ایکنا

IQNA

واقعة کربلاء من منظور القانون الإسلامی والقانون الدولی

5:39 - November 04, 2014
رمز الخبر: 1466641
کربلاء المقدسة ـ إکنا: معرکة کربلاء کانت عنواناً تاریخیاً فارقاً بین دعاة الحق ودعاة الباطل، بین دعاة الحریة ودعاة العبودیة، وبین دعاة السلم ودعاة الحرب؛ فقد قدّم الإمام الحسین (ع) درساً بلیغاً للإنسانیة والمسلمین فی عدم قبوله الظلم.

وتعتبر واقعة کربلاء الأهمّ من بین الحوادث التاریخیّة التی حصلت فی القرون الأولى بعد ظهور الإسلام؛ إذ یصف علماء المسلمین أن ما جرى فی عاشوراء فرید فی تاریخ الإنسانیّة، ولم تشهد الإنسانیّة واقعة مثلها على مدى حیاتها وقالوا: "لا یوم کیومک یا أبا عبد الله"، و"لا یوم کیوم الحسین" للتعبیر عن أهمیة ما حدث فی معرکة کربلاء.
وهذا الوصف الاستثنائی لواقعة کربلاء لم یقتصر على المفکرین المسلمین، بل تعداهم إلى غیرهم من المفکرین والمؤرخین، فقد قال الباحث الانکلیزی "جون أشر": إن مأساة الحسین بن علی(ع) تنطوی على أسمى معانی الاستشهاد فی سبیل العدل الاجتماعی. ووصف المفکر المسیحی "إنطون بارا" معرکة کربلاء بقوله إن واقعة کربلاء لم تکن موقعة عسکریة انتهت بانتصار وانکسار بل کانت رمزاً لموقف أسمى لا دخل له بالصراع بین القوة والضعف، بین العضلات والرماح بقدر ما کانت صراعاً بین الشک والإیمان، وبین الحق والظلم.
وهذه الأهمیة الکبرى التی حظیت بها واقعة کربلاء، والتی تتجدد فی العاشر من محرم من کل سنة ـ رغم تعاقب الزمان علیها ـ تلقی على عاتقنا مسؤولیّة خاصّة فی کیفیّة التعاطی مع هذه الحادثة الاستثنائیّة، إن من حیث المضمون، أو المنهج، أو التحلیل والدراسة، أو الاستفادة على صعید الدروس والعبر.. أو غیرها من الجوانب.
وبالتالی، من الأهمیة بمکان أن نعرض بعض أحداث هذه الواقعة على قواعد القانون الإسلامی والقانون الدولی الإنسانی، لنرى ما هی قیمة هذه الواقعة من حیث أشخاصها ومن حیث ما یحملونه من قیم إنسانیة؟ وما هی النظم والقواعد الحربیة التی کان ینبغی الالتزام بها وفقاً للمعاییر الإسلامیة، ومدى التزام طرفی الواقعة بها؟
ثم، کیف لنا أن نحاکم تلک الحقبة الزمنیة المظلمة من تاریخ الإسلام؟ وکیف نتعامل مع تلک الجرائم التی ارتکبها جیش السلطة الأمویة یوم ذاک؟ وما یجب على الأمة الإسلامیة أن تقوم به من أجل إظهار هذه الواقعة على المستوى الأممی، وتعریف المجتمع الدولی بها کمعرکة شهدت مأساة إنسانیة قل نظیرها فی التاریخ لیس من حیث عدد ضحایاها، فحسب بل من حیث البعد الفکری والإنسانی والعقائدی الذی کان یحمله الامام الحسین(ع) وأتباعه؟ کیف یمکن أن نحول دون تکرار الحدث المأساوی؟ وکیف یمکننا أن نمنع من تکرار الجریمة؟
اکتسبت واقعة کربلاء أهمیتها عند المسلمین من عاملین مهمین: الأول: هو أحد طرفیها کان هو الحسین بن علی(ع)، وهو من أهل بیت النبوة وهو عدل وقرین للقرآن الکریم، التزاماً بالموروث الفکری والعقائدی لدى المسلمین الذی یربط ربطاً وثیقاً بین القرآن الکریم وأهل بیت النبی(ص)، کونهما خلیفتی الرسول (ص) طبقاً لقوله (ص): "إنی تارک فیکم خلیفتین کتاب الله حبل ممدود ما بین السّماء والأرض، أو ما بین السماء إلى الأرض، وعترتی أهل بیتی، وإنهما لن یفترقا حتى یردا علیَّ الحوض". والثانی: أن الطرف الأخر للواقعة کان جیش السلطة الحاکمة وأتباعها، ذلک الجیش الذی کان یحکم باسم الإسلام وبسنة الرسول(ص) إلا أنه ارتکب من الجرائم والفضائح ما لا یحصى ولا یعد قبالة عدد قلیل من الرجل والنساء والأطفال جلهم کان ینتسب إلى نبی هذا الأمة!
إذن، تأتی أهمیة معرکة کربلاء من حیث أنها شهدت تبایناً شاسعاً بین طرفیها فی مستوى التفکیر ومستوى الفعل الإنسانی لدى کل منهما، ومن حیث فهمهما لطبیعة کتاب الله عز وجل، مع أن من المفروض أن یکون لدى طرفی واقعة کربلاء مستوى متقارب من الفهم والسلوک الحربی کونهما ینتمیان إلى الدین الإسلامی وکانا قریبین من عهد الرسالة الإسلامیة، وکل منهما یدعی تمثلها!
ابتداء، یرى الفقهاء المسلمون أن الأصل فی الإسلام هو السلم لا الحرب.
وبناء على ذلک، شرع الإسلام القوانین التی تمنع الحرب ما أمکن إلى ذلک سبیلاً، ووضع القواعد التی تحکمها وتلطِّف من آثارها إذا اضطر الجیش الإسلامی إلى خوضها دفاعاً عن المسلمین، أو رفعاً لظلم واقع على الشعوب. وألزم الجندی المسلم بواجبات وبأخلاقیات عظیمة، یجب علیه التحلی بها فی سلوکیاته ومعاملاته مع الآخرین من الأعداء، والمغلوبین فی الحرب، والمعاهدین، أو المهادنین، وغیرهم.
وقد أتفق المسلمون إلا ما شذ منهم أن الحسین بن علی(ع) فی معرکة کربلاء کان عدلاً للقرآن الکریم؛ کما أخبر الرسول (ص) فإذا کان القرآن الذی نزل على نبی المسلمین یأمر بالمعروف وینهى عن المنکر، فالإمام الحسین(علیه السلام) قال فی وصیّته لأخیه محمّد بن الحنفیّة حین أراد الخروج من المدینة المنورة إلى کربلاء المقدسة "وأنّی لم أخرج أشراً ولا بطراً، ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح فی أُمّة جدّی صلى الله علیه وآله وسلم، أُرید أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنکر".
وإذا کان القرآن میزان القسط، فإنّ الإمام الحسین علیه السلام کان یقول: "أمرت بالقسط". وإذا کان القرآن موعظة من الله تعالى حیث یقول: ﴿مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّکُمْ﴾، فإنّ الإمام الحسین علیه السلام یقول فی عاشوراء "لا تعجلوا حتّى أعظکم بالحقّ". وإذا کان القرآن الکریم یهدی إلى الرشد، فالإمام الحسین علیه السلام یقول: "أدعوکم إلى سبیل الرشاد".
واتفق المسلمون أیضا أن الامام الحسین(علیه السلام) کان قد طبق أسس السلم فی میدان الحرب، فلم یکن طالباً للحرب بل کان موقفه فی ساحة المعرکة یدل على طلب الأمن والسلام، ولم یبادر بعمل یدفع الخصم نحو إشعال نار الحرب تطبیقاً لوصیة علی علیه لأحد قادته "فسر على برکة الله فإذا لقیت العدو فقف من أصحابک وسطا ولا تدنُ من القوم دنو من یرید أن ینشب الحرب ولا تباعد عنهم تباعد من یهاب البأس" ونهى أصحابه عن مقاتلة غیر الخصم، ووقف فی القوم خاطباً فیهم وقدم الحجج والأدلة من أجل إرجاع وإنذار الخصم وتخویفه، ونصح أهله وأصحابه إنه إذا ما بدا القتال فلابد أن یکون بدافع الإیمان ولأجل الحق.
وهذه المعاییر الإنسانیة التی تمتع بها الامام الحسین(ع) وأصحابه کانت معدومة تماماً عند جیش السلطة الحاکمة، ففی نهار شدید الحرارة، منع الجیش الأموی وصول الماء إلى معسکر الإمام الحسین (علیه السلام) لأکثر من یوم، للضغط على الإمام الحسین (علیه السلام) وحمله على الطاعة للحکم الأموی، حتى بات جمیع من فی معسکر الحسین(ع) بما فیهم الأطفال والنساء والشیوخ یعانی شدة العطش. ثم ما لبثوا أثناء المعرکة وبعدها أن قدموا على ارتکاب أبشع الجرائم التی منها قتل الأطفال، وتقطیع أوصال الشهداء من أبناء وأشقاء الإمام الحسین(ع)، ولم یکتف بعد المعرکة بقتل الإمام وأصحابه، بل عملوا على قطع رؤوس الشهداء والتمثیل بجسد الإمام وتقطیع أوصاله تحت حوافر، وسبی النساء والأطفال.
مع أن الإسلام قد وضع قیوداً على المقاتلین أهمها: منع قتل الأطفال والشیوخ والنساء، وأکد على عصمة دماء غیر المقاتلین من العبّاد والضعفاء والأُجَراء والعمال والرسل ورعایا الأعداء، کما وضح أن سیادة الفضیلة ورعایة الکرامة الإنسانیة فی الحروب الإسلامیة ورعایة الجرحى وحسن معاملة الأسرى وعدم التخریب وحمایة المنشآت المدنیة هی من القیم الإسلامیة فی الحروب.
وأرسى الرسول(صلى الله علیه وآله وسلم) قواعد حظر التمثیل بالجثث والإجهاز على الجرحى والانتقام من الأسرى وطالبی الأمان. وهو ما تؤکده الیوم بوضوح الأحکام الدولیة، عرفیة أو مکتوبة، إذ تقضی بوجوب معاملة الضحایا بإنسانیة أی احترام شرفهم ودمهم ومالهم.
الحقیقة أن الأمویین لم یعاملوا ابن بنت النبیّ وآل محمد وذوی قُرباه کما ینبغی أن یُعامَل الیهود والنصارى، بل وکما تقضی أخلاق الحرب الإسلامیّة أن یُعامل المشرکون، إنما عاملهم معاملة یَندى لها جبین البشریة خجلاً، ویترفع حتّى الکفار والمشرکون والیهود والنصارى والأمم المتوحشة عن معاملة خصومهم بها. ومع أن المائة رجل قد قُتلوا عن بکرة أبیهم بین یدَی ابن بنت النبی(ص) ودفاعاً عنه، ولم یَبقَ من الرجال إلا ابن بنت النبیّ، وکان بإمکان جیش الحکم أن یأسره إلاّ أن ذلک الجیش لم یأسر ابنَ بنت النبیّ إنما شنّ هجوماً شاملاً على رجل، ثمّ قتله وقطع رأسه، وأوطأ الخیلَ صدرَه وبطنه وهو میت، ثم سلبه ثیابه الملطخة بالدم.
خلاصة ما تقدم أن معرکة کربلاء کانت عنواناً تاریخیاً فارقاً بین دعاة الحق ودعاة الباطل، بین دعاة الحریة ودعاة العبودیة، وبین دعاة السلم ودعاة الحرب؛ فقد قدم الإمام الحسین (ع) درساً بلیغاً للإنسانیة والمسلمین فی عدم قبوله الظلم وتقدیم التضحیات الکبیرة من أجل الخلاص منه وإحقاق الحق ونشر الفضیلة والعدل بین الناس.

بقلم الکاتب والباحث العراقی: جمیل عودة

المصدر: صوت العراق

کلمات دلیلیة: کربلاء ، معرکة ، الحسین(ع)
captcha