ایکنا

IQNA

قسّ لبناني في حديث لـ"إکنا":

الإسلام والمسيحيَّة في الخطِّ العقيدي الثقافي يلتزمان التوحيد

13:21 - December 25, 2020
رمز الخبر: 3479517
بيروت ـ إکنا: أكد "الأب إيلي صادر"، رئيس دير "يسوع الفادي" في مدينة "زحلة" بمحافظة "البقاع" اللبنانية أنّ الإسلام والمسيحيَّة في الخطِّ العقيدي الثقافي يلتـزمان التوحيد، ثم يمتدُّ المجال إلى مسألة القيم الروحية والأخلاقية التي يتميَّز بها الإسلام وتتميَّز بها المسيحية، وتلتقي الدّيانتان على أكثر من ثمانين في المائة.

وعيد الميلاد يُعتبر ثاني أهم الأعياد المسيحية على الإطلاق بعد عيد القيامة، ويُمثل تذكار ميلاد يسوع المسيح وذلك بدءًا من ليلة 24 ديسمبر ونهار 25 ديسمبر في التقويمين الغريغوري واليولياني غير أنه وبنتيجة اختلاف التقويمين ثلاث عشر يومًا يقع العيد لدى الكنائس التي تتبع التقويم اليولياني عشية 6 يناير ونهار 7 يناير.

وبمناسبة ذكرى مولد النبي عيسي (ع)، أجرت وكالة الأنباء القرآنية الدولية(إکنا) حواراً خاصاً مع "الأب إيلي صادر"، رئيس دير "يسوع الفادي" في مدينة "زحلة" بمحافظة "البقاع" اللبنانية، واليكم نص الحوار:

ما هي آراء المسيحيين حول رجعة المسيح (ع) و ماهي الأسناد الموثوقة في هذه القضية؟

في المسيحية تعرف عقيدة رجعة المسيح أو المجيء الثاني وهي تسمى الباروزيا أو النُهيويّة حين صعد إلى السماء وجلس عن يمين الآب. وسيأتي بمجده العظيم ليدين الأحياء والأموات، على ما جاء في مقررات المجمع المسكوني النيقاوي الأول عام 325 حيث اجتمعت الكنيسة بكل رؤسائها في العالم القديم المعروف آنذاك واعلنت قانون الإيمان.

وتستند عقيدة المجيء الثاني على نبوءات موجودة في الإنجيل بحسب قولة السيد المسيح لتلاميذه "أنا امضي لأعد لكم مكاناً وأن مضيت وأعددت لكم مكاناً آتي أيضاً وآخذكم إلى حيث أكون أنا تكونون انتم أيضاً" يو2: 14،3). وكرر وعده هذا مرات كثيرة. وقد ارتبط إعلانه عن المجيء الثاني بقيامة الأموات والدينونة والحياة معه في الأبدية.

وفي بدايات المسيحية ساد الاعتقاد بأن عودة السيد المسيح إلى الأرض قريبة جداً، ومن الأدلة الكتابية التي تتكلم عن المجيء الثاني يشار إلى الإنجيل بحسب متى 24. 25 ومرقس 13 ولوقا 21: 5. 26  ويوحنا 14: 25. 29 بالإضافة إلى سفر رؤيا القديس يوحنا.
 
لماذا تاريخ ميلاد المسيح(ع) صار مبدأ لتقويم رأس السنة في كل العالم؟

إن تاريخ ميلاد الإنسان لم يكن ليحتل مركز الصدارة فكانت الأهمية تولى لعظماء التاريخ ساعة مماتهم. ويوم ميلاد السيد المسيح كان التاريخ يُنسب لزمن تولي الحاكم وينتهي التاريخ مع مماته ليبدأ مع الوالي الذي يخلفه، فكان يقال مثلاً: "وَفِي السَّنَةِ الْخَامِسَةِ عَشْرَةَ مِنْ سَلْطَنَةِ طِيبَارِيُوسَ قَيْصَرَ". ولما كان التقويم الروماني القديم يعتبر أن السنة مؤلفة من عشرة أشهر وقد عدلها يوليوس إلى 365 يوماً فسُميَ بالتقويم اليولياني، جاء التقويم الغريغوري، نسبة إلى البابا غريغوريوس الثالث عشر بابا روما في القرن السادس عشر، ليضع النظام المتعارف عليه حاليًا 365،25 يوماً.

فالسنة الميلادية سنة شمسية بمعنى أنها تمثل دورة كاملة للشمس في ملئ دورانها. فوضع البابا عيد السيد المسيح في بداية السنة استناداً إلى أولويته عند المسيحيين وعلى اعتبار أنّ المسيح هو الشمس الحقيقية، وأنَّهُ هو العيد، وأنَّ عيده هو رأس الأعياد. ونظراً إلى مكانة البابا الأدبية فقد قبلت معظم الدول المسيحيّة هذا التقويم، إلى أن قبلته كل الدول وآخرها اليونان سنة 1923.
 
لماذا النبي عيسى(ع) لُقِّب بالمسيح؟

إنَّ التسمية "عيسى" تنحدر مباشرة من الترجمة اليونانية لإسم "يسوع" التي تُكتب باليونانيّة "ISSA". وهذه الكلمة آتية من الأصل العبراني "يه شوَّع" وتعني الله يُخلِّص. وقد جاءت التسمية ببشارةٍ من السماء على يد الملاك جبرائيل، طالباً تسمية الطفل: "فَسَتَلِدُ ابْنًا وَتَدْعُو اسْمَهُ يَسُوعَ. لأَنَّهُ يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُمْ»." (متى 1: 21).

"وخلاصُ الله هذا كان منتَظَرَ الشعوب أجمعْ، حتى أنّ ملوكَ فارس الوثنيين اكتشفوا حلوله فأعدوا العدة سائرين الأشهرَ الطوال غاية معاينة الخلاص الآتي في مدينة بيت لحم على ما كشفه لهم نجمٌ سماويٌ".
الإسلام والمسيحيَّة في الخطِّ العقيدي الثقافي يلتـزمان التوحيد
لكن لقب المسيح هو صفة للممسوح بدهن القداسة على حسب إنتظارات الشعب اليهودي كما جاء في نبؤآت الكتاب المقدس. فالملك هو من مسحه النبي على شعبه بمشحة الزيت المقدس، لذلك يدعى "مشيحا" أي الممسوح ببركةٍ من الله، بواسطة نبيٍّ مُختار، بشكل مباشر من قِبل الله، ليسوس أمورَ شعبه ويقودَهم إلى الخلاص. أما المسيح يسوع فقد مُسح مباشرة من الله وهو كلمتُه وروحٌ منه، وقد شهد له صوت الله من السماء أمام الجموع التي ظنت أنّه رعدٌ سماوي بحلول روحه القدوس على نهر الأردن، ذلك بشهادة يوحنا المعمدان (يحيا).

ما هي علاقة بعض سنن احتفال المسيح مثل شجرة كريسماس بقصة النبي عيسى (ع)؟

ما كانت الشجرة لتعني أمراً هاماً نسبة إلى المسيحيين وليست بسنّة معمولٍ بها فقد رفضتها الكنيسة عبر كل العصور إلى أن أدخلتها بعض الدول خارجاً عن إرادة العقيدة المسيحية.

وهذا التقليد ظهر أولاً في ألمانيا وانتقل إلى بريطانيا في عهد الملك جورج الثالث، إلى أن أدخلتها بريطانيا في أعيادها، وجلبها المهاجرون الألمان معهم إلى أميركا في الجيل التاسع عشر فحرّم الأمريكيون استعمالها كونها رمزاً وثنياً. وفي تراثنا الشرقي نميل إلى بناء مغارة متواضعة، نظراً إلى التعاليم الإنجيلية التي تدعو إلى التسامح ومحبة خلق الله.

قبل المسيحية بزمنٍ طويل كانت بلدان كثيرة تتخذ من رمزية الشجرة مرتعاً لأعمال السحر والعرافة والحماية من الشر.

وفي مصر القديمة عبد المصريون الإله رع، وكانوا ينصبون نخيلا أخضرَ في بيوتهم رمزًا لانتصارِ الحياةِ على الموت. أما ولادة المسيح فهي دعوة للتسامح والخدمة والتواضع ومحبة الإنسان كل إنسان على اعتباره إبناً مولوداً لإله واحد، فعيد الميلاد دعوةٌ هو، لتلاقي الأديان التوحيدية في الشرق والعالم على مسار مسيرة ملوك المشرق.

ما هي مكانة النبي عيسي (ع) في القرآن الكريم و ما هي ألقابه في القرآن الكريم؟ ما هي أهم تحديات الحوار والعيش المشترك؟

إن للمسيح مكانة خاصة في القرآن الكريم تكاد تكون فريدة، بدءا بوصف ولادته العجيبة، إلى أنه كلمة الله وروح منه في قوله: "إنما المسيح عيسي ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه" (النساء 170 .)...   وأنه وجيه في الدنيا والآخرة : إذ يقول: " إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ" (آل عمران 45.)

ومن صفاته إحياء الموتي وإبراء المرضى: وقد ورد في القرآن الكريم على لسان المسيح قوله: "وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله" (آل عمران 49). ويضيف القرآن الكريم من صفات المسيح أنه كان مباركاً حيثما كان؛ كما جاء على لسانه عليه السلام: "وجعلني مباركاً أينما كنتُ" (مريم 31).

وهذه المفاهيم المشتركة تفتح  لنا باب الحوار على مصراعيه فحوارنا ليس بجدلٍ، بمعنى الصراع، بل بما للكلمة من صدىً عند أنبياء الله الذين علموا الإنسان كيفية معالجة مشاكله، كالباب المفتوح من القلب يطلّ من خلاله الإنسان على ما في داخل الآخر فيسود الإطمئنان والأمان. إذ أن الأنسان بالطبع عدوٌ لما يجهل.
الإسلام والمسيحيَّة في الخطِّ العقيدي الثقافي يلتـزمان التوحيد
وإنّ الإسلام والمسيحيَّة في الخطِّ العقيدي الثقافي يلتـزمان التوحيد، ثم يمتدُّ المجال إلى مسألة القيم الروحية والأخلاقية التي يتميَّز بها الإسلام وتتميَّز بها المسيحية، وتلتقي الدّيانتان على أكثر من ثمانين في المائة.
 
وقد تحدّث القرآن الكريم عن المسيحيين بما لم يتحدث به عن الفريق الآخر مما يسمَّى بأهل الكتاب، وهذا ما أكّده القرآن الكريم: {وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَايَسْتَكْبِرُونَ}(المائدة/82).

فالله الهنا واحدٌ، وهو خالقُ السماءِ والأرض وكلِ ما يرى وما لا يرى، وقد خصّ الإنسانَ منذ البدء، إذ خلقه على صورته كمثاله، وراى اللهُ ذلك أنه حسنٌ جداً. ووهبه كامل حريته حتى في الايمان به أو عدمه.

خلقه علائقيٌ بالطبع، مفطورٌ على بعدين أساسيين: بُعدٌ تصاعديٌ في عبادة الخالق، وبُعدٌ أفقيٌ في محبة المخلوق المتبادلة.

فما يجمعنا أشرف بكثير مما يفرقنا لآنَّ مصدره إلهي فتبارك الله في خلقه.
 
captcha