وأفادت وکالة الأنباء القرآنیة الدولیة(إکنا) أن الدورة الـ15 من مسابقة القرآن الدولیة فی موسکو التی جرت فی قاعة الاحتفالات Crocus City Hall یوم 20 أیلول/سبتمبر، احتضنت متسابقین من 35 بلداً من بلدان العالم، وجمهوراً غفیراً تجاوز عدده الألف شخص. وترافقت المسابقة بفعالیات أخرى منها عرض ضخم لرسوم بالرمل، وتلاوات قدمها أساتذة فی التجوید، وبرنامج خیری. وقد جرى بث ذلک کله عبر نظام "أون لاین" لأول مرة.
والمقرئ الإیرانی مهدی غلام نجاد، قدم تلاوة رائعة من القرآن الکریم جعلت القاعة تحبس أنفاسها. لقد استدر تجویده العاطفی الآسر الدمع من عیون الحاضرین. ولکن الجائزة الأولى لم تکن من نصیبه. بعد بضع ساعات من إعلان أسماء الفائزین، ظهرت على "الفیس بوک" ردود فعل غاضبة من قبل الجمهور.
وکان من بین التعلیقات واحدة تؤکد أن المقرئ الایرانی مهدی غلام نجاد "صب روحه کاملة فی ما تلاه من آیات"، وأخرى تعبر عن "الثقة المطلقة بأن فوزه بالمرتبة الأولى کان متوقعاً". على أیة حال، احتل المرتبة الأولى محمد بن علی( 27 عاماً) من برونای، الذی لامست تلاوته الانسابیة فی لحنها الجمیل قلوب لجنة التحکیم أکثر من تلاوات الآخرین.
أما المقرئ السعودی عمر أنوری نبراوی (24 عاماً) فقد فاز فی مسابقة الحفظ، أی التلاوة غیباً، ولم یرتکب عملیاً أی خطأ. وبالرغم من عدم رضا البعض، فقد کان ذلک منظراً ساحراً. وکما یقول جمیع منظمی مثل هذه المسابقات عادة ، "ففی هذه المسابقة لا وجود لخاسرین".
توسیع الحدود
فی الردهة استقبلت الکامیرات الوفد العربی الجلیل، أی أعضاء لجنة التحکیم الموقرة. وهؤلاء - هذا العام - أساتذة معروفون، وعلماء متضلعون فی دراسة القرآن الکریم، جاؤوا من الأردن ولبنان وترکیا والجزائر وروسیا. وهنا أیضا ضیف الشرف، المقرئ السعودی الشهیر الشیخ سعد الغامدی.
ومثل هذه اللقاءات فی البلدان العربیة عادیة ومألوفة، کما یقول رئیس اللجنة التنظیمیة لمسابقة موسکو روشان آبَیاسوف، الذی یمضی موضحاً "أن ذلک یجری فی البلدان العربیة فی صیغة روحیة بالکامل، حیث یحضر المسلمون فقط، أی ضمن دائرة ضیقة من الناس. أماعندنا، فی روسیا، فالمسابقة فریدة من نوعها، إذ نجمع أبناء البلد على تعدد قومیاتهم. أنا أعلم أن هنا الیوم عددا ًکبیراً من غیر المسلمین.هؤلاء طلاب جامعات ومعاهد علمانیة، وأناس جاؤوا بدافع حب المعرفة فقط، و یریدون أن یعرفوا ماذا یحمل القرآن الکریم بین سطوره."
على مدى 15 عاماً من بدایة تنظیمها، قطعت هذه المسابقة طریقها من التنافس المتواضع فی معرفة جزئین من القرآن الکریم فی مسجد موسکو الجامع، وحتى اعتراف الدولة بالاحتفال الذی یقام فی واحدة من أکثر ساحات العاصمة أهمیة. هذا العید الذی أدرج على قائمة الفعالیات الثقافیة للیونیسکو، لا مثیل له فی أوروبا من حیث نطاقه. وتجدر الإشارة إلى أن المسابقة الیوبیلیة (الخامسة عشرة) نظمت بدعم من وزارتی الخارجیة والثقافة فی روسیا الاتحادیة، وحکومة مدینة موسکو.
فوز للجمیع
تسنى لمنظمی المسابقة، ومجلس إفتاء روسیا، تحویل هذه المسابقة المتمیزة بالنسبة للمجتمع الروسی إلى عید حقیقی. وحین کان المتنافسون یستعدون ویتمرنون وراء الأبوب المغلقة، قدم المهرة دروسهم ("ماستر کلاس")، وتم جمع التبرعات، وعرضت نماذج من الأشغال الیدویة، ونسخ نادرة من المصحف الشریف، ووزعت مجلات إسلامیة.
ویضیف آبَیاسوف "أن الأجواء التی نخلقها بصفتنا منظمین للمسابقة، تساعد على تطویر علاقات حسن الجوار، لأن الفعالیات لا تقتصر على الطائفة، بل تشمل مساحات کبیرة یمکن الوصول إلیها بلا قیود. کل من یرغب یمکنه التعرف على الثقافة والتقالید التی یحملها الإسلام. وعبر فعالیات من هذا النوع نبدد الخرافات عن الإسلام، التی یجری الیوم فرضها، حتى على المجتمع الروسی. نحن نؤکد مرة أخرى أن الإسلام لا یجمعه شیء مع الأفکار الرادیکالیة. الإسلام والقرآن نقیان منها.
حفظة القرآن فی روسیا
عرضت فی المسابقة الیوبیلیة نماذج من الأشغال الیدویة، ونسخ نادرة من المصحف الشریف، ووزعت مجلات إسلامیة.
فی السنوات الخمس الأخیرة بدأت نشاطها فی الشیشان وحدها أربع مدارس لتحفیظ القرآن، ویجری العمل لإنجاز بناء مدرسة خامسة. وافتتحت مدارس أخرى فی داغستان وإنغوشیتیا وبشکورتوستان. إن مرکز إعداد حفظة القرآن لدى الجامعة الروسیة الإسلامیة فی قازان (عاصمة تترستان) یقوم منذ العام 2003 بتعلیم الرجال والنساء.
یشیر مسؤولو هذه المدارس إلى أن رسالتها الرئیسیة تتمثل بإحیاء السلسلة التی قطعت فی روسیا، سلسلة المقرئین والحفظة وتقالید الاستمرایة، وبتنشئة جیل جدید من العارفین بعلوم القرآن الکریم.
ویجری تحفیظ نصوص القرآن خلال بضع سنوات، تبعا لکفاءات التلمیذ، وبمراعاة کافة القواعد الضروریة لتلاوة القرآن وتجویده. وبموازاة ذلک، یتعلم التلامیذ أصول الفقه، والعقیدة، الأخلاق، والتفسیر، واللغة العربیة طبعا. هذا هو البرنامج التقلیدی.
والمشارکان الروسیان وحید أصحابوف من جمهوریة الشیشان، ومحمد علی حاجییف من داغستان اجتازا الاختبار التمهیدی فی شهر تموز/یولیو، ولکنهما لم یصلا إلى المرحلة النهائیة، فقد سبقها إلى المراتب الأولى حفظة ومقرئون من البلدان العربیة وبرونای وإیران وترکیا، مع العلم بأن المقرئین الروس عموما أخذوا یفوزون فی مختلف المسابقات الدولیة، ففی العام 2012 فاز الداغستانی بلال عبدالخالقوف (13 سنة) فی مسابقة المقرئین الدولیة التی جرت فی البحرین.
الخطأ ممنوع
ورینات نظام الدینوف، رئیس تحریر أحد المواقع الإلکترونیة الإسلامیة الرئیسیة فی روسیا، حضر المسابقة رفقة زوجته وابنته. وفی حدیث یقول رینات "اصطحبنا ابنتنا لأنها تحب سماع تجوید القرآن. وفی هذه السنة دخلت مدرسة إسلامیة، ومن المهم بالنسبة لها أن تعرف کیف یقرأ المقرئون الحقیقیون أیات المصحف الشریف حسب قواعد التجوید. ومن یدری؟ فربما هی نفسها قد تشارک یوماً ما فی مثل هذه المسابقة.
ولأنه یجید اللغة العربیة، أشار نظام الدینوف إلى أن الأخطاء التی یرتکبها المتسابقون من الصعب ملاحظتها إذا لم یکن المرء یعرف القرآن، أو لم یکن النص أمامه. ولذلک فإن الناظم الأساسی للمسابقة – حسب رأیه - هو وجود مادة للمباراة، أی المرجع الأصلی. ویضیف قائلاً "ثمة عدد کبیر من حفظة القرآن، لیس بین لجنة الحکیم فقط، بل وفی القاعة أیضا، کما أعتقد.
والمسابقة تجری تحت شعار لا مجال للخطأ فی القرآن. وإذا ارتکب المرء خطأ تسمعون صوت جرس. هذا یعنی أن مادة المسابقة، أی المصحف الشریف، لا یمکن التغییر فیه. وهنا الناظم الداخلی الهام بالنسبة للجمهور، ای أن القرآن یحفظه العلی القدیر، وحتى یوم القیامة.
المصدر: روسیا ماوراء العناوین