يتفق معظم مفسري أهل السنة والمفسرين الشيعة على أن هذه الآيات تشير إلى واقعة غدير خم بينما يشكك ابن تيمية في أن آية "إكمال الدين" نزلت في اليوم التاسع من شهر ذي الحجة في صحراء عرفة وقبل حجة الوداع ولو شاء رسول الله (ص)لقام بـ إبلاغها في مكة المكرمة أو في صحراء عرفة، وليس في سهل غدير خم.
ورداً على ذلك يجب القول أولا: وجود بعض الروايات في صحيحي البخاري ومسلم في تحديد سبب نزول الآيات لا يتطلب إنكار روايات أخرى، بل يمكن أن يكشف عن تعدد الأسباب والزمان والمكان. إن اتهام "ابن تيمية" و"ابن كثير" لكل من يقول بأنها نزلت في غدير خم بالكذب والافتراء أمر غريب جدا لأن هذا الحديث مذكور باللفظ عن "أبي هريرة" في المصادر وهو صحيح على أصول أهل السنة.
يقول أبو هريرة في كتاب "تاريخ بغداد" المجلد الثامن صفحة 290 بأن من صام اليوم الثامن عشر من ذي الحجة، يوم غدير خم، كتب الله له صيام ستين شهرا ويوم الغدير هو اليوم الذي أخذ فيه النبي (ص) بيد الإمام علي (ع) فسألهم ألست ولي المؤمنين؟ قالوا نعم يا رسول الله! ثم قال: "من كنت مولاه فهذا علي مولاه" وفي هذه الأثناء هنأ "عمر بن الخطاب" الإمام علي (ع) مرتين وقال: "يا ابن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى المسلمين أجمعين" وفي هذا الوقت نزلت الآية المذكورة أعلاه.
ولكن لماذا لم يفعل النبي (ص) ذلك في مكان آخر؟ أولًا: رسول الله (ص)تابع للوحي تمامًا، وبما أن الآية نزلت في الغدير فهو (ص) مسؤول عن اختيار المكان نفسه وليس أي مكان آخر. ثانياً: أن مني وعرفات أو مكة لم تكن مناسبة لهذا العمل؛ لأن كل اهتمام الناس في أيام التواجد في هذه الأماكن يتركزّ على العبادة والدعاء لله والأعمال الخاصة بتلك الأيام، وأي عمل آخر في تلك الأرض يُخلّ في اهتمام الناس وفعالية أعمال الحج.
إن الإعلان العام في المدينة المنورة عن الطبيعة التعليمية لحجة الوداع قبل انطلاق القافلة في المدينة المنورة يدل على أن الله ورسوله (ص) لا يريدان لشيء أن يقلل من اهتمام الناس بتعلم مناسك الحج وممارساته.
وأيضا كان من الممكن أن يُسبّب سكان قريش المسلمين مشكلة، ولكن لم تكن هناك مشكلة في المناطق الإسلامية البعيدة مثل اليمن والطائف. وفي الغدير كانت الظروف مؤاتية حيث كان هناك بين 90 إلى 124 ألف مسلم في بايعوا جميعا الإمام علي (ع) وعبّروا له عن تهانيهم بالقول "بخاً بخا لك يا بن أبي طالب".
كما أن مضمون آية إكمال الدين، أي تأكيدها بأنه اليوم الذي يأس فيه الكفار وتم فيه إكمال الدين، يشير إلى يوم عظيم ولا توجد علاقة منطقية بين "يأس الكفار من النصر على الدين" و"تعليم الحج للمسلمين" بل إن يأس الكفار هو أمر عقلاني عندما تحدث قضية كبيرة وتطور هائل في الإسلام، مما يجعل الكفار ييأسون من الانتصار على الدين.