ایکنا

IQNA

حکایة طباعة المصحف فی مصر

9:46 - January 24, 2015
رمز الخبر: 2757552
القاهرة ـ إکنا: لم یعرف المصریون الطباعة إلا فی فترة الاحتلال الفرنسی ۱۷۹۸-۱۸۰۱، فأتیح للمرة الأولى نشر الکتب بآلة، وأمکن الاستغناء عن النُساخ...

وأفادت وکالة الانباء القرآنیة الدولیة(إکنا) أنه کانت صناعة الطباعة من الأشیاء التی أثارت دهشة الشعب المصری وأعجب بها الکثیرون من المشایخ وأعضاء الدیوان والمثقفین، منهم الشیخ المهدی والفیومی والصاوی والشیخ البکری. ورحلت المطبعة مع الحملة وظلت مصر لا تعرف الطباعة حتى العام 1822 حینما أراد محمد علی باشا النهوض بالبلد فی التخصصات والمجالات المتنوعة، فاستحق عن جدارة لقب صانع النهضة المصریة الحدیثة. وکان التعلیم أول ما اهتم به محمد علی لثقته بأن العلم هو الوسیلة القویة لتحقیق أهدافه التنمویة، ولذلک اهتم بشدة بالنهوض بالطباعة باعتبارها أهم وسیلة لنقل الحضارة والثقافة الأوروبیتین، فأرسل بعثات علمیة إلى إیطالیا للتخصص فی فن الطباعة؛ وعلى رأسها نیقولا مسابکی أفندی الذی عاد إلى مصر عام 1233هـ/ 1819، ومعه ثلاث طابعات وتولى إدارة المطبعة وعاونه أربعة من خریجی الأزهر. وکانت المطبعة تطبع الکتب المدرسیة ودفاتر الدیوان واستمر التطویر فیها فی عهود خلفاء محمد علی وأصبح اسمها المطبعة السنیة ثم الأمیریة.
 
أما فکرة طبع القرآن الکریم فلم تخطر ببال محمد علی باشا منذ البدایة وعندما فکر فی ذلک وجد معارضة من علماء الأزهر وظل الأمر محرماً بمقتضى فتوى، وکذلک جرى تحریم طبع الکتب الدینیة؛ بناء على حجج واهیة، منها أن مواد الطباعة منافیة للطهارة، وعدم جواز ضغط آیات الله بالآلات الحدیدیة، واحتمال وقوع خطأ فی طبع القرآن. وهذه المعارضة کانت أمراً طبیعیاً أقرته ظروف وطبیعة الحیاة فی ذلک العصر، فالطباعة فن جدید، ولم یکن العلماء عرفوا ماهیته بالضبط، إضافة إلى أنهم اعتادوا کسب قوتهم من نسخ الکتب. ولکن فی العام 1832 أمر بطبع أجزاء من المصحف لتلامیذ المدارس، ثم صدر أمر إلى مدیر مطبعة بولاق بطبع المصحف، وأمر الشیخ التمیمی؛ مفتی الدیار المصریة بوضع خاتمه على المصحف لیکون بیعه وتداوله أمراً مشروعاً، وتم توزیع المصحف المطبوع على المدارس والأزهر الشریف واستمر ذلک حتى وفاة محمد علی. ولذا یُعتبر مصحف محمد علی أول مصحف مصری مطبوع. وبلغت عنایته بالمصحف أن خصص جزءاً من مطبعة بولاق عُرف باسم مطبعة المصحف الشریف واختار لها رئیساً مستقلاً وشغل تلک الوظیفة عبد الرحمن أفندی عام 1260هـ/ 1845م. ولکن فی عهد الخدیوی عباس حلمی الأول وجد علماء الأزهر أخطاء فی مصحف محمد علی، واستغلوا ضعف الخدیوی وعدم رغبته فی النهضة والتطور فلم یهتموا بتصحیح المصحف واستطاعوا إقناعه بمصادرة تلک المصاحف ومنع تداولها، فأصدر العام 1853 منشوراً بجمع المصاحف المطبوعة وتحریم تداولها ومعاقبة من یخالف ذلک الأمر، کما أصدر أمراً لمحافظ الإسکندریة فی العام التالی بإعدام المطبوع من المصاحف.
 
ولکن تلک المصاحف تم تخزینها فی مخازن دیوان الجهادیة، وکان عددها 296 مصحفاً، وعندما أراد الخدیوی سعید أن یوزع بعض المصاحف على تلامیذ المدرسة الحربیة سأل علماء الأزهر فی ذلک فأفتوا له بأنه یمکن تصحیح الأخطاء فی المصاحف ثم توزیعها على التلامیذ وکان عددها اثنین وخمسین مصحفاً، أما بقیة المصاحف فتم عرضها على خطاط یدعى الشیخ عبد الباقی الجاری، وقام بتصحیح مئة وخمسین مصحفاً حتى یوم 8 شعبان 1274هـ/23 آذار (مارس) 1858م، وتبقى عشرة مصاحف تم تصحیحها فی خلال شهر، وسبعة وخمسون مصحفاً تم الانتهاء من تصحیحها خلال أربعة أشهر، کما اتضح بعد التحری والفحص أن هناک مئة وأربعة وثلاثین مصحفاً من تلک المصاحف المصححة تخص أشخاصاً منهم الحاج عثمان وکان له مئة وثمانون مصحفاً والحاج أمین وله ست وعشرون مصحفاً وقد کلفا الحاج حسن بتصحیحها، فأمر الخدیوی أن تصحح على نفقة الحکومة وتعاد النسخ الشخصیة إلى أصحابها، أما الباقی فیوزع على الأماکن الطاهرة للتلاوة فیها أو على المدارس والمکاتب التی تحتاج إلى ذلک.
 
وفی عهد الملک فؤاد طُبِع المصحف مرة أخرى عام 1918 فی المطبعة الأمیریة وقام على تصحیحه وتدقیقه الشیخ محمد خلف الحسینی؛ شیخ المقارئ المصریة، وحفنی ناصف؛ المفتش الأول للغة العربیة فی وزارة المعارف العمومیة، ومصطفی عنانی المدرس بمدرسة المعلمین الناصریة، وأحمد الأسکندری، ونصر العادلی رئیس المصححین فی المطبعة الأمیریة تحت إشراف مشیخة الأزهر الشریف، وتمت مراجعته فی 1918، وتم جمعه وترتیبه فی المطبعة الأمیریة، وطبع فی مصلحة المساحة عام 1924. وکانت هذه هی الطبعة الأولى، وسمی بالمصحف الملکی المصری، وجاء على أحسن وجه من حیث ترقیم الآیات وعلى أساس علمی قویم، فقد اُتبعت فی عد الآیات طریقة الکوفیین عن عبد الله بن حبیب السلمی عن علی بن أبی طالب، وبحسب ما ورد فی کتاب «ناظمة الزهر» للشاطبی وشرحها للشیخ رضوان المخللاتی، وکتاب أبی القاسم عمر بن محمد بن عبد الکافی، وکتاب البیان للشیخ محمد متولی.
 
وبحسب ما جاء فی مؤلفات هؤلاء العلماء تم تحدید عدد آیات القرآن بـ 6236 آیة، والدائرة المُحلاة التی فی جوفها رقم تدل على انتهاء الآیة وبرقمها على عدد تلک الآیة من السورة. ویقع مصحف الملک فؤاد الأول فی 826 صفحة. ولکن فی عهد الملک فاروق، وجد علماء الأزهر أخطاء فی المصاحف التی طُبعت فی عهد أبیه؛ فمنها أخطاء فی الرسم العثمانی وأخطاء فی ضبط أواخر الکلمات فی بعض السور القرآنیة وکذلک أخطاء فی الوقوف؛ حیث وجد العلماء أن هناک أخطاء واضحة فی أکثر من ثمانمئة موضع، ثم طُبعت نسخ أخرى وقام بمراجعتها الشیوخ المصححون أنفسهم، وبالتالی وقعوا فی الأخطاء السابقة نفسها، بالإضافة إلى طباعة مصاحف أخرى فی المطابع الأهلیة سواء کانت مطابع آلیة أم حجریة على النسخة السابقة بمعرفة الشیخ محمد علی خلف الحسینی، وبموافقة اللجنة المعینة بقرار الملک فؤاد الأول بکل ما فیها من أخطاء سابقة. فلما تقررت إعادة طبع ذلک المصحف فی عهد الملک فاروق، تألفت لجنة للمراجعة والتدقیق من الشیخ علی محمد الضباع؛ شیخ المقارئ المصریة، والشیخ عبد الفتاح القاضی المشرف على معهد القراءات، ومحمد علی النجار من کلیة العلوم، والشیخ عبد الحلیم بسیونی المراقب فی الأزهر الشریف، فأتمت مراجعة المصحف وتصحیحه تحت إشراف مشیخة الأزهر وراجع عملها الشیخ عبد الرحمن حسن وکیل الجامع الأزهر وتم إعداد المصحف وطبعه بمصلحة المساحة، أما ترتیبه فتم فی مطبعة دار الکتب المصریة، وکانت تلک الطبعة الثانیة للمصحف الشریف وصدرت العام 1371هـ/ 1952 وکانت أصح وأجمل الطبعات، ثم توالت الطبعات فی المطابع الأمیریة وغیرها حتى الیوم، وعُرِف بمصحف بولاق، أو المصحف الأمیری، أو المصحف المصری، أو مصحف دار المساحة، أو مصحف دار الکتب، فهی مسمیات لمصحف واحد وهو الذی کتب حروفه الخطاط جعفر بک. وتمت کتابته وضبطه بما یوافق روایة حفص عن عاصم وأُخذ هجاؤه مما رواه علماء الرسم عن المصاحف التی بعث بها الخلیفة عثمان بن عفان إلى البصرة والکوفة والشام ومکة ومصحف المدینة المنورة ومصحفه.
 
وبالتالی جاء ذلک المصحف موافقاً لنظیره من المصاحف الستة السابق ذکرها، وأخذ ضبطه حسب ما جاء فی کتاب «الطراز على ضبط الخراز» مع إبدال علامات الأندلسیین والمغاربة بعلامات الخلیل بن أحمد وأتباعه المشارقة، واُتبعت فی عد آیاته طریقة الکوفیین بحسب ما ورد فی کتاب «ناظمة الزهر»، وکتاب «تحقیق البیان».
 
أما بیان السورة مکیة أو مدنیة فقد أخذ من الکتاب السابق ذکره وکتب القراءات والتفسیر. أما علامات الوقف فمما قرره الشیخ محمد بن علی خلف الحسینی شیخ المقارئ المصریة آنذاک، وبیان السجدات من کتب الفقه فی المذاهب الأربعة، وبیان السکتات الواجبة عند حفص من الشاطبیة. وتوالى طبع المصاحف وکانت مصر تسند رئاسة اللجنة إلى شیخ عموم القراء واستمر ذلک حتى عهد الشیخ محمد الضباع (ت 1367هـ/1956) ثم أسندت إلى مجمع البحوث الإسلامیة فی الأزهر الشریف وقد اصطلحت تلک اللجنة على العلامات الدالة على الضبط واصطلاحاته فی صورته الأخیرة ووضعت فی آخر کل مصحف لیرجع إلیها.

کلمات دلیلیة: حکایة ، نشر ، المصحف ، القاهرة
captcha