وحلّت أمس الجمعة الذكرى الـ100 على ميلاد الشيخ أبو العينين شعيشع، والذي يُعد واحداً من أعلام دولة التلاوة في مصر والعالم الإسلامى، حيث وُلد فى مدينة "بيلا" بمحافظة "كفر الشيخ" المصرية في 12 أغسطس من عام 1922، وهو الابن الثانى عشر لأبيه، والتحق بكُتاب المدينة، وحفظ القرآن الكريم على يد الشيخ "يوسف شتا"(رحمه الله)، وهو لم يتجاوز العاشرة من عُمره، وذاع صيته كقارئ للقرآن عام 1936 للميلاد، وهو في الرابعة عشر من عُمره، وذلك بعد مُشاركته بالتلاوة في حفل أُقيم بمدينة المنصورة فى ذلك العام، والتى تبعدُ عن مدينة بيلا بنحو 27 كيلو متراً.
ودخل شعيشع، الإذاعة المصرية عام 1939، مُتأثراً بالشيخ محمد رفعت، حيث استعانت به الإذاعة لإصلاح الأجزاء التالفة من تسجيلات "رفعت"، ولكنه اتخذ لنفسه أسلوباً فريداً في التلاوة بدءاً من منتصف الأربعينيات، وكان أول قارئ مصري يقرأ القرآن الكريم بالمسجد الأقصى المبارك.
وعام 1969 للميلاد، عُين "شعيشع" قارئاً لمسجد عُمر مكرم بميدان التحرير، وسط القاهرة، ثم قارئاً لمسجد السيدة زينب(س) عام 1992، وناضل كثيراً في بداية السبعينات من القرن الماضى لإنشاء نقابة القُراء مع كبار قراء القرآن الكريم فى مصر حينذاك، وقد انتُخب نقيباً لنقابة القراء منذ عام 1988، خلفاً للقارئ الراحل الشيخ عبد الباسط محمد عبد الصمد، وظل نقيباً لها حتى وفاته.
كما عُين شعيشع عضواً بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، وعميداً للمعهد الدولى لتحفيظ القرآن الكريم، وعضواً للجنة اختبار القراء بالإذاعة والتليفزيون، وعضواً باللجنة العليا للقرآن الكريم بوزارة الأوقاف المصرية، وعضواً بلجنة عمارة المسجد بالقاهرة، وحصل على وسام الرافدين من العراق، ووسام الأرز من لبنان، ووسام الاستحقاق من سوريا، وفلسطين، وأوسمة من تركيا، والصومال، وباكستان، والإمارات العربية المتحدة، وبعض الدول الإسلامية.
وتُوفي شعيشع، فى 23 يونيو من عام 2011، عن عُمر يُناهز الـ89 عاماً، قضى خلالها رحلة عامرة في تلاوة القرآن الكريم في مشارق الأرض ومغاربها، ودُفن في المقابر المُجاورة لكلية البنات بجامعة الأزهر بالقاهرة، وصُلى عليه صلاة الغائب فى مسقط رأسه بمسجد "أبو غنام"، أحد أكبر مساجد مدينة بيلا، وعدد من مساجد المدينة، وكان ذلك يوم الجمعة المُوافق 24 يونيو، وخُصصت خطبة الجمعة لذكر مناقبه ومآثره.
وفي هذا الاطار، أحيت وکالة الأنباء القرآنیة الدولیة "إکنا" الذکری المئویة لمیلاد الفقید الشیخ "أبوالعینین شعیشع" وبهذه المناسبة تحدثت عبر الأثیر إلی کل من المقرئ الايراني البارز والمحکم الدولي في المسابقات القرآنية الدکتور "مهدی دغاغلة"، والمقرئ الشیخ "أحمد فرج الله الشاذلي" من جمهوریة مصر العربیة حول أهم محطات بحیاة الشیخ أبوالعینین شعیشع القرآنیة.
وإلیکم فیما یلي نص المقابلة؛
ما هي أهم میزات أسلوب القارئ الراحل أبوالعینین شعیشع التي تمیزت بها تلاواته؟
الدكتور مهدي دغاغلة: هو من کبار القراء في مصر وله بصمة في تأریخ تلاوة مصر من الرعیل الأول والثاني وله خصوصیات منها أنه کان یمتلك صوتاً ملائکیاً جمیلاً من الصعب أن یقوم قارئ آخر بتقلیده وذلك للطبقات العلیا والخصائص التي یمتاز بها، كما أن الأسلوب الذي یقرأ به أسلوب یختص به و هوصعب جداً.
وأیضاً أنه یلتزم کثیراً بتصویر المعاني حیث یجعل إحساسه الفائق جداً یؤثر علی المستمع.
- لماذا لقب الشیخ شعیشع بـ ملك الصبا؟
أحمد فرج الله الشاذلي: الشیخ أبوالعینین کان موهوباً حیث کان یجید جمیع المقامات ولکنه کان یقرأ الصبا لما فیه من حنان وشجن.
لماذا یسمی صوت أبوالعینین شعیشع من الأصوات المعدنیة؟
أحمد فرج الله الشاذلي: لأنه صوت أصیل و قوی جداً وإنه کان صوتاً فوق السحاب ولم یوجد له مثیل وسوف یبقی هذا الصوت الأصیل بخامته الفریدة باق.
- البعض یعتقد أن الشیخ أبوالعینین شعیشع بحکم مناصبه المتعددة وخبرته الطويلة المتراكمة عمل علی التصدي لتراجع فن القراءة في مصر، هل کان کذلك؟
الدكتور مهدي دغاغلة: أولاً إسمح لی أضیف لما تفضل به الشیخ أحمد حول الصوت المعدني هناك أصوات خشبیة کما یسمیها البعض وهناك الأصوات النحاسیة وهناك الأصوات المعدنیة والمعدني بمعنی أنه یخرج هذا الصوت کما یخرج الذهب من معادن الذهب والمعدن أیضاً له معنی آخر وهو الصوت الذي له جرس الصوت الذي له رنین فیختلف أن تضرب علی قطعة نحاسیة أو تضرب علی قطعة خشب فتجد أن الضربة التي تأتی علی النحاس له رنین وأصداء أقوی ولأن کان له صوت قوی کان یوصف بصاحب الصوت المعدني.
وکان یتصدی للحرکة التي تدعم التلاوات الجدیدة التي هي خالیة من الإحساس غالباً ولا أتهم الجمیع ولکن هو کان یعتقد أن هناك هبوطاً وتنزلاً وإنحطاطاً في التلاوة الأصیلة فـ الشباب کان یعتقد أنهم یتجهون توجهاً غیر صحیح وغیر سلیم ولهذا کان یحثّ الشباب علی إلتزامهم بالطریقة الأصیلة والتلاوة الصحیحة.
كما تعلمون أن الشيخ أبوالعينين شعيشع أصيب بمرض في صوته مطلع الستينيات من القرن الماضي، هل أثّر المرض علی حنجرة الشیخ شعیشع وصوته؟
أحمد فرج الله الشاذلي: فضیلة الشیخ أبوالعینین صاحب صوت أصیل وکما یقولون في علوم الموسیقی أن الصوت یتغیر ویختلف کل 10 سنوات ویأخذ شکلاً آخر هکذا کان صوت الشیخ أبوالعینین إذ أدرك الشیخ أن الصوت أخذ مجالاً آخر وبقی یقرأ حتی الممات لأنه کان موهوباً.
الدكتور مهدی دغاغلة: من الصعب تقلید أبوالعینین شعیشع في اللحن أو النغم إنما في الصوت في إصالة الصوت ونقاء الصوت هذا الصوت فرید من نوعه ولم یتکرر برأیي وأتذکر أن فضیلة الشیخ أبوالعینین شعیشع عندما زارنا في مدینتنا الأهواز في جنوب إیران لديّ شقیق بإستطاعته تقلید القراء وخصوصاً الشیخ أبوالعینین شعیشع وإن لتمکن سوی محاولات فعندما جلس الشیخ أبوالعینین شعیشع أنا أشرت إلی شقیقي الشیخ عبدالرزاق وقلت له إقرأ من قوله تعالی من سورة الرعد "وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَىٰ بِمَاءٍ وَاحِدٍ" إندهش الشیخ وقال لأول مرة أنه یشاهد أحد یستطیع تقلیدي لأن تقلیدي أمر صعب وهوکان یعترف بذلك.
الحقیقة کلما تحدثنا عن هذا العملاق فهو قلیل بحقه وأنا لا أجد الکلمات التي تناسب وصف فضیلة الشیخ أبوالعینین شعیشع.
وللشیخ أبوالعینین شعیشع میزة وهي أنه لم یقرأ القراءات أو بالأحری إني لم أسمع عنه الا قراءة "حفص عن عاصم" خلافاً لکثیر من القراء یقرؤون "ورش عن نافع" أو حمزة وغیره ولکنه کان ملتزماً بقراءة حفص عن عاصم.
الشیخ أبوالعینین کان متأثراً بالشیخ رفعت وکانت علاقة وطیدة تربطهما ما هو سرّ تلك العلاقة؟
الدكتور مهدي دغاغلة: من الذي لم یتأثر بالشيخ محمد رفعت یعني جمیع القراء تأثروا بالشیخ عبدالباسط عبدالصمد والشیخ المنشاوي وکل المشایخ الکبار تأثروا بالشیخ محمد رفعت ولکن بعض الخصائص التي تجمع الشیخ شعیشع بالشیخ رفعت تجعله یستمر أکثر من غیره بتقلید أو نقول جعلته یحذو حذو الشیخ محمد رفعت.
هل لدیكم ذکریات مع الشیخ أبوالعینین شعیشع؟
أحمد فرج الله الشاذلي: کنت أجالسه کثیراً وأذهب عنده في البیت فسمعت منه شخصیاً عن موقف في العراق حول مجلس عزاء الملکة علیاء الحسين في الخمسینیات تقریباً فقیل له آت لنا بالشیخ مصطفی إسماعیل فإتصل بالشیخ مصطفی إسماعیل ولم یجده فهو إتصل بفضیلة الشیخ عبدالفتاح الشعشاعي وذهب معه إلی بغداد وعندما وصلا سئلوهما أین الشیخ مصطفی؟ فزعل الشیخ عبدالفتاح وقال له إن کانوا سئلوك عن الشیخ مصطفی لماذا دعوتني وأتیت بي إلی بغداد، فردّ علیه الشیخ شعیشع أنه إتصل بالشیخ مصطفی إسماعیل ولم یجده، فقرر الشیخ عبدالفتاح العودة إلی مصر فقال له الشیخ أبوالعینین إنتظر حتی الصباح وسیحلها الله فعند الصباح أراد الشیخ عبدالفتاح العودة حتی أثناه الشیخ أبوالعینین عن ذلك فذهبوا إلی المجلس وأقاموا العزاء وکأن شیئاً لم یکن وقد أدی الشیخ أبوالعینین إلی جانب الشیخ عبدالفتاح رغم صغر سنه.
وله موقف آخر في ترکیا حیث کان یمشي والملکة فریدة قابلته هناك وقالت له إنت کنت تقرأ عندنا في القصر فهو إستغرب فنظر إلیها وقال لها أ هي أنت یا مولاتی.
تحدث لنا عن أهم الذکریات التي حصلت خلال مرافقتکم وملازمتکم للشیخ أبوالعینین شعیشع في مصر وإیران؟
الدكتور مهدي دغاغلة: کانت الرحلة وزیارة الشیخ أبوالعینین شعیشع(رحمه الله) کلها ذکریات وفیها أشیاء جمیلة تُذکر ولکن خُلُقه الدمث والحَسن هو الشیئ الذي کلما أتذکره أستمتع به وکان لا یفرق بین صغیر وکبیر وإذا إلتقیت به کأنما یعرفك منذ سنین ویستقبل بحفاوة وأتذکر عندما زرناه في بیته کانت لدیه صور عدیدة علی الجدران وأشار فضیلة الشیخ أحمد أنه رحمه الله کان یقرأ عند الملوك والرؤساء وخصوصاً کان من قراء البلاط الملکي في زمن الملك فاروق وأنا شاهدت تلك الصور التي کان فیها یقرأ القرآن للملوك وآخر صورة له مع قائد الثورة الإسلامیة الايرانية المبارکة آیة الله السید علي الخامنئي وقال لي إن هذا یختلف عن هؤلاء فقلت له بماذا یختلف فقال بالتواضع أنه کان یجلس علی الأرض ویقضي ساعات طویلة للإستماع للقرآن الکریم.