وبمناسبة حضور حجاج بيت الله الحرام في أرض الوحي لأداء موسم الحج عام 2023 للميلاد، أجرت مراسلة وكالة "إكنا" للأنباء القرآنية الدولية في لبنان الإعلامية "ريما فارس" حواراً  مع عالم الدين سماحة الشيخ "أيمن شمص".

و"الشيخ أيمن شمص" من مواليد منطقة "بعلبك" بمحافظة "البقاع" اللبنانية وهو المبلّغ في أوروبا وأمريكا اللاتينية والمدرّس في المعاهد الشرعية، والأب للشهيد "ياسر شمص".

فيما يلي نص  الحوار...

لماذا فرض الله سبحانه وتعالى فریضة الحج على المسلمين؟
   
قال الله تعالى في محكم كتابه الكريم:

"بسم الله الرحمن الرحيم؛  "وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (۲۷) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ﴿۲۸﴾" طبعاً هاتان الآيتان من سورة الحج المباركة تتحدثان حول لماذا فرض الله الحج وعندما نقول لماذا الله فرض الحج لايجب أن نتحدث من عقلنا، بل يجب أن نرى ماذا قال القرآن الكريم وماذا قال أهل البيت (ع) فنحنُ من دون القرآن ومن دون الروايات الصحيحة الواردة عن أهل الببت(ع) نحلل تحليلات قد تصيب أو تخطأ ولكن حين نعود الى القرآن والروايات يكون هو الحكم لنعلم لماذا فرض الله الحج، طبعاً فرض الله سبحانه وتعالى الحج ووضع له أهداف بإعتبار أن الحج يمثل أعلى مراتب التوحيد ونفي الشرك وطبعاً هذا غير الإخلاص في العبودية لله سبحانه وتعالى.

والحج مليء بالدروس والعبر التي  يقدر الإنسان المتدين استلهامها لبناء الجانب المعنوي، والذي يرى هذه الدروس ويرى الهدف الرفيع الذي من أجله فرض الله تعالى الحج. 
 
وروي عن الامام علي(ع) حول فلسفة الحج "وَ فَرَضَ عَلَيْكُمْ حَجَّ بَيْتِهِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلَهُ قِبْلَةً لِلْأَنَامِ يَرِدُونَهُ وُرُودَ الْأَنْعَامِ وَ [يَوْلَهُونَ] يَأْلَهُونَ إِلَيْهِ [وَلَهَ] وُلُوهَ الْحَمَامِ وَ جَعَلَهُ سُبْحَانَهُ عَلَامَةً لِتَوَاضُعِهِمْ لِعَظَمَتِهِ وَ إِذْعَانِهِمْ لِعِزَّتِهِ".

وفرض الصوم حتى يشعر الغني بجوع الفقير فالحج أيضاً فرضه الله علينا علامة على التواضع ولكن البعض يستكبرون ويقولون لماذا علينا الحج،  البعض يذهب إلى الحج ويؤدي المناسك ولكن لايرجم يقول هل أرمي الحجار على الحائط هنا طبعاً غفل ولم يدري المرء أن هناك شيئاً مادياً و شيئاً معنوياً وطرد الشيطان من النفس الأمارة بالسوء ومحاربة الافكار الشيطانية وإذا فإن التواضع هو الأساس.

والاعتراف بالعزة الإلهية والتيقن منها سبب أُختير الإنسان من أجله  حتى يصدق هذه الكلمة ويجيب عن هذه الدعوة ويقف عند مواقف الأنبياء(عليهم السلام) ويتشبه بالملائكة،  الذين يطفون حول العرش له منافع سواء كانت مادية أو معنوية من خلال ذكر الله سبحانه وتعالى منافع المعنوية هي الارتقاء نحو الكمالات اللامتناهية، والعلم وتعزيز الإيمان والتعارف والعقيدة من خلال أبرز مصداق هو ذكر الله سبحانه وتعالى والفوائد المادية باعتبار هو لقاء كبير وتجمع عالمي لا يشهد له أي تجمع في كل الكرة الأرضية غير هذا التجمع من كل الفرق حتى يمارسوا هذه الشعيرة طبعاً هي شعيرة حقيقية لله تعالى لن تكون شعيرة من أجل إرضاء النفس أو الدنيا، نحن نعلم أن في العالم الإسلامي قديماً في زمن العهد العباسي والأموي هنالك الكثير كانوا خطباء مساجد ويرسلون بعثات الى الحج فضلاً عن اهتمامهم بالكعبة أو بناء المساجد ونحنُ نرى أي مسجد نريد أو أي طواف نريد أو أي حج نريد وأي سعي نريد وأي رجم نريد نسأل الله سبحانه وتعالى أن يهمنا دائماً الى السداد لما هو خير لنا في الدنيا وفي الآخرة انه سميع مجيب.

والحج واجب لمن استطاع فهو موضوع مقاصد القرآن الكريم في عدة مقاصد منها تقوية رابطة الإخاء في المجتمع الإسلامي. عندما نقوي روح المودة والإخاء والوحدة بين المسلمين عندها تتحقق أهداف الإسلام على الصعيد الإجتماعي لأن التلاحم بين أفراد الأمة مرتبط بعز الإسلام ووعد المسلمين بفوزهم في الآخرة لأنهم يمتثلون للأمر الالهي وعندما يمتثل المجتمع للأمر الالهي وتعاليم النبي(ص) وائمة أهل البيت(ع) عندها يكون هذا المجتمع مجتمعاً متماسكاً ومجتمعاً يمتلك وضوحاً في الرؤية على مستوى العقيدة وعلى صعيد هذه العبادة التي أوجدها الله سبحانه وتعالى وهذة لا تكلف فقط مالاً تكلف أرواحاً أيضاً في ناس تموت في الحج وكل هذا أكيد بأهداف كبرى من ضمن هذه الأهداف هي هذه الرابطة من مجتمع الإسلامي لننشئ رابطة قوية ولها منعة على الاجتماع.

ما هي أهم مقاصد الحج في ضوء القرٱن الكريم؟

هناك عدة مقاصد للحج أذكرها باختصار:

1 ـ تذكير الحاج بأول منازل الآخره من خلال لباس الاحرام والتجرد من كل المتعلقات فيذكره بالقبر.

2-.التذكير بيوم الجمع حيث يجتمع الناس من كل حدب وصوب على اختلاف لغاتهم واجناسهم فلايملكون شيئاً من حطام الدنيا. 

3-مجاهدة النفس وتحمل المشاق واحياء روح الجهاد في الأمه لتبقى حية لاتموت أبداً.

4-التربيه على الصبر والإيثار .
 
5-التذكير بمبدأ الأخوه ووحدة الصف دون تمييز بين الغني والفقير والعربي والأعجمي لأنهم يعبدون إلهاً واحداً ونبياً واحداً وقبلتهم واحده وتلبيتهم واحدة.

6-وحدة الهدف والمصير حيث جاؤوا من كل فج عميق لمقصد واحد (انه طلب المغفره).

7-التعارف حيث انهم من جنسيات متعدده فتزداد روابط الأمة.

8-التعبد بمناسك الحج دون معرفة العلل فالله هو الذي شرعها وفق ما أراد لحكمه، فهو نوع من التسليم لله دون البحث عن علتها لأنه من تمام الإيمان.

ما هي أهم العناصر  التي يمكن التركيز عليها لتعزيز الوحده الاسلاميه خلال موسم الحج؟

 تتجلى الوحده في أبهى صورها، وتتحقق في الواقع عملاً لا في الأماني والأحلام، صلاة واحدة في وقت واحد، يا لها من وحدة تتكرر وتتحقق مرة في كل عام، هذه الوحدة  تحتاجها الأمة اليها وتتمناها في كل أيامها لا في أيام الحج فقط ففيها قوتها وفيها عزها، فاللهم بلغنا وحدة الأمة وحققها لنا واقعاً يا رحمن يا رحيم.

وفي الآية الـ 27 من سورة الحج والتي ذكرتها في البداية،  يخبرهم الله تعالى عن مشاهدة منافع لهم ورزق ويمثل فيها الحج  أعلى مراتب التوحيد ونفي الشرك وفضلاً عن الاخلاص  في العبوديه لله تعالى فهو مليء بالدروس والعبر التي يستلهمها المسلم لبناء الجانب المعنوي في حياته والمتأمل فيها يجد المعنى السامي والهدف الرفيع الذي من أجله فرض الحج.

وهذا يتوضح من خلال قول الامام علي(ع): وَ فَرَضَ عَلَيْكُمْ حَجَّ بَيْتِهِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلَهُ قِبْلَةً لِلْأَنَامِ يَرِدُونَهُ وُرُودَ الْأَنْعَامِ وَ [يَوْلَهُونَ] يَأْلَهُونَ إِلَيْهِ [وَلَهَ] وُلُوهَ الْحَمَامِ وَ جَعَلَهُ سُبْحَانَهُ عَلَامَةً لِتَوَاضُعِهِمْ لِعَظَمَتِهِ وَ إِذْعَانِهِمْ لِعِزَّتِهِ". فالله يريد للمسلم أن يرتقي بتواضعه لعظمة الله ويسمو في إذعانه لعزة الله فهو عندما يقف في ذلك الموقف فإنه يتشبه بالأنبياء والملائكه فلايفكر في تجاره سوى عبادة الله ومغفرته ورضوانه،كذلك فرضه تقويه للدين.

كيف تقيمون حضور كبار القراء في موسم الحج ودور تلاواتهم الرائعة في تعزيز روحانية هذا الموسم؟

نعم يعزز ولكن ليس المراد بالحضور الشكلي فقط إنما الحضور مع ما يتضمنه من تفاعل مع الناس وهذا سواء كان في بيت الله الحرام أو في أي موقع من المواقع التي من خلالها تؤثر هذه الشخصيه، فهذه الشخصيات بشكل عام لها تأثير مباشر وغير مباشر، بالمباشر يكون هناك احتكاك مع الناس  فيها يتحقق الهدف، وغير مباشر على المستوى الاعلامي.

كيف تقيمون تأثير فريضة الحج في التخفيف من حدة التوتر وزيادة التقارب بين الدول الاسلاميه؟

من المؤكد أن الحج له تأثير إيجابي كبير على مستوى العالم الإسلامي، فوجود خلاف بين الزوجين ينعكس سلباً على أفراد الاسرة وكذلك بين الاخوه وبين الارحام والجيران والعائلات فكيف بين الدول؟

فالدعوة إلى الله عز وجل يجب أن تكون صادقه وخصوصاً في موسم الحج حيث لا فسوق ولا جدال ولا أي مظهر من مظاهر الخلاف بإعتبار ان الجميع يتوجه الى الله ومرضاته وهذا بذاته يخفف التوترات الموجوده بين الدول الإسلاميه لأن الجميع متفق على بيت واحد وقرآن واحد ونبي واحد واله واحد.

ما هو رأيكم حول قول قائد الثورة الإسلامية الإيرانية بأن الحج قضية عالمية وحضارية تهدف إلى ارتقاء الأمة الإسلامية واتحادها مقابل الكفر والاستكبار؟ 

إن كلام السيد القائد قضية عالمية وحضارية تسعى نحو هدف استراتيجي وهو ارتقاء الأمة وأي أمة من الامم لايمكن أن ترتقي الا من خلال اتحادها.

وكيف تتحد هذه الامة؟ تتحد على مستوى العقيدة وعلى مستوى الأهداف وعلى مستوى السياسات وذلك بين العامل المشترك الموجود بين الطوائف والمذاهب.

وأراد السيد الخامنئي(حفظه الله) من خلال خطابه أن يجمع بين نقاط الإشتراك بين كل المذاهب عند الإباضية وعند الزيدية وأهل السنة والشيعة عند الفطحية والفاطمية أن يركز على أن الاله واحد والنبي واحد والقرآن واحد والإسلام هو رسالة الحياة عندما تكون واضحة في المبادئ والأسس لهذه الشعوب وبإن الكعبة هي ملتقى لكل هذه المذاهب نستطيع من خلالها البراءة من المشركين.

واذا لم تحصل البراءة  بموسم الحج كما حصل عام 1986م حيث توفي عدد من الإيرانيين والباكستانيين لايعتبر حجاً صحيحاً، وقتها الغى السيد الخامنئي موسم الحج ليحفظ هذه الأمة ولكن هذه الامة عندما تتحد نحو هدف مقارعة الطغيان وقتها يكون الحج هدفاً ونتيجةً محصنةً للدين وللمسلمين في كل أنحاء العالم.