ایکنا

IQNA

لأنَّ القُرْب لا يَسْتَوِي فيهِ اثنان

10:42 - March 01, 2025
رمز الخبر: 3499190
إکنا: القيام رفعٌ، والركوع خفضٌ، والسجود محوٌ، وبين الرفع والخفض والمحو سرٌّ لا يُفْهَم إلا لمن أَخْلَصَ، ولا يُكْشَف إلا لمن أَفْلَس، ولا يُؤْذَن به إلا لمن تَجَرَّد.

فلا قيام لمن لم يَسْتَقمْ، ولا ركوع لمن لم يَخْضَعْ، ولا سجود لمن لم يَنْطَرحْ انطِراح الفاني في يد الباقي، حتى لا يُبْصِر إلا بِنُورهِ، ولا يَسْمَع إلا بأَمْرهِ، ولا يَشْهَد إلا حَقَّهُ، ولا يَطْلُب إلا وَصْلهُ.
 
الركوعُ ظلُّ القيام، والسجود ظلُّ الفَناء، فمن لم يَجُدْ بركوعِهِ لم يَذُقْ حلاوَةَ قيامِه، ومن لم يَذُبْ في سُجودِهِ لم يَشْرَبْ من كَأس قُرْبِه. 
 
في الركوع اجتماعٌ، وفي السجودِ انفراد، في الركوع تآلُفٌ، وفي السجودِ تفرُّدٌ، في الركوعِ تخْفِض الرأس مع القائمين، وفي السجودِ تُطْرَحُ الجبهةُ مع التائبين، فكأنَّ الركوعَ عبوديةُ الجماعة، والسجودَ حريةُ الفرد،  وكأنَّ الركوع إقرارٌ بأنَّ الله أعلى، والسجود إقرارٌ بأنَّ العبد أدنى، وكأنَّ الركوع مدخل الحضرة، والسجود مقعد القُرْب، فلا عَجَبَ أنْ قال سبحانه: 

"اركعوا مع الراكعين"

 لأنَّ الجماعةَ تَضُمُّ الضعيفَ إلى القويِّ، ولكنْ قال:  "واسجد واقترب" لأنَّ القُرْب لا يَسْتَوِي فيه اثنان، فَلا يُؤذَن فيه إلا لمنْ طُوِيَ بينَهُ وبينَ الخَلْق بساطٌ، ولم يَبْق لهُ إلا السُجودُ بابًا، وإلا القُرْب جوابًا.
 
اسجدْ، فإنَّ السجود انطِراحٌ بين يدَيْ الجبَّار، واقتربْ، فإنَّ القُرْب ارتقاءٌ لمن صَحَّ لهُ الانْكِسَار.

 اسجدْ، فإنَّ التراب منزل المُحبِّين، واقتربْ، فإنَّ السماء ميعاد العاشقين، اسجدْ، فإنَّ الطُرُق تَتَعَدَّدُ، واقتربْ، فإنَّ البابَ واحدٌ!
 
الركوع ليس انحناء الاجساد بل انكسار القلوب وليس مجرد ميلان الهامات بل اذعان النفوس وليس هبوطا من علياء الوقوف بل ارتقاء في سلم العبودية لذا جاء الخطاب نداء شاملا وحكما عاما وميثاقا موثقاً:

 "اركعوا مع الراكعين"

 وكان الركوع سلك يتصل حباته وصف يتعانق افراده وسفينة لا تبلغ شاطئها الا اذا تساند ركابها.

اما السجود فباب للواصلين وسلم للعارفين ومحراب للخاشعين لا يتسع لاثنين ولا يفتح الا لمن افرد الله بالمحبة وخصه بالمناجاة وطرح بين يديه كل ما سواه فلا يشهد الا انواره ولا يرى الا تجليه ولا يسمع الا نداه ولا يهيم الا في حضرته في الركوع تتحد الصفوف وفي السجود ينفرد العبد.
 
في الركوع تكتمل الجماعة وفي السجود يتم الفناء.
 
 في الركوع اجتماع في الطاعة وفي السجود افتراق عن الكون، وتجرّد من الذات وتلاشي في بحر الالوهية.
 
وجاء الامر بالسجود بصيغة المفرد لان القرب لا يوهب بالواسطة ولا ينال بالمرافقة ولا يدرك بالمشاركة بل هو سر بين العبد وربه وطريق لا يسلكه الا من خلع عن قلبه كل قيد واسقط عن روحه كل غطاء وذاب في معارج النور حتى صار قلبه محض قدس لا يحجبه شيء عن الله ولا يحجب الله عنه شيء.
 
والركوع جماعي لان الامة لا تقوم الا بركوعها ولا تسلم الا بخضوعها ولا ترقى الا بذلها بين يدي مولاها فاذا ركعت الارض ارتفعت السماء واذا خضع الجمع ازدهر النور واذا تواضع الناس تجلت عليهم انوار القبول واما السجود فهو معبر الافراد لا يسلكه الا المحب الذي لا يرى سوى معشوقه والمشتاق الذي لا يسمع سوى نداء محبوبه والعابد الذي لا يسجد على الارض بل يسجد بروحه في محراب العرش ملقى بين يدي الله القاء من لم يبق منه الا اسمه ولم يبق له الا قلبه ولم يبق فيه الا الله.
 
واسجد فان السجود معبر القرب واقترب فان القرب حظ من خلع الكون عن قلبه وسجد لله سجودا لا قيام بعده الا في سماء الوصال.
 
بقلم الباحث في الدراسات القرآنية وأستاذ الحوزة العلمية "آية الله الشيخ أحمد مبلغي"
 
تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي:
captcha