ایکنا

IQNA

القرآن الكريم وفتح كربلاء

14:14 - September 20, 2023
رمز الخبر: 3492760
بيروت ـ إكنا: إن الإمام الحسين(ع) هو الناطق بالقرآن وهو المعبّر عنه، فكانت كربلاء خير تعبير للحق في مواجهة الباطل بل هي أحسن تأويل لما خصّ به هذا الدين من فتوحات في الدين والدنيا.

ولقد ميّز القرآن الكريم بين أن يكون للناس فتح، وبين أن يكون لهم حظّ أو نصيب، فقال تعالى"ٱلَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ ٱللَّهِ قَالُوٓاْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ وَإِن كَانَ لِلْكَٰفِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوٓاْ أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُم مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ…".فالآية كما نلاحظ ناظرة إلى حقيقة المنّ الإلهي على المؤمنين بأن خصّهم بالفتح الذي لا انقطاع له بل هو ممتد من الدنيا إلى الآخرة بخلاف نصيب الكافرين الذي ينقطع بأهله.

ولهذا نجد الخصوصية القرآنية في استخدام هذه المفردة، بين أن تكون فتحاً قريباً أو فتحاً مبيناً،كما جاء في سورة الفتح وهي خصوصية يتميز بها أهل التقوى في ما يؤدونه من أعمال وجهاد وصبر على مكاره الحياة! فأهل التقوى والإيمان لايبحثون في حياتهم عن مجرد انتصارات تكون لهم في ميادين الحياة، بل يطمحون دائماً إلى أن تكون لهم الفتوح الموصلة بهم إلى الرضوان الإلهي.

فقد يكون لهم النصر هنا أو هناك، ولكن تبقى ضمانة الفوز لهم التحقق بالفتح على المستوى الوجودي، وذلك لما يعنيه الفتح من تحول بنيوي في الفكر والمعرفة بحيث يكون للإنسان تجوهره الشامل سواء في حياته الواقعية(المادية) أو في حياته الروحية والمعنوية.

فالنصر له جنبة من ذلك الفتح،كما قال تعالى:"لقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة…".أما فتح مكة فكان فتحاً مبيناً، ولم يكن مجرد نصر على الجاهلية، بل فتح أحدث تحولًا هائلاً في بنية المجتمع القرشي،وأخرجه عن كونه مجتمعاً يتعايش بالصنمية والوثنية ليكون مجتمعاً مختلفاً في نظرته إلى السلطة والمال والعمل فضلاً عن اختلاف النظرة إلى الكون والحياة والإنسان!


فكل فتح هو نصر وليس كل نصر فتحاً، ولهذا نجد الآيات المباركة دائماً تجمع بين النصر والفتح،كما في قوله تعالى "نصر من الله وفتح قريب.."، وقوله تعالى:"إذا جاء نصر الله والفتح…"،فالآيات ناظرة إلى ضرورة أن لايتوقف الإنسان عند حدود الانتصار بل يجب متابعة الجهاد والعمل والبحث لتحقيق المجتمع بالفتح المبين بما هو تغيير شامل في بنى الاجتماع البشري.

وتأسيساً على ذلك نرى أن رسول الله(ص) وأهل بيته يركزون على معنى الفتح في البيان القرآني، ويترسمون خطى هذا الفتح بما هو تواصل في حركية الحياة بكل امتداداتها المادية والروحية في إطار من الوعي الشامل لهدفية الخلق والوجود، فإن يعطى الفتح لأمة، فذلك إنما يمكن تعقله في سياق شمولية الرؤية للحياة، وهذه لا توفرها إلا كمالية الرؤية في الموقف الديني والتشريعي على نحو ما بين القرآن في آية كمال الدين وتمام النعمة، وهذا ما يوضحه الإمام الحسين(ع) وهو في الطريق إلى كربلاء بقوله(ع): "بنا فتح الله وبنا ختم…".

فلو تدبّرنا جيداً في مدلول كلماته لتبين لنا أن عنوان كربلاء هو الفتح المبين لأن حركة الوجود وبناء الحياة المتوازنة والهادفة لاتستوعب أن يسمع الإمام(ع) لنصائح الناس في عدم الخروج للإصلاح في الأمة أو أن يكون الحسين (ع) واحداً من هذه الأمة ينتظر تقرير مصيرها من معاوية أو يزيد أو مروان!‌ فالحسين(ع) يتحدث عن فتح إلهي بدأ بالرسول(ص) وأهل بيته وينتهي بهم، فلامكان للمهادنة في أمر يتعلق بمصير أمة ودين وقيم.

فمن هو مثل الحسين(ع) لايسعه أن يستكين لتكون كل فتوحات النبوات والأولياء والأوصياء في مهب الريح الأموي! فجده رسول الله وخاتم النبيين وقد كملت الشريعة بجعلهم خلفاء وأمناء على الدين والدنيا؛ فكيف لا تكون للحسين(ع) تركيزاته وتأسيساته لضمانة استمرار فتوحات جده في ما أرساه من قواعد وحققه من أهداف، وخصوصاً تلك الأهداف التي تُعنى بكرامة الإنسان بعدما أظهره الإسلام بحلته الجديدة! ألايعلم أهل العلم أنه مع فتح محمد(ص) قد استدار الزمان كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض؟!

ألايعلمون أنه من غير الممكن إطلاقاً أن يحسب الحسين(ع) على تاريخ المسلمين، فهو مؤسس في هذا التاريخ وله معناه في تاريخ القرآن، ومعنيُ قبل غيره بخطاب الاستقامة الإلهية، وبأن لايقبل بالطغيان ولا بالركون للظالمين، فما بالنا نتحدث عن عاشوراء وكأنها مجرد معركة في التاريخ بين سلطة ومعارضة،ساهين عن جوهرية الفتح الإلهي فيها؟ فإذا كانت غزوات الرسول(ص) كلها قد أسست لفتح مكة،فإن كربلاء جاءت لتحفظ كل نتائج هذه الغزوات،وتعطيها معناها إلى يوم القيامة،ويمكن لأي باحث أن يتخايل أو يتوقع ما كان يمكن أن تجري عليه الأمور لو استمع الإمام الحسين(ع) لمن نصحوه بعدم الخروج! وماذا كان يمكن أن يحصل  لو لم تحدث كربلاء؟! إن أكثر ما يؤلم في حياتنا المعاصرة هو تحويل كربلاء إلى محطة مذهبية أو طائفية،فهذا أسوأ ما يمكن قراءته أو تصوره ممن يتسمون بأهل البحث العلمي!

فالحسين(ع) جسّد في نهضته فرقاناً قرآنياً عظيماً يمتد به من مبدأ الفتح إلى ختامه، ولهذا هو (ع) قال:"من لم يلحق بنا لم يدرك الفتح…"،وهنا يحق لنا أن نأسف لكل ما يشوب إحياء هذه الذكرى من مظاهر وسلبيات لا تليق بها، ويبقى على كل مسلم أن يعي دوره ومسؤوليته في اختيار ما يناسب للدخول في ضمير هذه النهضة الحسينية، وعدم الركون إلى البحوث المذهبية التي تريد إقصاء كربلاء عن معناها القرآني لتجعل منها مجرد رؤية واختيار بشري في الحياة! فالحسين(ع) هو الناطق بالقرآن وهو المعبر عنه، فكانت كربلاء خير تعبير للحق في مواجهة الباطل بل هي أحسن تأويل لما خص به هذا الدين من فتوحات في الدين والدنيا.

بقلم الأكاديمي والباحث اللبناني "الدكتور فرح موسى" 

تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي:

twitter

captcha