لكن السنة النبوية بخلاف القرآن الكريم، تعرضت على مدار التاريخ للكثير من التبديلات والتحريفات والتدليس والوضع وخاصة من طرف الفئة الباغية، التي حاولت استغلال السنة النبوية لتحريف الدين، ذلك أنها لم تستطع أن تحرف القرآن الكريم، لأن الله تعالى توعد بحفظه، ولأنه تُلُّقي بالتواتر، ولأن الأمة أجمعت عليه وعلى حفظه، فلذلك لم يجدوا طريقة للتحريف والتبديل سوى وضع آحاديث وتدليسها ونسبتها لرسول الله(ص).
وهنا يكمن دور أئمة أهل البيت عليهم السلام، الذين استعملوا كل الوسائل لحفظ وإحياء السنة النبوية، لأنه لا يمكن حفظ الدين الأصيل من دونها، والقرآن الكريم متواتر ومتفق على حفظه، بينما السنة النبوية التي هي بيان القرآن الكريم أستعملت للتحريف المعنوي للقرآن الكريم.
وهذا ما يدعونا للبحث عن كل إمام من أئمة الهدى ودوره في حفظ وإحياء السنة الشريفة، وكيف مثلها في الواقع، فصحح التحريفات المرتبطة بها، ومن هؤلاء الأئمة، الإمام الحسين عليه السلام، الذي نطق رسول الله a في حقه الكثير من النصوص، والتي تدل على أن له مكانة خاصة في الدين لا ينبغي تجاوزها، ذلك أن الذي نطق بها هو من لا ينطق عن الهوى.
وحديث رسول الله(ص) الذي اتفقت على روايته الأمة جميعا: (حسين مني، وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسينا، حسين سبط من الأسباط)([1])، لأكبر دليل على الدور المحوري الذي قدمه الإمام الحسين عليه السلام في حفظ الدين وإحياء السنة الشريفة.
وهنا يحق لنا أن نتساءل، هل اقتصر دورالإمام الحسين عليه السلام على تلك الحركة التي واجه بها يزيد وواجه بها الحكم الوراثي وواجه بها التحريف السياسي للدين، أم أن حركته هذه قد شملت كل المجالات؟.
والإجابة على هذه الأسئلة، تقتضي منا البحث في القيم وفي الأركان الكبرى التي مثلها الإمام الحسين عليه السلام ومثلتها أحاديثه وأفعاله، وقد وجدنا أنها تشمل أربعة أركان هي:
1ـ القيم الإيمانية:
ونقصد بها تلك القيم المهتمة بالتعريف بالله وبرسوله وبحقائق الإيمان باعتبارها الأساس الأول الذي تبنى عليه جميع القيم الروحية والأخلاقية والرسالية، فالقرآن الكريم وردت فيه هذه المعاني، لكن المحرفون استغلوا السنة النبوية لينشروا قيم التشبيه والتجسيم التي أخذوها من اليهود وغيرهم، وقد كان للإمام الحسين عليه السلام الدور الكبير في مواجهة هذه الطائفة، سواء بالمواجهة المباشرة عندما حذر منها أو من خلال الأدعية، وخصوصا دعاء عرفة وغيرها.
فالحركة الحسينية في كربلاء وما قبل كربلاء، لم تكن متوجهة للثورة على الظلم والاستبداد فقط، وإنما كانت متوجهة قبل ذلك للحفاظ على القيم الإيمانية التي أراد بنو أمية تحريفها، وتحويل الإسلام إلى الوثنية التي تحولت إليها اليهودية والمسيحية وكل الأديان السماوية، كما قال تعالى: ﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِالله إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ﴾ [يوسف: 106]
وقد عبر الإمام الحسين عليه السلام عن أهمية هذا النوع من القيم، وكونه الهدف الأكبر من حركته وحركة أبيه وأخيه وسائر الأئمة الراشدين بقوله لمن سأله عن قول الله عز وجل: ﴿هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ ﴾ [الحج: 19]: (نحن وبنو أمية اختصمنا في الله عز وجل، قلنا، صدق الله وقالوا: كذب الله، فنحن وإياهم الخصمان يوم القيامة)([2]).
وهكذا عبر الإمام عليه السلام عن هذا المعنى؛ من أن الهدف الأكبر من الدين هو التعرف على الله، والتواصل الروحي معه، بل كان يدعو إلى الاهتمام بالبحث الجاد عن المعرفة الإلهية من سبلها الصحيحة المعصومة، حتى لا يحيق بهذه الأمة ما حاق بغيرها من الأمم.
وما حصل في هذه الأمة من تحريفات، أصابها حين ضيعت وصية نبيها في البعد عن كل ما يمكن أن يحرف هذا الدين والسنة المطهرة، ولهذا نجد الكثير من التحريفات دخلت في القيم الإيمانية، خاصة بعد تقريب السلطة الأموية لليهود الذين أسلموا، وإفساح المجال لهم لتعليم الناس قيم الدين، بل أُفسح المجال لهم لتفسير القرآن الكريم، ولهذا كان من الأدوار الكبرى التي قام بها الأئمة بمن فيهم الإمام الحسين عليه السلام ، مواجهة تلك التحريفات لتبقى العقيدة الإسلامية صافية بعيدة عن كل ما يشوهها.
وبناء على هذا نرى الدور الكبير للإمام الحسين عليه السلام في مواجهة التحريف الذي حصل للقيم الإيمانية، المتمثلة في القيم التنزيهية والكمالية وسنحاول ـ من خلال هذين النوعين من القيم ـ بيان كيف دعا الإمام الحسين عليه السلام إلى هذين الأصلين من أصول القيم، وكيف واجه تلك التحريفات التي حاولت أن تنحرف بالعقيدة الإسلامية إلى ما انحرفت إليه سائر الأديان السماوية، وسنرى كذلك مدى صلة ما طرحه بالقرآن الكريم والسنة النبوية، وما ذكره الأئمه قبله وبعده.
أولا ـ الإمام الحسين وقيم التنزيه [الجلال الإلهي]:
نجد في الروايات الواردة عن الإمام الحسين عليه السلام اهتماما كبيرا بقيم التنزيه، والرد على ظاهرة التجسيم والتشبيه التي اهتم بها بنو أمية، ووفروا الدعاة لها، من أمثال كعب الأحبار ووهب بن منبه وغيرهما.
وقد روي عنه، قوله ـ في خطاب له يشير به إلى تلك الظاهرة التي وفر لها بنو أمية كل أسباب الرعاية: (أيها الناس! اتقوا هؤلاء المارقة الذين يشبهون الله بأنفسهم، يضاهئون قول الذين كفروا من أهل الكتاب، بل هو الله ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير، لا تدركه الأبصار، وهو اللطيف الخبير، استخلص الوحدانية والجبروت، وأمضى المشيئة والإرادة والقدرة والعلم بما هو كائن، لا منازع له في شيء من أمره، ولا كفو له يعادله، ولا ضد له ينازعه، ولا سمي له يشابهه، ولا مثل له يشاكله، لا تتداوله الأمور، ولا تجري عليه الأحوال، ولا تنزل عليه الأحداث، ولا يقدر الواصفون كنه عظمته، ولا يخطر على القلوب مبلغ جبروته؛ لأنه ليس له في الأشياء عديل، ولا تدركه العلماء بألبابها، ولا أهل التفكير بتفكيرهم، إلا بالتحقيق إيقانا بالغيب؛ لأنه لا يوصف بشيء من صفات المخلوقين، وهو الواحد الصمد، ما تصور في الأوهام فهو خلافه. ليس برب من طرح تحت البلاغ، ومعبود من وجد في هواء أو غير هواء، هو في الأشياء كائن لا كينونة محظور بها عليه، ومن الأشياء بائن لا بينونة غائب عنها، ليس بقادر من قارنه ضد أو ساواه ند، ليس عن الدهر قدمه، ولا بالناحية أممه، احتجب عن العقول كما احتجب عن الأبصار، وعمن في السماء احتجابه كمن في الأرض، قربه كرامته وبعده إهانته، لا يحله (في)، ولا توقته (إذا)، ولا تؤامره (إن)، علوه من غير توقل([3])، ومجيئه من غير تنقل، يوجد المفقود ويفقد الموجود، ولا تجتمع لغيره الصفتان في وقت، يصيب الفكر منه الإيمان به موجودا، ووجود الإيمان، لا وجود صفة، به توصف الصفات لا بها يوصف، وبه تعرف المعارف لا بها يعرف، فذلك الله لا سمي له، سبحانه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)([4]).
من هنا يتضح لنا مقتضيات التنزيه ـ كما يصفها الإمام الحسين عليه السلام ـ، وهي تنزيه الله عن الإدراك والحدود، وتنزيهه عن التشبيه والتجسيم، وأن المتمعن في أقواله عليه السلام يدرك أنها تؤصل لقيم التنزيه، وأن هذه النصوص التي قالها الإمام الحسين عليه السلام ـ لو أعطيت الأهمية التي تستحقها ـ لأدرك أنها تحمي العقائد الإسلامية من كل تلك التشويهات والتحريفات التي حصلت لها، والتي لا نزال نعيش آثارها إلى اليوم، فهي ترد على تلك الظاهرة التي انتشرت في ذلك الحين برعاية السلطة الأموية، وعلماء السلاطين التابعين لها.
ثانيا ـ الإمام الحسين وقيم الكمال [الجمال الإلهي]:
لا تقتصر القيم الإيمانية على قيم التنزيه، ذلك أنها ـ مع أهميتها ـ لاتفعل سوى أن تنفي عن الله ما لا يتناسب مع جلاله وعظمته، بالإضافة إلى كونها قيما يمكن للعقل المجرد إثباتها، فالقرآن الكريم يدعو إلى استعمال العقل المجرد لتنزيه الله عن الشريك، قال تعالى: ﴿ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا الله لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ الله رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ ﴾ [الأنبياء: 22].
كما تظهر قيمة أطروحات أئمة أهل البيت عليهم السلام، والتي تبنت المنهج القرآني في الدعوة للعقيدة الإسلامية، وما يرتبط بها من قيم، والتعريف بالحقائق على الطريقة القرآنية.
ولهذا نجد المعارف العظيمة في أدعيتهم؛ فهي تشمل حقائق الجلال والجمال الإلهي، وبأحسن عبارة، وأدق إشارة، وبلغة جميلة بسيطة يفهمها العامة والخاصة، كل بحسبه، بالإضافة إلى كونها معراجا يتواصل المؤمن من خلاله مع الله تعالى.
ومن أجمل تلك الأدعية، وأكثرها اهتماما بمعارف الكمال الإلهي دعاء الإمام الحسين عليه السلام يوم عرفة، فهو وحده مدرسة عقدية كاملة، لو أن الأمة اهتمت بها بدل اهتمامها بتلك المتون العقدية، لبنت علاقة إيمانية مع الله، تختلف عن ذلك الجدل والتحريف الذي وقعت فيه.
2ـ القيم الروحية:
ونقصد بها السلوك الروحي إلى الله تعالى، سواء ذلك المتمثل في الشعائر التعبدية كالصلاة والصيام والذكر وقراءة القرآن، أو ذلك المتمثل في المنازل والمقامات الروحية كالتوكل والإنابة والمحبة والأنس وغيرها، وكل هذه الأمور نجد للإمام الحسين عليه السلام تراثا مهما فيها، وفي الدعوة إليها وفي الاهتمام بها، سواء من خلال أحاديثه أو من خلال الأدعية الواردة عنه، أو من خلال أفعاله خصوصا تلك التي حدثت في كربلاء.
بناء على هذا نحاول أن نبين بعض مظاهر القيم الروحية التي اتصف بها الإمام الحسين عليه السلام، أو دعا إليها، ونرى علاقتها بالسنة النبوية، و بما قاله رسول الله وسائر الأئمة، ودورها في الحفاظ على الدين المحمدي الأصيل، ومواجهة التحريفات التي لحقت به في الأزمنة المختلفة.
وقد رأينا تقسيمها بحسب ما هو متعارف إلى نوعين من القيم
أولا ـ الإمام الحسين والقيم المرتبطة بالشعائر التعبدية:
الاهتمام بالشعائر التعبدية وتعظيمها، واعتبارها أقرب السبل للسلوك إلى الله تعالى، من أهم المظاهر المشتركة عند جميع الأئمة عليهم السلام، وعلى نهجهم سار الإمام الحسين عليه السلام؛ فقد كان يهتم بالشعائر التعبدية، ويدعو إلى التزامها وحفظها وإقامتها بحسب ما أمر الله، وبحسب السنة المطهرة التي رآها بنفسه، أو رأى أباه الإمام ينفذها.
واتفق المؤرخون على مدى اهتمامه بممارسة جميع أنواع الشعائر التعبدية، ومن أمثلة ذلك قول ابن الأثير: (وكان الحسين رضي الله عنه فاضلاً، كثير الصوم، والصلاة، والحج، والصدقة، وأفعال الخير جميعها)([5]).
وهكذا يتفق المؤرخون على أنه كان كثير الحجّ، وأنه حجّ خمساً وعشرين حجّة ماشياً على قدميه، وكانت نجائبه تقاد بين يديه، وكان يمسك الركن الأسود ويناجي الله ويدعوه، ولم يكن يكتفي بالاهتمام بأداء الشعائر التعبدية، وإنما كان يدعو إلى الاهتمام بمقاصدها، حتى لا تتحول إلى مجرد طقوس لا دور لها في تقويم الشخصية وإصلاح المجتمع، ومن الأمثلة على ذلك قوله جوابا لمن سأله عن الحكمة من تشريع الصوم: (ليجد الغني مسّ الجوع فيعود بالفضل على المساكين)([6])؟
ولهذا كان الإمام الحسين عليه السلام يوليها عنايته الكبرى، بسلوكه وخطاباته وتوجيهاته، بل إنها نالت حظها من اهتمامه الكبير، وفي أحلك الظروف التي مر بها في كربلاء.
ومن أكبر دلائل اهتمامه بالصلاة وتعظيمه لها، ما حصل ليلة العاشر، فمع كونها كانت ليلة لا تقل عن تلك الليالي التي وصفها الله تعالى بقوله: ﴿إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِالله الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا ﴾ [الأحزاب: 10، 11].
وقد ذكر بعض الرواة الذين شهدوا تلك الليلة؛ فقال: (وبات الحسين وأصحابه تلك الليلة ولهم دوي كدوي النحل، ما بين راكع وساجد وقائم وقاعد)([7]).
لكن كل هذا ـ مع أهميته الكبرى ـ لم يكن يساوي شيئا أمام ذلك الحرص على أداء صلاة الجماعة يوم الملحمة الكبرى، وفي ظل تلك المخاطر العظيمة التي كانت تحيط بهم، فقد روى المؤرخون أنه لما استشهد عدد كبير من أصحاب الإمام الحسين في يوم العاشر من محرم، وتناقص عددهم، جاء أبو ثمامة الصيداوي([8])، وقال للإمام الحسين : (نفسي لك الفداء، إني أرى هؤلاء قد اقتربوا منك، لا والله، لا تُقتل حتى أُقتل دونك، وأحبّ أن ألقى الله وقد صليت هذه الصلاة التي دنا وقتها)؛ فرفع الإمام رأسه إلى السماء وقال: (ذكرت الصلاة جعلك الله من المصلين الذاكرين، نعم، هذا أول وقتها)، ثم قال: (سلوهم أن يكفّوا عنّا حتى نصلّي)([9])
وحديث رسول الله في قوله: (إنِّي تاركٌ فيكم ما إن تمسَّكتُم به لن تضلُّوا بعدي ـ أحدُهما أعظمُ من الآخَر:كتاب الله، حبْلٌ ممدودٌ من السَّماء إلى الأرض، وعِترتي أهل بيتي، ولن يتفرَّقَا حتى يرِدَا عليَّ الحوضَ، فانظروا كيف تَخلُفوني فيهما)([10])، هو تعبير في منتهى البلاغة يدل على أن الإمام الحسين، مجتمع مع القرآن الكريم، ومتحد به، بحيث لا ينفك عنه؛ فسلوكه سلوك قرآني، وأخلاقه أخلاق قرآنية، ومعارفه مستمدة من بحار القرآن الكريم التي لا تنفذ، وهكذا ينطق كل شيء فيه بالقرآن الكريم.
فمن الصعب الحديث عن علاقة الإمام الحسين عليه السلام بالقرآن الكريم، ذلك أن حياته كلها يمكن أن توضع ضمن هذه العلاقة، ولهذا لا نستغرب وجود الإشارات الكثيرة إليه في القرآن الكريم، إما بصراحة ووضوح متفق عليه، أو بتلميح قريب مختلف فيه.
فمن المتفق عليه عند جميع المسلمين أنه من النفر الذين ذكروا في آية التطهير، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهل الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾ [الأحزاب: 33]، وكيف لا يتفقون على ذلك، وقد ورد في الحديث الصحيح المتفق عليه عند الفريقين ما يدل على أن النبيّ a اعتبر عليّاً وحسناً وحسيناً وفاطمة، هم المصاديق الذين تنزلت فيهم تلك الآية الكريمة.
ومن المتفق عليه كذلك أنه من الذين تشملهم آية المودّة التي فرض الله تعالى فيها مودّة أهل البيت ، كما قال تعالى: ﴿ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ الله غَفُورٌ شَكُورٌ ﴾ [الشورى: 23]؛ فقد ذهب جمهور المسلمين إلى أنّ المراد بالقربى هم: علي وفاطمة وابناهما الحسن والحسين، وأنّ اقتراف الحسنة إنّما هي في مودّتهم ومحبّتهم.
ومن المتفق عليه كذلك أنه من الذين تشملهم آية المباهلة، وهي قوله تعالى: ﴿فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ الله عَلَى الْكَاذِبِينَ ﴾ [آل عمران: 61].
فقد اتّفق المفسّرون أنّها نزلت في أهل البيت بمن فيهم الإمام الحسين عليهم السلام بسبب الروايات الواردة في ذلك، والتي تعتبر (أَبْنَاءَنَا) إشارة إلى الحسَنَين (عليهما السّلام)، (وَنِسَاءَنَا) إشارة إلى فاطمة (عليها السّلام)، (وَأَنْفُسَنَا) إشارة إلى علي ([11]).
وكل هذه الآيات تشير إلى أن الحركة الحسينية كانت مستمدة من القرآن الكريم، وأنه أول مصاديقها، ويمكن اعتبار هذه الحركة حركة قرآنية، غرضها مواجهة التحريف الذي أشار إليه رسول الله a، وأخبر أن الإمام علي سيكون له دور محوري في مواجهته.
وهكذا كانت حركة الإمام الحسين عليه السلام امتدادا لحركة أبيه وأخيه، فكلاهما راح يحذر من مخالفة القرآن الكريم، أو تأويله على غير ما أنزل، أو ترك مفسريه الحقيقيين، والذهاب لأولئك المدعين الذين مكن لهم بنو أمية في الأرض، ليملأوا القرآن الكريم بالأساطير الإسرائيلية.
ومن أهم الوسائل التي استعملها الإمام الحسين ـ كما استعملها جميع أئمة أهل البيت ـ لأداء دورهم الرسالي في حفظ الدين وقيمه، ومواجهة التحريفات الطارئة عليه ما يمكن تسميته [الدعاء الرسالي]، وهو ذلك الدعاء الذي يحمل كل القيم الإيمانية والروحية والتربوية والسياسية وغيرها.
وهو ناتج عن تفاعلهم التام مع القرآن الكريم الذي استخدم هذا الأسلوب في عرض الحقائق الإيمانية، وفي عرض أنواع السلوك الروحي والأخلاقي، وفي بيان مواقف المؤمنين من أعدائهم ومواليهم أثناء مسيرتهم الدعوية.
وقد روي عن الإمام الحسين عليه السلام في هذا المجال الكثير من الأدعية، والتي حاول البعض جمعها في كتاب بعنوان [الصحيفة الحسينية]، على غرار الأدعية والمناجيات التي قالها الإمام السجاد ، والتي جمعت في [الصحيفة السجادية].
ثانيا ـ الإمام الحسين والقيم المرتبطة بالسلوك الباطني:
من خلال ما سبق ذكره من اهتمام الإمام الحسين عليه السلام بالشعائر التعبدية، وتعظيمه الله فيها، وأدائها بذلك الشوق والتعظيم، نستدل على ما في باطنه وروحه وقلبه من معان سامية؛ لأن الظاهر مرآة الباطن، وكل إناء بما فيه يرشح.
ومن سيرته ومواقفه وأدعيته وغيرها نكتشف الكثير من المعاني الروحية السامية التي تمثل كل ما ذكره القرآن الكريم عن عباد الرحمن، وكل الأوصاف التي أشاد الله فيها بالمؤمنين.
وهو بذلك يستحق ذلك اللقب العظيم الذي وصفه به رسول الله a، وهو وصف السيادة، والإمامة، لأنه يمثل الشخصية الإسلامية المتكاملة والمتوازنة في جميع جوانبها، وقد كان الإمام الحسين هو النموذج الأمثل الذي اجتمعت له كل تلك الكمالات التي تفرقت في غيره.
وربما يتساءل الكثير من الذين لم يفهموا سر كربلاء، وما حدث فيها من المآسي عن سبب عدم استخدام الإمام الحسين لما آتاه الله من ولاية تكوينية، تجعل دعاءه مستجابا، وطلبه محققا، وهمته نافذة، وسر ذلك هو عدم فهمهم للدور الرسالي لتلك الحركة، والممتد لجميع التاريخ.
فالإمام الحسين عليه السلام كان أسوته في ذلك الرسل الذين آتاهم الله تلك الولاية التكوينية، وأتاح لهم بها تحقق المعجزات، ومع ذلك لم يستخدموا تلك الصلاحيات، بل مارسوا أدوارهم الرسالية بجهودهم البشرية، ولم يدخلوا أي قوة غيبية فيها، حتى يكونوا أسوة لغيرهم.
ولذلك امتلأت كربلاء بمواقف التوكل وتفويض الأمر لله، والتي لا زالت إلى الآن نبراسا يشجع الرساليين على القيام بأدوارهم الإصلاحية، اقتداء بسيد الشهداء.
ومن الأمثلة على ذلك ما روي عنه من مواقف قبيل شهادته، وبعد أن رأى بعينه ما رأى من مآس، فقد حدث أبو مخنف قال: بقي الحسين ثلاث ساعات من النهار ملطّخا بدمه رامقا بطرفه إلى السماء وينادني: (ياإلهي، صبرا علي قضائك، ولامعبود سواك، ياغياث المستغيثين)([12]).
وفي تلك اللحظات الشديدة، التي تلقى فيها الحسين عليه السلام دم ابنه عبد الله عندما رماه حرملة بسهم، حتّى امتلأت كفّه، ثمّ رمى به إلي السماء، وقال: (إلهي إن كنت حبست عنّا النصر، فاجعله لما هو خيرمنه، وانتقم لنا من الظالمين، واجعل ما حلّ بنا في العاجل ذخيرة لنا في الآجل).
وهناك نصوص كثيرة تدل على أن الإمام الحسين عليه السلام كان يعلم مصيره بدقة، لكنه مع ذلك أقدم عليه، متوكلا على الله، مفوضا الأمر إليه، لأنه يعلم أن المأساة التي ستتحقق على تلك الأرض، ستصبح بعد ذلك معولا يهدم الباطل، ومشعلا ينصر الحق.
وليلة عاشوراء قال الإمام السجاد(ع): جمع الحسين أصحابه عند قرب المساء فدنوت منه لأسمع ما يقول لهم وأنا إذا ذاك مريض، فسمعت أبي يقول لأصحابه: (أثني علي الله أحسن الثناء، وأحمده علي السرّاء والضرّاء، اللهمّ إنّي أحمدك علي أن أكرمتنا بالنبوّة، وعلمتنا القرآن، وفقّهتنا في الدين، وجعلت لنا أسماعا وأبصارا وأفئدة، فاجعلنا من الشاكرين) ([13]).
هذه بعض المشاهد من ذلك اليوم العظيم في كربلاء، والتي تدل على مدى توكل الإمام الحسين عليه السلام على الله، وتفويضه الأمر إليه، وأنه لا يختلف في سلوكه ذلك عن سلوك إبراهيم ، عندما قدم ولده قربانا لله، من دون أن يجزع أو يضجر.
كما نرى أدعية الإمام الحسين عليه السلام ممتلئة بذكر النعم وإحصاء الدقيق منها والجليل، ثم الثناء على الله بها، والاستغفار من تقصيره في حق شكرها، ومن الأمثلة على ذلك قوله في دعاء عرفة، وغيرها من الأدعية التي كانت جميعها مضمخة بعطر الشكر لله على الرغم من كل المحن التي عاشها في حياته جميعا.
3ـ القيم الأخلاقية:
تعتبر القيم الأخلاقية نتيجة حتمية لتغلغل القيم الإيمانية والروحية في النفس، ذلك أنه بقدر تعرف المؤمن على الله معرفة صحيحة، وبقدر تعلقه به، وتنفيذه لأوامره وتشريعاته، وتضحيته في سبيله تكون أخلاقه، ولهذا كان التحقق بالفضائل الأخلاقية علامة على الكمال الإنساني، كما قال الله تعالى مثنيا على نبيه a: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ (القلم:4).
وبناء على هذا يمكن اعتبار حياة الإمام الحسين عليه السلام جميعا نموذجا كاملا للأخلاق العالية، وقد ورد في الروايات كيف كان رسول الله a والإمام علي يشرفان على تربيته، وتنمية الأخلاق العالية فيه.
ومن أمهات الأخلاق الحسنة التي تمثلت في شخصية الإمام الحسين عليه السلام، وكان دائم الدعوة إليها، وكلها مما له علاقة بحركته التصحيحية الكبرى التي حفظت أصالة الدين من أن تحرف.
أولا ـ الصبر والرضى:
وهي أول القيم الأخلاقية وأساسها، فقد تعرض الإمام الحسين ـ بحكم إمامته الدينية التي شهد له بها رسول الله ـ للكثير من أنواع البلاء، وقد استطاع اجتيازها جميعا بنجاح، وأعطى بذلك أعظم الأمثلة في الصبر والرضى.
وقد كان الإمام الحسين عليه السلام يقابل كل أنواع البلاء بما آتاه الله من يقين، وفي يوم عاشوراء، وأمام تلك المواقف الصعبة، كان يردد ـ مخاطبا الله تعالى ـ بقوله: (صبرا على قضائك يا رب لاإله سواك، يا غياث المستغيثين، مالي رب سواك ولا معبود غيرك، صبرا على حكمك يا غياث من لا غياث له، يا دائما لا نفاد له، يا محيى الموتى، يا قائما على كل نفس بما كسبت احكم بينى وبينهم وأنت خير الحاكمين)([14]).
ثانيا ـ الصدق والثبات:
وهي من أعظم القيم التي وصف الله بها عباده المؤمنين الصادقين، قال تعالى: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا الله عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ﴾ [الأحزاب: 23].
و الإمام الحسين عليه السلام يتصف بالصدق والثبات، ذلك أنه كان في عهد رسول الله a مع جده، ومع أهل الكساء في خيمة الطهارة والعصمة والنبل، وعندما توفي رسول الله a، وحصل النقض من الذين خانوا العهود، ولم يفوا بها، كان مع أبيه الإمام مواليا له، وظل يناصره إلى أن كتب الله له الشهادة، وعندما توفي أبوه، حافظ على ولائه لأخيه، وظل يناصره إلى أن سار في طريق الشهادة الذي سار عليه أبوه من قبل.
وعندما حان دوره، وهو يعلم البلاء الخاص الذي ابتلي به من دون سائر المؤمنين، لم يتراجع عن مواقفه، بل ظل ثابتا، وراح يواجه التحريفات بنفسه، وأتباعه القليلين إلى أن رزقه الله الشهادة.
ثالثا ـ الشجاعة والإقدام:
وهكذا ورث الإمام الحسين عليه السلام عن أبيه وجده الشجاعة والإقدام، فكان بطلا في كل المعارك التي خاضها، ومنها ما حدث في كربلاء، فقد شهد له كل المؤرخين أنه أبلى فيها بلاء حسنا على الرغم من كثرة المحيطين به وشراستهم، وسر ذلك هو إيمانه القوي بالله، وبحقانية القضية التي يحملها، والشجاعة التي مثلها الإمام الحسين عليه السلام لم تكن قاصرة على المعارك فقط، بل كانت عامة في جميع سلوكياته ومواقفه، والتي لم تكن لتكون كذلك، لولا شجاعته.
رابعا ـ العزة والأنفة:
فقد خرج الإمام الحسين عليه السلام مع تلك الثلة المؤمنة القليلة ليواجه أكبر حركة تحريفية حصلت للإسلام، تريد أن تحوله إلى دين كسروي وقيصري، لا علاقة له بالحياة، ولا بالسياسة، ولا بهموم الناس.
ولذلك عبر الإمام الحسين عليه السلام عن تلك الحركة بذلك الشعار الذي لا يزال يردده الحسينيون إلى اليوم، وهو قوله: (ألا وإنّ الدّعي ابن الدّعي قد ركز بين اثنتين : بين السلّة والذلّة، وهيهات منّا الذلّة، يأبى الله لنا ذلك ورسوله، ونفوسٌ أبيّة وأنوفٌ حميّة مِنْ أنْ نؤثرَ طاعة اللئام على مصارع الكرام)([15])
وقد كانت هذه الكلمات وغيرها هي الشعارات التي حركت ما حصل في التاريخ الإسلامي من ثورات على الظلم والاستبداد، والتي اتخذ فيها المسلمون الإمام الحسين أسوة لهم في مقارعة الظالمين، وعدم السكون للظلمة والمستبدين.
خامسا ـ المروءة والشهامة:
وهي من الصفات التي اعتبرها أئمة أهل البيت من صفات الرسل وورثتهم الأساسية، وقد أشار إليها الإمام الحسين عليه السلام في بعض خطبه، حين قال: (يا أيها الناس نافسوا في المكارم، وسارعوا في المغانم، ولا تحتسبوا بمعروف لم تعجلوا، واكسبوا الحمد بالنجح، ولا تكتسبوا بالمطل ذمّا فمهما يكن لأحد عند أحد صنيعة له رأى أنه لا يقوم بشكرها فالله له بمكافأته فإنه أجزل عطاء، وأعظم أجرا، واعلموا أن حوائج الناس إليكم من نعم الله عليكم فلا تملّوا النعم فتحور نقما، واعلموا أن المعروف مكسب حمدا، ومعقب أجرا، فلو رأيتم المعروف رجلا رأيتموه حسنا جميلا يسرّ الناظرين، ولو رأيتم اللؤم رأيتموه سمجا، مشوّها تنفّر منه القلوب وتغضّ دونه الأبصار)([16]).
فحياة الإمام الحسين عليه السلام نجدها مملوءة بالنبل والمروءة والشهامة والهمة العالية، ومن بعض مشاهد مروءته، ما روي عن أنس قال: كنت عند الحسين فدخلت عليه جارية فحيّته بطاقة ريحان، فقال لها: أنت حرّة لوجه الله، فقلت: تحييك بطاقة ريحان لا خطر لها فتعتقها؟ قال: كذا أدّبنا الله، قال الله تعالى: ﴿ وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ الله كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا ﴾ [النساء: 86]، وكان أحسن منها عتقها) ([17]).
ومنها ما روي أن غلاما للحسين عليه السلام جنى جناية توجب العقاب عليه، فأمر به أن يضرب، فقال: يا مولاي: ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ﴾ [آل عمران: 134]، قال: خلّوا عنه، فقال: يا مولاي ﴿وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ﴾ [آل عمران: 134]، قال: قد عفوت عنك، قال: يا مولاي ﴿وَالله يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [آل عمران: 134]، قال: أنت حرّ لوجه الله، ولك ضعف ما كنت أعطيك)([18]).
سادسا ـ الزهد والورع:
وهكذا نرى في سنة رسول الله وسيرته العطرة الروايات الكثيرة التي تخبر عن تقلل رسول الله a من الدنيا، وتنفيره منها، ودعوته إلى الرغبة في الآخرة، وفيما عند الله تعالى.
وعلى نفس المنهج سار الإمام الحسين عليه السلام؛ فحياته وسلوكه وأكثر مواعظه كانت تحذيرا من الدنيا، والرغبة فيها، وبيع الآخرة لأجلها، لأنه رأى أن ما حصل من تبديل وتغيير وتحريف للدين وقيمه، لم ينشأ إلا بسبب حب الدنيا والاستكثار منها.
وكان يخبر أصحابه أن سر الزهد يكمن في اليقين فيما عند الله؛ فمن عرف قدرة الله وفضله الواسع، احتقر الحياة الدنيا، ولم يبال بها، وقال في بعض مواعظه: (إنّ جميع ما طلعت عليه الشمس في مشارق الأرض ومغاربها، بحرها وبرّها، سهلها وجبلها عند ولي من أولياء الله وأهل المعرفة بحق الله كفيء الظِلال)([19])
وقال: (ألا حرٌّ يدع هذه اللماظة ـ يعني الدنيا ـ لأهلها، ليس لأنفسكم ثمّ إلاّ الجنّة، فلا تبيعوها بغيرها؛ فإنه مَن رضى الله بالدنيا فقد رضي بالخسيس) ([20])
ولكن مع ذلك كله لم يكن ليفعل ما فعله أولئك الذين جرهم ما يعتبرونه زهدا إلى تحريم الحلال، أو ترك الطيبات، التي نهى الله عن تحريمها.
سابعا ـ التواضع والألفة:
وكل هذه الصفات اجتمعت في الإمام الحسين عليه السلام، ومما يروى عنه في ذلك أنه مرّ بمساكين قد بسطوا كساء لهم فألقوا عليه كسرا، فقالوا: هلمّ يا بن رسول الله.. فأكل معهم، ثم تلا قوله تعالى: ﴿إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ﴾ [النحل: 23]، ثم قال: قد أجبتكم فأجيبوني، قالوا: نعم يا ابن رسول الله a، وتعمى عين، فقاموا معه حتى أتوا منزله، فقال للرباب: (اخرجي ما كنت تدّخرين)([21]).
4ـ القيم الرسالية:
ونقصد بها مهمة التبليغ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد مثلها الإمام الحسين عليه السلام أحسن تمثيل، فحركته ليست سوى امتداد لرسالة رسول الله a، ودعوة لإقامة الدين وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر ليس بالقلب ولا باللسان فقط وإنما بالفعل أيضا، ولذلك كان لحركته دورها الكبير في استنهاظ الأمة وإحياء السنة النبوية، سواء في ذلك الجيل أو في كل الأجيال اللاحقة.
لهذا كان الدور الأكبر والأشهر للإمام الحسين عليه السلام ، هو مواجهة الاستكبار والاستبداد والتحريف، ولذلك كانت القيم الرسالية في هذا الجانب أظهر عنده من سائر الجوانب، حتى لا يكاد يعرفه الكثيرون إلا من خلالها.
وقد استطاع ـ بسبب تلك الملحمة التي لم يحصل مثلها في التاريخ ـ أن يحفظ القيم الرسالية حفظا أبديا؛ فيسطر بدمه ودم أهله وأصحابه التعريف الحقيقي للإسلام، لذلك كان للقيم الرسالية التي أحياها الإمام الحسين دورها الكبير في إحياء السنة النبوية، وثورة الشعوب، والتخلص من نير الاستبداد والاستكبار، كما كان لها دورها في حفظ الدين من التحريف وعلى مدى جميع العصور.
و من أهم الأدوار التي قام بها الإمام الحسين عليه السلام في حفظ الدين الأصيل:
1 ـ دوره في تبليغ الدين الأصيل والقيم المرتبطة به، وذلك عبر رواية أحاديث رسول الله أو أحاديث أبيه ونقلها للأمة عبر أصحابه وأهله.
2 ـ دوره في مواجهة الانحرافات العقدية والسلوكية التي حاول المحرفون من بني أمية وغيرهم إلصاقها بالدين.
3 ـ دوره في مواجهة الاستبداد والظلم والحكم الوراثي الذي أراد من خلاله بنو أمية تحول الإسلامي إلى نظام ملكي امبراطوري مستبد.
4 ـ دوره في حفظ الدين للأجيال القادمة، أو ما يمكن أن يطلق عليه [الامتداد الرسالي]، وذلك عبر تلك الشعائر الكثيرة المرتبط بزيارته والمناسبات المرتبطة بها.
وسنتناول هذه الأدوار الأربعة في المباحث التالية لما لها من أهمية كبرى:
أولا ـ الإمام الحسين وتبليغ الدين:
وهي الوظيفة الرسالية الأولى للأئمة، والتي عبر عنها قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ الله وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا الله وَكَفَى بِالله حَسِيبًا﴾ [الأحزاب: 39]، ويمكننا من خلال استقراء ما قام به الإمام الحسين عليه السلام تجاه هذا الدور الرسالي، أن نجد مظهرين مهمين لا يكتمل البلاغ إلا بهما.
1 ـ التبليغ النظري للدين:
ونقصد به إيصال الرسالة الإسلامية نقية كما جاء بها رسول الله a، وذلك عبر حفظ الأحاديث الواردة عن رسول الله a، ونقلها للأجيال التالية.
وانطلاقا من هذا المعنى؛ فإن الدور الذي قام به الإمام الحسين عليه السلام في هذه الجهة كان عظيما جدا، ذلك أن كل ما روي عن أهل بيت النبوة من أحاديث كان للإمام الحسين دور في تبليغه؛ فقد كان ـ بشهادتهم ـ حلقة من حلقاته، ورجلا من رجال سنده، وذلك أكبر رد على من يزعم قلة ما روي عنه، فكل ما تحدث به الأئمة من بعده تلقوه منه، كما تلقاه هو عن أبيه وأخيه وجده.
كما نرى أئمة أهل البيت جميعا يخبرون عن أنفسهم أن كل ما عندهم وراثة من رسول الله، بل كل ما عندهم علوم تعلموها من آبائهم وأجدادهم، يرجع أصله إلى مصدر الرسالة، ومنبع الوحي.
و الإمام الحسين عليه السلام لم يكن ثائرا سياسيا فقط، وإنما كان قبل ذلك محدثا وعالما ومفتيا ومرجعا كبيرا، وقد روي أن عبد الله بن الزبير كان يستفتيه في مسائل الدين، ومن ذلك قوله له: يا أبا عبد الله، ما تقول في فكاك الأسير، على من هو؟ فأجابه: (على القوم الذين أعانهم أو قاتل معهم)، وسأله ثانيا: يا أبا عبد الله، متى يجب عطاء الصبي؟ فأجابه: (إذا استهل وجب له عطاؤه ورزقه)، وسأله ثالثا: عن الشرب قائما، فدعا الإمام بلقحة ـ أي ناقة ـ له فحلبت، فشرب قائما وناوله([22]).
ولهذا نجد له روايات عن رسول الله a في المصادر المختلفة، ومنها قوله a : (من حسن إسلام المرء قلة الكلام فيما لا يعنيه)، وقوله: (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)([23])
ومنها قوله: سمعت النبي يقول: (إن الله يحب معالي الأمور، ويكره سفاسفها)([24])
ومنها قوله: حدثني أبي عن النبي أنه قال: (المغبون لا محمود ولا مأجور)([25])
ومنها روايته عن رسول الله قوله: (رأس العقل بعد الإيمان بالله عز وجل التحبب إلى الناس)([26])
ومنها روايته عن رسول الله قوله: (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع، عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن حبنا أهل البيت)([27])
وغيرها من الأحاديث الكثيرة، ونحب أن نذكر هنا أن أعداء الإسلام، والنواصب لأهل النبوة وضعوا على لسان الإمام الحسين عليه السلام بعض الأحاديث التي تتنافى مع القيم التي ذكرها القرآن الكريم، أو نص عليها أئمة أهل البيت في أحاديثهم الصحيحة القطعية، ولذلك كان الحكم فيها هو رفضها تطبيقا لما ورد في الروايات عن رسول الله a وعن أئمة أهل البيت من عرض كل ما يروى عنهم على القرآن الكريم.
2 ـ التبليغ العملي للدين:
ونقصد به التنفيذ العملي للقيم الدينية، وقد كانت جميع حركات الإمام الحسين عليه السلام مرتبطة بهذا الدور الرسالي الذي ورثه عن أبيه وأخيه وجده، وأداه مثلما أدوه، حتى استحق ذلك اللقب العظيم الذي استحقوه جميعا، وهو [القرآن الناطق]؛ فقد كانت سلوكاته جميعا تعبر عن القيم القرآنية والسلوك الرفيع أحسن تعبير.
ويدل على هذا تلك الوصايا الكثيرة التي وردت عن رسول الله a تنوه به، وتدعو إلى اعتباره إماما وسيدا، ولا يمكن أن يوصي رسول الله بمن يرى أنه يمكن أن يزيغ أو يضل، ولو في أبسط سلوك من سلوكاته، وإلا كان أي فعل فعله عرضة للشك والنقد، الذي مارسه للأسف الكثير من أبناء المدرسة السنية، مع تسليمهم بتلك الأحاديث التي وردت في حقه، والتي تعتبره إماما للدين.
بل إن القرآن الكريم يشير إلى ذلك في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهل الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾ [الأحزاب: 33]، وقد رأينا سابقا النصوص الكثيرة الدالة على كون المراد بأهل البيت في الآية الكريمة هم أصحاب الكساء، والإمام الحسين عليه السلام أحدهم، والآية واضحة الدلالة على الطهارة بجميع نواحيها.
بناء على هذا، فقد كان الإمام الحسين عليه السلام من صغره الباكر يمارس هذا الدور الرسالي عبر سلوكه وأخلاقه وتعليمه العملي للدين، ومن الأمثلة على ذلك تلك القصة المعروفة في تعليم الوضوء، والتي تعطي أروع الأمثلة في كيفية الدعوة إلى الله، وتعليم شعائر الدين.
ثانيا ـ الإمام الحسين ومواجهة التحريفات:
كان من أهم الأدوار التي قام بها الإمام الحسين، مثلما قام بها سائر الأئمة مواجهة تلك التحريفات، لأنها من ضمن المسؤوليات الموكلة لهم، كما قال رسول الله: (يحمل هذا الدين في كل قرن عدول ينفون عنه تأويل المبطلين، وتحريف الغالين، وانتحال الجاهلين، كما ينفي الكير خبث الحديد)([28])
ولا يمكننا هنا أن نحصر الأدوار التصحيحية التي قام بها الإمام الحسين عليه السلام في مواجهة التحريفات التي طالت الدين، فذلك كثير، ولكن يمكن حصرها في ناحيتين:
الأولى: مواجهته للتحريفات المرتبطة بأصول الدين وفروعه وقيمه، فقد وقف الإمام الحسين عليه السلام ضد التجسيم والتشبيه وكل التحريفات العقدية التي أدخلها علماء البلاط الأموي إلى العقيدة الإسلامية، ووقف ضد الانحلال الأخلاقي والفساد السياسي، وكل تلك التشويهات التي عرضت للقيم الإسلامية في مجالاتها المختلفة.
الثانية: مواجهته للتشويهات المرتبطة بالقائمين بالدين وأئمته ومراجعه، فقد استعمل الأمويون وغيرهم كل الوسائل لصرف الناس عن أهل بيت النبوة، باعتبارهم مرجعا ضروريا للدين، ولذلك كثر في عهدهم من نصبوا أنفسهم مشايخ وأساتذة وعلماء، وأعانتهم السلطات الحاكمة على ذلك، لينمحي في وسطهم ذلك التراث النقي الصافي الذي تركه رسول الله a لورثته الحقيقيين الذين لم يخلطوا دينهم بغيره.
ولذلك كان من الأساليب التي اعتمدها الإمام الحسين عليه السلام في مواجهة هذا النوع من التحريف هو التعريف بفضائل أهل البيت وبيان مكانتهم، وخاصة الإمام علي الذي استعمل بنو أمية كل الوسائل لتشويهه، بل شرعوا سبه على المنابر، وقتلوا في سبيل ذلك كل من رفض الانصياع إليهم.
ولهذا نرى أحاديث كثيرة للإمام الحسين تبين الدور الموكل للإمام علي عليه السلام في حفظ الدين وتبليغه، وإعطاء الصورة الصحيحة له، فقد كان من أهم ما قام به الإمام الحسين عليه السلام هو مواجهة تلك التشويهات، والتعريف بالقيمة الحقيقية للإمام علي عليه السلام ، وكونه المرجع الأكبر للدين بعد رسول الله.
ثالثا ـ الإمام الحسين ومواجهة الاستبداد:
وهي من أهم الأدوار التي أنيطت بالأئمة باعتبارهم ورثة للرسل، ذلك أن من أهم وظائف الرسل ـ بعد التعريف بالله والدعوة إلى تقواه ـ الدعوة إلى تحقيق العدالة، ورفض الاستبداد والظلم، كما قال تعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ﴾[الحديد: 25]
ولهذا مارس كل أئمة أهل البيت ابتداء من الإمام علي كل ما أتيح لهم من أساليب للمواجهة إلى أن لقوا الله تعالى جميعا شهداء في هذا الطريق، كما عبر الإمام الرضا عن ذلك بقوله: (والله، ما منا إلا مقتول شهيد)([29])
أما الإمام الحسين عليه السلام ؛ فقد أنيطت به مهمة خاصة في منتهى الألم والخطورة، وهي أن يضحي بنفسه وأهله وكل ما يملك في سبيل تلك المواجهة ليبقى ما حدث له عبرة للأجيال، وليتحقق عن طريقه انتصار الدم على السيف.
ولهذا كانت تلك الملحمة الكبرى درسا للمسلمين جميعا، بل للعالم جميعا في أن الإسلام هو دين العدالة، وأن الذين مارسوا الظلم والاستبداد مارسوه بأسمائهم، لا باسم الإسلام، وبذلك حفظ الإسلام النقي الصافي من أن يصبح لعبة بيد الحكام الظلمة والمستبدين.
ولهذا نجد في النصوص الكثيرة الواردة عن رسول الله a الإخبار بما سيحصل للإمام الحسين عليه السلام، ولوم الأمة عليه، بل إن فيها إشارات صريحة بكونه مكلفا من الله تعالى للقيام بتلك التضحية العظيمة.
ففي الحديث الوارد في مصادر الفريقين عن أنس بن مالك، قال: (استأذن مَلَكُ القَطْرِ ربه أن يزور النبي a، فأذن له، فكان في يوم أم سلمة، فقال النبي a: (احْفَظِي علينا البابَ لا يَدْخُلُ علينا أحَدٌ)، فبينا هي على الباب إذ جاء الحسين بن علي، رضي الله عنهما، فظفر فاقتحم ففتح الباب فدخل فجعل يتوثب على ظهر النبي a، وجعل النبي يتلثَّمه ويقبِّله، فقال له المَلَك: أتحبه؟ قال: نعم، قال: أما إن أمتك ستقتله، إن شئت أريتك المكان الذي يقتل فيه. قال: نعم. فقبض قبضة من المكان الذي يقتل فيه فأراه إياه فجاءه بسهلة أو تراب أحمر فأخذته أم سلمة فجعلته في ثوبها. قال ثابت: كنا نقول: إنها كربلاء)([30])
وغيرها من الأحاديث الكثيرة التي تدل على أن الإمام الحسين عليه السلام ـ في تلك المواجهة التي قام بها أمام أعتى سلطة استبدادية ـ لم يكن يتصرف إلا من خلال العهود التي عهدت إليه، والوظائف التي وكلت له، ليبقى دمه في عنق الأمة جميعا، تطالب بثأره أمام كل ظالم مستبد، فكل مظلوم يصبح في ذهنها حسينا، وكل ظالم يصبح في وعيها يزيدا.
رابعا ـ الإمام الحسين والامتداد الرسالي:
لا يمكن لأحد أن يعرف قيمة ما قدمه الإمام الحسين عليه السلام من تضحيات ما لم يعرف الدافع الأكبر لذلك، وهو ليس دافعا محصورا في الزمن الذي عاشه، وإنما هو دافع ممتد لكل الأجيال، ليحضرها لأن تصبح أهلا لتلك الصرخة التي صرخها حين قال: (هل من ناصر ينصرنا، هل من معين يعيننا، هل من ذاب عن حرم رسول الله (31)
فهو لم يقصد بذلك نصرة شخصه، ولا مواجهة يزيد وحده، وإنما قصد بها نصرة الإسلام الذي انتهض من أجله، ومواجهة يزيد الذي يمثل الاستبداد والظلم في كل العصور.
انطلاقا من هذا؛ فإن الأدلة الكثيرة تدل على أن الغرض الأكبر من حركة الإمام الحسين عليه السلام هي تمددها في التاريخ والجغرافية لتصبح أداة تستنهض الهمم للإصلاح ومواجهة الانحرافات بكل أنواعها، ويمكننا من خلال الأحاديث والروايات والواقع أن نرى أربعة تجليات كبرى لذلك الامتداد الذي لا نزال نرى آثاره في عصرنا، وهي:
1. المحبة والمودة للإمام الحسين ولأهل البيت عليهم السلام، وهي الوقود العاطفي الذي يحرك صاحبه لاقتفاء آثارهم، والسير على هداهم، والاستنان بسننهم.
2. الزيارة والبكاء، وهي من الشعائر العظيمة التي سنها رسول الله a وأهل بيته للأمة لتصبح وسيلة لتربيتها وتطهيرها ومحو العار عنها، كما يصبح وسيلة لاستنهاض الهمم للمواجهة، ومقاومة الطغيان والشعور بالمستضعفين والوقوف في صفهم.
3. النصرة والمواجهة، وذلك عبر استعمال كل الوسائل لإعادة الأمر إلى نصابه، والحق لأهله، لأنه لا يمكن أن تنتصر الأمة، وتتخلص من الران البشري الذي لبس دينها قبل أن تعرف أئمتها ومراجعها الحقيقيين.
4. الحركة والثورة، هي الوسيلة الأخيرة التي تستعملها الأمة، لتؤدي دورها الحقيقي.
الخاتمة:
بعد هذا العرض الموجز لدور الإمام الحسين عليه السلام وثورته في حفظ هذا الدين وإحياء السنة النبوية، نخرج بالنتائج والتوصيات التالية:
أولا ـ النتائج:
من أهم النتائج التي من خلالها تعرفنا على الدور الذي قدمه الإمام الحسين عليه السلام في الحفاظ على قيم الدين الأصيل :
1. أن ما حصل في الأمة من انحرافات كان بسبب الانحراف عن منهج الإمام الحسين عليه السلام، ومنهج سائر الأئمة ومخالفة وصايا رسول الله a في ذلك.
2 ـ أن القيم الإيمانية، والروحية، والأخلاقية، والرسالية، هي قيم تجمع جميع معاني الدين، بأبعادها الفكرية والوجدانية والسلوكية.
3 ـ دعا الإمام الحسين عليه السلام إلى كل ما يحفظ القيم الإيمانية من التحريف والتبديل الذي وقعت فيه معتقدات الملل والنحل الأخرى، والتي تسربت للإسلام عبر تقريب الأمويين لليهود وغيرهم.
4 ـ دعا الإمام الحسين عليه السلام إلى الاهتمام بالقيم الروحية، من خلال التوجه إلى الله بالعبودية ظاهرا وباطنا، وبالقيم الأخلاقية، بجميع معانيها.
6 ـ من أهم القيم التي مثلها الإمام الحسين عليه السلام في الواقع الإسلامي القيم الرسالية، فقد واجه الطواغيت والظلمة والانحرافات بكل قوة وشجاعة، وقدم كل أنواع التضحية في سبيل ذلك.
ثانيا ـ التوصيات:
من أهم التوصيات التي ندعو إليها من خلال تعرفنا على الدور الذي قدمه الإمام الحسين عليه السلام في الحفاظ على قيم الدين الأصيل التي أحياها الإمام الحسين ، ومثلها خير تمثيل ما يلي:
1. عدم الاكتفاء بدراسة الإمام الحسين وغيره من الأئمة وفق المنهج التاريخي، وإنما اعتماد منهج البحث القيمي، ذلك أن الأئمة لم يكونوا أئمة لعصورهم فقط، وإنما كانوا أئمة لجميع الأجيال.
2. ندعو إلى استعمال كل الوسائل لإحياء الرسالة الحسينية، وبث الوعي الصحيح بمعناها، واستعمالها كوسيلة للتربية بجميع أنواعها.
3. ندعو إلى تنقية تراث أهل البيت عليهم السلام من كل ما دسه الأعداء فيه من تحريفات، وذلك بعرضه على القرآن الكريم، وعلى القيم النبيلة التي جاءوا بها، حتى يخرج سليما نقيا متوافقا مع الثقل الأكبر، ذلك أنه يستحيل أن يفترق الثقلان.
4ـ ندعو الى إقامة المؤتمرات والندوات الفكرية للتعريف بالرسالة الحسينية لأن ذلك كفيل بايصالها للكثير من الناس، وخاصة في جميع المناسبات الخاصة به.
@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@
([1]) رواه جمع كبير من المحدثين، منهم: 15- الأدب المفرد، محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري، أبو عبد الله (المتوفى: 256ه)، حققه محمد فؤاد عبد الباقي، دار البشائر الإسلامية - بيروت، الطبعة الثالثة، 1409 - 1989، (ص133، رقم 364)، وسنن الترمذي، محمّد بن سورة الترمذي، بيروت: دار إحياء التراث العربي، (5/658، رقم 3775) وقال : حسن، وابن ماجه (1/51، رقم 144)، المستدرك على الصحيحين، الحاكم النيسابوري، دار الفكر، 1398 ه، بيروت (3/194، رقم 4820)، وقال: صحيح الإسناد، مسند أحمد بن حنبل، أحمد بن حنبل، دار الفكر، بيروت، (4/172، رقم 17597)، المصنف في الأحاديث والآثار، ابن أبي شيبة، تقديم كمال يوسف الحوت، 7 مجلدات، دار التاريخ، الطبعة الأولى، بيروت (6/380، رقم 32196)، وانظر: بحار الأنوار، محمّد باقر المجلسيّ، بيروت، مؤسّسة الوفاء، 1403ق:( 43 / 261 / 1 وص 264 / 16)
([2]) الخصال: ٤٣ ح ٣٥، بحار الأنوار: ج٣١ ص٥١٧.
([3]) توقل في الجبل: صعد فيه.
([4]) تحف العقول، ابن شعبة الحراني، ط الثانية عام 1404، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، (ص ١٧٣)، بحار الأنوار: (٤/٣٠١ ح ٢٩)
([5]) أسد الغابة في معرفة الصحابة، أبو الحسن علي بن أبي الكرم، عز الدين ابن الأثير، المحقق: علي محمد معوض - عادل أحمد عبد الموجود، دار الكتب العلمية، الطبعة: الأولى، 1415هـ - 1994 م، ج 2، ص 23.
([6]) بحار الأنوار، 93/339.
([7])المرجع السابق: 44 / 394.
([8]) اسمه عمر بن عبدالله، وقد كان من أنصار الإمام الحسين، ويسمّى بشهيد الصلاة، استشهد يوم العاشر من محرم. كان من وجهاء الكوفة ورجلا عارفاً وشجاعاً، له اطّلاع بأنواع السلاح. عيّنه مسلم بن عقيل حين أخذ البيعة من الناس للثورة الحسينية، على استلام الأموال وشراء السلاح، سار من الكوفة والتحق بالإمام الحسين قبل شروع القتال. (مقتل الحسين للمقرم:177)
([9]) بحار الأنوار 21:45.
([10]) رواه أحمد (11119) و(11147)، وأبو يَعلَى (1027)، والآجُريُّ في (الشريعة) (1702)، والطبراني في (المعجم الكبير) (3/66) (2679)، أخرجه الترمذي (3788)، وقال: (حسن غريب)والفَسَوي في (المعرفة والتاريخ) (1/536)، والشَّجري في (ترتيب الأمالي) (738)، وغيرهم كثير.
([11]) وقد ذكر ذلك كل المفسرين والمحدثين، وهو محل اتفاق بينهم، ومن الأمثلة على ذلك: تفسير الرازي 2 / 699، تفسير البيضاوي / 76)، تفسير الكشاف 1 / 49، تفسير روح البيان 1 / 457، تفسير الجلالين 1 / 35، صحيح الترمذي 2 / 166، سنن البيهقي 7 / 63، صحيح مسلم ـ كتاب فضائل الصحابة، مسند أحمد بن حنبل 1 / 185، مصابيح السنّة للبغوي 2 / 201، سير أعلام النبلاء 3 / 193.
([12]) ينابيع المودة، ج 2، ص 417.
([13]) الإرشاد للمفيد، ص 231، تاريخ الأمم والملوك للطبري، ج 6، ص 443 تحف العقول: ٢٦.
([14]) مقتل الحسين للمقرم: 357، ينابيع المودة: 418 .
([15]) نفس المهموم:131، مقتل الخوارزمي 7:2، بحار الأنوار 83:45 .
([16]) كشف الغمة: 2/ 204.
([17]) كشف الغمّة 2/ 206.
([18]) كشف الغمّة 2/ 207.
([19])المرجع السابق: 78 / 306.
([20])المرجع السابق: 78 / 306.
([21]) تفسير العياشي، محمّد بن مسعود العياشي، المكتبة العلمية الإسلامية ـ طهران: 2/ 257.
([22]) الاستيعاب في معرفة الأصحاب، أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي، المحقق: علي محمد البجاوي، دار الجيل، بيروت، الطبعة: الأولى، 1412 هـ - 1992 م، 1/398.
([23]) مسند الإمام أحمد بن حنبل 1 / 201..
([24]) تاريخ اليعقوبي 2 / 219..
([25]) تاريخ ابن عساكر 4 / 312..
([26]) الخصال، ص 17..
([27])المرجع السابق ، ص 23..
([28]) بحار الأنوار: 2 / 92 / 21 وص 93.
([29]) بحار الأنوار ج49 ص320 وج27 ص209 والأمالي للصدوق ص120 ، وعيون أخبار الرضا ج2 ص256 ومن لا يحضره الفقيه ج2 ص351 ..
([30]) ابن حبان في صحيحه (6742)، وقال عنه الشيخ شعيب الأرناؤوط: حديث حسن، أحمد في مسنده (13539)، أبو يعلى (363).
([31]) اللهوف لإبن طاووس ص:50، اعيان الشيعة للسيد الأمين ج:1 ص:609، نفس المهموم للقمي ص:349.
بقلم الباحثة والكاتبة الجزائرية "الدكتورة نورا فرحات"