ایکنا

IQNA

التحليل الفني والجمالي لتلاوات "الشيخ راغب مصطفى غلوش"

12:05 - October 26, 2025
رمز الخبر: 3502160
طهران ـ إکنا: يُعَدُّ "الشیخ راغب مصطفى غلوش" من القرّاء الذين إستفادوا من تراث الأساتذة الكبار، وتمكّن في الوقت نفسه من إبداع بصمته الصوتية الخاصة؛ تلك البصمة التي لم تقتصر شهرتها على مصر فحسب، بل وجدت جمهوراً واسعاً في الدول الإسلامية، وخاصة في إيران.

التحليل الفني والجمالي لتلاوات

تحتل تلاوة القرآن الكريم مكانة لا مثيل لها بين الفنون الصوتية في العالم الإسلامي، وفي هذا المجال، كان القرّاء المصريون دائماً من روّاد الفنون الصوتية والفنية.

ومن بين الأسماء البارزة في التلاوة المعاصرة، يُعَد الشيخ "راغب مصطفى غلوش" شخصية متميزة، إذ يجمع أسلوب تلاوته بين المهارة الفنية، والذوق الموسيقي، والروحانية القرآنية.

ويعدّ القارئ المصري الراحل الشيخ "غلوش" من القرّاء الذين استفادوا من تقاليد الأساتذة الكبار، وتمكن في الوقت نفسه من ابتكار بصمته الصوتية الخاصة، وهي البصمة التي لم تقتصر على مصر، بل وجدت جمهوراً واسعاً في الدول الإسلامية، ومنها إيران.


إقرأ أيضاً:


في هذا المقال، تتم دراسة أسلوب قراءة الأستاذ غلوش من منظور الموسيقى العربية القرآنية، واختيار المقامات، والتقنيات الصوتية والأدائية لتقديم صورة واضحة عن نظامه الصوتي والفكري في التلاوة.

وُلِد الأستاذ الشيخ راغب مصطفى غلوش عام 1938م في إحدى المدن الدينية في مصر، وبدأ منذ سن المراهقة بحفظ وتلاوة القرآن الكريم، وقد لفتت موهبته انتباه أساتذة الصوت واللحن في سنواته الأولى، وبعد أن اجتاز مراحل التجويد والتفسير، دخل إلى المحافل القرآنية، وقرأ في إذاعة القرآن المصرية كأحد القراء الرسميين.

والشيخ غلوش من الناحية الفنية كان يتبع مدرسة التلاوة الصوتية لكبار القراء مثل "الشيخ مصطفى إسماعيل"، و"الشيخ عبدالباسط محمد عبدالصمد"، لكنه على عكس التقليد البحت، كان يسعى لخلق أسلوب شخصي من خلال مزج خصائص هاتين المدرستين. في الواقع، لم يعتبر التلاوة مجرد إعادة قراءة للآيات، بل رآها تعبيراً فنياً عن المعنى، ولهذا السبب، كان لعنصر الإحساس والفهم المفاهيمي دور بارز في كل تلاوته.

والشيخ غلوش زار الجمهورية الإسلامية الإيرانية عدة مرات وقرأ في محافل الأنس بالقرآن الكريم وكـ مقرئ شرفي في مسابقات القرآن الكريم الدولية للجمهورية الإسلامية الإيرانية، ومن هنا بدأت علاقته العميقة مع المستمعين الناطقين باللغة الفارسية، ولا تزال تلاواته تُعتبر في المحافل القرآنية نموذجاً لـ "الجمال المصحوب بالوقار".

واستخدم الشيخ غلوش في معظم تلاواته مقامات البيات، والصبا، والرست، والشوري، وخلق تلاوات جميلة من خلال المزج بين المقامات.

ومن ميزات تلاوته للقرآن الكريم هي الأداء الدقيق لمخارج الحروف وفخامة صوته والمساحة الصوتية التي كان يتمتع بها والوقف والابتداء والتناسب بين المقام والمعنى للآيات.

ولا يكتفي الأستاذ غلوش بالاختيار الصحيح للمقام، بل يوظف على المستوى الفني مجموعة من الأساليب والدقائق لخدمة المعنى، ومن أهم خصائصه الصوتية والفنية هي "الدقة في مخارج وصفات الحروف"، و"التحارير والزخارف الصوتية"، و"النطاق الصوتي والمرونة في الطبقات الصوتية"، و"إدارة الوقت، الوقف، والصمت"، و"التناغم بين المعنى والصوت"، و"استخدام الديناميكية الصوتية".

تحليل هيكل التلاوة

لفهم أفضل لنظام تلاوة الشيخ غلوش، يمكن تقسيم الهيكل العام لتلاواته إلى عدة مراحل:

 
1. مقدمة هادئة بالبيات
 
تبدأ التلاوة بهدوء في مقام البيات. تُقرأ الآيات الأولى عادة في النطاق الصوتي المنخفض ليتألف أذن المستمع على اللحن. في هذا الجزء، تُنطق الكلمات بوضوح تام وتكون التحارير قليلة العدد.
 
2. الصعود التدريجي إلى مقام الرست
 
وبعد ذلك، ومع ازدياد التوتر المعنوي أو الدخول في آيات رئيسية، ينتقل القارئ تدريجياً إلى مقام الرست. في هذه النقطة، تظهر الذروات الصوتية وتتجلى قوة الحنجرة. هذا الجزء عادة ما يكون مركز ثقل التلاوة.
 
3. إضفاء التنوع بمقامات فرعية

بعد الذروة، وللحفاظ على التنوع السمعي، يستخدم الشيخ غلوش مقامات فرعية مثل الشوري أو الصبا. تخلق هذه الأجزاء جوًا أكثر عاطفية وتبعد ذهن المستمع عن الرتابة.
 
4. عودة هادئة إلى البيات وختام التلاوة
 
في الختام، يعود مرة أخرى إلى مقام البيات لتنتهي التلاوة بنفس الهدوء الذي بدأت به. ومن المثير للاهتمام أن طريقة قراءة البيات في العودة، على الرغم من أنها تتبع نفس البيات الأول، إلا أنها تختلف عنه، وبهذه الطريقة، تخلق تنوعًا في التلاوة وفي جزء الهبوط. هذه العودة تشبه دائرة موسيقية كاملة تحافظ على الانسجام بين البداية والنهاية.
 
نتيجة لذلك، تلاوة الأستاذ راغب مصطفى غلوش هي نموذج للربط بين الفن والروحانية. فقد أبدع، بمعرفته العميقة بالمقامات العربية وإتقانه التام لفنون التجويد، تلاوة ممتعة للأذن وذات معنى. صوته مصحوب بدفء ورقة خاصة، وبعيد عن المبالغة والتصنع، على الرغم من جماله.

من بين المقامات القرآنية، البيات والرست هما الأكثر حضوراً في تلاواته، والاستخدام الذكي للصباح والشوري يضيف لمسة من الإحساس والتفكير إلى قراءته. الشيخ راغب مصطفى غلوش ليس فقط نموذجاً فنياً، بل هو أيضاً نموذج تربوي مناسب للقراء الشباب، لأنه يظهر أن الجمال الصوتي يكون ذا قيمة عندما يكون في خدمة الفهم والخشوع.
 
يمكن اعتبار تلاوته نوعاً من "التعبير العاطفي عن المعنى"، وهو تعبير يتشابك فيه الصوت والآية لتردد حقيقة القرآن في أذن وقلب المستمع.

بقلم الصحفي والملحن الايراني "علي رضا سبهوند"

4311261

captcha