ایکنا

IQNA

السيد فادي السيد: فكرة المخلص تكرّس مفهوماً إنسانياً حضارياً لتحقيق العدالة

12:07 - March 25, 2022
رمز الخبر: 3485289
بيروت ـ إکنا: أكد رئيس مركز الأمّة الواحدة للدراسات الفكرية والاستراتيجية "السّيّد فادي السيّد" أن فكرة المخلص تكرّس مفهوماً إنسانياً حضارياً سيسقط كل الاعتبارات التمييزية بين الشعوب، ويعمل على تكريس العدالة والاصلاح والتآخي الإنساني من خلال المفاهيم الإسلامية الأصيلة.

وقال ذلك سماحة السيد فادي السيد في الكلمة التي ألقاها مساء الأحد الماضي 20 مارس الجاري في الندوة الفكرية التي نظمها مركز الأمة الواحدة للدراسات الفكرية والاستراتيجية بالتعاون مع مؤسسة عاشوراء الدوليّة والعتبة الرضوية المقدسة تحت عنوان "المخلص وبناء الحضارة الإسلامية" وذلك بحضور نخبة من العلماء والشخصيات الإسلاميّة والثقافية.

وأكد رئيس مركز الأمّة الواحدة للدراسات الفكرية والاستراتيجية "السّيّد فادي السيّد" أن فكرة المخلص تكرس مفهوماً إنسانياً حضارياً سيسقط كل الاعتبارات التمييزية بين الشعوب، ويعمل على تكريس العدالة والاصلاح والتآخي الإنساني من خلال المفاهيم الإسلامية الأصيلة التي أكدّ عليها جميع الرسل، لأخذ البشرية نحو خلافة التكامل الانساني.

وتابع السّيد أن اتباع النهج القرآني هو السبيل لتقويم حياة الإنسان والأمن الفردي والاجتماعي، موضحاً أن خطاب أئمة أهل البيت(ع) بشأن تحقق الفرج سيتحقق عن طريق حركة عالمية كبرى تنتصر للمستصعفين في الأرض.

وأضاف السيد بأن حالة الظلم والانحراف والجهل والفساد التي تعيشها الامة هو النتيجة التي ترتبت عن تفشي القيم الهابطة للحضارة المادية والتخلف عن الدور التكاملي لخط الأنبياء والرسل، خط الهداية وصلاح النفس والبشرية.

فيما يلي النص الكامل لكلمة سماحة السيد فادي السيد:

"يقول اللهُ في محكمِ كتابِهِ

((وَنُرِيدُ أن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأْرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ)) 

ان دولةَ العدلِ الالهيِّ ستقومُ نتيجةَ فشلِ وسقوطِ الحضاراتِ بعدما سادَت فيها المبادئُ الحسّيةُ الهابطةُ، التي ادّت الى الدمارِ الإنسانيِّ المريبِ ، بعدَ أن كانَ التطوّرُ العلميُ والتكنولوجيُ قد سببَّ كثيراً من الأوبئةِ والكوارثِ البشريةِ والمفاسدِ البيئيةِ، لذلك الإنسانُ أصبحَ يحفِرُ نهايتَه بيدِه ، بعدَما تحوّلت أمنياتُ الإنسانِ الماديةُ إلى شرورٍ ومصائدَ للهلاكِ والدمارِ والتشرذمِ الروحيِّ والنفسيِّ والماديِّ والشواهدُ على هذا الواقعِ اكثرُ مما تُحصى.

وبعد التدهورِ الأخلاقيِّ والقَيمي، وحتى الحضاري الذي تُنتِجُهُ الحضاراتُ المعاصرةُ، اصبحت البشريةُ تطوقُ الى قيامِ حضارةٍ جديدةٍ تتكفّلُ في بناءِ الإنسانيةِ وتشييدِ كِيانِها من جديدٍ خصوصاً مع نجاحِ الغربِ الغارقِ في أتونِ المادةِ والحياةِ المُبتَذَلةِ بإسقاطِ الحضاراتِ الاخرى وايقاعِ الأممِ في الجهلِ والتخلّفِ من اجلِ السيطرةِ على قيادةِ العالمِ بأسرِه.

إنّ الحضارةَ الجديدةَ التي نتكلّمُ عنها ايها الاحبةُ هي الحضارةُ التي تحملُ صورةً رسمَها الدينُ الإسلامي، وذلك عندما أخذ المسلمون زمامَ المبادراتِ العلميةِ العظيمةِ وتوحّدت كلُّ الثقافاتِ والتعددياتِ القوميةِ والعِرقيةِ في مفهومٍ ثقافيٍّ إنسانيٍّ واحدٍ تقودُه العقيدةُ الإلهيةُ الحقّةُ، فنشأَ في ظلِّ ذلكَ الدينُ المعززُ بالعلمِ والمعرفةِ تجاهَ تشييدِ الحضارةِ وترسيخِ قيم ِالعدلِ والتآخي الإنساني.

وانبعاثُ الحضارةِ الإسلاميةِ العظيمةِ في آخرِ الزمانِ ، تَمَثُلٌ بالدورِ الذي قامَ به النبيُّ الأكرمُ(صلى الله عليه وآلِه وسلم) لبناءِ الحضارة ِالإلهيةِ وتنصيبٌ للأئمّةِ الهُداةِ لقيادةِ العالمِ للأخذِ بيدِ البشريةِ لجادّةِ الصوابِ والتطوّرِ البشريِّ بمستوياتِه المختلفةِ؛

فالتطوّرُ الإيماني من خلالِ حركةِ الطاعةِ نحوَ اللهِ، والتطورُ العمراني من خلالِ إعمارِ الأرضِ الذي نادى به القرآنُ الكريم ، والتطوّرُ الكوني العامُّ من خلالِ إشارةِ القرآنِ إلى قُدرةِ البشرِ للوصولِ إلى الكونياتِ الأخرى من الكواكبِ والمخلوقاتِ الإلهيةِ المنتشرةِ في رحابِ الكونِ وذلك بقوله تعالى: {لاَ تَنفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ}.

والإمامُ الرضا ـ عليه السلام بيّنَ منزلةَ الإمامِ ودورِه في إحياءِ الإسلامِ والبلوغِ بالبشريةِ الى الدرجةِ العليا من التكاملِ. يقولُ عليه السلام: "إنّ الإمامةَ أساسُ الإسلامِ النامي وفَرعُه السامي".

وذلك لأنّ الإمامةَ هي أصلُ الإسلامِ وجُذورُهُ في معنى وفرعُهُ وغصنُه في معنىً آخر. ولنا أن نلاحظَ كِلا المعنيين في القرآنِ الكريمِ؛ قالَ تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ}.

فقد جاءَ في تفسيرِ (العياشي) عن الإمامين الباقرِ والصادق (عليهما السلام) في تفسيرِ هذه الآيةِ الكريمةِ: يعني النبيَّ ـ صلى اللهُ عليه وآله وسلم ـ والأئمةَ من بعدِه همُ الأصلُ الثابتُ، والفرعُ الولايةُ لمن دخلَ فيها.

وفي ضوءِ هذا التفسيرِ جاءت الإمامةُ بمعنى قيادةِ الأمّةِ وهدايةِ الناسِ إلى الكمالِ المطلوبِ، وأصلِ شجرةِ التوحيدِ الطيبةِ والإسلامِ المحمّدي الأصيلِ الذي يمثّلُ قادتُه الربانيون تجسيداً للإمامةِ بهذا المفهومِ.

إنّ المصائبَ والكوارثَ الإنسانيةَ والحوادثَ المفجعةَ التي وصمت تاريخَ البشريةِ بشكلٍ عامٍ بوصمةٍ سوداءَ ما هي إلاّ نتيجةُ الانحرافِ عن الوحي الإلهي والعصيانِ العلنيِّ لأوامرِ السماء. فقد تمادى الإنسانُ في عِصيانِه وتجاهلِه للنعمةِ الإلهيةِ ، فحاولَ التصرّفَ باستقلالٍ متجاهلاً الحكمَ الإلهيَ ومستخفّاً بهِ ومعارضاً للحكمِ السماويِّ الربّاني والدستورِ الإلهي الحاكمِ لجميعِ البشرِ الذي بلّغَهُ الأنبياءُ طيلةَ القرونِ المتماديةِ وصولاً لما جاءَ بهِ سيدُ المرسلين نبيُ الرحمةِ والإنسانيةِ.

ولهذا فإنّ القرآنَ الكريمَ لم يترك الأمرَ سُدىً، ولا أَغفلَ ذكرَ المستقبلِ المأساويِّ والصورِ القاتمةِ التي تنتظِرُ أبناءَ آدمَ في كوكبِ الأرضِ بتركِهم التمسّكَ بهذا القانونِ والعملَ على تطبيقهِ.

1ـ قال تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ * قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ}.

ثم بيّنَ سبحانَه وتعالى طريقَ الحلِّ، وهو: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أن يَأْتِيَ يَوْمٌ لامَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ * مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ}.

2ـ قال تعالى: {إِنَّ هَذَا القرآن يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أنّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا}.

الآيةُ الشريفةُ الأخيرةُ تشيرُ بشكلٍ لا لَبسَ فيهِ أنّ الطريقةَ المُثلى للعيشِ هي في اتّباعِ القرآنِ الكريمِ والالتزامِ بتعاليمِه وأحكامِه الإلهيةِ.

كما لا يَخفى أنّه بدونِ القرآنِ الكريمِ لا يُمكنُ الحصولُ على المنهجِ المتكاملِ الصحيحِ الذي يقوّمُ حياةَ الإنسانِ بالصورةِ الصحيحةِ ، وكذا لا يمكنُ تحقيقُ الأمنِ الفرديِّ الروحيِّ والمعنوي الذي هو أساسُ الأمنِ الاجتماعيِّ والإنسانيِّ بشكلٍ عامّ من دونِ القيادةِ الحكيمةِ المتمثلةِ بالائمةِ الاطهارِ عليهم السلام.

لذلك أميرُ المؤمنينَ عليه السلام كان يبشّرُ بأن فرجاً آتياً لا ريبَ فيه عندما قالَ ((حتى يُطلِعَ اللهُ لكم من يجمعُكُم، ويضمُ نشرَكم)).وهذا الأملُ يتمثّلُ في قيامِ ثورةٍ كبيرةٍ عالميةٍ تصحّحُ وضعَ العالمِ كلِّه ، يقودُها رجلٌ من أهلِ البيتِ عليهم السلام هو الإمامُ المهديُ لذلك حركةُ الامامِ في تأسيسِ الحضارةِ الحديثةِ تتلخصُ بعدةِ  نقاطٍ ابرزُها:

النقطةُ الاولى تتمثلُ بتحقيقِ العدالةِ الربّانيةِ ، من خلالِ الدفاعِ عن المحرومين ، والانتصار للمستضعفين في أرجاء المعمورة .قال تعالى: {وَنُرِيدُ أن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأْرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ}.

وقال الإمامُ عليّ عليه السلام: "المستضعفون في الأرضِ، المذكورون في الكتابِ، الذين يجعلُهم اللهُ أئمةً نحنُ أهلُ البيتِ، يَبعثُ اللهُ مَهديَّهُم فيُعزُّهم ويذِلُّ عدوَهم".

والنقطةُ الثانيةُ تتمثلُ في التكاملِ المعرفيِّ والعلميِّ لان الإسلامَ يُؤمنُ بالطاقاتِ البشريةِ المتنوّعةِ والمتعدّدةِ لتحقيقِ أهدافِ الانسانِ ، والقرآنُ الكريمُ اكدَّ على دورِ المعرفةِ والعلم ِوالعلماءِ.. قالَ تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ} {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}.

 كما أوصى الرسولُ الكريمُ أمّتَه بالعلمِ والمعرفةِ والسيرِ قُدُماً في تطويرِ القدراتِ العقليةِ والإنسانيةِ بشتّى الوسائلِ والسبلِ، فقالَ صلى اللهُ عليه وآله وسلم: "اطلبوا العلمَ من المهدِ إلى اللحدِ" : ((طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، أَلا أنّ اللَّهَ يُحِبُّ بُغَاةَ الْعِلْمِ)).

اما النقطةُ الثالثةُ فتركزُ على صراعِ الهُويات ولعلّ من أهمِّ الأسس ِفي بناءِ الدولِ والأنظمةِ السياسيةِ هو الإيمانُ بثقافةِ التسامحِ الفكري والعملي، لصالحِ الأهداف ِالدينيةِ والإنسانيةِ العليا.لذلك عندما جاءَ الإسلامُ بهُويةِ وبفلسفةِ حياةٍ جديدتين للإنسان ارادَ إنشاءَ أمّةٍ جديدةٍ لم يكن لها مثيلٌ بين الأممِ من قبل، إذ لم تقم هذه الأمّةُ على أسسٍ عرقيةٍ أو لونيةٍ أو حضاريةٍ ، وإنّما قامت على أساسِ الاعترافِ بالإنسانِ كما هو في فطرتِه وحقيقتِه ، قالَ تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا أن أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ أن اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}.

إنّ البناءَ الحضاريَ لدولةِ العدلِ الالهيِّ سوفَ يُسقط ُكلَّ الاعتباراتِ القانونیة والاجتماعيةِ التي تعارَفت عليها المجتمعاتُ، فالجنسيةُ لا وجودَ لها، والعِرقيةُ والقوميةُ لا تشكلان أيةَ قيمةٍ في موازينِ هذه الدولةِ التي تقومُ على معاييرِ الإيمانِ والصلاحِ والتقوى والطاعةِ والولاءِ للقيادةِ التي تمثّلُ النموذجَ العالميَ الرشيدَ.

captcha