته على أعماله، وحقهم فی الشورى.  
14. القرآن الکریم یقوم على مبدأ العدل لا على مبدأ المساواة فیما یتعلق بالحقوق والواجبات، ویراعی واقع الحال والطبیعة البشریة لکل من الذکر والأنثى ولا یقوم على التسویة مطلقاً وإنما یقرها حینما یقتضیها العدل.
إلى غیرها من الاستنتاجات والتی ذکرتها فی خاتمة البحث، وأما التوصیات فقد ذکرتها فی نهایة هذه الأطروحة وسأذکر بعضا منها:
1. ضرورة تضمین مبدأ العدالة فی القوانین التی تسنها برلمانات الدول الإسلامیة، التی أقرت ضمن دساتیرها أن الإسلام هو المصدر الرئیس للتشریع، لکون العدالة قیمة محوریة علیا فی المنظومة الإسلامیة.
2. نشر ثقافة العدالة وترسیخها فی المجتمع من قبل وسائل الإعلام المرئیة والمسموعة والمقروءة.
3. ضرورة أن تحقق البرامج الحکومیة للمواطنین مبدأ العدالة من حیث تقدیم الخدمات وتوزیع الثروات علیهم دون تمییز مستند إلى العرق أو الدین أو الطائفة.
4.وضع ضوابط متشددة من قبل السلطات القضائیة فیما یتعلق بتعیین القضاة خاصة اشتراط العدالة فی القاضی وعدم تولیة القاضی غیر العدل ما دام یوجد غیره ممن تتوفر فیه العدالة.
5. بذل الجهود العلمیة والعملیة من قبل الأفراد والمؤسسات المعنیة بتنمیة المجتمع فی بحث موضوع العدالة واستفراغ الوسع فی ذلک لبیانه وتوضیحه، مع التأکید على إدراج منهجیة القرآن الکریم فی نظرته إلى العدالة وبیان التصور القرآنی الکلی له. 
6.إقامة المؤتمرات وعقد الندوات وإلقاء المحاضرات لبیان أهمیة الموضوع، وحقیقته وأثره الایجابی فی حیاة الفرد والمجتمع، وإشاعة الوعی بضرورته فی الحیاة والواقع، وبیان الآثار السلبیة لغیاب العدالة فی الحیاة.
7. الممارسة العملیة الواقعیة لمنهج للعدالة من قبل العلماء وطلاب العلم والدعاة مما یتیح للناس أن یروا القدوة الحسنة التی هم فی أمس الحاجة إلیها. 
8. تربیة المجتمع على هذا المنهج تربیة علمیة شاملة، مما یقضی على الخلل الموجود فی محیط المجتمع المسلم سواء أکان إفراطاً أو تفریطاً. 
9. ضرورة قیام وزارات الأوقاف ومؤسسات الإرشاد والدعوة بواجبهم إزاء هذا الموضوع: وذلک من خلال إعداد خطباء یکون سمتهم البارز هو (العدالة) وأن تصبح المفاهیم المطروحة حول الجوانب المتعددة من الدین والحیاة متوازنة؛ وذلک لإیجاد الوعی مع خلق جیل یتصف بــ(العدل) وفق المنهجیة والنظرة القرآنیة، والعمل على إعداد موضوعات للخُطب تکون مادتها الأساسیة (العدالة) وتکلیف الخطباء بإلقائها والتحدث عنها فی المجالس والتفصیل فی ذلک.  
10. درج مفاهیم العدالة کمقررات دراسیة فی المناهج الأکادیمیة من قبل المؤسسات التعلیمیة والتربویة مثل المدارس والجامعات والمعاهد.
11. قیام مؤسسات المجتمع المدنی بدورها فی التوعیة بمفهوم العدالة وآلیات تحقیقها عن طریق الندوات والمخیمات والفعالیات المتنوعة.   
وأخیرا ولیس آخرا ذکرت بعضا من الدراسات المقترحة التی أرى بأنها ضروریة لمجتمعاتنا الإسلامیة وللاطلاع أکثر على هذا الموضوع الذی طرحه القرآن الکریم، ومن أهم الدراسات المقترحة حول موضوع العدل، ما یأتی:
1)    العدالة فی السنة النبویة (دراسة موضوعیة).
2)    العدالة فی حیاة الخلفاء الراشدین.
3)    تحقیق العدالة فی الإسلام فی ظل العولمة والحداثة.
4)    سبل تحقیق العدالة فی ظل التحدیات المعاصرة.
ومرة أخرى أشکر أساتذتی الأفاضل وأقول بکل ما تعنیه الکلمة من معنى أنا مستعد لأخذ ملاحظات اللجنة بصدر رحب وسوف استفید منها لتقویة مضمون أطروحتی وأنها لا شک ستغنیها وسوف تسد الخلل الموجود فیها.. وأنا بانتظار ملاحظاتکم القیمة. 
وأقول لئن لم یستوعب البحث جمیع جوانب العدالة فی القرآن الکریم فأقصى ما أرجوه أنه طرح (العدالة) کموضوع قرآنی أصیل دعا إلیه وقرّره.
وختاماً أحمد الله العلی القدیر على توفیقه لإعداد هذه الأطروحة. وما کان صواباً فمن الله وما کان من خطأ ونقص فمنی، وما من جهد بشری إلا ویعتریه النقص ولیس الکمال إلا لله الواحد القهار مصداقاً لقوله تعالى: "وَلَوْ کَانَ مِنْ عِنْدِ غَیْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِیهِ اخْتِلَافًا کَثِیرًا"(النساء: 82). وأسأل الله سبحانه وتعالى أن یتقبل منی ما قدمته من جهد متواضع فی سبیل خدمة القرآن الکریم، وأن یتجاوز عن التقصیر. إنه نعم المولى ونعم النصیر.

المصدر: موقع کلیة الآداب للجامعة العراقیة
 

کلمات دلیلیة: العدل ، القرآن ، الکریم ، القسط ، المیزان
captcha