
ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "مَنِ اعْتَرَفَ بِالْجَريرَةِ اسْتَحَقَّ الْمَغْفِرَةَ".
معادلة تجري في عالم الجزاء والعقوبات، تقوم على ركنين اثنين: الأول: اعتراف الشخص بجريرته، والثاني: استحقاقه المغفرة.
إنّ الاعتراف بالخطأ، والندم على ما فات من الذنوب، هو من أرقى مظاهر الإيمان والصدق في العلاقة مع الله، فالاعتراف هو المفتاح الأساسي لاستحقاق المغفرة من الله تعالى، وهذا ما أكَّدت عليه النصوص الكثيرة، لا سيما ما جاء منها في الأدعية الشريفة الصادرة عن الأئمة المعصومين (ع)، مثال ذلك ما جاء في دعاء كميل الشريف: "وَقَدْ أتَيْتُكَ يا إِلهي بَعْدَ تَقْصيري وإِسْرافي عَلى نَفْسي مُعْتَذِراً نادِماً مُنْكَسِراً مُسْتَقيلاً مُسْتَغْفِراً مُنيباً مُقِرّاً مُذْعِناً مُعْتَرِفاً" وتكرر الإعتراف كثيرا في أدعية الإمام زين العابدين (ع) التي اشتملت عليها الصحيفة السجادية، منها قوله: "أللَّهُمَّ إنِّي أُصْبحُ وَأُمْسِي مُسْتَقِلاًّ لِعَمَلِي، مُعْتَرِفاً بِذَنْبِي، مُقِرَّاً بِخَطَايَايَ".
المعادلة التي بين أيدينا تنادي بأن الإنسان حين يُدرك زلّاته ويعترف بها، فإنه بذلك يؤهل نفسه لاستحقاق رحمة الله وغفرانه، والاعتراف بالزلّات والخطايا يدل على وعي الإنسان بذاته وإقراره بنقصه وضعف إرادته وعجزه أمام المعصية، وهذا شرط رئيسي ومقدمة ضرورية لنهوضه إلى إصلاح نفسه وإعادتها إلى فطرتها السليمة الصافية، ورجوعه إلى السلوك الصحيح والقويم، الاعتراف هو الخطوة الأولى للتوبة، لأنه يفتح باب الرجوع إلى الله بثقة ويُعلم الإنسان بضرورة تجديد العهد مع الخالق.
وممّا لا شَكَّ فيه أن استحقاق المغفرة لا يأتي من دون عمل يبادر إليه الخاطئ المرتكب للذنب والجريرة، إذا غفر الله للمذنب دون اعتراف منه أو توبة، فذلك تفضُّل من الله وليس أمراً مستحَقاً له، على أن الغفران في هذه الحالة جُلُّ ما يُظهِره هو رحمة الله ولطفه وصَفْحه وغُفرانه ولكنه قد لا يصلح العبد المذنب، بل قد يدعوه إلى مزيد من الذنب ما دام مغفوراً له، لذلك لا يمكن أن تتحقق المغفرة من دون اعتراف بالذنب، ثم الندم، والعزم على عدم العود إليه، وإصلاح ما يجب إصلاحه، وتعويض ما يجب تعويضه.
إن معادلة "مَنِ اعْتَرَفَ بِالْجَريرَةِ اسْتَحَقَّ الْمَغْفِرَةَ" متوافقة تماما مع القرآن الكريم الذي يشدد على أهمية التوبة والرجوع إلى الله تعالى، قال سبحانه: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴿الزُمُر: 53﴾. هذه الآية تدعو إلى عدم اليأس من رحمة الله وتنهى عن القنوط مهما تعدّدت الذنوب والمعاصي والزّلّات، وهي حجة على أن الاعتراف بالخطأ والندم عليهما هما مدخل للتوبة والرجوع إلى الله، إن رحمة الله تسع كل معصية، كائنة ما كانت، وإن رحمة الله لتدعو المذنبين العصاة المسرفين تدعوهم إلى الأمل والرجاء والثقة بعفو الله، وغفرانه، وصفحه، والله تعالى يعلم ضعفنا نحن البشر، ويعلم عجزنا، ويعلم العوامل المسلَّطة علينا من داخلنا ومن خارجنا، ويعلم أن الشياطين يقعدون لنا كل رصد، ويجلِبون علينا بخَيلهم ورَجِلِهم، فنسقط في أيديهم، ونتأثر بإغوائهم وإغرائهم، إن الله الرحمان الرحيم يعلم جميع ذلك فيمدّ لنا يد العَون، ويفتح لنا الطريق إليه، ويستقبلنا بعفوه ورحمته، شرط أن نرجع إليه، ولا نرجع إليه إلا إذا اعترفنا بجرائرنا وذنوبنا، واقررنا بأخطائنا ومعاصينا.
الإعتراف بالذنب والجريرة علامة على صفاء القلب، وتواضع النفس، ويعزِّز وعي الإنسان بذاته، ويساعده على تخفيف الضغوط النفسية والشعور الدائم بالذنب، ويقويِّ العلاقة بينه وبين ربِّه، شرط أن يكون اعترافاً صادقاً، وندماً أكيداً وأن تكون التوبة منه نَصوحاً.
ومن الضروري لكل واحد منا، أن يقوم بمراجعة دورية، بل يومية لِسِجِلِّه اليومي، ليرى ما حدث فيه من أخطاء وزلّات وذنوب إذ " كلُّ ابنِ آدمَ خطَّاءٌ، وخيرُ الخطَّائينَ التَّوَّابونَ".
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات الدينية السيد بلال وهبي