
ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "كَمالُ الْحَزْمِ اسْتِصْلاحُ الْأَضْدادِ، وَمُداجاةُ الْأَعْداءِ".
والحَزمُ: الإتقان وضبط الأمر، والأخذ فيه بالثقة، والحذر من فواته، بحيث لا يتردد المرء في الإقدام على الفعل، ولا يُفَوِّت فرصة للعمل، وأصل الكلمة يدل على شد الشيء وجمعه.
والمُداجاة: تأتي بمعنى المُداراة، والملاينة في القول، وعدم إظهار العداوة، أي أن يساتر الرجل عدوه بالعداوة فيبطنها.
الأصل في علاقة الإنسان بالإنسان الأخُوَّة، والصداقة، والتواصل، والتعاون، إذ يولد نقي السريرة، محباً للناس والتواصل معهم، فأما العداوة فطارئة عارضة لأسباب مختلفة من حسد، أو خلاف، أو ظلم، أو تنافس، أو سوء تواصل، أو غير ذلك من الأسباب. ولما كانت العداوة طارئة فمن اللازم أن يتم حصرها وتطويقها وعدم إطالتها.
وقد لا تكون عداوة بين الشخص والآخر ولكن لعجزهما عن التواصل والتفاهم قد يصير كل منهما ضد الآخر، وأكثر ما يحدث هذا بين الأخوة، أو الأزواج، أو الآباء والأبناء، وتتسع الدائرة لتشمل كثيرين من أبناء المجتمع الواحد، فما السبيل إلى ذلك؟
إن إدامة التضاد واستمرار الخلاف بين الشخصين في الأسرة الواحدة أو الجماعتين في المجتمع الواحد سيؤدي حتماً إلى الجَفاء والجَفاء قد يؤدي إلى العداوة، والعداوة غالباً ما تؤدي إلى عواقب خطيرة على جميع الأطراف، لذلك جاء التأكيد في الروايات الشريفة على استصلاح الضِّد، وهذا هو الأجدى، فالعاقل لا يُكثِر من الأعداء بل يُقَلِّلُ منهم، والعاقل لا يستهين بالضِّدِّ بل يسعى في مَدِّ جسور العلاقة معه، خصوصاً إذا كان الضِّدُّ قريباً أو شريكاً، كالولد والزوج.
إن استصلاح الضِّد يبدأ من تحمَّل المسؤولية تجاهه، ومحاورته، وفهمه، وتفَهّمه، والتفاهم معه، ومَدِّ اليد إليه، والاعتذار إليه من الخطأ إن كان، والتأكيد على القواسم المشتركة التي تقرِّب النفوس والأفكار، والتعامل الحَسَنِ معه، من الرفق به، واللطف معه، والاحترام له، بل دفع إساءته بالاحسان إليه، وتجنُّب العوامل التي تؤدي إلى التنافر واستحكام الخلاف، والمُسارعة إلى حَلِّ المشاكل الطارئة، وعدم تأجيلها، فإن كل يوم يمُرُّ على ذلك يزيد الشُّقة بين الطرفين. وقد جاء في الحديث عن الإمام أمير المؤمنين (ع): "مَنْ اسْتَصْلَحَ الأَضْدَادَ بَلَغَ المُرادَ"
وإذا كان من كمال الحزم استصلاح الضِّد، فإن من كمال الحزم أيضاً مداراة الأعداء، وقد تقدم معنى المداراة، وهي الملاينة وعدم إظهار العداوة لهم، وكمثال على ذلك: إذا دخل عدوك إلى مجلس وأنت فيه فتقدم إليك مصافحاً فصافحه، ولا تظهر له عداوتك، والأمر الأكيد أن على المرء أن يقدِّر الأمر في التعامل مع العدو، فإن من الأعداء من لا تجب مداراتهم بحال من الأحوال.
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي
تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي: