وأفادت وکالة الأنباء القرآنیة الدولیة(إکنا) انه إذا لم تعرف اسمه فإن تحفته الأندر ومجهوده الفنى الذى وضع فیه خلاصة موهبته وخبرته وتعلیمه وسنوات عمره، التى قاربت على الثمانین، یکاد لا یخلو منه بیت مسلم فى مشارق الأرض ومغاربها، فقد ارتبط اسمه بالمصحف الأکثر توزیعا فى العالم مصحف المدینة المنورة من مطبعة الملک فهد للمصحف الشریف.
کان یحلم بکتابة القرآن الکریم، فخط بیده 10 مصاحف بعدة روایات مختلفة، طبعت منها مئات الملایین وقرأها مئات الملایین فى العالم. تحقق الحلم وکتب أول مصحف فى حیاته 1970 لوزارة الأوقاف السوریة، ثم اختیر فى 1988 لیکون کاتبا للمصحف الشریف فى مجمع الملک فهد لطباعة المصحف الشریف فى المدینة المنورة، فکتب مصحف المدینة المنورة ببراعة وجمال بدیع، فعرف اسمه وذاع صیته حیثما حل المصحف، ولا تکاد توجد بقعة على هذه المعمورة لم یصلها مصحف المدینة المنورة، ولا یزال الخطاط عثمان یعمل فى مجمع الملک فهد لطباعة المصحف الشریف حتى الیوم یشارف على الثمانین ولا تزال نفسه تتوق لکتابة المصحف مرة أخری.
وإذا أردت أن تتأکد من وجود تحفته الفنیة فى منزلک ما علیک إلا تتناول أقرب مصحف کریم بجوارک وفتح صفحته الأخیرة لتجد أسمه مذیلا هناک، (عثمان عبده حسین طه) راسم وخطاط نسخ المصحف الشریف الصادرة عن مجمع الملک فهد لطباعة المصحف الکریم فى المدینة المنورة، الذى فتح عینیه على الدنیا لأول مرة فى عام 1934م، وما إن بلغ الخامسة حتى بدأت بوادر موهبته الفذة فى الظهور متزامنة مع تعلمه الکتابة والهجاء.
یعلن صراحة ان سر مهنته وفلسفتها یوجد فى خمس قواعد أساسیة لا یخشى أن یذیعها، لأنها فى النهایة هبة من الله لن یتقنها إلا من ولد بها، کما یقول، وهذه القواعد هى قوة الأخماس، أى الأصابع الخمس، وحدة الألماس، وجودة القرطاس، ولمعان الأنقاس أى الحبر، وحبس الأنفاس فلا مهنة فى الدنیا تستدعى الصبر والانکباب وحبس الأنفاس کرسم الخط العربى ورسم ألفاظ المصحف الکریم على وجه الخصوص. هو أبومروان عثمان بن عبده بن حسین بن طه خطاط المصحف الشریف بالمدینة المنورة ، ووالده الشیخ عبده حسین طه إمام وخطیب المسجد وشیخ کتاب القریة فى ریف مدینة حلب، من بین أنامله الذهبیة طبعت الآلاف بل الملایین من المصاحف بخط النسخ بالرسم العثمانى ووزعت فى جمیع أنحاء العالم، وکتبت المصحف الشریف أکثر من عشر مرات بقراءات القرآن الکریم المختلفة.
أما الأمنیة الوحیدة التى تراود خیاله دائما فیقول: کلما أنهیت کتابة مصحف تاقت نفسى إلى کتابة مصحف آخر لیکون أجمل منه. التقیته فى منزله بمنطقة حى الأزهرى بالمدینة المنورة وخص بوابة «الأهرام » المصریة بهذا الحدیث.
ـ کیف جاءتک فکرة کتابة المصحف الشریف ومتى بدأت فى التنفیذ؟ 
کان حلم لى ولأى خطاط یحلم فى یوم من الأیام إذا حسن خطه وأثنى الناس علیه أن یقدم على کتابة مصحف تتویجاً لعمله ولفنه وتضرعا الى الخالق عز وجل ومنفعة للمسلمین باعتبار أن المصحف کلام الله وأنه سیتداوله الناس فى کل وقت وحین وأى خطاط یخاف أن یقدم على کتابة المصحف الشریف لعلوّ منزلته، وجلال قدره. وقد کُلِّفتُ بکتابة المصحف الشریف من قِبل وزارة الأوقاف فى سوریا إلَّا أننى کنتُ أتردَّدُ فى الإقدام على هذا العمل الجلیل ، وکانت تأخذنى الرهبة من أَن أُقدِمَ على هذا العملٍ العظیم.

ـ کم عدد المصاحف التى قمت بکتابتها؟
کتبت کما أعلم أکثر من عشرة مصاحف وکلها بالرسم العثمانى وبالروایات المختلفة فى قراءة القرآن الکریم .
ـ کیف ومتى انتقلت للعمل بمجمع الملک فهد لطباعة المصحف الشریف؟
فى أثناء افتتاح مجمع الملک فهد بالمدینة المنورة بحث المسئولون عن نسخة من المصحف الشریف بالرسم العثمانى بروایة حفص بخطٍ مقروء وواضح وسهل فى قراءته وینال رضاهم وإعجابهم ، وحینما شاهدوا واطلعوا على نسخة من المصحف الشریف التى کتبتها لمصلحة الدار الشامیة فى دمشق أُعجبوا بالأسلوب والخط فاتفقوا على طبعها فى المجمع بعد إجراء بعض التعدیلات علیها، وبعد اطلاع اللجنة العلمیة قرروا استقدامى إلى المملکة العربیة السعودیة کخطّاط لمصاحف المدینة المنورة ، وذلک فى عام 1408هـ الموافق 1988 م. ثم کتبتُ مصحفاً آخر بروایة حفص حیث تنتهى الصفحة بآیة، ووضعت فى هذا المصحف خلاصة خبرتی، فکانت نسخةً فى غایة الإتقان والروعة ، کما کان الإخراج متمیزا من قِبل مجمع الملک فهد لطباعة المصحف الشریف، ونال قبول واستحسان جمیع المسلمین فى العالم .وکتبتُ مصحفاً آخر أیضاً بروایة حفص مع الرسم العثمانى على ترتیب مصحف الشمرلى المصری. ثم کتبتُ مصحفاً آخر بروایة ورش، ومصحفاً بروایة قالون ومصحفاً بروایة الدوری، وکلها روجعت وطُبعت ووُزِّعت باسم خادم الحرمین الشریفین حفظه الله هدیة إلى المسلمین فى مشارق الأرض ومغاربها.
ـ صف لنا شعورک وأنت تکتب المصحف الشریف وما هى الروحانیات التى کنت تعیشها فى هذه الأثناء؟
یجب على الخطاط أن یکون قریباً من القرآن الکریم منذ صغره تلاوةً وحفظاً ویکون أیضا ملمّاً باللُّغةِ العربیة فاهماً لمعانیها، وأنا منذ طفولتى حفَّظنى الوالد رحمه الله کثیراً من المتون اللغویة والفقهیة والعقائدیة، فکنتُ مهیأً لکتابة القرآن الکریم والتمتع بفهم معانى الآیات الکریمة، فالقرآن الکریم فیه آیات تُبشّرُ وآیاتٌ تُنذرُ، وحینَ کنتُ أمرُّ على الآیات المبشِّرة اثناء الکتابة کنتُ أعیش فى أحلامِ نِعمِ اللهِ فى الدنیا والآخرة، مرتاح النفس منشرح الصدر لکننى حین أمرُّ على آیات الله المنذِرة لعباده الکافرین والظالمین والفاسقین والمقصِّرین فى عبودیتهم لله سبحانه وتعالى ینقبضُ صدری، واشعر بحالة من الخوف والفزع ، حینها فى أغلب الأحیان أنسى نفسی، وتضیقُ أنفاسى وأعرَق واتصبب عرقا.. ویقول وکنت أتمهَّلُ فى کتابة الآیات الکریمات التى یَعِدُ الله سبحانه وتعالى فیها من النِّعم لعباده المتقین، وأُسرِع فى کتابة الآیات التى تُنذِر بالعقاب حتى أَمرُّ بها مُسرعاً کى أتخلَّص من هذا الجوِّ المخیف کى أحافظ على حُسنِ الکتابة وتجنباً للأخطاءِ، وإجمالاً أثناء کتابة المصحف الشریف کنتُ أغفل عن أُمور الدنیا ولا أعبأ بها.. وقد تنعکسُ هذه الحالة النفسیة للخطاط على کتابةِ الآیات الکریمة من حیثُ إتقان الخط من عدمِهِ.
ـ للخط العربى أنواع متعددة، ما هو أسهل هذه الخطوط فى العملیة التعلیمیة وما هو أصعبها؟ 
ذلک الخط المتواضع والجمیل نسبیاً لدى کل من یتقنه -خط الشعب العربى فى کلِّ زمانٍ ومکانٍ- هو خط الرقعة، وأصعب الخطوط خط الثلث، ویتمثَّلُ فیه الجمال والقوَّة والکبریاء ، ولذلک سُمِّیَ بملِکِ الخطوطِ، وإذا ذُکر الخط العربى ذُکر خط الثُّلث، والخطَّاط الذى لا یُجیدُه لا یُعتَبَرُ خطاطاً.
ـ ما الذى یمیز خطک النسخ الذى کتبت به مصحف المدینة المنورة عن خط النسخ العادى؟ 
لقد اتبعت منهجاً خاصاً بى فى کتابة القرآن الکریم ألا وهو تبسیط الکلمة ووضع الحرکة فوق الحروف التابعة لها (تشکیل الحروف)، وقد استحسنه الناس حیث إن هذا الأسلوب یزیدُ الکلمة وضوحاً وجمالاً وسهولة ویسرا فى القراءة.