وسورة "الغاشية" المبارکة هي السورة الـ 88 من القرآن الکریم ولها 26 آیة وتصنف في الجزء الـ 30 من المصحف الشریف وهي سورة مکیة وترتیبها الـ68 بحسب ترتيب نزول السور علی رسول الله (ص).
أمّا من حيث سبب التسمية فقد سميّت سورة الغاشية بهذا الاسم لورود لفظة الغاشية في بداية السورة في قول الله تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} والمقصود بالغاشية يوم القيامة فهو اسمٌ من بين أسمائها العديدة، وقد دلّ لفظ الغاشية على شدّة أهوال يوم القيامة فمن شدّة أهوالها تغشي على أبصار الناس وتغطيها، والاستفهام في بداية السورة يضفي طابعاً إضافياً من التهويل.
وتتناول سورة الغاشية اليوم الآخر ومصير الناس وأحوالهم في هذا اليوم المهول، فالناس يومئذ قسمان، وجوه ذليلة متعبة من كثرة العمل الذي يشقيها ويتعبها في النار الحامية، فلا تأكل إلَّا من النار ولا تشرب إلَّا من النار، ووجوه ناعمة راضية في جنان الخلد ونعيم الله تعالى، هانئة راضية فرحة، لها من النعيم السرر والوسائد الفاخرة.
وتوجه الآيات الدلائل المرئية لوحدانية الله وقدرته العظيمة بطريقة الاستفهام، فتسأل هل نظر الكافرون والمشركون إلى الإبل كيف خلقت والسماء والجبال والأرض كيف وجدتْ دون خالق لها، ثمَّ يخاطب الله تعالى رسوله(ص) ويأمره بتذكير الناس وتحذيرهم من العذاب الأليم، فمن كفر فعذاب الله بانتظاره، فكلُّ الناس مصيرهم ومرجعهم إلى الله تعالى.
ونزلت هذه السورة لتعرَّف الناس على أهوال يوم القيامة، ولتبين لهم عاقبة المكذبين ومصيرهم ومصير المؤمنين أيضًا، كما أن هذه السورة بيَّنتْ مصير المؤمنين من النعيم يوم القيامة، لذلك يمكن اعتبار سبب نزولها هو تعريفها الناس بمصائرهم، وقد جاء في سبب نزول قوله تعالى في سورة الغاشية: "أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ".
وتتحدث السورة عن وصف الناس في الغاشية وهي يوم القيامة، حيث ينقسم الناس إلى فريقين: السعداء والأشقياء، كما تدور السورة على ثلاث محاور:
الأول: بحث المعاد، وبيان حال المجرمين بما فيه من شقاء وتعاسة، ووصف حال المؤمنين وهم ينعمون بنعيم لا ينفد.
الثاني: بحث التوحيد، حيث يتناول موضوع خلق السماء والجبال والأرض.
الثالث: بحث النبوة، مع عرض لبعض وظائف النبي(ص).
وتشير الآية الـ17 من سورة "الغاشية" المباركة "أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ" الى كيفية خلق الابل، وفي هذه الآية الكريمة يخص الله سبحانه وتعالى ـ الإبل من بين مخلوقاته الحية، ويجعل النظر إلى كيفية خلقها أسبق من التأمل في كيفية رفع السماوات ونصب الجبال وتسطيح الأرض، ويدعو إلى أن يكون النظر والتأمل في هذه المخلوقات مدخلاً إلى الإيمان الخالص بقدرة الخالق وبديع صنعه.
والآية الكريمة "أَفَلَا يَنظُرُونَ إلى الْإِبِلِ" أفلا صيغة استفهام إنكاري، وهي أفضل صور الحث على النظر، وعلى إعمال البصر، والعقل والقلب للوصول إلى ما عليه الإبل من خلق بديع. وفيها دعوة للنظر إلى الإبل بما هي عليه من الخلق البديع من عظم جثتها ومزيد قوتها وبديع أوصافها، فقد خلقت جميلة جداً، فهي تبهرك حين تمشي وحين ترد الماء وحين تبرك.
وكان الإنسان يسافر ويحمل أثقاله على الإبل، ومنها يشرب ويأكل ومن أوبارها وجلودها يلبس وينزل، ولها خصائص مهمة، فهي على قوتها وضخامتها وضلاعة تكوينها ذلول يقوده الصغير، فتقاد وهي على عظم نفعها وخدمتها قليلة التكاليف، مرعاها ميسر، وكلفتها ضئيلة، وهي أصبر الحيوان المستأنس على الجوع والعطش والكدح وسوء الأحوال، فالإبل من إبداع الخلاق العليم المتفرد بصنعته التي تدل عليه وتقطع بوجوده، ولها أسرار في خلقه.
تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي:
twitter