أفادت وکالة الأنباء القرآنیة الدولیة (إکنا) أن "الخوف" من الله أجلُّ منازل العابدین، وکل واحد إذا خفته هربت منه إلا الله، فإنک إذا خفته هربت إلیه.
و(الخوف) من الله لا یراد به ما یخطر بالبال من الرعب، کاستشعار الخوف من الأسد ونحوه، بل إنما یراد به الکف عن المعاصی واختیار الطاعات؛ ولذلک قیل: لا یُعَدُّ خائفاً من لم یکن للذنوب تارکاً. والخوف المحمود الصادق: ما حال بین صاحبه ومحارم الله، فإذا تجاوز ذلک خیف منه الیأس والقنوط.
ولفظ (الخوف) تردد فی القرآن الکریم بکثرة، ونحاول فیما یلی التعرف على دلالته فی القرآن، ونستبین المعانی التی ورد علیها، بادئین ببیان معناه اللغوی.
(الخوف) من حیث الأصل اللغوی یدل على الذعر والفزع؛ یقال: خفت الشیء خوفاً، وخیفة، ومخافة: إذا توقع حلول مکروه، أو فوت محبوب. ویقال: خافه على کذا، وخاف منه، وخاف علیه، فهو خائف. ویقال: تخوَّف الشیء: تنقَّصَه. وتخوَّف فلاناً حقه: تنقَّصَه حقه.
ولفظ (الخوف) ورد فی القرآن الکریم فی أربعة وعشرین ومائة موضع (124)، جاء فی سبعة وثمانین منها (87) بصیغة الفعل، من ذلک قوله عز وجل: {إنی أخاف الله رب العالمین} (المائدة:28)، وجاء فی سبعة وثلاثین موضعاً (37) بصیغة الاسم، من ذلک قوله تعالى: {فمن تبع هدای فلا خوف علیهم} (البقرة:38).
وقُرِنَ (الخوف) فی مواضع کثیرة فی القرآن بـ (لا) الناهیة، وبـ (لا) النافیة، فمثال الأول قوله عز وجل: {لا تخف نجوت من القوم الظالمین} (القصص:25)، ومثال الثانی قوله سبحانه: {فلا یخاف ظلما ولا هضما} (طه:112).
ولفظ (الخوف) ورد فی القرآن الکریم على سبعة معان:
الأول: بمعنى الخوف من العدو، ومنه قوله تعالى: {ولنبلونکم بشیء من الخوف} (البقرة:155)، قال ابن عباس: یعنی خوف العدو. نظیره قوله تبارک وتعالى: {الذی أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف} (قریش:4)، قال مجاهد: آمنهم من کل عدو فی حرمهم.
الثانی: بمعنى الحرب والقتال، ومنه قوله سبحانه: {فإذا جاء الخوف} (الأحزاب:19)، أی: إذا حضر البأس، وجاء القتال خافوا الهلاک والقتل. نظیره فی الآیة نفسها قوله تعالى: {فإذا ذهب الخوف} (الأحزاب:19)، أی: إذا انقطعت الحرب واطمأنوا، سلطوا ألسنتهم علیکم. قال ابن عاشور: ولا یُعرف إطلاق (الخوف) على (الحرب) قبل القرآن.
الثالث: بمعنى القتل والهزیمة، ومنه قوله عز وجل: {وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف} (النساء:83)، ذکر البغوی أن {الخوف} فی هذه الآیة بمعنى: القتل أو الهزیمة. وقال الطبری: تخوفهم من عدوهم بإصابة عدوهم منهم.
الرابع: بمعنى العلم والدرایة، وهذا کثیر، منه قوله عز وجل: {فمن خاف من موص جنفا أو إثما} (البقرة:182)، قال البغوی: أی: عَلِمَ من موص. ومثله قوله تعالى: {وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا} (النساء:128)، قال الطبری: علمت من زوجها استعلاء بنفسه عنها إلى غیرها.
الخامس: بمعنى الظن، ومنه قوله عز وجل: {إلا أن یخافا ألا یقیما حدود الله} (البقرة:229)، أی: یظنا. وفی قراءة أبی بن کعب: (إلا أن یظنا ألا یقیما حدود الله). نظیره قوله سبحانه: {فإن خفتم ألا یقیما حدود الله} (البقرة:229)، أی: ظننتم. قال الطبری: "العرب قد تضع (الظن) موضع (الخوف)، و(الخوف) موضع (الظن) فی کلامها؛ لتقارب معنییهما.
السادس: بمعنى الخوف نفسه، ومنه قوله تعالى: {ألا خوف علیهم ولا هم یحزنون} (آل عمران:170)، قال الطبری : لا خوف علیهم؛ لأنهم قد أمنوا عقاب الله، وأیقنوا برضاه عنهم، فقد أمنوا الخوف الذی کانوا یخافونه من ذلک فی الدنیا. نظیره قوله عز وجل: {ألا تخافوا ولا تحزنوا} (فصلت:30)، أی: لا تخافوا ما تقدمون علیه من بعد مماتکم، قال السدی: لا تخافوا ما أمامکم، ولا تحزنوا على ما بعدکم. وقال مجاهد: لا تخافوا ما تقدمون علیه من أمر الآخرة، ولا تحزنوا على ما خلَّفتم من دنیاکم من أهل وولد؛ فإنا نخلفکم فی ذلک کله. والأمثلة القرآنیة بحسب هذا المعنى کثیرة.
السابع: بمعنى النقص، ومنه قوله سبحانه: {أو یأخذهم على تخوف} (النحل:47)، قال مجاهد: على تنقص، أی: ینقص من أطرافهم ونواحیهم الشیء بعد الشیء، حتى یهلک جمیعهم، یقال: تخوفه الدهر وتخونه: إذا نقصه، وأخذ ماله وحشمه. ویقال: هذا لغة بنی هزیل. وفی الآیة معنى آخر ذکره ابن کثیر، وهو أن یأخذهم الله فی حال خوفهم من أَخْذِه لهم، فإنه یکون أبلغ وأشد حالة الأخذ؛ فإن حصول ما یُتوقع مع الخوف شدید. ولم یأت (الخوف) فی القرآن بحسب هذا المعنى إلا فی الآیة التی ذکرناها.
وحاصل القول: إن لفظ (الخوف) جاء فی القرآن الکریم على عدة معان، أهمها معنى (الحرب)، و(العدو)، و(العلم)، و(الظن)، وأکثر ما جاء بمعنى (الخوف) نفسه، وهو الحالة النفسیة التی تنتاب الإنسان جراء توقع ما یَرِدُ من المکروه، أو یفوت من المحبوب.
المصدر: بوابة الفجر