وأفادت وکالة الأنباء القرآنیة الدولیة(إکنا) أن المسلمین جمیعاً وعلى اختلاف مذاهبهم یتحدون فی مبادئ وأرکان تدعوهم دوماً إلى الوحدة الإسلامیة فی کل زمان ومکان فهم یتجهون بصلاتهم نحو الکعبة بصفوف لعبادة الله عزوجل.
وجاء فی کتاب الاعیان قال: روى ابن سعد فی الطبقات: ان رسول الله (ص) کان یصلی وهو بمکة نحو البیت المقدس، والکعبة بین یدیه، ولما هاجر الى المدینة صلى الى البیت المقدس ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً وکان یحب ان یصرف إلى الکعبة، وجعل اذا صلى الى البیت المقدس یرفع رأسه الى السماء فنزلت (قد نرى تقلب وجهک فی السماء)، البقرة: 144، وکان قد صلى رکعتین من الظهر فی مسجده ثم أمر ان یوجه الى المسجد الحرام فاستدار الیه ودار معه المسلمون. ویقال: کان ذلک فی بنی سلیم فسمی المسجد(مسجد القبلتین)[1].
وکان الأمر بالتحویل على ما روی فی شهر رجب بعد صلاة الظهر وروی ان القبلة صرفت ورسول الله (ص) قد صلى باصحابه رکعتین من صلاة الظهر، فتحول فی الصلاة، واستقبل المیزان... وکان التحویل بمقدار (180) درجة ای نصف دائرة تقریباً[2].
أسباب تحویل القبلة
ویقول الشیخ الطبرسی: اختلف فی سبب ارادته (ص) تحویل القبلة إلى الکعبة، فقیل: لأن الکعبة کانت قبلة ابیه ابراهیم علیه السلام وقبلة آبائه، عن ابن عباس. وقیل لأن الیهود قالوا: یخالفنا محمد فی دیننا ویتبع قبلتنا، عن مجاهد. وقیل: ان الیهود قالوا: ما درى محمد واصحابه أیه قبلتهم حتى هدیناهم[3].
وفی بحار الأنوار قال: وکان رسول الله (ص) یصلی إلى البیت المقدس مدة مقامه بمکة وفی هجرته حتى أتى له سبعة أشهر، فلما أتى له سبعة أشهر عیّرته الیهود وقالوا له : أنت تابع لنا تصلی إلى قبلتنا ونحن أقدم منک فی الصلاة فاغتم رسول الله (ص) من ذلک وأحب أن یحوّل الله قبلته الى الکعبة، فخرج فی جوف اللیل ونظر الى مسجد بنی سالم الذی جمع فیه أول جمعة کانت بالمدینة وصلى بهم الظهر هناک برکعتین الى البیت المقدس ورکعتین الى الکعبة ونزل علیه : (قد نرى تقلب وجهک فی السماء فلنولینک قبلة ترضاها)[4].
قال السمهودی: عن ابن سعد، ویقال: زار النبی (ص) أم بشر بن البراء بن معرور فی بنی سلمة وصنعت له طعاماً، وحانت الظهر فصلى رسول الله (ص) بأصحابه رکعتین، ثم أمر فاستدار الى الکعبة واستقبل المیزاب، فسمیّ مسجد القبلتی.
قال ابن سعد: قال الواقدی: هذا أثبت عندنا. وقال السمهودی أیضاً: وعند الزمخشری صرفت القبلة ورسول الله (ص) فی مسجد بنی سلمة- یعنی مسجد القبلتین- وهو فی صلاة الظهر[5].
وجاء فی کتاب تاریخ المدینة المنورة: ان النبی (ص) صلى فی مسجد القبلتین[6].
ویقول صاحب مرآة الحرمین: وهذه الروایات مع تضاربها فی تعیین المسجد الذی کان یصلی فیه الرسول (ص) حینما حولت القبلة، وتضاربها فی الصلاة التی کان التحویل أثناءها، تفید فی مجموعها تعدد المساجد التی حولت القبلة فیها اثناء الصلاة، بل کل مسجد صلى فیه نحو البیتین فهو ذو القبلتین، فلا معنى لتخصیص مسجد بنی سلمة بهذه التسمیة[7].
ویقول صاحب التأریخ الامین : ... والذی یظهر ان أکثر أهل السیر ذهبوا الى انه مسجد بنی سلمة، وهو المسجد المعهود والحالی الکائن فی شمال المدینة المنورة[8].
موقع المسجد ومساحته
ویقع المسجد الى الغرب من مرکز المدینة المنورة على مکان مرتفع من حرة الوبرة (الحرة الغربیة) فی طرفها الشمالی الغربی قریباً من عرصة وادی العقیق الصغرى والکبرى. وقد کان مجمل مساحة المسجد القدیم تبلغ (425) أربعمائة وخمسة وعشرین متراً مربعاً [9].
مراحل عمارة المسجد
المرحلة الأولى: تم تجدید المسجد فی عهد عمر بن عبد العزیز عندما ولی المدینة، حیث انه جدد جمیع المساجد التی صلى فیها رسول الله (ص) [10].
المرحلة الثانیة: وجدد المسجد کذلک الشجاعی شاهین الجمالی شیخ الخدم بالمسجد النبوی وذلک فی سنة 893 هـ[11].
المرحلة الثالثة: جدده السلطان العثمانی سلیمان سنة 950 هـ. وکتب على الحائط الشمالی- ای على یسار الداخل الى المسجد- الآیة (144) من سورة البقرة وبخط جمیل جداً. وهذا المکان کان جهة القبلة الى البیت المقدس [12].
التوسعة السعودیة للمسجد:
وتم فی السنوات الأخیرة توسعة وعمارة مسجد القبلتین بشکل یتسع للزائرین، فتم إنشاء قاعة للصلاة تسع لألفی مصل بمساحة قدرها (1190 متراً مربعاً) وتشتمل على شرفة بمساحة (400 متر مربع) مخصصة للنساء.
أمّا الدور الأرضی للمسجد ففیه صالة للوضوء، کما یشتمل على فناء مزروع بأشجار النخیل. وقد اعتمد فی بناء المسجد على الطابوق الأحمر العازل للحرارة والصوت والرطوبة. ومراعاة لقداسة بیت الله عزوجل ومنعاً للرطوبة تم إکساء ما مساحته (24000 متر مربع) بمادة (مانع الرطوبة).
أما عن اعمال الصباغة فقد طلی المسجد باللون الأبیض الناصع، وطلی سقفه بلون مقارب الى لون الطابوق الفخاری لکی یعطی شکلاً طبیعیاً. وجاءت اعمال الزخرفة النحاسیة ذات الطابع القدیم بشکل رائع وجذاب أصغى على المسجد حلّة جمالیّة أثریّة.
وتم تنفیذ إنارة المسجد الداخلیة والخارجیة بشکل متواز روعی فیه توزیع الإنارة بشکل متوازن هذا بالاضافة إلى النور الطبیعی الذی یدخل من منافذ المسجد المرتفعة المزیّنة بالزخارف الاسلامیة والأشکال الجمالیة. کما زود المسجد بجهاز مرکزی لتکییف الهواء عن طریق فتحان خاصة موزعة فی جوانب المسجد.
وأخیراً: کسیت أرضیة المسجد بحلّة من أفخم السجاد الذی یحمل فی شکله القدیم ورسومه الأثریة طرازاً فریداً تمیز مسجد القبلتین عن غیره من المساجد [13].
مکانة المسجد وأهمیته
ویحتل مسجد القبلتین مکانة رفیعة فی التاریخ الإسلامی. فهو یمثل لجمیع المسلمین الواقعة التأریخیة العظیمة حیث صلى النبی (ص) الى البیت المقدس ثم أمر بالتحول الى الکعبة المشرفة. ولقد أخبر المصلین فی هذا المسجد اثناء الصلاة عن تحول القبلة الى مکة المکرمة فتحولوا إلیها فی أثناء صلاتهم وکان هذا التحول مظهراً من مظاهر الإستقلال العظیم للمسلمین ولدین الاسلام الذی أشعل فی قلوب الیهود ناراً حامیة من الحقد الدفین والحسد الشدید[14].
________________________
[1] - اعیان الشیعة: 1/240، منقولا عن التأریخ الأمین لمدینة سید المرسلین: ص371.
[2] - معالم مکة والمدینة بین الماضی والحاضر للشیخ یوسف العاملی: ص 363.
[3] - مجمع البیان فی تفسیر القرآن: 1/419، منقولاً عن التاریخ الأمین : ص 372.
[4] - بحار الأنوار للمجلسی: 19/ 113، منقولا عن التاریخ الأمین : ص 372.
[5] - وفاء الوفاء: 1/362-364، منقولاً عن التأریخ الأمین: ص 372.
[6] - تاریخ المدینة المنورة لابن شبة: 1/ 68، منقولاً عن التاریخ الأمین: ص 372-373.
[7] - مرآة الحرمین لرفعت باشا: 1/451، منقولا عن التاریخ الأمین: ص 373.
[8] - التاریخ الأمین: ص 373.
[9] - تاریخ معالم المدینة المنورة قدیماً وحدیثاً لأحمد الخیاری: ص 287.
[10] - معالم مکة والمدینة؛ ص 363. وفی سیر اعلام النبلاء: 5/117(ولیّ عمر بن عبد العزیز المدینة المنورة فی إمرة الولید من سنة 86-93هـ).
[11] - المصدر السابق.
[12] - المصدر السابق.
[13] - تاریخ معالم المدینة المنورة: ص 287-289 (بتصرف یسیر).
[14] - المصدر السابق: ص 285.
الکاتب: ابو زینة
المصدر: مرکز آل البیت(ع) العالمی للمعلومات