ایکنا

IQNA

الفراغ العلمي والروحي ومزايا إبليس

14:53 - May 19, 2024
رمز الخبر: 3495650
بیروت ـ إکنا: بعد أن استبان لإبليس أن استكباره وعدم سجوده لآدم قد حال بينه وبين عزة المقام والقرب من الله تعالى، حاول تعويض نقصانه وترجمة معصيته بقياسه الجاهل، وقسمه المتكبر، وتعصبه لأصله.

کتب الدکتور فرح موسی مقالا عن «الفراغ العلمي والروحي ومزايا إبليس» (بين نار إبليس والطين الآدمي) فیما یلی نص المقال:

بعد أن استبان لإبليس أن استكباره وعدم سجوده لآدم قد حال بينه وبين عزة المقام والقرب من الله تعالى،حاول تعويض نقصانه وترجمة معصيته بقياسه الجاهل،وقسمه المتكبر،وتعصبه لأصله،فقال:"أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين.."،وهكذا،هو حال ذرية إبليس دائمًا من الجنة والناس،أنهم يتعصبون لإصولهم،ويعوضون الهزائم النفسية والروحية بما يليق بجهلهم وغرور أنوفهم!وقد لا يتنبّه هؤلاء إلى أن موقف الاختبار في الجنة الأرضية حيث كان الامتحان الأصعب لآدم،لم يكن سوى الموقف التجريبي الأول في مسيرة الاختبار البشري؛إذ امتحن آدم بالأمر والنهي الإرشاديين،وكانت النتيجة المعصية والخروج من الجنة،كما قال تعالى:"لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة..".

وهنا نلحظ حقيقة الربط المحكم بين الافتنان والخروج،إذ لم يقل كما افتتن أبويكم،لأن الحكمة الإلهية اقتضت أن تكون لآدم تجربة الخضوع للمنهج الإلهي.ولا شك في أن هذا الاختبار إنما كان بهدف إغناء التجربة الآدمية في جنة الإرشاد والتوجيه،تمهيدًا للأمر المولوي الذي بيّنت الآيات أن عاقبته هي الخروج من عالم التكليف إلى الخلود في الجنة،أو في النار،بحسب ما يكون عليه الموقف والالتزام بالأمر الإلهي المولوي،كما قال تعالى:"قلنا اهبطوا منها جميعًا فإما يأتينكم مني هدًى فمن تبع هدايَ فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون..".

لقد تم الخروج من عالم التجربة إلى عالم التكليف،لما أشرنا إليه من أن أصل الاختبار هو أن تكون للإنسان تجربة ومنهج إلهي،وقد جاءت مقدمات هذا المنهج في معترك الامتحان الأول لتؤسس لمرحلة الهبوط إلى الأرض بعد تحقق الوعي الآدمي وظهور التوبة الخالصة إزاء ما تعرض له آدم من امتحان ومعصية!وهذا ما ينبغي التنبه له في عالم التكليف،بحيث يعي الإنسان أن منهج ما قبل الهبوط يختلف عن منهج التكليف الأرضي،خصوصًا بعد العلم بالمعصية والذهول عن المكيدة الإبليسية،فإذا لم يحذر الإنسان هذه المكيدة في عالم التكليف،فلا يكون قد استفاد من مقدمات المنهج وتحقق التجربة في عالم الإرشاد،ولامن امتحان المنهج التكليفي ما يؤدي به إلى مزيد من الانكشاف في واقع الهدي الإلهي الضامن لعدم الخوف والحزن.

فعالمنا هو عالم الامتثال،ولا بد من العقل عن الله تعالى في ما خصّنا به من منهج ،وإلا كان البديل لذلك هو الامتلاء مجددًا بعصبية إبليس وجهله،فتأخذ الإنسان العزة بالإثم،وينطوي على مزيد من الخواء الروحي،الذي يعتبر ملاذًا للإغواء الإبليسي،في الوقت الذي يتوهم فيه الإنسان لنفسه حقيقة الامتثال للمنهج الإلهي!فتقع منه المعصية ويفسد في الأرض وهو يحسب أنه يحسن صنعًا!!!

لذا،فإن ما ينبغي الحذر منه دائمًا هو الفراغ العلمي والروحي الذي يعتبر ركيزةً ومدخلًا أساسيًا لعبث إبليس في حياة الناس لصرفهم عن تكاليفهم، أو للتهوين عليهم بها للإيقاع بهم وحملهم على المعصية،فبدل أن يكون التنافس على القرب من الله تعالى،يتحول الأمر ،ليكون زهوةً إبليسية في مخالفة منهج الله تعالى،وهذا هو عين السقوط في المعصية؛وكم هو لطف الله عظيم بعباده،أنهم أعطوا  فرص التحقق والفوز بالمنهج الإلهي في عالمي الإرشاد والمولوية ،ثم كان منهم هذا السقوط في العصبة الشيطانية!؟

فإبليس يطمع أن تكون له فراغات علمية وتقوائية ليحول بين الناس وبين فوزهم بالقرب الإلهيي،لأن التقوى ،وكذلك العلم.هما الأساس لانبعاث النور من الأنفس الإنسية،وكلما قويت حالة النور،كلما تكاملت الحالة الروحية،وتوطدت العلاقة مع المنهج الإلهي،وهذا ما من شأنه أن يشكل إعاقة أمام المسعى الإبليسي للنيل من الإنسان،فلا تكون لديه إمكانية الفوز بقسمه،كما قال:"لأغوينهم،لأضلنهم،لأحتنكن ذريته،إلى غير ذلك مما توعد به إبليس ذرية آدم!هذا وقد أجمع العلماء على أن كثافة الطين الآدمي،إن لم تصهر بالعلم والتقوى،لتكون نورًا وكدحًا إلهيًا،فلا تلبث النار الإبليسية أن تؤثر فيها!ويمكن لنا التحقق من ذلك بما تفيده التجربة بلحاظ كون الطين وكثافته تتأثر بالنار وخفتها كلما اقتربنا منها،ألسنا نشعر بلفح النار لحظة التوهج بها،إلا أن تكون نورًا،فنقول:"بورك من في النار ومن حولها..".

إن العلم والتقوى ،وكذلك صدقية الامتثال للمنهج الإلهي،كل ذلك كفيل بأن يقتل الحمية الجاهلية والعصبية الإبليسية،ما يجعل هذا الشيطان الرجيم عاجزًا عن أن يلحق الأذى بمن اختار منهج الكدح إلى الله تعالى.ولسنا نعجب إلا من أولئك الذين انتفخوا حتى تورموا بالكبرياء الشيطاني،فتدّلوا بالغرور ،وتنافسوا في الفراغ الروحي والمعنوي،ليكون لهم زخرف القول وحيًا!!فهؤلاء أبلسوا في كل مواقع الاختيار والامتحان،وفازوا بغضب الله تعالى،بعد أن تردّت أرواحهم،وأخلدوا إلى الأرض بسوء اختيارهم،وقد توعدهم الرحمن أن يكونوا لجهنم حطبًا بما فازوا به من الإبلاس والإياس،وما أكثر هؤلاء،لقوله تعالى:"قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين..".والسلام.

تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي:
captcha