
ورُوِيَ عن
الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "مَنْ كانَ مَقْصَدُهُ الْحَقَّ لَمْ يَفُتْه وَإِنْ كانَ كَثيرَ اللَّبْسِ"
.
من أخلص نيته في طلب الحق ومعرفته، وسعى بدَأَب وجِدًّ وراءه فلا بد وأن تنجلي غياهب الأمور، وتزول الإلتباسات بين يديه، ويبلغ مقصده النبيل ويفوز بمعرفة الحق والإمساك بالحقيقة، هذا ما يؤكده الإمام أمير المؤمنين (ع) في جوهرته الكريمة.
إن معرفة الحق ضرورية للفرد كما للجماعة، بل لجميع البشر، وطلبه واجب عليهم جميعاً، إذ لا تستقيم الحياة الإنسانية إلا على الحق، والعيش الهنيء الرغيد لا يمكن أن يتوفَّر إلا في ظلال الحق، والعلاقات الإنسانية لا يمكن أن تستقر إلا بالحق، وتعاون البشر وانسجامهم لا يمكن أن يكون إلا بسيادة الحق، الحق هو الأساس الذي تُبنى عليه القيم الإنسانية السامية والشرائع السماوية الخالدة، والحق هو ميزان العدالة، وهو الطريق المستقيم الذي يجب أن يسير عليه الإنسان، والحق هو الذي يضمن حقوق الأفراد ويحفظ كرامتهم، وهو ما ينهض بالمجتمعات ويضمن وحدتها وسلامتها.
إذا بُنِيَت الحياة على الحق، فإن الثقة تنتشر بين الناس، وتزدهر العلاقات الاجتماعية القائمة على الاحترام والمساواة، أما غياب الحق، فإنه يؤدي إلى الظلم والفوضى والانهيار الأخلاقي، وعندما تتبنى المجتمعات الحق، تنشأ بيئة عادلة خالية من الظلم، وهذا ما يؤكده الإمام أمير المؤمنين (ع) بقوله: "اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنِ الَّذِي كَانَ مِنَّا مُنَافَسَةً فِي سُلْطَانٍ وَلَا الْتِمَاسَ شَيْءٍ مِنْ فُضُولِ الْحُطَامِ وَلَكِنْ لِنَرِدَ الْمَعَالِمَ مِنْ دِينِكَ وَنُظْهِرَ الْإِصْلَاحَ فِي بِلَادِكَ فَيَأْمَنَ الْمَظْلُومُونَ مِنْ عِبَادِكَ وَتُقَامَ الْمُعَطَّلَةُ مِنْ حُدُودِكَ".
ولئن غُيِّبَ الحق لبرهة من الزمن فإنه لا يغيب أبداً، لأن من طبيعته الظهور والبقاء والاستمرار، ومن طبيعة الباطل الضمور والزهوق، يقول الله تعالى: "وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا" ﴿الإسراء: 81﴾.
فالحق منتصر دائماً، حتى لو بدا مُغَيِّباً أو محجوباً في بعض الأحيان، وما على الإنسان إلا البحث عنه بجدٍ وإخلاص، ولو تطلَّب أن يسعى طويلاً لمعرفته، أو يواجه مصاعب ومتاعب ومعوِّقات، وسيفوز به نهاية المطاف.
ما هي الأسباب التي تمنع الإنسان من معرفة الحق؟
هناك أسباب عديدة من أهمها: الجهل، فإن كثيراً من الناس يبتعدون عن الحق بسبب جهلهم أو تقصيرهم في البحث عنه.
ومنها: الأهواء الشخصية، فإن اتباع الهوى يعمي القلب عن رؤية الحقيقة، قال تعالى: "وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ"﴿ص: 26﴾.
ومنها: الضغوط الاجتماعية، كالخوف من مخالفة العادات والتقاليد والأعراف، أو الخوف من بعض الجماعات التي تهدد مصالح الإنسان الشخصية يجعل البعض يتجنب الحق.
ومنها: التضليل الإعلامي والفكري: فإن انتشار الباطل بوسائل الإقناع يجعل الناس يظنّون أنه الحق.
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي
تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي: