وأفادت وکالة الأنباء القرآنیة الدولیة(إکنا) أنه یعد "حی باربس" الواقع فی الدائرة الثامنة عشرة شمال باریس، رمزاً أسطوریاً للجالیة المسلمة التی تتوافد إلیه من کل حدب وصوب بغیة اقتناء لوازمها مع اقتراب شهر رمضان وهذه هی عادة قدیمة دأبت علیها کل الجالیات المغاربیة القاطنة بباریس منذ قدومها فی سبعینیات القرن الماضی، حتى غدا هذا الحی الذی تقطنه غالبیة مسلمة، ذائع الصیت فی فرنسا.
وتسرع العدید من الأسر المسلمة قبل حلول شهر رمضان الفضیل إلى "حی باربس" للتعرف على المنتجات التی تعرضها مختلف المحلات العربیة والشرقیة.
وانطلقت کل متاجر المنطقة بدورها فی تحضیر ألذ حلویاتها وعرض مختلف منتجاتها فی أبهى حلة رغبة منها فی استقطاب الزوار، خاصة وأن المسلمین فی فرنسا لا یدخرون جهداً فی تقدیم أطیب المأکولات التقلیدیة والعصریة على موائدهم خلال شهر رمضان.
وأضحى التجار یدرکون مع مرور السنین أن المسلمین فی فرنسا یخففون من وطأة الغربة، ومن حنینهم واشتیاقهم إلى أسرهم خلال هذا الشهر الفضیل، بالإقبال على کل ما یمکن أن یقربهم من الوطن، فنجد المنتجات المغاربیة تجاور المنتجات الشرقیة مثل "الشباکیة"، و"البغریر" و"الرغائف" إلى جانب "البقلاوة" و"البسبوسة" و"الکنافة" وغیرها.
کما یحرص المسلمون على البحث عن أطیب التمور والبخور وأجود التوابل لتحضیر "شهیوات رمضان"، وهی الکلمة التی تتداول على ألسنة الکبار والصغار طیلة هذا الشهر، فی إشارة إلى الأکلات المغاربیة التی یحتفى بها على موائد الإفطار.
ونظراً لارتفاع القدرة الشرائیة للمسلمین خلال هذا الشهر الکریم، فقد عمد کبار المحلات التجاریة الفرنسیة إلى تخصیص رواق للمنتجات الحلال بعدما رصد التغییر الذی یطرأ على معاملاتهم الاستهلاکیة، إذ یقبلون على اللحوم والخضراوات وغیرها من المواد الغذائیة بشکل أکبر. غیر أن المسلمین یحبذون التعامل مع المحلات العربیة اقتناعاً منهم أن أعلى معاییر الجودة تتحقق لدیهم خلال هذا الشهر الکریم عن غیرهم، ویفضلون المجازر الإسلامیة لضمان لحوم مذبوحة على الطریقة الإسلامیة على موائدهم، ویختارون الذهاب إلى الأسواق للحصول على خضراوات طازجة، لا سیما وأن هذا الشهر یحمل معه زیارات الأقارب والأصحاب، ویستوجب کرم الضیافة تحضیر أشهى الأطباق وتزیین الموائد.
وفی اختیار الأسر لهذه المحلات العربیة والإسلامیة، تضمن الأقلیة المسلمة فی باریس التبادل والحدیث والنقاش حول طریقة عیش هذا الشهر الکریم، ولو لثوان قلیلة، بهدف خلق جو من الألفة والتعایش الذی یسود الدول العربیة وتفتقده الجالیات المسلمة فی موطن الغربة.
ولا تکتمل الاستعدادات للشهر الکریم دون المرور على مساجد المنطقة للحصول على إمساکیة رمضان حتى یکون المسلمون على علم بأوقات الإمساک والإفطار فی غیاب الأذان الذی یرفع داخل المساجد وقاعات الصلاة فقط، فمسلمو فرنسا حریصون جداً على تهیئة الأجواء الرمضانیة سواء فی بیوتهم من خلال مشارکتهم لوجبات الإفطار مع العائلة أو بالمسجد لأداء الصلاة والتراویح والتواصل مع باقی أفراد الجالیة المسلمة.
وهکذا یعیش حی باربس الباریسی کل سنة على إیقاع الأجواء الرمضانیة، ویصبح فضاء للقاء الجالیات المسلمة، وتعیش أحیاؤه وأزقته طیلة هذا الشهر الفضیل رواجا یثیر کل القاطنین فی باریس بمختلف الشرائح الاجتماعیة بدافع التعرف على عادات الجالیة المسلمة أو حتى بدافع الفضول أحیاناً.
أما الجالیة المسلمة، فتسعى إلى زیارة حی باربس واقتناء لوازمها من هناک بغیة تذکر الحرکة والنشاط الدؤوب الذی تعیشه معظم دول العالم العربی خلال هذا الشهر.
وتجدر الإشارة إلى أن وسائل الإعلام الفرنسیة والأوروبیة تبدی اهتماماً خاصاً بحی باربس فی هذا الشهر الکریم لما یحدث من تغییرات على الجالیة المسلمة، فتخصص - على سبیل المثال - القنوات الفرنسیة تقاریر وریبورتاجات لإعلان بدایة شهر رمضان ونهایته وکل الاستعدادات التی تتخذها الأسر المسلمة فضلا عن أنها تسلط الضوء على عادات المسلمین وتقالیدهم طوال هذا الشهر.
ولا تتوانى المساجد والجمعیات الإسلامیة بدورها فی فتح أبوابها لوسائل الإعلام الفرنسیة حتى یرصد صحفیوها هذا التضامن والتآخی والتعبد وغیره من الصفات التی تسود فی هذا الشهر الفضیل.
المصدر: اینا