
ورُوِيَ عن
الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "لِكُلِّ ظاهِرٍ باطِنٌ عَلى مِثالِه، فَما طابَ ظاهِرُهُ طابَ باطِنُهُ، وَما خَبُثَ ظاهِرُهُ خَبُثَ باطِنُهُ".
ما من شيء إلا وله ظاهر وباطن، الجماد، النبات، الحيوان، الإنسان، كُلٌّ له ذلك، وبين الظاهر والباطن فعل وانفعال، كلاهما يؤثِّر في الآخر، وكلاهما يحكي ما في الآخر، وكلاهما يتطابق مع الآخر، فإذا كان الظاهر طيِّباً دلَّ على طيب الباطن وصفائه، وإذا كان الباطن طيباً ظهر طيبه وفاح، وإذا كان الظاهر خبيثاً دلَّ على خُبثِ الباطن، وإذا كان الباطن خبيثاً ظهر خبثه.
صحيح أن الإنسان قد يُظِهر ما لا يبطن، ويُبطِنُ ما لا يُظهِر، وحتى لو أحكم أمره هذا لكنه لا يخفى على اللبيب، بل قد لا يخفى على معظم العامة من الناس، ولعَلَّ من أبرز الأمثلة على ذلك حالة النفاق التي لا يَسلَم منها مجتمع من المجتمعات، والتي استشرت في المجتمع الإسلامي أيام رسول الله (ص) ولم تزل إلى يومنا هذا، الأمر الذي استدعى أن يعالج القرآن الكريم أمرها في أكثر من سُورة من سوَرِه الكريمة خصوصاً في سُوَرِ البقرة، وآل عمران، والأنفال، والتوبة، بل نزلت سورة كاملة في هذا الشأن وهي سورة المنافقون.
وفي هذه السور الكريمة فضح الله المنافقين، وذكر سِماتهم، وكشف عن باطنهم الخبيث الذي كانوا يجهدون في إخفائه، وقدَّم لنا منهجاً يمكننا بواسطته أن نعرف حقيقة المنافقين ونكشف عن باطنهم.
فالمنافقون يتستَّرون بالصلاح، لكنهم يتكاسلون عن العمل الصالح، وهذا مؤشر على نفاقهم، يتسترون بالصلاح ولكنهم يأبَون الإلتزام بالأحكام الإلهية الشرعية، وهذا مؤشر أيضاً، ويتسترون بالصَّلاح ولكنهم يبخلون بالتضحيات والمعونات، ويتسترون بالصلاح ولكنهم حين يكون نصر للمؤمنين يدَّعون السُّرور بذلك ويشاركون في الجولة النهائية طمعاً في مكاسب النصر، أما إذا كانت هزيمة فإنهم يسلقون المؤمنين بألسِنةٍ حِداد ويشمتون بهم، ويتسترون بالصلاح لكن مواقفهم تكشف عن زيفهم ونفاقهم، ويتسترون بالصلاح ولكنهم يعيشون حالة التذبذب فتارة مع المؤمنين وتارة أخرى مع سواهم، ويتسترون بالصلاح ولكنهم لا يتحرَّجون من الكذب، وينشطون في بَثِّ الفِتنة في الأوساط الاجتماعية، وسوى ذلك من الظواهر التي تكشف عن باطنهم، وكما قال تعالى: "... وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ..." ﴿30/ محمد﴾.
إذا المنافقون لا يقدرون على التستر الدائم على باطنهم الخبيث، لأن ظاهرَهم يكشف عنه، كما سلف، في المقابل فإن الظاهر الطّيِّب وهو الظاهر الحقيقي يكشف عن المعدن الأصيل للإنسان، يكشف عن طيب محتده، وسلامة طويته، وصلاح نفسه، وعلى المرء أن يكون ظاهره متوافقاً مع باطنه، وأن يكون باطنه طيِّباً صافياً ليس فيه إلا الخير والصَّلاح.
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي
تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي: