
تحتل تلاوة القرآن الكريم مكانة لا مثيل لها بين الفنون الصوتية في العالم الإسلامي، وفي هذا المجال، كان القرّاء المصريون دائماً من روّاد الفنون الصوتية والفنية.
ومن بين الأسماء البارزة في التلاوة المعاصرة، يُعَد الشيخ "راغب مصطفى غلوش" شخصية متميزة، إذ يجمع أسلوب تلاوته بين المهارة الفنية، والذوق الموسيقي، والروحانية القرآنية.
ويعدّ القارئ المصري الراحل الشيخ "غلوش" من القرّاء الذين استفادوا من تقاليد الأساتذة الكبار، وتمكن في الوقت نفسه من ابتكار بصمته الصوتية الخاصة، وهي البصمة التي لم تقتصر على مصر، بل وجدت جمهوراً واسعاً في الدول الإسلامية، ومنها إيران.
إقرأ أيضاً:
في هذا المقال، تتم دراسة أسلوب قراءة الأستاذ غلوش من منظور الموسيقى العربية القرآنية، واختيار المقامات، والتقنيات الصوتية والأدائية لتقديم صورة واضحة عن نظامه الصوتي والفكري في التلاوة.
وُلِد الأستاذ الشيخ راغب مصطفى غلوش عام 1938م في إحدى المدن الدينية في مصر، وبدأ منذ سن المراهقة بحفظ وتلاوة القرآن الكريم، وقد لفتت موهبته انتباه أساتذة الصوت واللحن في سنواته الأولى، وبعد أن اجتاز مراحل التجويد والتفسير، دخل إلى المحافل القرآنية، وقرأ في إذاعة القرآن المصرية كأحد القراء الرسميين.
والشيخ غلوش من الناحية الفنية كان يتبع مدرسة التلاوة الصوتية لكبار القراء مثل "الشيخ مصطفى إسماعيل"، و"الشيخ عبدالباسط محمد عبدالصمد"، لكنه على عكس التقليد البحت، كان يسعى لخلق أسلوب شخصي من خلال مزج خصائص هاتين المدرستين. في الواقع، لم يعتبر التلاوة مجرد إعادة قراءة للآيات، بل رآها تعبيراً فنياً عن المعنى، ولهذا السبب، كان لعنصر الإحساس والفهم المفاهيمي دور بارز في كل تلاوته.
والشيخ غلوش زار الجمهورية الإسلامية الإيرانية عدة مرات وقرأ في محافل الأنس بالقرآن الكريم وكـ مقرئ شرفي في مسابقات القرآن الكريم الدولية للجمهورية الإسلامية الإيرانية، ومن هنا بدأت علاقته العميقة مع المستمعين الناطقين باللغة الفارسية، ولا تزال تلاواته تُعتبر في المحافل القرآنية نموذجاً لـ "الجمال المصحوب بالوقار".
واستخدم الشيخ غلوش في معظم تلاواته مقامات البيات، والصبا، والرست، والشوري، وخلق تلاوات جميلة من خلال المزج بين المقامات.
ومن ميزات تلاوته للقرآن الكريم هي الأداء الدقيق لمخارج الحروف وفخامة صوته والمساحة الصوتية التي كان يتمتع بها والوقف والابتداء والتناسب بين المقام والمعنى للآيات.
ولا يكتفي الأستاذ غلوش بالاختيار الصحيح للمقام، بل يوظف على المستوى الفني مجموعة من الأساليب والدقائق لخدمة المعنى، ومن أهم خصائصه الصوتية والفنية هي "الدقة في مخارج وصفات الحروف"، و"التحارير والزخارف الصوتية"، و"النطاق الصوتي والمرونة في الطبقات الصوتية"، و"إدارة الوقت، الوقف، والصمت"، و"التناغم بين المعنى والصوت"، و"استخدام الديناميكية الصوتية".
تحليل هيكل التلاوة
لفهم أفضل لنظام تلاوة الشيخ غلوش، يمكن تقسيم الهيكل العام لتلاواته إلى عدة مراحل: