
معادلة أخرى تكشف عن القوانين الاجتماعية والسنن الإلهية التي تحكم حياة الإنسان، وتعكس لنا حقيقة نفسية مهمة وهي: أن تعظيم الزمن بغير حق يؤدي إلى خيبة الأمل والعجز، مِمّا يضع الإنسان في موضع الإهانة، و
القرآن الكريم وأحاديث النبي (ص) والأئمة الأطهار (ع) تؤكد على أن الإنسان هو الذي يغير واقعه، وليس الزمن نفسه، لذا، فإن المطلوب هو العمل، والتكيِّف مع الزمن، والتوكل على الله، لا انتظار الزمن ليغير الأحوال.
وكي تتضح هذه المعادلة لا بد من معرفة أن المقصود من تعظيم الزمان، المبالغة الاستسلام للزمان واعتبار أن ما يأتي به لا إرادة للإنسان فيه، ولا قدرة على ردِّه والفرار منه، وبكلمة أخرى: إن تعظيم الزمان معناه تحميل الزمان المسؤولية الكاملة عن الأحداث التي تقع فيه دون أن تكون إرادة الإنسان وأفعاله جزءاً منها.
إن تعظيم الزمان بما لا ينبغي كتحميله المسؤولية، أو إلقاء اللوم عليه، أو توقع دوام أحواله، أو ربط النجاح والفشل به يؤدي إلى إهانة الإنسان نفسه، لأنه يفقد دوره في التغيير والتفاعل مع مجريات الحياة.
مِمّا لا جدال فيه أن الزمن ظرف للأحداث، وليس كائناً مستقلاً يؤثِّر بذاته، الأحداث يصنعها الإنسان ولا يصنعها الزمان، فلا يصح تحميله المسؤولية عنها، فذلك فهم خاطئ للزمن والحياة، وفهم خاطئ لدور الإنسان وإرادته في بناء وصناعة حاضره ومستقبله، هذا الفهم يُفقِده دوره الأهم في الحياة، ويؤدي به إلى التواكل، منتظراً تغييرات الزمن بدلاً من أن يكون هو صانع الأحداث، وهذا يقوده إلى الضَّعف والمَهانة، لأنه يجعل الإنسان مستسلماً لعوامل خارجة عن إرادته.
لقد ذَمَّ القرآن الكريم اعتقاد المشركين بأن الزمن هو الذي يفعل كل شيء، وهو ما يقع فيه من يُعَظِّم الزمن دون وعي، قال تعالى: وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَٰلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ ﴿الجاثية: 24﴾ فالدهر من وجهة نظرهم هو الذي ينهي آجالهم، إنهم ينكرون أن يكون الله تعالى هو الذي يخلقهم وهو الذي يميتهم، وينسبون ذلك إلى الزمن نفسه، والشاهد في الآية الكريمة أنهم يستسلمون للزمن.
فضلاً عن التجربة الإنسانية التي هي بحق أعظم برهان على أن الزمن ليس إلا ظرفاً للأحداث، وأن الفاعل الحقيقي هو الإنسان، فإن القرآن الكريم يؤكد في العديد من آياته الكريمة على هذه الحقيقة التي لا تُنكَر، منها قوله تعالى: "...إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ..."﴿الرعد: 11﴾ توضح الآية الكريمة أن التغيير لا يأتي من الزمن، بل من داخل الإنسان نفسه، من إرادته ومشيئته، من فعله وجُهده وكَدِّه وكدحه.
إنَّ الله تعالى وهو القادر على كل شيء، قد جعل لكل تغيير يحدث أسباباً وظروفاً، وجعل من تلك الأسباب إرادة الإنسان نفسه، وأوكل إليه مَهمَّة تغيير واقعه، الله تعالى لا يغيّر نِعمة أو نِقمة، و لا يغيّر عزاً أو ذِلَّة، إلا أن يغيّر الناس من مشاعرهم وأعمالهم وواقع حياتهم، فيغيّر الله ما بهم وفق ما صارت إليه نفوسهم وأعمالهم، فقد قضت مشيئة الله أن تترتب مشيئته بالبشر على تصرُّفهم أنفسهم وأن تنفذ فيهم سنته بناء على تعرُّضهم لهذه السنة بسلوكهم.
نستنتج مِمّا سبق أن علينا النهوض إلى واجباتنا تجاه أنفسنا وتجاه ما نحن مسؤولون عنه، لأننا نحن الذين نصنع حاضرنا ومستقبلنا، وأن نتوكَل على الله لا على الظروف، ونجتنب التواكل، ونجتهد في العمل، ونتكيف مع متغيرات الزمان وأحداثه.
بقلم الباحث اللبناني في الدراسات الدينية السيد بلال وهبي
تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي: