
ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "مَنْ لَمْ يَتَحَرَّزْ مِنَ الْمَكائِدِ قَبْلَ وُقُوعِها لَمْ يَنْفَعْهُ الْأَسَفُ بَعْدَ هُجُومِها".
تُجسِّد هذه الجوهرة الكريمة واحدة من الركائز الأساسية في الفكر الإسلامي، وهي ضرورة اليقظة والاستعداد لمواجهة المكائد قبل وقوعها، هذه الجوهرة ليست نصيحة عابرة، بل منهج حياة يعكس رؤيةً استراتيجيةً قائمةً على العقلانية والاستشراف والتدبير، مستمدةً من
القرآن الكريم وسنة النبي (ص) وأهل بيته (ع).
يشير الإمام (عليه السلام) إلى أنَّ الإهمال في اتخاذ الاحتياطات اللازمة ضد المكائد قبل حدوثها يجعل الندم بعد وقوعها عديم الجدوى، فالعاقل مَن يدرك أنَّ العالم مليء بالتحديات والأعداء، ويستعد لها بفكرٍ نافذٍ وحذرٍ مُسبق، لأنَّ العلاج بعد الفوات لا يُعيد الأمور إلى نصابها.
إن الله تعالى ليدعونا إلى اليقظة الدائمة، والحذر من الأعداء ومكائدهم ومكرهم وغدرهم، والغدر شيمة اللئام فكيف إذا كانوا أعداءً، والأعداء لا يغفلون عنا إن غفلنا، ولا ينامون إن نِمنا، ويدعونا إلى الحذر من الاسترسال في الغفلة، أو الطمأنينة للعدو، أو الثقة بوعوده، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا ﴿النساء: 71﴾.
إن الله يأمرنا في هذه الآية أن نأخذ حِذرنا من عدونا، سواء كان عدواً معلَناً أم كان عدواً خفياً من المنافقين والمندسّين في الصفوف والمُثبِّطين والمبطِّئين، والحذر من العدو هو الاحتراس منه ومن كيده ومكره، وذلك يقتضي أن نعرف حال العدو، وإمكانياته وقدراته المختلفة، ويدخل في ذلك معرفة مجتمعه، ونظامه السياسي والاقتصادي، وأحزابه والقوى المؤثِّرة فيه، والقوى الداعمة له، وبكلمة أخرى: أن نحرص على أن يكون لنا إحاطة كاملة بالعدو في مختلف الصُّعُد.
كما يدعونا الله تعالى إلى الاستعداد الدائم لمجابهة العدو إذا ما قرَّر أن يشنَّ عدواناً علينا، فلا يجوز أن نأمن جانبه ونحن لا نعلم متى تسنح له الفرصة، قال تعالى: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ ﴿الأنفال: 60﴾ فهذا أمر باتخاذ القوة، والعمل على بنائها، والتوسُّل إليها بوسائلها، استعداداً لدفع العدوان وحفظ الأنفس والأوطان، إذ لا شىء يمنع الحرب إلا الاستعداد للحرب.
وإذاً: لا بد من الحذر الدائم من مكائد العدو، والاستعداد المتواصل، قبل أن يفاجئنا بمكره وخداعه، والحرب خدعة ومكر، وأن يكون تفكيرنا استباقياً، ويتجلَّى ذلك باستشراف المستقبل، وتحليل المواقف، وتوقُّع المخاطر المحتملة، والتزوُّد بكل الوسائل العلمية والتقنية لفهم مكائد الأعداء، والتوكُّل على الله تعالى، مقروناً بالأخذ بالإحتياطات اللازمة، ومحاسبة أنفسنا دائماً كي لا تأخذنا الغفلة، أو يستبدَّ بنا الغُرور.
خلاصة القول: تعلّمنا هذه الجوهرة الكريمة: أنَّ النجاح ليس في ردِّ الأزمات بعد وقوعها، بل في منعها قبل استفحالها، وهذا المنهج يُجسِّد التوازن بين العقل والإيمان، وبين العمل البشري والتوفيق الإلهي، فلا يغفل عن دروس الماضي، ولا عن استعدادات المستقبل.
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات الدينية السيد بلال وهبي