وقال ذلك، الدكتور "إدريس هاني" في الكلمة التي ألقاها الأربعاء الماضي 23 أغسطس الجاري عبر تقنية الاتصال المرئي في الندوة الدولية التي نظّمها معهد أبحاث الثقافة والفكر الاسلامي في إیران بالتعاون مع وکالة الأنباء القرآنية الدولية(إکنا) تحت عنوان "الإستراتيجيات السياسية لخطاب الأربعين في الساحة الدولية".
فيما يلي نص كلمة الدكتور ادريس هاني:
"اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا اَبا عَبْدِاللهِ وَعَلَى الاَْرْواحِ الَّتي حَلَّتْ بِفِنائِكَ عَلَيْكَ مِنّي سَلامُ اللهِ اَبَداً ما بَقيتُ وَبَقِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَلا جَعَلَهُ اللهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنّي لِزِيارَتِكُمْ، اَلسَّلامُ عَلَى الْحُسَيْنِ وَعَلى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَعَلى اَوْلادِ الْحُسَيْنِ وَعَلى اَصْحابِ الْحُسَيْنِ.
وعلى أعتاب ذكرى أربعينية إستشهاد أبي عبد الله الحسين(ع)، هذا الحدث العظيم الذي كان قد دبّر بليل وأريد له أن يكون في جنح الظلام، ولكن شاء الله والقدر أن يكون الامام(ع) شهيداً وهو أكبر فضيحة في التاريخ وهي التي شكّلت المنعطف الاعظم لأن الامام الحسين(ع) ليس مسألة شخصية بل له قيمته ووزنه العظيم في وجدان الامة.
والاشخاص الصالحون والأحرار هم الذين يجعلون من أنفسهم مهمة تاريخية وهذه المهمة هي التي ترشح العظماء، فهناك تبادل جدلي بين الشخص والمهمة التاريخية، هذا موضوع كبير جداً كيف للفرد أن يغير التاريخ؟ نعم حينما يتحلى بالإرادة التي تحبط كل الخطط التي يمكن أن تجعل التاريخ يسلك مسلكاً مختلفاً.
ويقول البعض انه قُتل الكثير من الانبياء والرسل، لماذا الامام الحسين(ع)؟ فالاشخاص الذين يستقبلون هذا القول يجب أن يمتلكوا عناصر مهمة جداً، الامام الحسين(ع) مهم لعظمته وبأنه ينتمي إلى بيت الشرف وبيت الأطهار ثم يكون الحدث بعد ذلك، أن الحسين(ع) أكسب مهمته كشخص قيمته كما أكسبته القضية أيضاً سيمة جعلت منه رائداً في التاريخ الاسلامي.
يكفي أنه أوقف تاريخ بني أمية لأنهم كانوا يريدون تهريب التاريخ وقضاياه ومحتواه وكانوا على علاقة مع البيزنطين علاقة مشبوهة جداً، لأن الجيش الذي حارب الامام(ع) كان مجهزاً لكي يواصل معاركه وهذه المؤامرة العظمى على التاريخ ردّ عليها الامام الحسين(ع) "إنّي لَم أخرُجْ أَشِراً و لا بَطِراً" يعني لم يكن خارجاً لمقايس سياسية حكم أو سلطة بل خرج للإصلاح في أمة جده وتحدث عن جده لأنه الرسول(ص). هؤلاء امتزجوا مع هذا الدين وأصبحت شأنية الدين هي شأنيتهم.
والمسألة ليست القضية أن الحسين(ع) مثل بعضه في شأنيته وأمام هذا التهريب يقف الامام الحسين(ع) ليعيد الإسلام إلى حقه، إن هذا البيت الطاهر العظيم استهدف بما معناه التعذيب، والقهر، والاستهتار وهذا الاستهتار بالبيت النبوي هو استهتار برسالة محمد(ص) ولا ننسى يزيد ما ابتكره ألواناً من الجحود (ليت اشياخي ببدر شهدوا) هذه القصيده كلها تؤكد على التآمر ما كانوا يحملوه على الاسلام، والمهم أن هذه الشعوب العظيمة التوابة التي بعضها لم يشهد هذا الحدث لكنه توارت المآساة وأبقاها في مشاعره طرية وفي ضميره وأحاطها بكثير من الطقوس والشعائر ونقلوها لنا بحسب سياقاتهم وأذواقهم.
اليوم بالمنظور الاستراتيجي والدولي على قضية الامام الحسين(ع) أن ترقى إلى أن تصبح عالمية، هذا الحدث يرتبط بالقيم الانسانية، وبالعدالة، وبالحرية، وبالاصلاح. هذا العالم اليوم هو أحوج ما يكون إلى رسالة الحسين(ع) الطاهرة الشجاعة البينة النظيفة الحقيقة التي يحملها الفرسان وليست الحقيقة التي يعبث فيها العابثون، الحسين(ع) بهذه المشهدية العظيمة هو الان خلد في التاريخ والان ينبغي ويجب أن نرقى نحن أيضاً بأن نجعل من هذه الذكرى هي الذكرى لمطلبية شعوب العالم التي تطوق إلى الحرية والعدالة في صميم المنظومة الصالحة الكاملة.
وهذا لا يتوقف علينا أن نكون إيجابيين وأن نوحد الرموز والدلالات حتى عندما نقدم قطعة فنية لها أذواق وتاريخ يجب على خبراء هذه الامة ومفكري وعلماء الامة أن يرقوا بقضية الحسين(ع) ونحن في الأربعنية إلى خطاب يفترض متلقياً عالمياً بكل ما تنطوي عليه العالمية اليوم من أزمات ومشاكل كبرى.
وأعتقد أن الحسين(ع) هو أفضل نموذج يمكن أن يقدّمه الانسان للعالم لأنه الرجل الشريف النبيل الذي ضحّى تضحية أسطورية من أجل القيم الكبرى أي الحرية "فكونوا أحراراً في دنياكم هذه، وارجعوا إلى أحسابكم إن كنتم عرباً كما تزعمون" يمكن أن نقول كونوا أحراراً إن كنتم حدثيین تنوريین لانه بالفعل وجدنا أن العالم يتجه إلى الباب المسدود فقط انما أصبح بحالة انحدار وانحطاط إلى المشاعر المظلمة في كائن له قابلية أن يكون حيونياً يستمتع بأنه كلب بشري انه انسان لاشيئ يستمتع بالمنبوذية.
فمن لهذه الامم الضالة أن يرفعها نحو الحرية والعدالة بعنوانها العظيم الذي وجدناه في كل مفرق من مفارق هذا الحدث العظيم الحسيني نسميه الكرامة حين تنفلت الحرية عن الكرامة والعدالة عن الكرامة وكل قيمة من القيم عن الكرامة هي المحدد الأسمى بالمفهوم القرآني "وكرمنا بنى آدم" فاننا لا نستطيع أن نفلح حينما نجزئ القيم ونجعلها تتحرك باستقلالها عن بعضها البعض.
إن الكرامة هي عنوان حركة الحسين (ع) وفي هذه الاربعنیة نتمنى أن ننتقل من مجرد التكرار لانه مهم جداً من الناحية التربوية ولكن علينا أن نصب كل مرة بعضاً من صبيب ابداعاتنا وابتكاراتنا لكي نجعل هذه المناسبة عظيمة بالفعل ومفيدة بالفعل وجادة بالفعل ولا تكون فقط ذكرى لنا بل ذكرى للعالم بل ذكرى للمجد والحرية للعالم.
المزيد من التفاصيل بالفيديو المرفق..