
وأشار إلى ذلك، حجة الإسلام "الشیخ ميثم قاسمي"، الحاصل على شهادة الدكتوراه في المعارف الإسلامية، والباحث الديني، والمدرّس، ومسؤول مشروع النظام الشامل للفكر الإسلامي في الحوزة العلمية، في حديث لوكالة "إكنا" للأنباء القرآنية الدولية حول دراسة الدور الإعلامي للسيدة زينب (س) في واقعة عاشوراء.
وقال: "في تاريخ التشيع، كانت نساء بارزات مثل السيدة فاطمة الزهراء (س) والسيدة زينب (س) تجسيداً حقيقياً لهذا الدور، فهن لم يكنّ فقط حافظات للإرث المعنوي والمعرفي لأهل البيت (ع)، بل يُعتبرن أيضاً حلقة الوصل واستمرار مسار الهداية في مواجهة الانحرافات التاريخية."
وأضاف: "تُعد السيدة الزهراء (س)، كـ امرأة فريدة في تاريخ الإسلام، نموذجاً سامياً في أداء دور الربط بين مسار النبوة والإمامة؛ فقد أدّت، بعد وفاة الرسول الأعظم (ص)، من خلال خطبها ومواقفها، دوراً أساسياً في الحفاظ على الرابط بين الولاية والنبوة، وساهمت في صون حقيقة الدين."
وأردف الشيخ قاسمي قائلاً: "لقد تحملت السيدة الزهراء (س) دور الرابط ودور العامل في البقاء، وهذا هو ما يمكن تسميته بالدور الإعلامي للسيدة الزهراء (س)، ذلك الإعلام الذي لم يكن مجرد أداة، بل كان حقيقة قائمة على الوعي والتنوير وإبلاغ الرسالة الإلهية."
وأوضح أنه في هذا الاستمرار التاريخي، لعبت السيدة زينب (عليها السلام) الدور نفسه في فترة عاشوراء وما بعدها. يمكن اعتبارها قائدة وموجهة لحركة عاشوراء من منظور القيادة النسائية، أو بتعبير أدق، القيادة الأمومية، وهي قيادة ممزوجة بالعقل والعاطفة والصبر والشجاعة. لهذه القيادة الأمومية بُعدان أساسيان: الأول، دور الرابط الذي ربطت فيه السيدة زينب (عليها السلام) بين الناجين من عاشوراء وأهل بيت الإمام الحسين (عليه السلام) والأمة الإسلامية، وتولت قيادة الأسرى بحكمة وعزة. والثاني، دور عامل البقاء الذي أنقذت فيه رسالة عاشوراء من خطر التحريف والنسيان بخطبها النارية والكاشفة والواعية.
إقرأ أيضاً:
وصرّح أنه استطاعت السيدة زينب (عليها السلام) باستخدام الأدوات النسائية والأمومية، بما في ذلك التعبير المحب، واللغة المتعاطفة، والقدرة على إثارة المشاعر الإنسانية، أن تحقق أكثر أنواع الرسائل إعلامية. لقد كشفت الحقيقة بقوة كلماتها، وحججها، وإيمانها الراسخ في ظروف كانت فيها جميع المنابر الرسمية تحت سيطرة الباطل. كان هذا النوع من الكلام مزيجًا من العقلانية والعاطفة، مما أدى إلى إيقاظ الضمير العام للمجتمع وتوجيه الأفكار نحو مظلومية الحق وفضيحة الباطل. من هذا المنظور، لا يمكن اعتبار حركة السيدة زينب (عليها السلام) مجرد فعل سياسي أو اجتماعي، بل يجب اعتبارها حركة إعلامية، ثورية، ومعرفية، حيث تم التعبير عن حقيقة عاشوراء بطريقة بقيت خالدة في أذهان وضمائر البشر إلى الأبد.
وأشار إلى نوعين من التوعية، قائلاً: "إنّ الدعوة الدينية اليوم بحاجة إلى توازن دقيق وذكي بين الاستجابة العقلانية والاستجابة العاطفية، فالرسالة الدينية المؤثرة ليست رسالة عقلية بحتة، بل يجب أن تتوافق أيضاً مع احتياجات الإنسان الحديث وفراغاته الروحية والعاطفية."
واستطرد الخبیر الایراني في الشؤون الدينية، قائلاً: "الرسالة الدينية الفعالة هي التي تقنع عقل المتلقي وتلمس قلبه في الوقت نفسه، بحيث يتحقق الفهم العقلي والتأثير العاطفي معاً."
وأكد: "السيدة زينب (س) تُعدّ مثالاً بارزاً وفريداً لهذا الأسلوب المتوازن والفعّال في الدعوة، فقد استفادت من عظمة مظلومية سيد الشهداء (ع) لنقل رسالة حقانية واقعة عاشوراء إلى مجتمع عصرها، وتمكنت السيدة زينب (س) من الاستفادة من محبة الناس للنبي الأكرم (ص) وأهل البيت (ع)، وفي الوقت نفسه شرحت بحكمة وعقلانية حقيقة واقعة عاشوراء الدينية والتاريخية بشكل كامل."
وأردف مؤكداً: "هذا المزيج أدّى إلى أن تؤثر رسالة عاشوراء في عقول وقلوب المتلقين في آن واحد، أي أن المتلقين اقتنعوا عقلياً بالحقائق وتأثروا عاطفياً بمظلومية أهل البيت (ع)."
وأشار الى أنه استخدمت السيدة زينب (عليها السلام) في بيان حقيقة عاشوراء أدوات عقلانية واستدلالية، بالإضافة إلى أدوات عاطفية وتحفيزية وروحية. لقد أظهرت أن الرسالة المؤثرة تتحقق عندما يتواصل الجمهور مع الرسالة على مستوى العقل والقلب، أي أن يقتنع عقل الجمهور ويتأثر قلبه. هذه النقطة هي إحدى الخصائص المدهشة والفريدة لشخصية السيدة زينب (عليها السلام) ودعوتها، والتي تستحق تحليلاً ودراسة واسعة.
وفي معرض حديثه عن سمات السيدة زينب (س) قال: إن الشجاعة في شخصية وسيرة السيدة زينب (عليها السلام) نابعة من معرفتها الإلهية العميقة ورؤيتها التوحيدية للعالم. إذا أردنا تحليل هذه الشجاعة، يجب أن ننظر إليها في ضوء قول أمير المؤمنين علي (عليه السلام): "الخالق في أنفسهم"؛ أي أنهم رأوا الله في أنفسهم. لقد وصل أهل البيت (عليهم السلام)، بإدراكهم لهذه الحقيقة التوحيدية، إلى مرحلة من الإيمان واليقين لم يخافوا فيها من الموت والمصاعب فحسب، بل رأوا هذه الأحداث جميلة في طريق العبودية وأداء الرسالة الإلهية.
وأوضح أن شجاعة السيدة زينب (عليها السلام) تنبع من هذا الجذر الإلهي والمعرفي، وهي شجاعة لا تنبع من الانفعال أو الغضب، بل من الإيمان واليقين والالتزام بالحقيقة. هذه الشجاعة، على عكس التصور العام، لا تعني السلوك العنيف أو المخالف للقواعد أو المتهور، بل هي نوع من الشجاعة المسؤولة والهادفة التي تترافق دائمًا بالعقلانية والروحانية والهداية. كانت السيدة زينب (عليها السلام) أهل شجاعة، لكنها لم تكن أهل انتحار. هذا التمييز مهم جدًا، لأنه في بعض الأحيان يبرر الأفراد في مجال الدعوة أو التبليغ الديني سلوكيات خطيرة وغير مدروسة باسم الشجاعة، في حين أن مثل هذا السلوك ليس مؤثرًا فحسب، بل قد يؤدي أحيانًا إلى الفرقة وعدم الثقة وحتى تحقير الجمهور. في الواقع، الشجاعة الحقيقية في الدعوة الدينية هي أن يسير الإنسان في طريق هداية المجتمع بوعي وإدراك عميق للحق ومعرفة دقيقة للباطل. يجب أن تكون الشجاعة مقدمة للهداية، وليست عاملاً للفرقة أو الانحراف.
وبیّن أنه وقفت السيدة زينب (عليها السلام) في وجه ظلم وطغيان زمانها، لكن هذا الوقوف لم يكن عن غضب، بل عن إيمان وعقلانية وبصيرة إلهية. لقد تحدثت في أوج المصيبة والألم، وكشفت الحقائق، وفي الوقت نفسه لم تخرج أبدًا عن دائرة الأدب والمنطق والحكمة. هذا السلوك يدل على أن الشجاعة الدينية في المنظومة الإسلامية توأم للعقلانية والروحانية، وبدونهما تؤدي إلى الانحراف والفوضى. في الظروف الراهنة، تحتاج الدعوة الدينية إلى مثل هذه الشجاعة أكثر من أي وقت مضى. يجب أن يكون الداعية الديني من أهل الروحانية، أي أن يرى الله حاضرًا في حياته قبل كل شيء، وأن تكون له علاقة قلبية وروحية بأهل البيت (عليهم السلام)، وأن يتمكن من تمييز الحق من الباطل بوضوح. في هذه الحالة، يصدر كلامه عن إيمان وإخلاص ويقين ويؤثر في القلوب.
مما لا شك فيه أن أحد أروع أبعاد شخصية السيدة زينب (عليها السلام) هو قدرتها على نقل رسالة كربلاء في جو مليء بالرقابة والقمع السياسي. حاولت الحكومة الأموية، باستخدام أدوات القوة والإعلام والتهديد والتحريف، إخفاء حقيقة عاشوراء عن الرأي العام وتصوير ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) كحركة سياسية أو شخصية أو تمرد، لكن السيدة زينب (عليها السلام)، مستفيدة من مجموعة من الخصائص البيانية والمعرفية والأخلاقية، تمكنت من كسر هذا الجدار السميك من الرقابة ونقل رسالة عاشوراء ليس فقط إلى أهل زمانها، بل إلى أعماق التاريخ.
وأوضح أن الخاصية الأولى في طريقة دعوة السيدة زينب (عليها السلام) كانت الاستخدام الذكي للمسلمات في المجتمع الإسلامي. كانت تتحدث في ظروف كان أي انتقاد مباشر للحكومة يمكن أن يؤدي إلى أشد العقوبات. في مثل هذه الحالة، اعتمدت السيدة زينب (عليها السلام) على المبادئ المقبولة بين الناس، وهي القرآن الكريم، وسنة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، والمكانة المحترمة لأهل البيت(ع)، لتقديم أقوالها. كانت تستخدم آيات القرآن والمعارف الدينية التي كانت مقبولة لدى عامة الناس، وبهذه الطريقة أوصلت حقيقة عاشوراء إلى المخاطبين في قالب ديني ومنطقي لا يمكن إنكاره.