إنّ مما تتميّز به الشيعة بالنسبة إلى سائر المذاهب الإسلامية هو وجود المرجعية الدينية التي تسمى بالنيابة العامة عن المعصومين (عليهم السلام) فالمراجع يقومون بالإفتاء والأمور الحسبية والقضاء في زمن غيبة المعصوم، ولهم شرائط خاصة للمرجعية والزعامة الدينية منها أن يكون حيّاً عادلاً صائناً لدينه مطيعاً لأمر مولاه مخالفاً لهواه، صحيحاً وغيرها من الشرائط التي سطرت في الكتب الفقهية، ومتى ما فقد أحد الشرائط تفتقد صلاحية الإفتاء.
هذا وقد يطرح سؤال وهو هل کان من المراجع من اعتزل عن المرجعية في زمن حياته؟
بعد الدراسة في تراجم المراجع نجد أنّ منهم من قد تنحّى عن المرجعية زمن حياته فنذكر في المقال أنموذجين لموضوعنا.
من المراجع الذين انسحبوا عن المرجعية هو الشيخ آقا رضا الهمداني النجفي (۱۲۵۰ق-۱۳۲۲ق) الملقّب بالمحقق الهمداني الفقيه الشيعي وكان من الأساطين وفطاحل زمانه ومن أشهر تلامذة الميرزا الشيرازي الشهير صاحب فتوى التنباك وله مصنّفات عديدة في الفقه والأصول. يذكر في أحواله أنّه بعد رحيل الميرزا الشيرزاي سنة 1312ق، حينما كان مشتغلاً بالتدريس والتعليم والتحقيق، راجعه الناس وثلة من خاصة العلماء وطلبوا إليه الفتيا، فاضطر الشيخ أن يحشّي كتاب نجاة العباد، مع ذلك كان لا يرغب في المسؤولية والزعامة وقد قبلها بصعوبة ولم تمض مدة طويلة إلّا أنّه أصيب بالنسيان فامتنع من الفتوى وقبول الوجوهات ولكن واصل التدريس.
والمرجع الآخر الذي تنحّى عن المرجعية هو السيد محمد حجت الكوهكمري (۱۳۱۰- ۱۳۷۲ق) كان من الفقهاء والرجاليين ومراجع الدين الأعاظم بعد ما تتلمذ على يد أعمدة من كبار علماء الشيعة كالسيد كاظم اليزدي والمحقق الرشتي والمحقق النائيني والمحقق العراقي (قدّس أسرارهم) وقد تصدى للمرجعية بعد وفاة الشيخ الحائري مؤسس الحوزة العلمية في قم المقدسة، فأصبح واحداً من المراجع الثلاثة المعروفين آنذاك، يذكر في أحواله أنّه في أواخر عمره الشريف أرسل إلى أقاربه ووصيّه وقال لهم: إني لن أبرأ من مرضي هذا وسأنتقل إلى جوار الله تعالى، وأريد أن أكسر خاتمي في حضوركم كي لا يستخدم في غير موضعه، فسلّم أمر المرجعية في حياته.
ولا يخفى على القارئ العزيز أنّ سنة كسر الخاتم كانت وما زالت منذ قدم الزمن وعلى عهد الأئمة حيث كان نوّاب المعصومين (عليهم السلام) يمتلكون الخاتم لبعض أمورهم وانتهى ذلك إلى مراجعنا الكرام فوقع أنّ بعضهم كسر هذا الخاتم حين حياته نظراً إلى بعض الأمور كالمرض وغير ذلك ويكسر الخاتم أيضاً بعد مماتهم وكل ذلك يدل على انتهاء المرجعية فلا يسع أحداً أن يأخذ الوجوهات الشرعية باسم المرجع أو استفادات أخرى غير ذلك.
ومجمل القول أنّ التنحّي عن المرجعية في زمن حياة الفقيه أمر مسلّم به وذلك يدل على تقواهم وإدراكهم لعظم خطر الفتيا فلايبيعون دينهم من أجل المصالح والمسؤوليات التي يرون زوالها وطول حسابها.
بقلم المحقق وأستاذ الحوزة العلمية في قم المقدسة "السيد علي الموسوي"