ایکنا

IQNA

أصوات من السماء.. الشيخ الشحات محمد أنور

16:10 - January 13, 2016
رمز الخبر: 3458950
القاهرة ـ إکنا: ولد القارئ الشيخ الشحات محمد أنور، قارئ مسجد الإمام الرفاعي، يوم 1 يوليو، عام 1950م في قرية "كفر الوزير" بمحافظة "الدقهلية" المصرية في أسرة صغيرة العدد.
أصوات من السماء.. الشيخ الشحات محمد أنور

وأفادت وكالة الأنباء القرآنية الدولية(إکنا) أنه بعد ثلاثة أشهر من ولادته، مات أبوه فلم يتمكن الطفل من تمييز ملامح أبيه الذي ترك طفلًا يتيمًا يواجه أمواج الحياة وتقلبات الأيام بحلوها ومرها. ولأن حنان الأم لا يعادله حنان، احتضنت الأم وليدها وانتقلت به للإقامة بمنزل جده ليعيش مع أخواله حيث الرعاية الطيبة التي قد تعوضه بعض الشيء وتضمد جراح اليتيم التي أصابته قبل أن تنبت له الأسنان.

وتولى خاله برعايته، وتبناه فكان خير أمين عليه لأنه قام بتحفيظه القرآن، كان لنشأته في بيت قرآن الأثر الكبير في إتمامه لحفظ القرآن وهو في الثامنة من عمره، وبواسطة خاله الشيخ حلمي محمد مصطفى رحمه الله راجع القرآن أكثر من مرة.

ولما بلغ العاشرة ذهب به خاله إلى إحدى القرى المجاورة وهي قرية "كفر المقدام" ليجود القرآن على يد المرحوم الشيخ على سيد أحمد الفرارجي، الذي أولاه رعايةً واهتمامًا خاصًا، لأنه لديه الموهبة التي تؤهله لأن يكون واحدًا من أشهر قراء القرآن في مصر والعالم كله.

ويقول الشيخ الشحات عن أيام طفولته: "في تلك الفترة كنت سعيدًا بحفظ القرآن سعادة لا توصف، وخاصة أثناء تجويدي للقرآن بعد ما أتممت حفظه، ولأن صوتي كان جميلًا، وأدائي للقرآن يشبه أداء كبار القراء، تميزت على أقراني وعرفت بينهم بالشيخ الصغير، وهذا كان يسعدهم جميعًا وكان زملائي بالكتّاب ينتهزون أي فرصة ينشغل فيها الشيخ عنا ويطلبون مني أن أتلو عليهم بعض الآيات بالتجويد ويشجعونني وكأنني قارىء كبير.

وذات مرة سمعني الشيخ من بعيد فوقف ينصت إليّ حتى انتهيت من التلاوة فزاد اهتمامه بي فكان يركز عليّ دون الزملاء لأنه توقع لي أن أكون ذا مستقبل كبير على حد قوله رحمه الله... واذكر أنني أثناء تجويدي للقرآن كنت كثيرًا ما أتلو على زملائي ففكر أحدهم أن يحضر علبة كبريت "درج" ويأخذ منها الصندوق ويضع به خيطًا طويلًا ويوصله بالعلبة فأضع أحد أجزاء العلبة على فمي وأقرأ به كأنه ميكرفون وكل واحد من الزملاء يضع الجزء الآخر من العلبة على أذنه حتى يسمع رنينًا للصوت فيزداد جمالًا وقوة.. كل هذا حدد هدفي وطريقي وأنا طفل صغير وجعلني أبحث جاهدًا عن كل السبل والوسائل التي من خلالها أثقل موهبتي وأتمكن من القرآن حتى لا يفر مني وخاصة بعد ماصرت شابًا مطالبًا بأن أعول نفسي ووالدتي وجدتي بعد وفاة خالي الذي كان يعول الأسرة، فكنت لما أسمع أن أحد كبار العائلات توفي وتم استدعاء أحد مشاهير القراء لإحياء ليلة المأتم كنت أذهب وأنا طفل في الثانية عشرة وحتى الخامسة عشرة. إلى مكان العزاء لاستمع إلى القرآن وأتعلم من القارئ وأعيش جو المناسبة حتى أكون مثل هؤلاء المشاهير إذا ما دعيت لمثل هذه المناسبة".

وفي ذلك التوقيت ظهر كلًا الشيخ جوده أبوالسعود والسعيد عبدالصمد الزناتي والشيخ حمدي الزامل الذين أشعلوا المنافسة في المنطقة بظهورهم دفعة واحدة، ولكن والحق يقال ظهرت موهبة الفتى الموهوب فجأة لتدفعه بين عشية وضحاها ليكون ندًا للجميع واحتل مكانة لا تنكر بينهم رغم صغر سنه فتألق كقارئ كبير يشار إليه بالبنان وهو دون العشرين عامًا.

واستطاع الشيخ الشحات في فترة وجيزة أن يكّون لنفسه شخصية قوية ساعده على ذلك ما أودعه الله إيّاه من عزة النفس وبعد النظر واتساع الأفق والذكاء الحاد والحفاظ على مظهره والتمسك بقيم وأصالة الريف مع التطلع بعض الشيء إلى اللباقة في المعاملة.

وفي تلك الفترة لم يكن الشيخ الشحات قد ارتدى زيًا رسميًا للقراء ولكنه كان يلبس جلبابًا أبيض والطاقية البيضاء وذات يوم ذهب ليقرأ مجاملة بمأتم خال القارئ الشيخ محمد أحمد شبيب بقرية دنديط المجاورة لكفر الوزير مباشرة، ولم يكن يتوقع أن ينال إعجاب الجمهور من الحاضرين بصورة لافتة للأنظار وخاصة الحاج محمد أبو إسماعيل معلم القرآن بالمنطقة وكان التوفيق حليفه والفتوح الرباني ملازمه بقوة وكان أحد الحاضرين خاله المرحوم الشيخ محمد عبدالباقي والذي كان مقيمًا في مدينة بورسعيد وأبناؤه موجودون بها حتى الآن.

فلما رأى المرحوم الشيخ محمد عبدالباقي إعجاب الناس الشديد بالشيخ الشحات فرح جدًا وأحضر للشيخ الشحات زيًا كاملًا من جملة ما عنده وقام بضبط الزي على مقاس الشيخ الشحات لأنه كان أطول منه قليلًا، وقام بلف العمامة البيضاء على الطربوش وقال له بحنان: الخال العامر قلبه بالقرآن مبسوط يا شحات أنت كده أصبحت شيخًا كبيرًا وضحك الجميع سرورًا وتمنى الموجودون للشيخ الشحات أن يكون أحد كبار ومشاهير القراء".

وبعد أن تخطى العشرين عامًا بقليل صار للشيخ الشحات اسمًا يتردد في كل مكان وانهالت عليه الدعوات من كل محافظات مصر وأصبح القارىء المفضل لمناطق كثيرة.

وبعد عام 1970م انتشرت أجهزة التسجيل وكان ذلك سببًا في شهرة الشيخ الشحات عن طريق تسجيلاته التي انتشرت بسرعة البرق، ولو تم حصر تسجيلاته في تلك الفترة لزادت على عشرة آلاف ساعة من التلاوات الباهرة الفريدة التي جعلت الملايين من الناس يتوقعون لهذا القارئ الموهوب أنه سيكون أحد النجوم المضيئة في الإذاعة لأنه كان يتمتع بمزايا شخصية وإمكانات صوتية لا تقل عن إمكانات عمالقة القراء من الرعيل الأول لقراء الإذاعة.

وكان لا بد لهذا الفتى المتألق دائمًا الذي كان يتدفق القرآن من حنجرته كجدول الماء الجاري العذب أن يشق طريقه نحو الإذاعة، ولأن شهرته سبقت سنه بكثير وجّه إليه رئيس مركز مدينة ميت غمر في السبعينات المستشار حسن الحفناوي دعوة في إحدى المناسبات الدينية التي كان سيحضرها المرحوم د. كامل البوهي أول رئيس لإذاعة القرآن الكريم وذلك عام 1975 – 1976م يقول الشيخ الشحات: "كان لي صديق موظف بمجلس مدينة ميت غمر فقال لي رئيس المركز يدعوك لافتتاح احتفال ديني سيحضره كبار المسئولين ورئيس إذاعة القرآن والحفل سيقام بمسجد الزنفلي في مدينة ميت غمر، فقبلت الدعوة وذهبت لافتتاح الحفل وسمعني المرحوم د.البوهي وقال لي لماذا لم تتقدم لتكون قارئًا بالإذاعة وأنت صاحب مثل هذه الموهبة والإمكانات وشجعني على الإلتحاق بالإذاعة فتقدمت بطلب وجائني خطاب للإختبار عام 1976م، ولكن اللجنة رغم شدة إعجاب أعضائها بأدائي قالوا لي أنت محتاج إلى مهلة لدارسة التلوين النغمي فسألت الأستاذ محمود كامل والأستاذ أحمد صدقي عن كيفية الدراسة فدلني الأستاذ محمود كامل على الإلتحاق بالمعهد الحر للموسيقى فالتحقت به ودرست لمدة عامين حتى صرت متمكنًا من كل المقامات الموسيقية بكفاءة عالية.

وفي عام 1979م تقدمت بطلب.. للإختبار مرة ثانية أمام لجنة اختبار القراء بالإذاعة.. طلب مني أحد أعضاء اللجنة أن أقرأ 10 دقائق أنتقل خلالها من مقام إلى مقام آخر مع الحفاظ على الأحكام ومخارج الألفاظ والتجويد والإلتزام في كل شيء خاصة التلوين النغمي وبعدها أثنى أعضاء اللجنة على أدائي وقدموا لي بعض النصائح التي بها أحافظ على صوتي وانهالت عليّ عبارات الثناء والتهاني من الأعضاء وتم اعتمادي كقارىء بالإذاعة عام 1979م".

ونجح الشيخ الشحات في الاستقلال بنفسه وجعل له مدرسة في فن التلاوة وحسن الأداء. وأصبح يوم 16/12/1979م يومًا لا ينسى في حياة الشيخ الشحات وفي ذكريات عشاق صوته وفن أدائه إذ كان اليوم التاريخي الذي وصل فيه صوته إلى كل أقطار الدنيا عن طريق الإذاعة أثناء قراءة قرآن الفجر على الهواء، وبعد ذلك اليوم أصبح الشيخ الشحات حديث الناس جميعًا وخاصة مشاهير القراء.

وذات يوم قابله المرحوم الشيخ محمود على البنا وهنأه على حسن أدائه وجمال صوته ونصحه بالحفاظ على صوته لأنه سيكون أحد مشاهير القراء البارزين، وقبل وفاته بأيام قال الشيخ البنا للأستاذ عصمت الهواري وهو يسمعه في قراءة الجمعة على الهواء: "الشيخ الشحات سيكون من إعلام مصر في التلاوة ".

وفي الفترة من 1980م إلى 1984م تربع الشيخ الشحات على الساحة مع إعلام القراء واستطاع أن يحقق إنجازًا كبيرًا وشهرة واسعة في فترة عزّ فيها العمالقة واختلطت فيها الأمور وماجت الساحة بكثير من الأصوات القرآنية التي تشابهت واختلطت لدرجة أن السامع تاه وفكر في الانصراف إلى كل ما هو قديم.

كان قرآن الفجر عبر موجات الإذاعة هو البوابة الرئيسية التي دخل منها الشيخ الشحات إلى قلوب الملايين من المستمعين بلا اقتحام وبلا تسلق ساعده على ذلك بقاؤه بمصر خلال شهر رمضان لمدة خمس سنوات بعد التحاقه بالإذاعة ولأن قرآن الفجر آنذاك كان مسموعًا جدًا لأن شهر رمضان كان يأتي في فصل الصيف خلال تلك الفترة وكان الناس جميعًا يسهرون حتى مطلع الفجر.
وللشيخ الشحات كثير من المجبين بصوته وأدائه في كل محافظات مصر، أشهرهم الرابطة التي كونها الحاج مصطفى غباشي بمحافظة الغربية.

وبعد ذلك كله كان لا بد من نقلة إلى آفاق عالية في عالم التلاوة تنبأ الناس له بمستقبل أكبر مما هو فيه، ولأنه يتمتع بذكاء وطموح ودبلوماسية في المعاملة استطاع أن يرتل القرآن ويفتح بابًا لجملة من القراء ليرتلوا القرآن فأصبحوا كالمسبحة في عالم الترتيل.

وبعد ما بنى الشيخ الشحات قاعدة شهرته العريضة اطمأن على أساسها المتين أراد أن ينطلق ليتم البناء ويشيده بالانتشار والبحث عن المزيد من المجد والتاريخ في كل قارات الدنيا فلم يترك قارة إلا وذهب إليها قارئًا في شهر رمضان منذ 1985م وحتى عام 1996م فكان يسافر مرات مكلفًا ومبعوثًا من قبل وزارة الأوقاف المصرية ومرات بدعوات خاصة، فتعلق به الملايين من محبي سماع القرآن خارج مصر المستمعين بالمركز الإسلامي بلندن ولوس أنجلوس والأرجنتين وإسبانيا والنمسا وفرنسا والبرازيل ودول الخليج العربي ونيجيريا وتنزانيا والمالديف وجزر القمر وزائير والكاميرون وكثير من دول آسيا وخاصة إيران.

وعلى حد قوله لم يبغ من وراء كل هذه الأسفار إلا وجه الله وإسعاد المسلمين بسماع كتاب الله العظيم، إلا أنه في يوم 13/1/2008 رحل عن عالمنا إلى الدار الاخرة الشيخ الشحات محمد أنور رحمه الله تعالى واسكنه فسيح جناته، تاركًا لنا عشرات الآلاف من الساعات التسجيلية لآيات الذكر الحكيم بصوته الجميل.

المصدر: البوابة نيوز

captcha