هذا وأن السلطات الأوروبیة أعربت عن قلقها من وقوف المسلمین الأوروبیین إلی جانب عناصر "القاعدة" الإرهابیة فی سوریا، وصرّحت أن هؤلاء المسلمین سیشکلون خطراً للأمن الوطنی بعد عودتهم إلی أوروبا. لکن ماهی الأسباب الرئیسیة لحضور المواطنین الأوروبیین خصوصاً الشباب فی صفوف الإرهابیین؟؛ الموضوع الذی نتطرق إلیه فی هذا المقال.
منح حریة العمل للسلفیین فی أوروبا
إن منح الحریة للجماعات والأحزاب الإسلامیة فی أوروبا للقیام بالعمل فی إطار المؤسسات الخیریة والمراکز الإسلامیة والمدارس الإسلامیة غیر الحکومیة تعبّر فی النظرة الأولی عن دیمقراطیة کاملة إلا أن هناک تأمراً سیاسیاً وراء هذه الحریة والدیمقراطیة.
والدول الأوروبیة تحتج دوماً ضد الإرهاب وتؤکد ضرورة التصدی له، وتسعی من خلال هذه الإحتجاجات إلی تقدیم الإسلام والمسلمین سبب الإرهاب. یسمح قادة هذه الدول للتیارات بإنشاء المراکز فی بلدانهم علی الرغم من معرفتهم أن التیارات السلفیة ودعایاتها الواسعة هی السبب الرئیسی لوجود التطرف بین جماعة من المسلمین. والسؤال هو ما إذا کان هذا العمل هو مؤامرة سیاسیة غربیة لنشر الإسلاموفوبیا؟!
فی الحقیقة أن الجماعات الیمینیة المتطرفة والمناهضة للإسلام التی فشلت فی تحقیق أهدافها من خلال إجراءات معادیة للإسلام بما فیها الهجوم علی المساجد والنساء المحجبات تحقق حالیاً المزید من النجاح بواسطة المسلمین أنفسهم. هذا وبالإضافة إلی أن الغرب ومن خلال تعزیز الجماعات السلفیة فی أوروبا یسعی إلی تضلیل المواطنین الغربیین والإظهار أن «الإسلام لیس سوی هذا»، و«العوائل المسلمة المتعصبة هی سبب نمو التطرف بین الشباب».
المهاجرون المسلمون هم أکثر إعتدالاً من المسلمین الجدد
وتشیر الأبحاث وإستطلاعات الرأی فی فرنسا إلی أن 20 فی المائة من المتوجهین إلی سوریا هم من عوائل مسلمة، وباقی المتوجهین هم من عوائل غیر مسلمة، أو یعتبرون ضمن المسلمین الجدد الذین لیست لدیهم معرفة صحیحة للإسلام.
هذا وبالإضافة إلی أن هذه الأبحاث والإحصائیات تشیر إلی أن حوالی 67 فی المائة من الشباب المتوجهین إلی سوریا هم من عوائل فرنسیة لیست لدیها أی قرابة مع المسلمین. وأن مجرد 6.7 فی المائة من الإرهابیین الفرنسیین فی سوریا هم من المهاجرین الجزائرین، والباقی هم من مهاجری سائر الدول کتونس والمغرب.
وتشیر هذه الإحصائیات أیضاً إلی أن معظم المتوجهین إلی سوریا قدمالوا إلی الإرهاب إثر تأثرهم بالعلماء أو المتطرفین، وأن الجماعات المتطرفة التی تُعرف الیوم بالسلفیة لدیها أکبر دور فی میل الأوروبیین إلی الإرهاب، فإن یرید الغرب منع الشباب المسلمین من مغادرة البلاد فیجب علیه أن یتعامل مع الجماعات السلفیة تعاملاً جاداً.
یجب القول إن الذین یتعرفون علی الإسلام بواسطة القرابات والعلاقات الأسریة هم أقل عرضة للخطر من الذین یتعرفون علیه بواسطة الفضاء الإفتراضی والإرتباط مع المراکز السلفیة، وإن إمکانیة میلهم إلی الجماعات الإرهابیة أقل بکثیر من الفئة الثانیة.
قدتعب الشباب فی الغرب من الأنظمة المادیة الأوروبیة، ساعین إلی التخلص من هذه الظروف عبر اللجوء إلی الأدیان السمائیة خصوصاً الإسلام، إلا أنهم یخطئون فی إختیار مستشارین یرشدونهم إلی الطریق الصحیح، فیختارون الوهابیة والسلفیة بدلاً من الإسلام.
ولو تمکنت المراکز الإسلامیة فی فرنسا والمراکز الثقافیة فی الدول الإسلامیة من هدایة المسلمین الجدد إلی الطریق الصحیح فإن عدد المنضمین إلی الجماعات الإرهابیة سیتقلل بالتأکید. إلا أنه یجب علینا أن لانتجاهل دور المراکز الشیعیة فی هذا المجال، فبإمکان هذه المراکز أن تتعرف علی الراغبین فی الإسلام، وتمنعهم من الوقوع فی فخ السلفیین.
والجدیر بالذکر أن وسائل الإعلام الغربیة أعلنت عام 2013 أنه یتواجد فی سوریا 8 إلی 11 ألف جهادی أجنبی بینهم حوالی ألفی أوروبی. کما أن صحیفة "لوموند" الفرنسیة أعلنت فی نفس الوقت عن حضو 300 شاب مسلم فرنسی فی سوریا. إلا أن هذا العدد إزاد عام 2014 مما أدی إلی أن یعقد الإتحاد الأوربی جلسات مختلفة حذّر فیها من توجّه المواطنین إلی سوریا.