وأصدر الكاتب الجزائري والباحث في الدراسات القرآنية "الدكتور نور الدين أبو لحية" أربعة أجزاء من تفسير يحمل عنوان "المعتبَر في التفسير بالأثر"، وهو كتاب يضمّ عشرين جزءا، يحاول ـ كما يذكر الكاتب في مقدمة الكتاب ـ أن يجمع ما ورد عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وأئمة الهدى والصحابة والتابعين وغيرهم من تفسير للقرآن الكريم، أو تفصيل لمعانيه، مما يندرج ضمن ما يُطلق عليه [التفسير بالمأثور].
وهو يذكر أنه يندرج ضمن سلسلة بعنوان [القرآن والمتدبرون]، تحاول أن تجمع الفهوم والتدبرات المختلفة للقرآن الكريم، وبتصنيفاتها المختلفة، وقد بدأ بهذا الكتاب لأن أولى الفهوم والتدبّرات هي تلك الواردة عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) أو أئمة الهدى أو السلف الأول من الصحابة والتابعين، إما باعتبارها فهوما معصومة، أو باعتبارها فهوما قريبة من الزمن الذي نزل فيه الوحي، وبذلك تكون أقرب للمراد القرآني من غيرها، وهذا لا يعني إلغاء غيرها؛ فالقرآن يتسع للجميع، للسابق واللاحق.
ويذكر من أهدافه من الكتاب كذلك الردّ على الانحرافات والأخطاء التي وقعت في فهم القرآن الكريم، والتي بدأت من ذلك العصر، حيث تسلل للتفسير الكثير من القصص والخرافات والأساطير والمعاني التي لا علاقة لها بالقرآن الكريم ومعانيه المقدسة، ولذلك كان التعرف عليها ضرورياً، لحماية المعاني القرآنية من سوء الفهم، والتعرف على جذور ذلك.
والمنهج الذي يعتمد عليه الكتاب هو تقسيم آيات كل سورة إلى مقاطع بحسب معانيها، وإعطاء عنوان متناسب معها، ومع الموضوع الذي تحويه، ثم بيان ما ورد في تفسير تلك الآيات الكريمة من الأحاديث والآثار، أو ما يمكن أن تُفسر به حتى لو لم يرد في كتب التفسير، ما دامت خادمة للمعاني الواردة في الآيات الكريمة أو مؤكدة لها، أو مبينة لكيفية تنفيذها.
وهو يذكر أنه يختلف مع الذي يذكرون أن أكثر الأحاديث الواردة في التفسير هي ما ورد عن ابن عباس ومجاهد وقتادة وغيرهم، ويرون قلة ما ورد عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) أو أئمة الهدى في ذلك، لأنهم يقصرون التفسير على شرح المفردات اللغوية، أو أسباب النزول، أو المعاني الظاهرة من الآيات الكريمة دون الأعماق والتفاصيل المرتبطة بها، والتي ورد توضيحها في الأحاديث الكثيرة، والتي تشمل معظم ما ورد في السنة المطهرة.
وبذلك يمكن أن يُفهم قوله تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُون﴾ [النحل: 44]، فمعاذ الله أن يكون رسول الله(ص) قد قصّر في ذلك التبيين، وهو الذي قضى حياته كلها مفسراً للقرآن الكريم، إما بسلوكه العملي، أو بشرحه القولي من خلال توضيح المعاني الكثيرة الواردة في القرآن، وإن لم ينص على ذلك صراحة.
وهكذا الحال مع أئمة الهدى الذين أخبر رسول الله(ص) أنهم لا يفترقون عن القرآن؛ فكل أحاديثهم الصحيحة المعتبرة هي في الحقيقة تفسير له.
وبناء على هذا، قسّم الأحاديث والآثار الواردة في تفسير كل مقطع إلى:
1. الآثار المفسرة
ويقصد بها الآثار التي تفسّر الآيات الكريمة، وتبين معانيها، والوارد أكثرها عن ابن عباس أو ابن مسعود وغيرهما من الصحابة، أو الوارد عن تلاميذهم من التابعين وتابعيهم.
وقد ذكر أنه اعتبر أكثر تلك الفهوم الواردة في هذا النوع من التفسير، من غير أن يرجح بعضها على بعض كما يفعل المفسرون عادة، وذلك لأنها فهوم لا تتعارض مع القرآن الكريم، أو أنها فهوم تختلف من جهة المصاديق، لا من جهة المعاني، والقرآن الكريم أوسع من أن يُحاط به.
2. الآثار المفصلة
ويقصد بها الآثار التي تفصّل ما ورد في الآيات الكريمة، أو في المقطع الموضوعي المرتبط بها، أو تؤكده، أو تبين الأحكام المرتبطة به، وقد قسم الأحاديث والآثار الواردة في هذا القسم إلى عناوين متناسبة مع المواضيع الواردة في المقطع، فمثلا عند ذكر الآيات الكريمة التي تتحدث عن الصبر، يذكر ما ورد في الأحاديث والآثار عن فضل الصبر، أو الأحكام المرتبطة به.
3. الآثار المردودة
ويقصد بها الآثار التي لا تتوافق مع المعنى القرآني، أو تصرف عن فهمه الفهم الصحيح، أو تتعارض معه معارضة مباشرة، أو تعطّله، أو تلغي بعض معانيه، أو تربطه بالخرافة والدجل، وغيرها من الاعتبارات التي اعتبرناها سببا للرد.
وذلك بناء على أن كل تلك الأسباب هي في حقيقتها مخالفة واضحة للقرآن الكريم، وذلك وحده كاف لرد الأثر، من غير اهتمام بما ورد في إسناده، وذلك تطبيقا لما ورد في الأحاديث والآثار الكثيرة، وفي المصادر المختلفة عن وجوب عرض كل شيء على القرآن الكريم، كما قال تعالى: ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيه﴾ [البقرة: 213].
وأنكر على المخالفين لهذا، فقال: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُون﴾ [آل عمران: 23].
بالإضافة إلى ذلك، فقد ذكر أن دور رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) مرتبط ببيان القرآن الكريم، إما عبر تأكيد ما ورد فيه، أو بيان كيفية تنفيذه، وبذلك فإنه يستحيل أن يتعارض الشرح مع المشروح، لأن كليهما وحي إلهي، وقد قال الله تعالى: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾ [النساء: 82].
وننبه في الأخير إلى أنه يمكن تحميل الكتاب الجديد من موقع المؤلف ـ كسائر كتبه ـ وهذا رابط الكتاب:
https://www.aboulahia.com/c148.html
أو من خلال تطبيقه المجاني، والذي يحوي هذه السلسلة وغيرها من كتبه القرآنية، وهو على الرابط التالي:
https://play.google.com/store/apps/details?id=com.aboulahia.noure
بقلم الباحثة الجزائرية "نورا فرحات"
تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي: