
وقال
آية الله السيد ياسين الموسوي، إمام جمعة بغداد والأستاذ البارز في
الحوزة العلمية بالنجف الأشرف، إن استشهاد آية الله الشهيد المحراب السيد محمد باقر الحكيم شكّل فاجعة كبرى أصابت العراق والعالم الإسلامي عموماً، وعالم التشيّع خصوصاً، وترك جرحاً عميقاً في قلوب المسلمين في الشرق والغرب، واصفاً الجريمة بأنها جاءت في أول عام بعد سقوط نظام صدام، لتكشف عمق الاستهداف الممنهج للرموز الدينية والقيادية.
وأوضح
إمام جمعة بغداد أن السيد محمد باقر الحكيم كان يُعدّ في النجف الأشرف الشخصية الثانية بعد الشهيد السيد محمد باقر الصدر، حتى في حياة والده المرجع الأعلى الإمام السيد محسن الحكيم، وهو مقام لم ينله إلا بجهوده الكبيرة في خدمة العراق والتشيّع والإسلام.
وأشار إلى مشاركته التاريخية في مؤتمر القمة الإسلامية أواخر ستينيات القرن الماضي، بعد نكسة حزيران 1967، حين اختاره الإمام السيد محسن الحكيم مع شقيقه السيد محمد مهدي الحكيم لتمثيله في المؤتمر، حيث شكّل حضورهما نقطة تحوّل أسهمت في إنجاح المؤتمر عبر طرح رؤية فكرية لمعالجة آثار الهزيمة التي أصابت العالم الإسلامي آنذاك.
وبيّن إمام جمعة بغداد أن مجيء حزب البعث إلى الحكم كان مصحوباً بمخطط واضح للقضاء على مرجعية النجف وفصل الأمة الشيعية عن قيادتها الدينية، واعتبار المرجعية الخطر الأكبر على النظام العلماني المفروض، لافتاً إلى أن هذا المخطط كان ذا جذور بريطانية، كما أقرّ به مسؤولو النظام أنفسهم.
واستعرض السيد الموسوي واقعة زيارة وفد من مجلس قيادة الثورة إلى الإمام السيد محسن الحكيم، ومحاولتهم طلب التعاون مع النظام، إلا أن السيد محمد باقر الحكيم تصدى لهم بوضوح، مذكّراً إياهم بتصريحاتهم العلنية حول محاربة الإسلام السياسي والمرجعية، وهو ما كشف منذ البداية طبيعة المشروع البعثي.
وتحدث السيد الموسوي عن مرحلة القمع الشديد التي أعقبت رحيل الإمام الحكيم، حيث كان الهدف الأساسي للنظام تصفية شخصيتين محوريتين: الشهيد السيد محمد باقر الصدر، والسيد محمد باقر الحكيم، موضحاً أن اعتقالهما جرى في ساعة واحدة، وأن السيد الحكيم نُقل إلى مستشفى الكوفة وهو مقيّد بسبب وضعه الصحي، فيما بقي السيد الصدر في السجون.
وأكد أن السيد الحكيم كان يُنظر إليه باعتباره القائد الثاني للأمة بعد استشهاد السيد الصدر، وضمن القيادة البديلة التي أوصى بها، ما دفعه لاحقاً إلى الخروج من العراق لمواصلة المشروع الثوری.
وأشار آية الله السيد الموسوي إلى أن خروج السيد الحكيم من العراق لم يكن هروباً، بل قراراً مدروساً بعد استخارة متكررة في أيام شهر رجب، انتهت بآية قرآنية تتعلق بالجهاد، معتبراً ذلك مؤشراً روحياً حاسماً دفعه لمواصلة المسار.
وأوضح أن السيد الحكيم تسلّم قيادة المعارضة العراقية لفترة، ونجح في توحيد النفوس والقلوب، إلى حدّ أجبر صدام حسين نفسه على الاعتراف به علناً عبر التلفزيون، عارضاً إجراء انتخابات بینه وبین السيد الحكيم، وهو ما يعكس حجم تأثيره الشعبي والسياسي.
وأكد السيد الموسوي أن المعارضة العراقية كانت على وشك إسقاط نظام صدام لولا التدخل الأمريكي والبريطاني، إلى جانب بعض دول الجوار التي خشيت من وصول الشيعة والعلماء إلى الحكم، ومن امتداد مشروع ولاية الفقيه في المنطقة.
وبيّن أن السيد الحكيم أعلن من طهران استعداده للترشح تحت إشراف الأمم المتحدة، إلا أن النظام ردّ بحملة اعتقالات جماعية طالت أبناء وأحفاد الإمام الحكيم، وأعدم العشرات منهم في مجازر متتالية خلال الثمانينيات.
ونقل السيد الموسوي موقف السيد الحكيم الشهير، حين أعلن في صلاة الجمعة تمسكه بمقولة الإمام الحسين (ع): «هيهات منا الذلة»، مؤكداً أن موقفه لم يكن دنيوياً، إذ رفض كل الإغراءات والمناصب التي عُرضت عليه في الجمهورية الإسلامية، رغم أهليته للمرجعية، مفضلاً الدفاع عن خط الشهيد الصدر ومشروعه الفكري والسياسي.
وأوضح السيد الموسوي أن جوهر الخلاف مع السيد الحكيم تمحور حول تبنيه الصريح لمبدأ ولاية الفقيه، باعتباره الامتداد الشرعي لقيادة الأمة في عصر الغيبة، ورفضه أي نظام لا يستند إلى دليل شرعي، معتبراً أن المرجعية وولاية الفقيه عنوانان لمفهوم واحد لا يمكن فصلهما.
وأكد إمام جمعة بغداد أن السيد الحكيم اتخذ موقفاً سلبياً وحازماً من الإدارة الأمريكية، رافضاً مشروع "تحرير العراق" الذي طرحته واشنطن في عهد كلينتون، رغم الإصرار الأمريكي على إشراكه في قيادة المشروع، ورفضه حتى السماح للآخرين بالمشاركة فيه.
واستعرض لقاء الكويت، حيث طرح السيد الحكيم رؤيته البديلة لإسقاط صدام دون تدخل عسكري أمريكي مباشر، داعياً إلى رفع الغطاء عن النظام ودعم المعارضة العراقية لتتولى بنفسها تحرير البلاد.
وأشار السيد الموسوي إلى أن الأمريكيين منعوا السيد الحكيم من دخول العراق لأشهر بعد الاحتلال، وأنه عند دخوله أعلن من صحن أمير المؤمنين(ع) أن العراقيين ليسوا أيتاماً ولا بحاجة إلى وصاية أمريكية، وهو الموقف الذي شكّل، بحسبه، أحد دوافع اغتياله بتفجير إرهابي مروّع.
وأكد السيد الموسوي أن المشروع الأمريكي لا يزال يستهدف إبعاد الدين وعلمائه عن الحياة السياسية، ومحاولة تفكيك الحشد الشعبي باعتباره قوة وطنية جامعة لكل مكونات الشعب العراقي، مشدداً على أن الحشد ليس مشروعاً طائفياً بل مشروع أمة.
وتطرق إلى دور الجمهورية الإسلامية الإيرانية، واصفاً إياها بالعمق الاستراتيجي للعراق في مواجهة الإرهاب والاستكبار، ومذكّراً بدورها في مواجهة داعش، مقابل تحميل السعودية مسؤولية إرسال آلاف الانتحاريين بعد 2003، وما ترتب على ذلك من دماء ودمار.
وختم آية الله السيد ياسين الموسوي خطابه بالتأكيد على أن المشروع الحقيقي هو المشروع الوطني العراقي، القائم على المرجعية والحشد ووحدة الشعب، محذّراً من الذوبان في المشروع الأمريكي بدافع المصالح الشخصية، ومشدداً على أن السيد محمد باقر الحكيم لو كان حياً لما رضي بما يُرتكب اليوم باسمه أو باسم غيره من عظماء الأمة.