ایکنا

IQNA

الشهيد بهشتي رجل الدين وفيلسوف الدولة وبصيرة لإستمرار أمة

23:53 - June 29, 2022
رمز الخبر: 3486638
بیروت ـ إکنا: أكد الكاتب والمحلل السياسي اللبناني، "الدكتور ناجي أمهز" أن اندماج مفكر وفيلسوف عظيم كالشهيد السيد اية الله بهشتي في الثورة الاسلامية، هو دليل على عظمة هذه الثورة التي قام بها الامام الخميني(قدس الله سره).

يصادف 28 یونیو / حزيران ذكرى استشهاد 72 من أصحاب الإمام الخميني طاب ثراه وعلى رأسهم آية الله الشهيد الدكتور بهشتي رئيس السلطة‌ القضائية عام 1981.

ولد السيد بهشتي عام 1346 هـ بمدينة "أصفهان" في إيران، وتعلم في إحدى الكتاتيب القراءة والكتابة بسرعة فائقة، وبالخصوص قراءة القرآن الكريم، وعرف بين أقرانه بالذكاء، وأنهى مرحلة الدراسة الابتدائية المتوسطة في أصفهان، وفي عام 1360 هـ ترك الدراسة الأكاديمية، وانخرط في سلك طلاّب العلوم الدينية، والتحق بمدرسة الصدر في مدينة أصفهان بسبب شغفه للعلوم الإسلامية.

وفي عام 1364 هـ سافر إلى مدينة قم المقدسة لمواصلة دراسته الحوزوية، وفي عام 1366 هـ حصلت له رغبة بالعودة إلى مواصلة الدراسة الأكاديمية، فتمكن من الحصول على شهادة الإعدادية، ثم دخل كلية الإلهيات في العاصمة طهران، وحاز على شهادة البكالوريوس منها، وخلال دراسته في الجامعة أتقن التحدث باللغة الإنجليزية، التي كان قد تعلمها في مدينة أصفهان.

وبعد ذلك عاد إلى مدينة قم المقدسة لمواصلة دراسته الحوزوية، وفيما بين عام (1369 هـ ـ 1374هـ) أخذ يكرس جزءا من وقته لدراسة الفلسفة، وفي عام 1384 هـ حاز على شهادة الدكتوراه في الفلسفة من جامعة طهران.

أساتذته:

1ـ السيد محمد اليزدي، المعروف بالمحقق الداماد. 2ـ الإمام الخميني (رض). 3ـ السيد حسين الطباطبائي البروجردي المرجع الديني الكبير. 4ـ السيد الخونساري. 5ـ السيد محمد حجت الكوهكمري. 6ـ الشيخ مرتضى الحائري اليزدي. 7ـ السيد محمد حسين الطباطبائي صاحب تفسير الميزان.

شهادته:

أستشهد السيد بهشتي (قدس سره) في حادث انفجار مقر الحزب الجمهوري الإسلامي بالعاصمة طهران في 28 يونيو / حزيران عام 1981م، وعلى أثر ذلك أعلن الإمام الخميني(رض) الحداد العام في إيران، وأصدر بياناً تأبينيّاً جاء فيه: "فقد الشعب الإيراني في هذه الفاجعة الكبرى (72) بريئاً، ويعتز الشعب الإيراني بأن يقدم هؤلاء أنفسهم نذوراً لخدمة الإسلام والمسلمين. وتم تشييع الشهيد بهشتي (قدس سره) في موكب مهيب مع باقي شهداء الحادثة الأليمة، ثم دفن بمقبرة جنة الزهراء جنوب العاصمة طهران".

فيما يلي نص المقالة التي نشرها الکاتب والمحلل السیاسي اللبناني "الدكتور ناجي أمهز" على موقع وكالة الأنباء القرآنية الدولية(إکنا) بمناسبة الذكرى السنوية لاستشهاد آية الله الدكتور الشهيد السيد محمد بهشتي:

"لم اكن أعلم انني سأصل الى حاضرة كتاب "الاقتصاد الاسلامي" لمؤلفه الشهيد آية الله السيد محمد حسين بهشتي، لاقرا بعفويتي غير الاقتصادية، في فكر استطاع ان يشرح الاقتصاد حتى للعامة من منظور إسلامي مبسط، يجعلك تشعر بالامان الى عدالة اجتماعية، تلزم الدولة بان تكون راعية للشعب وان تمارس دور الرقيب على نفقاتها كي تستثمر ثرواتها، ونتاج رعيتها، في تعزيز التنمية الاقتصادية والصناعية من أجل النهوض بأمة قادرة مقتدرة على البقاء والاستمرار.

كانت رحلة رائعة في عالم الاقتصاد لكتاب كتب قبل نصف قرن، وهو يحاكي ما نحن اليوم فيه، وما يجري في العالم الذي ذهب بعيداً في الرأسمالية مما أوصلنا الى حالة من الانهيار الكبير الذي نعيشه اليوم، ويبق السؤال يا ليتنا سمعنا وطبقنا لما كانت الحروب في عالمنا ولا وجدنا الفقر ينفشى كظاهرة بقعة الزيت فوق الماء.

والشهيد آية الله السيد بهشتي الذي قرأ جيداً المتغير العالمي، انطلق من الاقتصاد نحو السياسة، واضعاً نواميس ثابتة، عمادها الشريعة الاسلامية، ليقدم حلولاً لامة برمتها.

وعندما تغوص في فكر الشهيد بهشتي السياسي والاقتصادي، وتتابع مواقفه السياسية المعارضة لحكم الشاه، وخاصة ابان فورة انتاج النفط، تقف حائراً امام بصيرة العالم الديني والدنيوي، وهو يخبر الشعب الايراني، الى أين سيذهب الشرق الاوسط ان استمرت سياسة الشاه وامثاله بالامة الاسلامية.

فالشهيد بهشتي وصف الاقتصاد، وشرح بالسياسة، نقاط أساسية اليوم يعترف بها عالمياً، فالرخاء والاطمئنان والتطور ليس بما تستهلكه الامة من ثرواتها، بل بما تطوره الامة باستخدام ثراواتها، والنتاج القومي ليس ما يجنيه الفرد بل ما يعيش فيه الفرد عزيزاً كريماً، فان كان نتاجي السنوي هو الف تومان، وانا اجد الطبابة واحصل التعليم، ومكتفياً في حياتي اليومية، فانا اغنى من فرد ينتج الالاف الدولارات في دولة اخرى، لايجد فيها الطبابة وتكلفة التعليم مرتفعة جداً، اضافة الى تضخم مالي يأكل كل ما تدخره من ارقام وهمية.

وقد نجح الشهيد السيد بهشتي، بتقريب وجهة نظره وفرضها كاساس محفز في بنيان الامة الايرانية العظيمة، التي اليوم وصل مجدها الى عنان السماء، وتعاظمت قوتها، وتمدد نورها، واضحت معادلة اساسية وثابتة في مقدمات الدول الكبرى العاجزة ان تجاوزها في القرار العالمي.

من يقرأ في سيرة الشهيد بهشتي، وهو حامل أرفع وأعلى الدرجات العلمية والذي كان يجيد عدة لغات عالمية، يتلمس بخطوات لا تحتمل الفشل بان واضع هذا النهج التفكيري، الذي دمج ما بين السياسة والاقتصاد، تحت خطوط الشريعة الاسلامية، أوجد معادلة تحاكي معادلة الكيمياء، بان الثورة الاسلامية في ايران وجدت لتستمر الى يوم احقاق الحق والعدالة الانسانية.

كما ان اندماج مفكر وفيلسوف عظيم، كالشهيد السيد آية الله بهشتي في الثورة الاسلامية، هو دليل على عظمة الثورة الاسلامية الايرانية التي قام بها الامام الخميني(قدس الله سره)، وان هذه الثورة المباركة المتكاملة بذاتها، الى درجة انها استطاعت ان تجمع كل العظماء، والاقوياء، والاحرار، من ابناء الامة الايرانية، في طريق واحد نحو المجد، لبناء اعظم امة عرفتها المنطقة منذ الاف السنوات.

أمة لا يجوعها حصار أو توقف انتاجها العقوبات، او تمنع تطورها بعض الخصومات، لان احد اعمدتها هو فكر الشهيد بهشتي في السياسة والاقتصاد.

ان الشهيد بهشتي لم يكن فقط مفكراً وفيلسوفاً يطرح افكاره من خلف المكاتب أو على المنابر، بال حمل فكره ودمه وهبط ارض الميدان بحركة نضالية ثورية اسلامية علنية، ضد النظام البهلوي لمنع تأميم صناعة النفط في إيران، وتوعية الشعب ضد مظالم النظام البهلوي.

بل ان الشهيد بهشتي كان من أبرز الوجوه المعارضة لظلم الشاه، ومن الاوائل الذين التحقوا بثورة الإمام الخميني العظيم(رضوان الله عليه).

وقد نجح الشهيد بهشتي نجاحاً قل نظيره بعلم الادارة والنهوض بالكثير من المؤسسات الاسلامية، اضافة الى دوره بتنظيم التيارات الاسلامية التي ظهرت في الجامعات وبين الشباب والمثقفين الإسلاميين، حيث استطاع ان يدمج بين الجميع وان ينسق الخطوات ويوحد الصفوف ويوحد النخب، مما حول الجميع الى كتلة واحدة متراصة تعمل نحو تحقيق مصالح الامة الايرانية، ضد الاستعمار والظلم.

الشهيد بهشتي لم يكن اثره وتأثيره الفكري فقط في محيط الجمهورية الاسلامية في ايران، بل كان حالة عالمية، وقد تواجد الشهيد باكثر من دولة قبل ان يعود الى طهران عام 1970، حيث قدم الكثير من الحلول وبين وحذر من المتغير العالمي وتداعيات الراسمالية المتوحشة على استقرار العالم.

بعد عودته الى طهران عام 1970 وبالرغم من التضييق الذي مارسه نظام الشاه ومنعه من الذهاب الى قم، ووقف نشاطاته، الا ان صوت ونور وخضوع الشهيد اية الله بهشتي كان نوراً يجلب اليه كل طلائع الشباب والنخب لتلتف حوله وتستنير بفكره وعلمه، وتتبارك بحضرته.

والشهيد بهشتي كان حركة دائمة كفعل الطبيعة في الكون، وهو الثائر المفكر، لم يهدأ يوماً حتى انتصار الثورة، كان في التظاهرات، وكتابة المنشورات، وتحديد الشعارات، وتنظيم الاشخاص، ورسم سير التظاهرات، وهمزة الوصل بين الامام والامة ورابط الحركة الثورية المكافحة، وبين الشعب والحوزة والطلاب، وهو من اول الذين شكلوا مجلس الثورة في الجمهورية الاسلامية في ايران.

حقيقة كان الشهيد اية الله السيد بهشتي، رجل كل المناصب الذي احبه الشعب الايراني، الا انه كان دائماً حيث تريده الثورة الاسلامية ان يكون، فهو لم يتقدم لمنصب، كما لم يشغله منصب عن العطاء والعمل دون كلل او ملل، كان كل نفس يتنفسه او حركة يقوم بها هي لخدمة الشعب والثورة.

استشهد آية الله محمد بهشتي في 28 يونيو / حزيران 1981 للمیلاچ على إثر تفجير قامت فيه مجموعات ارهابية استهدفته في طهران أثناء انعقاد اجتماع لقادة الحزب. وأدّى ذلك إلى مقتل 72 مسؤولاً آخرين بالحزب الجمهوري الإسلامي منهم أربعة وزراء (هم وزراء الصحة، والنقل، والاتصالات، والطاقة)، وسبعة عشر عضواً في المجلس، والعديد من المسؤولين الحكوميين الآخرين.

نحن اليوم نتذكر الشهيد اية الله السيد بهشتي، لندين هذه العملية الارهابية الجبانة التي استهدفت احد اهم ركائز الامة الاسلامية، والتي حرمتنا من قامة ايمانية وفكرية، سياسية واقتصادية، خدمة للاستكبار الذي هزمته الثورة الاسلامية المباركة ببركة قيادات عظيمة وتاريخية منها الشهيد آية الله السيد بهشتي، رجل الدين وفيلسوف الدولة، وبصيرة لاستمرار امة.

وتستمر الثورة الاسلامية في الجمهورية الاسلامية الايرانية، ويستمر نورها وتعاظمها على العالم كله، ايران العظيمة وشعب ايران العظبم، ينجبون قادة عظماء كالشهيد اية الله السيد بهشتي.

captcha