ایکنا

IQNA

التوبة بين القرآن والسنة المطهرة

16:53 - April 30, 2022
رمز الخبر: 3485775
اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا﴾ [النساء: 28]، قد شرع له باب التوبة، يلجأ إليه بعد ارتكاب الذنب والضلال وفي أيّ وقت، وهيأ له ما ينجيه بعد وقوعه في المحرمات .

و الله تعالى فتح  باب التوبة للإنسان كي لا يتمادى في المعصية؛ ولايصيبه القنوط من رحمة الله، فالقلب كلّما استشعر رحمة الله تعالى تاب إليه، وسنتحدث هنا بإيجاز عن تعريف التوبة وأنواعها، وشروطها ، ثم التوبة في القرآن الكريم وأحاديث رسول الله(ص) وأئمة الهدى عليهم السلام، ثم ما ذكره الحكماء والعرفاء بشأنها.

1. تعريف التوبة:

التوبة لغة: تدلّ على الرّجوع، والتّوب: ترك الذّنب على أجمل الوجوه، وهو أبلغ وجوه الاعتذار([1]].

التوبة في الاصطلاح: قال الرّاغب: التّوبة في الشّرع: ترك الذّنب لقبحه والنّدم على ما فرط منه والعزيمة على ترك المعاودة، وتدارك ما أمكنه أن يتدارك من الأعمال بالإعادة([2]).

وقال الجرجانيّ: التّوبة هي الرّجوع إلى الله بحلّ عقدة الإصرار عن القلب، ثمّ القيام بكلّ حقوق([3]).

وبذلك، فإن التوبة في الشّرع هي النّدم على معصيته من حيث هي معصية، مع عزم ألّا يعود إليها إذا قدر عليها، ولذلك ورد في الحديث «النّدم توبة».

2. شروط التوبة:

التّوبة من الذنوب واجبة، وشروطها متعددة، حتى تكون مقبولةً عند الله سبحانه وتعالى، ويمكن بيان هذه الشروط وإجمالها فيما يأتي:

1. الإقلاع عن الذنوب وتركهاصغيرها وعظيمها.
2. الندم والحزن على فعلها.
3. العزم الصادق على الترك وعدم العودة إليها أبدا.
4. إذا كان الذّنب أو المعصية متعلّق بحقّوق الناس، فعلى المذنب أن يبرأ من حقّ صاحبه؛ ويجب أن يتوب من جميع الذّنوب.

والقرآن الكريم عندما وضع هذه الشروط، إنما أراد بها أن تتحقق التوبة، ونصحها، وصدقها، فقد قال الله تعالى:﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا الله فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا الله وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136)﴾ [آل عمران].

أما أن يكتفي بالإعتراف دون أن يعاهد الله على عدم العود، أو دون الإجتهاد في ذلك؛ فإنه نوع من السخرية بالتوبة.. وقد سمى رسول الله(ص) وأئمة الهدى تلك التوبة بتوبة المستهزئين، ففي الحديث عن رسول الله(ص) أنه قال: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له، والمستغفر من ذنب وهو مقيم عليه كالمستهزئ بربه) ([4])

وقال تعالى في آية أخرى: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [النور: 31]، أي ارجعوا إلى الله من هوى نفوسكم، ومن وقوفكم مع شهواتكم وحظوظكم، عسى أن تظفروا ببغيتكم فى المعاد، وكي تبقوا ببقاء اللَّه فى نعيم لا زوال له ولا نفاد.

3.التوبة في القرآن:

أمر الله تعالى بالتوبة النصوح كما أورد ذلك في قوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [التحريم:8]، فوصف التوبة بالنصح.. أي أنها خالصة لله تعالى مجردة، لا تتعلق بشئ، ولا يتعلق بها شئ، وهو الإستقامة على الطاعة، من غير روغان إلى معصية، كما تروغ الثعالب، وألا يحدث نفسه بذنب متى قدر عليه، وأن يترك الذنب لأجل اللَّه تعالى خالصا لوجهه، كما ارتكبه لأجل هواه مجمعا عليه بقلبه وشهوته، وقال تعالى في آية أخرى: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [النور: 31]، أي ارجعوا إلى الله من هوى نفوسكم، ومن وقوفكم مع شهواتكم وحظوظكم، عسى أن تظفروا ببغيتكم فى المعاد، وكى تبقوا ببقاء اللَّه فى نعيم لا زوال له ولا نفاد.

والاقتداء بالنبي(ص) الذي كان يتوب إلى الله تعالى دائماً، قال -عليه السلام- عن نفسه: (واللَّهِ إنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وأَتُوبُ إلَيْهِ في اليَومِ أكْثَرَ مِن سَبْعِينَ مَرَّةً)،[٢] والتوبة ليست محصورة بالمسلم العاصي فقط؛ إنّما تتعدّى إلى غير المسلم أيضاً في حال أراد أن يُسلم؛ فيبدّل الله -تعالى- سيئاته حسنات، قال -عزّ وجلّ-: (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَـئِكَ يُبَدِّلُ اللَّـهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّـهُ غَفُورًا رَّحِيمً].[٣][٤]

ولذلك أخبر الله  عن توبته على أشرف خلقه، وأخبر رسول الله(ص) عن مسارعته كل حين للتوبة، وذلك لا يعني سوى الترقي في مراتب الكمال، الذي يشعر صاحبه بقصوره في الدرجة التي كان فيها.

فحقيقة التوبة تتمثل في الرجوع إلى الله، وتصحيح الأخطاء والتقصير والغفلة، كما أنها تشمل ذلك الشعور الذي يعتري المقربين؛ فيجعلهم يستغفرون الله، ويتوبون إليه، لا لذنب اقترفوه، ولا لغفلة طرأت عليهم.. وإنما لذلك الحياء والهيبة التي تعتريهم في صحبة ربهم؛ فتشعرهم بجلاله وجماله وكماله؛ فلا يملكون معها إلا الانحناء تواضعا له، وشعورا بالتقصير في حقه.

4.التوبة في الأحاديث الشريفة:

بما أن المرجع في التعرف على الحقائق والقيم هي المصادر المعصومة، دون غيرها من المصادر المختلطة التي حذر رسول الله a من دخنها، سنعود إلى تلك المصادر التي تذكر التوبة، وبالرجوع إلى أئمة الهدى الذين أمرنا باتباع هديهم، وحماية ديننا من وساوس الشيطان وإلهاماته بهم، لوجدنا عندهم الحقائق التي لم تتدنس، ولم تتبدل، ولم تعرض لها الأهواء.

وفي الحديث عن رسول الله(ص) أنه قال: (إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعدٌ تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على أنفه، فقال به هكذا بيده فذبه عنه]، ثم قال: (لله أفرح بتوبة عبده المؤمن من رجل نزل في أرض دوية مهلكة معه راحلته عليها طعامه وشرابه، فوضع رأسه فنام نومة، فاستيقظ وقد ذهبت راحلته فطلبها، حتى إذا اشتد عليه الجوع والعطش، قال: أرجع إلى مكاني الذي كنت فيه فأنام حتى أموت، فوضع رأسه على ساعده ليموت، فاستيقظ فإذا راحلته عنده عليها زاده وشرابه، فالله أشد فرحا بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلته وزاده)([5]) 

وقال الإمام علي عليه السلام: (العجب ممن يقنط ومعه الممحاة..فقيل له: (وما الممحاة ؟).. قال: (الاستغفار)([6])

وقال: (تعطّروا بالاستغفار، لا تفضحكم روائح الذنوب)([7])

وقد روي أن بعضهم قال بحضور الإمام علي(ع): (أستغفر الله)، فقال له الإمام علي: (ثكلتك أمّك، أ تدري ما الاستغفار؟ إنّ الاستغفار درجة العلّيّين، وهو اسم واقع على ستّة معان: أوّلها النّدم على ما مضى، والثّاني: العزم على ترك العود إليه أبدا، والثالث: أن تؤدّي إلى المخلوقين حقوقهم حتّى تلقى الله أملس ليس عليك تبعة، والرابع: أن تعمد إلى كلّ فريضة عليك ضيّعتها فتؤدّي حقّها، والخامس: أن تعمد إلى اللحم الّذي نبت على السحت فتذيبه بالأحزان حتّى تلصق الجلد بالعظم وينشأ بينهما لحم جديد، والسادس: أن تذيق الجسم ألم الطاعة كما أذقته حلاوة المعصية، فعند ذلك تقول: أستغفر الله) ([8])

وشبه الإمام علي عليه السلام المستغفر بالمستعمل للدواء؛ فإذا كان يستعمله، ويسرف على نفسه بما يسبب له المرض، فإنه لن يشفى أبدا، لأن غرض الاستغفار هو العودة إلى الله، لا مجرد حركة اللسان، فقد روي عنه أنه قال: (الذنوب الداء والدواء الاستغفار، والشفاء أن لا تعود) ([9])

وعن الإمام الرضا عليه السلام أنه قال: (مثل الاستغفار مثل ورق على شجرة تحرّك فيتناثر، والمستغفر من ذنب ويفعله كالمستهزئ بربّه) ([10])

وقال عليه السلام: (سبعة أشياء بغير سبعة أشياء من الاستهزاء: من استغفر بلسانه ولم يندم بقلبه فقد استهزأ بنفسه، ومن سأل الله التوفيق ولم يجتهد فقد استهزأ بنفسه، ومن استحزم ولم يحذر فقد استهزأ بنفسه، ومن سأل الله الجنّة ولم يصبر على الشدائد فقد استهزأ بنفسه، ومن تعوّذ بالله من النار ولم يترك الشهوات فقد استهزأ بنفسه، ومن ذكر الله ولم يستبق إلى لقائه فقد استهزأ بنفسه) ([11])

وعن الإمام الصادق(ص) أنه قال: (رحم الله عبدا لم يرض من‏ نفسه أن يكون إبليس نظيرا له في دينه، وفي كتاب الله نجاة من الردى، وبصيرة من العمى، ودليل إلى الهدى، وشفاء لما في الصدور فيما أمركم الله به من الاستغفار مع التوبة، قال: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا الله فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا الله وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [آل عمران: 135]، وقال: ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ الله يَجِدِ الله غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [النساء: 110]، فهذا ما أمر الله به من الاستغفار، واشترط معه بالتوبة والإقلاع عمّا حرّم الله، فإنّه يقول: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾ [فاطر: 10]، وهذه الآية تدلّ على أنّ الاستغفار لا يرفعه إلى الله إلّا العمل الصالح والتوبة] ([12])

وقد ذكر الإمام الصادق(ع) درجات التوبة.. وأنها تشمل جميع النفوس، وفي كل المراحل، فقال: (كل فرقة من العباد لهم توبة.. فتوبة الأنبياء: من اضطراب السر.. وتوبة الأولياء: من تلوين الخطرات.. وتوبة الأصفياء: من التنفيس.. وتوبة الخاص: من الاشتغال بغير الله.. وتوبة العام: من الذنوب، ولكل واحد منهم معرفة وعلم في أصل توبته، ومنتهى أمره)([13]) 

وقال الإمام الصادق(ع): (مَن أُعطي أربعا لم يُحرم أربعا: (مَن أُعطي الدعاء لم يُحرم الإجابة.. ومَن أُعطي الاستغفار لم يُحرم التوبة.. ومَن أُعطي الشكر لم يُحرم الزيادة.. ومَن أُعطي الصبر لم يُحرم الأجر)([14])

5. التوبة عند الحكماء والعرفاء:

وهكذا اتفق الحكماء على ذلك، وقد قال بعضهم في ذلك: (التوبة نعمة من الله أنعم بها على هذه الأمة دون غيرها ولها أربع مراتب: فالأولى: مختصة باسم التوبة، وهي أول منـزل من منازل السالكين، وهي للنفس الأمارة، وهذه مرتبة عوام المؤمنين: وهي ترك المنهيات، والقيام بالمأمورات، وقضاء الفوائت، ورد الحقوق، والاستحلال من المظالم، والندم على ما جرى، والعزم على أن لا يعود.. والمرتبة الثانية، الإنابة: وهي للنفس اللوامة، وهذه مرتبة خواص المؤمنين من الأولياء. والإنابة إلى الله: بترك الدنيا، والزهد في ملاذها، وتهذيب الأخلاق، وتطهير النفس بمخالفة هواها، والمداومة على جهادها. فالنفس إذا تحلت بالإنابة دخلت في مقام القلب واتصفت بصفته، لأن الإنابة من صفات القلب، قال تعالى:﴿مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ﴾ [ق: 33].. والمرتبة الثالثة: الأوبة، وهي للنفس الملهمة، وهذه مرتبة خواص الأولياء. والأوبة إلى الله من آثار الشوق إلى لقائه، فالنفس إذا تحلت بالأوبة دخلت في مقام الروح. ومن أمارات الأواب المشتاق: أن يستبدل المخالطة بالعزلة، ومنادمة الأخدان بالخلوة، ويستوحش عن الخلق ويستأنس بالحق، ويجاهد نفسه في الله حق جهاده ساعياً في قطع تعلقها عن الكونين.. والمرتبة الرابعة: وهي للنفس المطمئنة، وهذه مرتبة الأنبياء وأخص الأولياء]([15]) 

وقال آخر: (التوبة على ثلاثة أقسام: أولها من الخطأ إلى الصواب، وثانيها من الصواب إلى الأصوب، وثالثها من الصواب ذاته إلى الحق.. فالتوبة من الخطأ إلى الصواب: كقوله تعالى: ﴿والَّذينَ إِذا فَعَلوا فاحِشَةً أوظَلَموا أَنْفُسَهُمْ ذَكَروا اللَّه فاسْتَغْفَروا لِذُنوبِهِمْ﴾.. والتوبة من الصواب إلى الأصوب: هي ما قاله موسى عليه السلام: ﴿تُبْتُ إِلَيْكَ﴾.. والتوبة من النفس إلى الحق: ما قاله النبي: (وإنه ليغان على قلبي وأني لأستغفر الله في كل يوم سبعين مرة)([16]))([17]) 

 وقال آخر: (التوبة على ثلاثة أقسام: توبة بالأقوال، وتوبة بالأفعال، وتوبة بالأحوال.. توبة العوام: من النيات.. وتوبة الخواص: من رؤية الحسنات.. وتوبة خواص الخواص: مما سوى الله.. وفوق ذلك: فناء وبقاء)([18])

ولهذا ذكروا أن للتوبة ارتباط بكل المنازل، ذلك أن كل من ترقى درجة من الدرجات، يكتشف القصور الذي كان في المنازل التي كان فيها، فيبادر إلى إصلاحها، ويستغفر الله من تقصيره فيها، وقد قال بعضهم في ذلك: (كل المقامات تفتقر إلى التوبة: فالتوبة: تفتقر إلى توبة أخرى بعدم نصوحها.. والخوف: يفتقر إليها بحصول الأمان والاغترار.. والرجاء: بحصول القنوط والاياس.. والصبر: بحصول الجزع.. والزهد: بخواطر الرغبة.. والورع: بتتبع الرخص أوخواطر الطمع.. والتوكل: بخواطر التدبير والاختيار والاهتمام بالرزق.. والرضا والتسليم: بالكراهية والتبرم عند نزول الأقدار.. والمراقبة: بسوء الأدب في الظاهر وخواطر السوء في الباطن.. والمحاسبة: بتضييع الأوقات في غير ما يقرب إلى الحق.. والمحبة: بميل القلب إلى غير المحبوب.. والمشاهدة: بالتفات السر إلى غير المشهود، أوباشتغاله بالوقوف مع شيء من الحس وعدم زيادة الترقي في معاريج الأسرار، ولذلك كان يستغفر في المجلس سبعين مرة أو مائة)([19])

وقال آخر: (مقام التوبة: هو من المقامات المستصحبة إلى حين الموت ما دام مخاطباً بالتكليف أعني التوبة المشروعة، وأما توبة المحققين فلا ترتفع دنيا ولا آخرة، فلها البداية ولا نهاية لها)([20]) 

وقال آخر: (إن درجات القرب إلى الله تعالى لا نهاية لها في الدنيا ولا في الآخرة، والصحيح أنه لا وصول إلى الله تعالى أبداً، وإنما الجميع سائرون إليه من الأزل إلى الأبد. ومقام التوبة: هو الدخول في هذا السير مع هؤلاء السائرين. وما ثم إلا رفع حجاب ومصادفة حجب أخرى خلفها. والتجليات لا نهاية لها، والحجب لا نهاية لها، والكشوفات لا نهاية لها) ([21]) .

5.الخاتمة:

نخلص بعد هذا العرض الموجز إلى النتائج التالية:

1. التوبة في الشّرع هي النّدم على كل معصية صغيرة كانت أو كبيرة، مع العزم ألّا يعود إليها إذا قدر عليها.
2. التّوبة الصحيحة لابد أن تتوفر على شروط أهمها الإقلاع عن المعصية، والندم على فعلها، والعزم على الترك وعدم العودة إليها أبدا، وإذا كان الذّنب أو المعصية متعلّق بحقّوق الناس، فعلى المذنب أن يبرأ من حقّ صاحبه.
3. ورد في القرآن الكريم الآيات الكثيرة التي تحث على التوبة وتبين شروطها، ومثل ذلك ورد في السنة المطهرة عن رسول الله a وأئمة الهدى عليهم السلام.
4. اهتم الحكماء والعرفاء ببيان شروط التوبة وحقيقتها، ولذلك لا يخلو كتاب من كتبهم من الحديث عنها وعن منازلها وكيفية تحققها.
 
 #########################
([1])  مقاييس اللغة (1/ 357).
([2])  مفردات الراغب (75).
([3])  التعريفات للجرجاني (74).
([4])  ابن ماجة (4250 ).
([5]) البخاري (6308) ومسلم (2744)
([6])أمالي الطوسي ص54.
([7])أمالي الطوسي ص237.
([8]) نهج البلاغة حكمة 409 ص 1281
([9]) غرر الحكم ص 79
([10]) اصول الكافي ج 2 ص 504.
([11]) كنز الكراجكي ج 1 ص 330
([12]) تفسير العيّاشي ج 1 ص 198
([13]) مصباح الشريعة، ص97.
([14])الخصال 1/94.
([15]) إسماعيل حقي البروسوي، تفسير روح البيان، ج 1 ص 138.
([16]) رواه مسلم ج: 4 ص: 2075.
([17]) د. قاسم غني، تاريخ التصوف في الإسلام، ص 314، 315.
([18]) علي الكيزواني، زاد المساكين إلى منازل السالكين، ص 26.
([19]) أحمد بن عجيبة، معراج التشوف إلى حقائق التصوف، ص 5، 6.
([20]) ابن عربي، الفتوحات المكية، ج 2 ص 142.
([21]) عبد الغني النابلسي، أسرار الشريعة أوالفتح الرباني والفيض الرحماني، ص 121، 124.

بقلم الباحثة والكاتبة الجزائرية "الدكتورة نورا فرحات"

captcha