
وقد شدّد الخبراء وضيوف البرنامج على أنّ اللغة الجديدة للغرب لم تَعُد تتحدّث عن «
السلام القائم على الحوار والتفاهم»، بل أصبحت تتبنّى خطابًا يقوم على السلام المفروض بالقوة، والتسلّط، ومنطق الغلبة.
في مستهلّ الحلقة، أشار المذيع إلى تصريحات
دونالد ترامب ومبعوثه إلى لبنان «توم باراك»، مبيّنًا أنّ المسؤولين الأمريكيين لم يعودوا يتحدثون حتى في الظاهر بلغةٍ إنسانية أو دبلوماسية حول السلام. فترامب يرى أنّ السلام يُفرَض بالقوة إذا رفضه الطرف الآخر، بينما يتحدّث
الكيان الصهيوني بصراحة عن تحقيق «إسرائيل الكبرى» بوصفها حقيقة لا رجعة عنها.
في القسم الأول من الحوار، قال الدكتور عدنان عزّام، الكاتب والباحث المقيم في فرنسا: «في الواقع، لم يطرأ أي تغيير جوهري على الخطاب الغربي تجاه الشرق منذ الحروب الصليبية حتى اليوم. فالعقلية الغربية كانت ولا تزال عقليةً استعماريةً، تتخفّى وراء شعارات مثل السلام و
حقوق الإنسان، وهي في حقيقتها تسعى إلى السيطرة والهيمنة على الشعوب الأخرى».
وأضاف: «تحوّل الخطاب الأمريكي من لغة الحوار والتسوية إلى نرجسية القوة وفرض الإرادة ليس دليلاً على تطوّر فكري، بل هو مجرّد انكشافٍ للفكر الاستعماري القديم الذي لم يعُد يحتاج إلى الأقنعة».
وفي القسم الثاني من البرنامج، قدّمت الدكتورة نِفين أبو رحمون، الباحثة الفلسطينية وعضو الكنيست السابقة من الأراضي المحتلة، رؤيتها من داخل البنية الفكرية والسياسية للكيان الصهيوني، وقالت: «ما يُقدَّم اليوم من قِبل إسرائيل على أنه سلام، هو في الحقيقة استسلام. فالسلام في قاموس إسرائيل يعني الخضوع لهيمنتها، والاعتراف بأمنها وسيادتها على كامل أرض فلسطين التاريخية، من دون أن تعترف بأيّ حق للشعب الفلسطيني».
وأوضحت أنّ تصاعد التيارات اليمينية والدينية في إسرائيل، وصعود الصهيونية الدينية، جعلا مفهوم السلام لدى تل أبيب مبنيًّا على أيديولوجية تلمودية وعلى حلم «إسرائيل من النيل إلى الفرات»، مؤكدةً أنّ أي حوارٍ مع هذا الكيان من دون فهم جذوره العقائدية لن يؤدي إلا إلى الخداع والاستسلام.
كما شدّد ضيوف البرنامج على أنّ التوافق التام بين المسيحية الصهيونية في أمريكا والصهيونية السياسية في إسرائيل جعل من واشنطن شريكًا مباشرًا في المشروع الصهيوني، لا وسيطًا محايدًا. وقال الدكتور عزّام في هذا السياق: «منذ التحام الفكر البروتستانتي الأمريكي بالصهيونية اليهودية، اندمج المشروعان معًا. فالولايات المتحدة لم تعُد مجرّد حليفٍ لإسرائيل، بل أصبحت هي نفسها إسرائيل أخرى».
وخلال الحلقة، أجاب الضيوف عن أسئلة المشاهدين من دولٍ عدّة، منها تونس والمغرب والجزائر والكويت والسنغال. وقد عبّر معظم المتصلين عن انتقادهم للسياسات الأمريكية، مؤكدين أنّ ما تسمّيه واشنطن «سلامًا» ليس سوى استسلامٍ واستعمارٍ جديد، وأنّ المقاومة وحدها هي التي غيّرت موازين القوى على الأرض.
وفي ختام الحوار، قالت الدكتورة أبو رحمون، مشيرةً إلى تغيّر موازين القوة بعد جولات المقاومة الأخيرة في غزة ولبنان واليمن: «لقد أثبت محور المقاومة، رغم كلّ الضغوط والخسائر، أنه قادر على تحدّي المشروع الصهيوني ميدانيًّا وسياسيًّا. إنّ مستقبل المنطقة لن يُرسم على أساس سلامٍ مفروض، بل على أساس إرادة الشعوب».
واختتم برنامج «الوجه الآخر» حلقته بالتأكيد على أنّ الخطاب الغربي الجديد حول السلام يعكس انتقال الغرب من الدبلوماسية المزيّفة إلى صراحة الاستكبار، غير أنّ وعي الشعوب وصمود قوى المقاومة كفيلان بإفشال كلّ مشروعٍ هيمنيٍّ جديد.