
وفي أوقات المعاناة الإنسانية والمحن الكبرى يكون الدين غالباً مصدراً للسكينة والطمأنينة، لكن رغم تزايد حالات الإصابة بفيروس كورونا في أوروبا فإن الناس لم يهرعوا إلى الكنائس، كما قررت دول عربية إلغاء إقامة الصلوات بالمساجد.
ويتوسع فيروس كورونا في حصد أرواح الآلاف حول العالم، وصولاً إلى المسؤولين السياسيين والدينيين، وهو ما جعل كثيرين يعتقدون أن تعاليم الإسلام ستسهم في الحد من انتشار المرض، في حال تم التزامها.
وحمل الدين الإسلامي كثيراً من التعاليم التي بدأت حكومات بتطبيقها؛ للسيطرة على المرض، ومن بينها الحجر الصحي، والنظافة التي حث عليها الإسلام، وغيرهما من التعاليم.
تأكيد غربي
وأكدت مجلة أمريكية في تقرير لها، ما نشره "الخليج أونلاين" مسبقاً، حول مساهمة تعاليم الدين الإسلامي في الحد من انتشار "كورونا".
وفي تقرير للباحث الأمريكي كريج كونسيدين نُشر في 21 مارس 2020، بمجلة "نيوزويك"، نقل فيه عن الدكتور أنتوني فوسي عالم المناعة، والدكتور سانجاي جوبتا المُراسل الطبي، قولهما: إن "التزام النظافة الصحية، والحجر الصحي، أو ممارسة العزل الاجتماعي عن الآخرين؛ أملاً في الحيلولة دون انتشار الأمراض المعدية، تُعد أكثر التدابير فاعلية لاحتواء تفشي وباء فيروس كورونا المستجد".
وطرح كونسيدين، الذي صدر له مؤلفان تناول فيهما الإسلام، سؤالاً حاول الإجابة عنه، قائلاً: "هل تعلمون من الذي أوصى بالتزام النظافة والحجر الصحي الجديد في أثناء تفشي الأوبئة؟"، فأجاب قائلاً: "نبي الإسلام مُحمد{ص}، قبل 1400 عام".
ورأى الكاتب أنه "على الرغم من أنَّ نبي الإسلام ليس بأي حال من الأحوال، خبيراً تقليدياً بالمسائل المتعلقة بالأمراض الفتاكة، فإنه كانت لديه نصيحة جيدة لمنع ومكافحة تطور الأوبئة مثل فيروس كورونا المستجد".

ويقول إن النبي محمد(ص) قد أوصى بعزل المصابين بالأمراض المُعدية عن الأصحاء، وحثَّ البشر على التزام عادات يومية للنظافة قادرة على حمايتهم من العدوى، مستعرضاً عدداً من الأحاديث النبوية المتعلقة بالنظافة.
وأضاف: "محمد{ص} قال: إذا ما سمعتم بانتشار الطاعون بأرض ما فلا تدخلوها، أما إذا انتشر الطاعون في مكان خلال وجودك فيه فلا تغادر هذا المكان. وقال أيضاً: المصابون بأمراض مُعدية يجب إبقاؤهم بعيداً عن الآخرين الأصحّاء".
ويتبع الكاتب القول متسائلاً: "في حال مرِض شخص ما، فما النصيحة التي سيُسديها النبي محمد{ص} إلى البشر الذين يتكبدون الألم؟"، فأجاب الكاتب: إنه "بالفعل سيُشجعهم على السعي للحصول على العلاج الطبي والأدوية".
واستشهد بالحديث النبوي الشريف عن أسامة بن شريك، قال: قالت الأعراب: يا رسول الله، ألا نتداوى؟ قال: "نعم، يا عباد الله تداووا؛ فإن الله لم يضع داءً إلا وضع له شفاء، إلا داءً واحداً"، قالوا: يا رسول الله وما هو؟ قال، "الهِرَم".
وقال الكاتب إنَّ نبي الإسلام كان حكيماً في الموازنة بين الإيمان والعقل. فخلال الأسابيع الأخيرة رأى البعض أن الصلاة وحدها قادرة على حمايتنا من فيروس كورونا، وليس التزام القواعد الأساسية للعزل الاجتماعي والحجر.
وفي نهاية مقاله حثَّ كونسيدين على تأمُّل العبرة من القصة التي رواها الترمذي بأنه ذات يوم جاء أعرابي يستشير النبي{ص} في أمر ناقته، "قال الرجل: يا رسول الله، أعقلها وأتوكل أم أطلقها وأتوكل، قال: اعقلها وتوكل".
وقال الكاتب إنه على الرغم من أنَّ نبي الإسلام أوصى بأن الدين دستور جامع لحياة البشرية، فإنه حث أيضاً على اتباع الأسباب الاحترازية اللازمة لضمان استقرار وسلامة ورفاهية الجميع. بمعنى أنَّه حث البشرية على عدم التخلي عن "الفطرة السليمة".
الحجر الصحي
ويُعرف الحجر الصحي الذي تقوم به عدة دول في الوقت الراهن، بأنه إجراء يخضع له الأشخاص الذين تعرضوا لمرض مُعدٍ، سواء أصيبوا بالمرض أو لم يصابوا به، وفيه يُطلب من الأشخاص المعنيِّين البقاء في المنزل أو أي مكان آخر؛ لمنع مزيد من انتشار المرض للآخرين، ولرصد آثار المرض عليهم وعلى صحتهم بعناية.
والحجْر إجراء دعا إليه الرسول الكريم محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- قبل أكثر من 14 قرناً؛ بل يرى البعض أن الإسلام هو أول من أسس لمفهوم الحجر الصحي.

وقد بيَّن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- في عدد من الأحاديث مبادئ الحجر الصحي بأوضح بيان، فمنع الناس من الدخول إلى البلدة المصابة بالطاعون، ومنع كذلك أهل تلك البلدة من الخروج منها؛ بل جعل الخروج منها كالفرار من الزحف الذي هو من كبائر الذنوب، وجعل للصابر في الطاعون أجر الشهيد، وفقاً لتقرير منشور في موقع "إسلام ويب".
ووفقاً للتقرير، فإنَّ منع الناس من الدخول إلى أرض الوباء قد يكون أمراً واضحاً ومفهوماً، ولكنَّ منع من كان في البلدة المصابة بالوباء من الخروج منها إن كان صحيحاً معافى، كان أمراً غير واضح التبرير في ذلك الوقت، حيث كان يُفترض بالشخص السليم الذي يعيش في بلدة الوباء أن يفر منها إلى بلدة أخرى سليمة، حتى لا يصاب بالعدوى، ولم تُعرف العلة في ذلك إلا في العصور المتأخرة التي تقدم فيها العلم والطب.
ونقل موقع "إسلام ويب" عن الدكتور محمد علي البار، قوله إن الطب الحديث أثبت أن الشخص السليم في منطقة الوباء قد يكون حاملاً للميكروب، حتى لو لم يكن مريضاً به أو تظهر عليه أعراض المرض.
وقد بدأت الصين تطبيق الحجر الصحي في ووهان، بؤرة تفشي المرض، إضافة إلى مدن قريبة منها، في حين بدأت إيطاليا بتطبيقه في عدة مدن بعد توسع المرض. وفي إسبانيا أعلنت السلطات في 14 مارس 2020، تطبيق الحجر الصحي على البلاد بالكامل.
والمؤرخ الإسلامي والباحث في تاريخ الحضارة الإسلامية محمد إلهامي، يؤكد أن إغلاق المساجد لم يرِد في الإسلام، وما ورد هو ترك صلاة الجمعة والجماعات في مثل هذه الحالة، أي انتشار الأوبئة.
ومن مرونة الإسلام وما يحقق مقاصد الشريعة في حفظ النفس والدين، كما يقول إلهامي لـ"الخليج أونلاين": إن "الإسلام رخَّص في ألا يأتي المسلم صلاة الجماعة في فترة انتشار الأوبئة، ولكن دون إغلاق المساجد".
وقد حث النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- على اتباع عدد من التوجيهات في مسائل العدوى، وفق إلهامي، منها قوله: "فِرَّ من المجذوم فرارك من الأسد"، وقوله: "إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها".
النظافة والإسلام
ويأمر الإسلام في القيم السلوكية بقيمتي النظام والنظافة، وهما سلوك حضاري منذ أن انتشر الإسلام، حيث قال تعالى: "إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ "، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نظِّفوا أفنيتكم ولا تشبَّهوا باليهود".
ويرى الكاتب والصحفي العراقي إياد الدليمي، أن شعوب العالم "بدأت تراجع ثقافة النظافة لديها"، مضيفاً: "هذا الفيروس القاتل والمتفشي الذي يهدد العالم سيغير كثيراً من عادات الشعوب وثقافاتها، وأولاها النظافة".
وفي حديثه لـ"الخليج أونلاين"، أشار الدليمي إلى أن العالم اليوم "يعتمد في مجابهة الفيروس على النظافة، وكثير من آليات النظافة نعرفها نحن كمسلمين"، موضحاً: "نحن نعتمد الماء في الطهارة للصلاة ونعتمد الاغتسال، ولدينا أحاديث نبوية توصي بغسل اليدين قبل الأكل وبعده وبعد الاستيقاظ من النوم، هذا فضلاً عن آليات العزل الصحي التي جاءت في الأحاديث النبوية الشريفة وهي التي يعتمدها العالم اليوم".

ويقصد بذلك الحديثَ الوارد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ -صلَّى الله عليه وآله وسلَّم- قَالَ: "إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ، فَلاَ يُدْخِلُ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلاَثاً، فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ".
وتابع الدليمي: "حتى السلام في الدين الإسلامي فيه وقاية من انتشار الفيروسات".
ويرى أن العالم بعد القضاء على مرض كورونا "سيختلف عما قبله، لذا أعتقد أننا اليوم أمام فيروس سيعيد ترتيب كثير من التفاصيل، ربما لن تقتصر على عادات النظافة لدى الشعوب".
وعن إمكانية أن تكون تلك العادات التي دعا إليها الإسلام مجرد خطوات سيلتزمها الناس لوقت محدود ثم يتجاهلونها، يقول الدليمي: "ربما يملُّون ويتعبون، ولكن ما دامت في هذه العادات الإسلامية وقاية لهم من الفيروسات فأعتقد أنهم سيواصلون".
الإسلام بعيداً عن التشدد
وبينما أبدى كثير من المسلمين حيرة إزاء نصائح طبية بالابتعاد عن التجمعات، وهو ما يعني الابتعاد عن المساجد، خرجت فتاوى إسلامية تجيز التوقف عن الصلاة بالمساجد في البلدان التي تفشت فيه الأمراض.
ودعا الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، في 14 مارس 2020، إلى إيقاف إقامة صلاة الجمعة والجماعة في أي بلد بدأ فيه تفشي وباء "كورونا المستجد".
وقال الاتحاد العالمي في فتوى له، نشرها على موقعه الإلكتروني، إن إيقاف صلاة الجمعة والجماعة في البلدان التي بدأ فيها تفشي "كورونا"، يستمر إلى حين السيطرة عليه وتجاوز مرحلة الانتشار والخطر.
في حين قال الشيخ ثقيل بن ساير الشمري، عضو المجلس الأعلى للقضاء بقطر، إن الشريعة الإسلامية أكدت الوقاية من الأمراض، مستشهداً بالآية القرآنية: "ولا تُلقوا بأيديكم إلى التهلكة"، واستشهد أيضاً بالحديث النبوي الذي يقول: "فِرَّ من المجذوم فرارك من الأسد".
ومن أبرز الطقوس الدينية عند المسلمين العمرة، والطواف حول الكعبة، وقد شهد الحرمان المكي والمدني إغلاقاً أمام المعتمرين، وتم اتخاذ إجراءات صحية؛ منها إغلاق الحرمين الشريفين (المسجد الحرام في مكة والمسجد النبوي بالمدينة) في غير أوقات الصلاة، بعد انتهاء صلاة العشاء بساعة، وإعادة فتحهما قبل صلاة الفجر بساعة.
وقررت السلطات الكويتية والأردنية إيقاف صلاة الجماعة في المساجد، ومن بينها صلاة الجمعة، والاكتفاء بالأذان فقط، في إطار جهود الوقاية من فيروس كورونا.
تعاليم الإسلام في مواجهة كورونا
وفي مواقع التواصل الاجتماعي تناقل نشطاء مقالاً لصحيفة فرنسية، يقول إن المنتقبات، في إشارة إلى المسلمات، "لا خوف عليهن، لأنهن الأقل عرضة لفيروس كورونا".
وكتبت الدكتور فاطمة الوحش، على صفحتها في "تويتر"، عن الوضوء خلال الصلوات، قائلةً: "مدة بقاء فيروس كورونا في منطقة الأنف من 3 إلى 4 ساعات حتى يستقر في مجرى التنفس؛ لذلك وجد العلماء أن الوضوء 5 مرات، خاصةً ركن الاستنشاق ثلاث مرات وهو تنظيف الأنف، أحد أسباب الوقاية من الفيروس، حيث إن المدة بين الصلاة والأخرى تمتد من 3 إلى 4 ساعات".
ويرى الباحث في علوم القرآن والوسيط الثقافي بالمركز الإسلامي في بياتشنزا بإيطاليا، الدكتور ياسين اليافعي، أن الأطباء والمختصين يقولون إن "أفضل طريق لمنع انتشاره وتوسُّع ضحاياه، هي بأشياء نجد لها في ديننا الإسلامي سنداً وأدلة؛ بل كثير منها ثقافة دينية وسلوك يومي، خاصة في جوانب النظافة التي تحد من المرض وتمنع انتشاره".
وأشار اليافعي في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، إلى أن الأطباء أكدوا أهمية غسل اليدين، مضيفاً: "هذا لا يخفى تكراره ديناً في كل وضوء، وقبل الأكل وبعده، ووضوء ما قبل النوم، وغسل اليد عند الاستيقاظ، والمضمضة والاستنشاق، ففي هذه النظافة المتكررة لليد قطع لسلسلة الانتشار السريع للمرض وانتقاله بين الناس".
وأضاف: "نجد أن الإسلام قد خفف كثيراً من الأحكام الشرعية؛ حمايةً للنفس وصيانة لها من الوقوع في المرض أو احتمال وقوعه، ولذلك نجد عدم وجوب الجمعة والجماعة والذهاب للمساجد على المريض أو من يخشى من ذهابه الوقوع في المرض أو نقل ذلك المرض؛ بل وصل إلى حد نهي مَن أكَل الثوم عن دخول المسجد، فكيف بمثل هذا المرض؟".
وتابع: "المسلم وهو يجد العالَم رغم قوته وإمكاناته العلمية يعود لبعض الواجبات الدينية التي يعرفها منذ أن عرف دينه، لَيحمد الله على هذا الدين الذي غرس فيه عقيدة الإيمان والثبات، وغرس فيه عباداتٍ كلها النقاء والنظافة والمصلحة، وخفف كثيراً من الأحكام الشرعية؛ رعاية لحفظ النفس والعقل وعدم إلقائهما في التلف والتهلكة".
المصدر:
alkhaleejonline.net