ایکنا

IQNA

إنتصار الثورة الاسلامية الايرانية وسرّ العنفوان

10:22 - June 02, 2020
رمز الخبر: 3476792
بغداد ـ إکنا: لا نغالي اذا قلنا ان انتصار الثورة الاسلامية في إيران في عصرنا الراهن تمثل إعجازاً سياسياً، نظراً للظروف السياسية والفكرية التي عاشتها المجتمعات الشرقية والغربية انذاك.

إنتصار الثورة الاسلامية الايرانية وسرّ العنفوان

ولكن الأكثر إعجازاً في تصورنا هو ديمومة الثورة الاسلامية رغم الاشكاليات التي واجهتها وهي في مهدها، فأية ثورة تحمل فكراً اسلامياً ليس تقليدياً، وليس لها سابقة في التجربة في اية جغرافية من العالم الاسلامي بهذا الفكر والأيدولوجيا والثوابت، ومنذ بزوغها تواجه ارهاصاتٍ وحروبا من داخل الدولة وخارجها، وحصار اقتصادي في ظل انهيار للمنظومة العسكرية بعد سقوط نظام الشاه ،وحداثة التجربة الاقتصادية ، وفِي ظل اصرار عجيب على ثوابتِ الثورة ومبدئيتها، واسلاميتها وعقائديتها، وهي تتحدى العالم كلَّ العالم شرقاً وغرباً، وحتى تلك الانظمة التي تدور في فلك هذا المعسكر الشرقي او ذاك المعسكر الغربي، نقول اية ثورة ودولة تحمل هذاالفكر وذاك الثبات يكتب لها الانتصار وديمومة الانتصار بحسابات مادية تقليدية؟

بالمقابلِ لو اتفقنا على البعد الغيبي او الإعجاز الغيبي وحضوره في هذه الثورة، ومن ثم الدولة ، لكن يبقى السؤال الجوهري هو: ما هي اسباب هذا الانتصار الميداني والواقعي الذي تحقق ،وكُتِبَ له الدوام لعقود من الزمانِ، ولا زالت الدولة والثورة تتصدر دول المنطقة، تقدما وعطاءا، وثباتا على الأصول التي انطلقت لاجلها الثورة وبنيت على اساسها الدولة، سواء كانت الحسابات مادية او إعجازية ؟

نتصور ان سر الانتصار وديمومته يكمن في عدة قضايا أساسية اهمها:

أولاً: إنسانية الثورة:

من يتابع خطابات وكلمات مؤسس الثورة وقائدها وهو يتحدث عن نصرة المستضعفين ، يشم رائحة حقانية الثورة وعدالتها وانتصارها للمظلومين ليس داخل ايران فحسب ، بل في كل مكان يوجد فيه ظلم واضطهاد، وعدوان وانتهاك لفطرة الانسان وحقوقه الطبيعية.

ولهذا نرى ان السيد الامام الخميني (قدس)  قد خاطب البابا في رسالتةٍ له يقول( انني وشعبي وجميع شعوب العالم المستضعفة المسلمون والنصارى وغيرهم نحس بوجود نقطة مبهمة اريد ان اذكرها الان وهي: ان خمسة وثلاثين مليون ايراني كانوا تحت نير الاستعمار وضغوط امريكا والسيد كارتر خاصة ، وملايين من مستضعفي العالم كانت آذانهم تنتظر سماع الملاطفة الأبوية من المقام الروحي للبابا . هذه الملاطفة الأبوية التي تتمثل في  اقل تقدير في الاستفسار عن احوالهم، وتحذير المستكبرين الذين ظلموهم وجعلوهم يعانون هذا الظلم ).

فكان اهتمام الثورة وقائدها بالمستضعفين تعد اولوية اولى في حركته ونهضته ضد المستكبرين ، بغض النظر عن هوية المستكبرينَ ، وبغض النظر عن هوية المستضعفين ايضاً.

فلا فرق من وجهة نظر الثورة وقائدها بين ظلم الشاه( المسلم) او ظلم ( كارتر) المسيحي او ظلم اي ظالم ( لا ديني)، كما انه لا فرق في نظر السيد الامام في نصرة المظلوم المسلم الايراني، او المسلم الفلسطيني او البوسني ، بل ولا فرق بين نصرة المستضعف الفلسطيني المسيحي او حتى اليهودي، فالظلم واحد والمظلوم واحد، ونصرته واجبة وجوباً انسانياً وإسلامياً.

ثانياً: اسلامية الثورة ومبدئيتها: 

ايضا ما يميز هذه الثورة والدولة وسر انتصارها وديمومتها هو؛ انها تجربة رائدة وفريدة من نوعها في العالم. 

فقد شهد العالم الاسلامي سابقاً تجارب( اسلامية) لكنها لا تعدو الا ان تكون اسلامية المظهر دون الجوهر، او اسلامية الشخوص دون القوانين ، او انها تجارب (مشوشة) الرؤى وليست مبدئية ، ولم يكتب لها الديمومة والنجاح.
إنتصار الثورة الاسلامية الايرانية وسرّ العنفوان
لكن الثورة الاسلامية والجمهورية الاسلامية، هي اسلامية من( أُم الرأس الى اخمص القدمين).

فقائد الثورة هو مرجع فريد وعالم مجدد، وسياسي من الطراز الخاص والنادر، وعرفاني متفانٍ في ذات الله ، ولا تعادل عنده الدنيا ( عفظة عنز) مالم يحق حقا ويدفع باطلا، كما يقول أمير المؤمنين عليه السلام.

واما ثوابت الثورة فهي ثوابت الاسلام وفق معيار( حلال محمد حلال الى يوم القيامة وحرامه حرام الى يوم القيامة ) بلا مجاملات ولا مداراة ، ولا مقتضيات المصلحة القومية أو المذهبية، ولا متطلبات المرحلة السياسيةِ التي تعيشها المنطقة، ولا أولويات المرحلة وتكتيكاتها حالت او تحول دون الثبات على ثوابتِ الدين ومبادئه.

ربما يقول اي سياسي او خبير بالتجارب السياسي ومتطلبات التغيير المطلوبة في اي بلد يعيش ارهاصات التغيير: ما علاقة إسقاط نظام الشاه ، الفاسد والمجرم والمستبد للشعب الايراني في قضية فلسطين، اليس الاولى ان يكون خطاب السيد الامام الخميني خطابا يدغدغ مشاعر وعواطف الشعب الايراني بما يتلائم مع حاجاته المحلية، من حرية ورفاه اقتصادي وسياسي حتى يلتف الجميع خلفه، فما علاقة فلسطين بحاجة هذا الشعب الذي لايريد اكثر من استحقاته المحلية؟

لكن رؤية السيد الامام السياسيةِ هي ليست رؤية براغماتية تعتمد على المصلحة السياسيةِ وتحقيق الانتصار ثم الالتفاف على تلك المصالح او توسعتها بما يتلائم مع طبيعة المتغيرات، بل ان رؤية السيد الامام هي رؤية الاسلام المحمدي الأصيل ، والثابت السياسي لديه هو ثابت عقائدي وشرعي لا فرق بينهما ، ولهذا يستشهد بمقولة ( سياستنا عين ديننا ، وديننا عين سياستنا).

ثالثاً: الوحدة الاسلامية:

لم نسمع ونحن مطلعون على العديد من الثورات التي حصلت في العديد من البلدان الاسلامية ، ان هناك ثورة عابرة للحدود القومية او الوطنية او المذهبيةِ والطائفية كالثورة الأسلامية في ايران.

اغلب، ان لم نقل جميع الثورات في المنطقة اما انها مؤطرة باطار قومي، او جغرافي ( وطني)، او مذهبي( طائفي)، وتبقى الأهداف الاستراتيجية لتلك الثورات ضمن ذلك الإطار المحدد، لذلك لم تتفاعل معها جماهير وشعوب الامة الاسلامية او المستضعفين من بقية الشعوب.

وثورة السيد الامام ( قدس) وجمهوريته الاسلامية كانت عابرة لكل الحدود الجغرافية والأطر القومية، والتوجهات المذهبية او الحدود الوطنية، فهي لكل المستضعفين في الارض، وقد ذكرنا آنفا نداء السيد الامام الى بابا الفاتيكان ،وضرورة ان يكون دوره اكثر فاعلية في التعاطي مع المستضعفينَ من المسلمين والمسيحين على حد سواء.

اما على الصعيد الاسلامي ، فان التاريخ المعاصر والذي عشناه ولا زلنا يحدثنا عن موقف الجمهورية الاسلامية من كل شعوب المسلمين دون اي مائز عرقي او طائفي داخل الشعوب الاسلامية.

فالجمهورية الاسلامية تدفع ضريبة وقوفها مع الشعب الفلسطيني والأرض الفلسطينية ، واطلعنا على محاولة الادارات الامريكية المتعاقبة ان تفاوض ايران وتقدم لها الإغراءات السياسيةِ والاقتصادية والامنية، فضلا عن العلمية مقابل ان تتوقف عن دعم القضية الفلسطينية، والاكتفاء بالشعارات الإعلامية اسوة ببقية الدول العربية، واذا تريد ان تتعاطى الجمهورية الاسلامية مذهبيا مع الشعب الفلسطيني ربما تقول : انا لست اولى بالشعب الفلسطيني من الدول العربية ، فتلك الدول هي دول عربية والشعب الفلسطيني عربي، وكذلك تلك الدول سنية المذهب والشعب الفلسطيني كذلك، اليس النظام السعودي وانظمة الخليج هي الاولى بالدفاع عن الشعب الفلسطيني ( العربي- السني)؟

لكن ثورة السيد الامام ابعد ما تكون عن تلك التقسيمات ، بل اكثر من ذلك كان السيد الامام يحذر من التموضع المذهبي او القومي او الجغرافي، لان العدو يشتغل منذ عقود طويلة من اجل ترسيخ الانقسام القومي والمذهبي والجغرافي، وقد اتخذت الجمهورية الاسلامية عدة فعاليات سياسية وثقافية من اجل ترسيخ الوحدة الاسلامية، غير المواقف الرسمية والدعم اللا محدود للشعب الفلسطيني وقضية القدس . حتى ان الجمهورية الاسلامية حددت أسبوعا للوحدة الاسلامية مستفيدين من الاختلاف التاريخي في تحديد موعد ولادة الرسول الاعظم ما بين ١٢- ١٧ ربيع.

ولا زلنا نتذكر مقولة السيدالامام عن أهمية الوحدة بين المسلمين، وانها تمثل عنصراً اسياسياً في تحقيق النصر على الكيان الصهيوني حيث يقول - قدس- ( لو ان كل ميلم القى بدلوهم الماء  على اسرائيل لجرفها السيل ).

صعيد اخر عندما تعرض الشعب البوسني الى اعتداءات وابادة جماعية من الصربيين،كان موقف الجمهورية الاسلامية في الوقوف مع الشعب البوسني المسلم ( السني) موقفا استثنائيا، اشاد به كبار المسؤولين البوسنيين ، في الوقت الذي كانت أنظمة الخليج واغلب الدول العربية تتابع الاحداث هناك والمجازر كما يتابعون  أحداث مباريات كرة القدم ، دون ان يكترثوا بتلك الدماء المسلمة، ولديهم القدرة المالية والعسكرية وحتى السياسيةِ لإيقاف تلك المجازر.

واكتفي بنقل معلومة عن مدى تعاطف الجمهورية الاسلامية عقائديا وسياسيا وماليا مع الشعب البوسني ، فقد ذكر وزير الخارجية الايراني الاسبق الدكتور علي أكبر ولايتي يقول(ارسل علي السيد الامام الخامنئي ( دام ظله) ذات يوم وقال: دكتور ولايتي انا منذ عدة ايام اشعر بالام في ظهري ، وراجعت الاطباء ولم يفلحوا في ذلك ، اليوم انا اتابع أخبار الشعب البوسني وما يتعرض له من عدوان، وانت وزير خارجية الجمهورية الاسلامية ، وهذه إمكانيات ايران تحت تصرفك وانت مسؤول غدا امام  الله اذا قصرت في دعم الشعب البوسني.

يقول ذهبنا الى البوسنة محملين بالدعم اللوجستي والمواد الغذائية وبقية الاحتياجات الانسانية الاخرى، ونزلنا بصعوبة بالغة تحت أزيز السلاح والقصف المرعب ، وبعد عدة ايام التقيت بالسيد الامام الخامنئي وحدثته بما قمنا به ، يقول قال لي السيد القائد ( منذ ذلك اليوم لم اشعر بأية  الام في ظهري).

بهذا الشعور الروحي والمشاعر الاسلامية،  وبهموم القائد بشعوب المسلمين المستضعفين يتعاطى قادة الثورة الاسلامية.

لهذا شاء الله تعالى ان يكتب لها الانتصار ودوام البقاء، بل ومقومات الرقي والتطور الى الحد الذي امست جمهورية اسلامية تناطح السحاب علوا ورفعة وازدهارا ورفعة .

رابعاً: استحقاق شعب:

عندما ( حبا) الله تعالى الشعب الايراني بقائد عظيم ومرجع فريد، ومجدد للفقه ، وعرفاني متفان، وثائر رباني بحجم السيد الامام الخميني، لم يكن ذلك الامر اعتباطا، او صدفة ، بقدر ما هو استحقاق الشعب الايراني.

هذا الشعب الذي يمتلك من المميزات التي تجعله يرتقي الى مستوى ان الله يهبه شخصية بمستوى السيد الامام ، علينا ان نتصور حجم هذا الاستحقاق . فقد جاهد الشعب الايراني وقدم دماءا طاهرة، من مراجع كبار وعلماء عاملين، وشباب مجاهدين لعقود من الزمان، والله يعلم ظاهر هذا الشعب وباطنه، ويعلم إخلاصه وتدينه ، ودفاعه عن دين الله بكل ما يملك فكانت مكافأة الله ان ( حباه) بالامام العظيم روح الله الخميني ( قدس). وكان الشعب الايراني في إخلاصه وانتصاره لدين الله مصداقا لقوله تعالى( ان تنصروا الله ينصركم ويثبت اقدامكم).

ولا زال الشعب الايراني ثابتا وصادقا على العهد والوعد الذي قطعه للامام الخميني بالثبات على نفس المبادئ التي اصل لها ونظَّر ودافع من اجلها السيد الامام، رغم محاولات الاعداء ( ترويض) هذا الشعب (وتركيعه) بمحاصرته احيانا ومحاربته احيانا اخرى، وإيجاد التفرقة بين مكوناته او بينه وبين قيادة الثورة ، لكنه وكما عهده السيد الامام (لا يركع لغيرالله تعالى) ، فكان الانتصار ويمومته، والثورة ورقيها، والإسلام وثبات الهوية، حتى أضحت الجمهورية الاسلامية انموذجا فريدا في التجارب السياسيةِ والمواقف المبدئية، وتعاطفِ الشعوب المستضعفة معها( فاجعل افئدة من الناس تهوي اليهمُ).

خامساً: المزاوجة بين الاصالة والحداثة، والدين والعلم:

لحد الامس القريب كانت النظرة للدين على انه مجموعة طقوس عبادية و روحية تربط الانسان بربه، ومساحتها جدران المسجد ليس اكثر.

من جانب اخر فان النظرة لعلاقة الدين بالعلم هي نظرة التقاطع والافتراق ، وأنهما من سنخين مختلفين ، مستصحبين أقوال  بعض القساوسة  من علماء المسيحيين وكهنة اليهود في القرون الخالية  وكذا الحال حاولت اغلب الانظمة العربية ان ترسخ هذا المبدا من اجل تحجيم الدين في مساحته العبادية حتى لا يزاحمهم في مساحاتهم السياسيةِ من جانب، ومن جانب اخر لانهم تأثروا بالفكر الغربي وما طرحه بعض المستشرقين عن الدين ودروه.

وانتصار الثورة الاسلامية في ايران هو ليس انتصارا للشعوب المستضعفة فحسب، ولا هو انتصار على النظام الشاهنشاهي وتحرير الشعب الايراني من ( نير) استبداده فقط، بل هو انتصار على تلك المقولات الغربية والشرقية ، التي تدعي ان الدين يعارض العلم، فالجمهورية الاسلامية عملت منذ الايام الاولى لانتصارها على ضرورة امتلاك ناصية العلم والتكنلوجيا في مختلف المجالات الصحية والصناعية، وفِي مجال الفضاء والتكنولوجيا النووية ، وغيرها وصولا الى الاكتفاء الذاتي بقدرات اسلامية وبعقول استلهمت من معاني القرانِ المفاهيم والأشارات التي تحث على طلب العلم( يا معشر الجن والانس  ان استطعتم ان تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فأنفذوا لا تنفذون الا بسلطان).

وها هي اليوم امست لا تكتفي ذاتيا في مجال العلوم العسكرية والمدنية، بل استطاعت ان تكسر هيبة دول الاستكبارِ العالمي الذي يتغنى باختراعاته العلمية، ويهدد كل دول العالم، فضلا عن العالم الاسلامي، ويؤكد ان دول الاستكبارِ العالمي قوة لا تقهر ، حتى انها استغنت عن الله تعالى وتحدثت عن ان الانسان (هو محور الوجود، وهو المحق وليس المكلف).

هذا الانتصار والمزاوجة بين الدين وثوابته، والعلم وقواعده ونظرياته جعل من الثورة الاسلامية ثورة استثنائية جمعت ما بين التوكل على الله تعالى من جهة ، وتوظيف الاسباب الطبيعية لبقائها من جهة اخرى .  ( واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم ).

بقلم المحلل السیاسی العراقی، ومدير مركز "أفق" للدراسات والتحليل السياسي في العراق، "جمعة العطوانی"
captcha