ایکنا

IQNA

أشهر علماء المسلمين / 17

"مصطفى محمود" وجهود لفهم العلم والإيمان

16:40 - January 23, 2023
رمز الخبر: 3489628
طهران ـ إكنا: "مصطفى محمود" (27 ديسمبر 1921 - 31 أكتوبر 2009) هو باحث قرآني وفيلسوف وطبيب وأديب مصري مدّ جسوراً بين العلم والإيمان، تخلى عن الطب ليثري المكتبة الإسلامية بروائع المصنفات في الفكر والفلسفة والاجتماع والأدب، وظل على مدى نصف قرن ظاهرة فكرية وأدبية تثير الجدل والتفكير والتأمل.

ولد مصطفى كمال محمود حسين آل محفوظ المعروف بـ"مصطفى محمود" في 25 ديسمبر 1921 في محافظة "المنوفية" المصرية، وألف 89 كتاباً منها الكتب العلمية والدينية والفلسفية والاجتماعية والسياسية إضافة إلى الحكايات والمسرحيات وقصص الرحلات، ويتميز أسلوبه بالجاذبية مع العمق والبساطة.

ودرس وتعلّم العربية وتلاوة القرآن الكريم في الرابعة من عمره ثم بدأ حفظ القرآن الكريم، وكان يطلق على عائلته لقب الأشراف، وذلك لانتسابهم لآل بيت الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)، حيث يرجع نسبه إلى الإمام علي بن أبي طالب(عليهما السلام).

وكان الأصغر بين إخوته في أسرة من الطبقة المتوسطة في محافظة المنوفية، ثم انتقل مع عائلته إلى مدينة طنطا حيث كان والده يعمل موظفاً حكومياً، وسكنوا جوار مسجد السيد البدوي الذي يعد أحد مزارات الصوفية الشهيرة في مصر، مما ترك في نفسه أثراً واضحاً ظهر في توجهاته وأفكاره.

وكان والده كثير القراءة محباً للعلم، مجيداً للغة الفرنسية، يميل إلى المُثل العليا النبيلة والكمال الخلقي، بسيطاً محباً للخير والرحمة، ومنه تعلم مصطفى حب القراءة والعلم وتعلقه بالكتب، وتربى على الأخلاق الفاضلة والزهد والتواضع.

وبدأ في طلب العلم صغيراً، فقد التحق بالكتّاب في عمر لا يتجاوز الرابعة، إلا أنه لم يستطع الاستمرار، ثم التحق بمدرسة "الشوكي"، حيث حفظ كثيراً من القرآن الكريم، ودرس اللغة العربية والحساب.

وقد أظهر بعد هذه المرحلة تفوقاً شديداً، وبدأت مواهبه تظهر، وأصبح متعلقاً بجو الصوفية والموالد والأذكار والموسيقى المرافقة لها والناي، وبرزت لديه القدرة على ارتجال الحكايات وقص القصص على أقرانه، كما أطل في الأفق حبه للأسفار والارتحال، فاشترى ملابس كشافة، وكان منذ صغره يخرج للتخييم في مناطق قريبة.

وارتاد مدرسة طنطا الحكومية لإكمال دراسته الثانوية، وفي هذه المرحلة بدأت مواهبه الأدبية والشعرية بالتفتح، حيث كان يكتب القصص القصيرة والشعر والزجل، وبدأ بالعزف على الناي، كما أظهر ولعاً شديداً بالعلوم والتجارب العلمية، فكان يجمع مصروفه اليومي ليشتري مواد كيميائية، ويقوم بتجاربه الخاصة.

والتحق بكلية الطب في جامعة القاهرة، وزاد تعلقه بالعلوم وتطور إلى درجة قيامه بإنشاء معمل صغير في عام 1939 في منزل والده، فكان يصنع الصابون والعطور، ويقوم بتشريح الضفادع، ويستخدم الكلور في قتل الحشرات، وأغرق نفسه في التجارب المتعلقة بالكهرباء والبطاريات، كما قام بتنفيذ اختراعات لأجهزة مع صديق له،كجهاز التقطير والميكروفون وجهاز لقياس النبض، فكان يصمم الجهاز وصديقه يقوم بتنفيذه باستخدام مواد بسيطة.

وقد اشتهر بين زملائه بلقب "المشرحجي"، نظرا لاهتمامه الشديد بتشريح جثث الموتى، وقد اشترى نصف جسد ودماغاً ووضعها بالفورمالين لحفظها وعكف على دراستها في البيت، مما أدى إلى تحسسه من رائحة الفورمالين وإصابة جهازه التنفسي بالضرر.

وبقيت ميوله الموسيقية مرافقة لرحلته الدراسية، فتعلم في هذه الأثناء العزف على العود، وتعلم النوتات الموسيقية، وكان يشارك في الأفراح والحفلات، ولما رفضت عائلته هذه البيئة ترك المنزل وبدأ عمله في صحيفة "النداء" ليكسب رزقه.

أصيب بمرض في صدره في السنة الثالثة من دراسته الجامعية، مما اضطره إلى ترك العمل والدراسة والمكوث في مصحة لمدة 3 سنوات، هذه العزلة سلمته للقراءة والتفكير والتأمل، مما أثر في تكوينه الفكري، وبدأ بكتابة القصة القصيرة.

وبعد أن تعافى عاد من جديد إلى مقاعد الدراسة، والتي بدت له بعد هذه السنوات الثلاث قاسية وتحتاج إلى مجهود مضن، وكان أصدقاؤه قد تخرجوا وتركوا الجامعة، فركز على دراسته حتى استطاع أن يتخرج من كلية الطب – تخصص أمراض صدرية عام 1953، ولكنه بقي متعلقا بالأدب، فكان ينشر بين الحين والآخر في الصحف والمجلات بعضاً من مقالاته وتأملاته وقصصه القصيرة.

ومرض والده وأصيب بالشلل عدة سنوات وتوفي عام 1939، حيث أكمل مصطفى محمود دراسته الثانوية ودخل كلية طب قصر العينى جامعة القاهرة وتخصص في جراحة المخ والأعصاب.

حيث انتقل مع والدته من طنطا إلى القاهرة وانقطع عن الدراسة سنتين بسبب مرضه، أمضاهما في المطالعة والتفكير في موضوعات أدبية، فامتهن الكتابة في سنوات دراسته الأخيرة وكانت تنشر له القصص القصيرة في مجلة "روز اليوسف"، وقد عمل بها لفترة عقب تخرجه عام 1953، مما دفعه لاحتراف الكتابة.

وقام الدكتور مصطفى محمود بإنشاء مسجد في القاهرة باسمه هو "مسجد مصطفى محمود" عام 1979م ويتبع له "جمعية مسجد محمود" والتي تضم "مستشفى محمود" و"مركز محمود للعيون" ومراكز طبية أخرى إضافة إلى مكتبة و متحف للجيولوجيا وآخر للأحياء المائية ومركز فلكي.

وفي عام 1971 بدأ بتقديم برنامجه "العلم والإيمان" هو برنامج تلفزيوني قام بتقديمه لـ28 سنة في التلفزيون المصري، وكان يهدف إلى تناول العلم على الأسس الإيمانية، البرنامج وصل إلى درجة كبيرة من الشهرة وقدم الدكتور مصطفى محمود أكثر من 400 حلقة على مدار 28  سنة.

وكان موهوباً في الطب وعلم وبعد أن أصبح طبيباً أصبح لديه الكثير من التساءلات حول الحياة والموت وحقيقة الوجود حتى انتهى به المطاف إلى خوض البحث في القرآن الكريم والعلاقة بين العلم والإيمان.

وأبرز كتاباته "القرآن محاولة لفهم عصري" الصادر 1970 حيث بحث في القرآن الكريم ليعيد فهم الخلق والإجبار والاختيار والحلال والحرام من منظور القرآن الكريم، كما أن "الله والإنسان"، "لغز الموت"، "المستحيل"، "أينشتاين والنسبية"، "رحلتي من الشك إلى الإيمان"، "حوار مع صديقي الملحد"، "لماذا رفضت الماركسية؟"،  "أكذوبة اليسار الإسلامي"، "الإسلام ما هو؟"، و"العنكبوت"،  "المسيح الدجال" تعدّ من أهم وأبرز مؤلفاته الأخرى.

وأصيب بجلطة في آخر أيام حياته، واستمرت رحلة علاجه عدة أشهر، حتى وافته المنية يوم السبت 31 أكتوبر/تشرين الأول 2009 في مدينة القاهرة بمصر، عن عمر ناهز 88 عاما، وشيع جثمانه من مسجده في جنازة مهيبة.

captcha