"إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ
تشييع لا نظير له في تاريخنا المعاصر الا تشييع إمامنا العظيم الخميني(قدس). تشييع ليس أقل من تعبير عن الوفاء والاخلاص والعرفان الى سيد المقاومة وعزها وشرفها، فنصر الله لا يليق به أقل من هذا، لانه قدم كل شيء من أجل الامة والدين وفطرة الانسان.
انها بيعة الوفاء لعظيم رحل عنا بجسده وأبَتْ روحُه الا ان تبقى في وجدان الامة، لتستقر في قلب كل مؤمن حر وشريف، ورافض لعبودية غير الله.
صحيح أن قوله تعالى(إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) قد نزلت تخاطب الرسول الاعظم(ص) الا ان مصاديق هذه الاية كغيرها متحركة بحركة الاحداث والزمن، ومتكيفة مع كل من يسير على نهج رسول الله(ص) ويحمل أعباء الرسالة المحمدية كما حملها أهل بيت النبوة(سلام الله عليهم).
إقرأ أيضاً
فالذين بايعوا الرسول الاعظم(ص) بايعوه على الثبات وعدم الفرار من العدو عند ملاقاته، ولهذا ففي كل موطن تعاهد الامة قائدها على الثبات والصبر عند مواجهة العدو تكون هذه الآية مصداقا لتلك الامة.
السيد حسن نصر الله هو القائد الذي حمل أعباء المواجهة مع العدو، عدو الاسلام وقيم الانسان، وقد ذابت الامة بهذا القائد الميداني، ونظراً لاخلاصه وصدقه مع ربه ونفسه كانت الامة التي تربت على اخلاق وصدق نصر الله صادقة في وفائها وعهدها معه.
هذه الامة التي لم تكل ولم تمل في مواجهة العدو لانها تحمل روح نصر الله في وجدانها وابدانها، والامة التي تواجه طائرات العدو بهتافات مدوية وبصدور عارية هي بلا ادنى شك امة تربت على عنفوان وشجاعة ويقين وثبات السيد حسن نصر الله.
في هذا التشيع الاستثنائي استخلصنا منه دروساً وعبراً كثيرةً منها:
1- ان الامة التي خرجت لتعاهد سيدها بتجديد الولاء والطاعة والسير على نفس النهج الذي سار عليه قائدها هي أمة حية مندكة برسالتها وقد تشربت بروح قائدها وتحمل عبق جهاده وعنفوان أبائِه، وهذه الامة بلا ادنى شك هي الامة التي وعدها الله بالنصر(ان تنصروا الله ينصركم ويثبت اقدامكم) بعد ان نجحت بالامتحان، في وقت انهارت أمم قبلها في امتحانات اقل شدة.
2- لقد فشل العدو في دق اسفين بين المقاومة الاسلامية في لبنان وحاضنتها الاجتماعية من خلال التهجير وتدمير البنى التحتية وقتل المدنيين، فضلاً عن تجييش الاعلام(المطبع والخانع والتابع الذليل) الا ان الارتباط العقائدي والروحي بين الامة ومقاومتها وقيادتها اكبر من كل محاولات العدو.
3- ان التشييع الاستثنائي لسيد المقاومة كشف عن حقيقة لطلما تحدثنا عنها وكان يراهن عليها العدو لتمزيق الساحات ووضع المتاريس الجغرافية بين ابناء المقاومة.
هذه الحقيقة هي ان شعار الوطنية لوحده ليس كافياً لمعرفة الحق واهله، ومواجهة الباطل واهله، فقد شاهدنا بعض ابناء البغايا في عصرنا الراهن، والذين ينتمون الى اسلافهم من بني امية، شاهدناهم كيف يشمتون ويتشفون بشهادة سيد المقاومة رغم انهم يعيشون في جغرفية وطن واحد، ففي العراق على سبيل المثال شاهدنا هذا النموذج في أربيل، كما شاهدنا امثال هؤلاء في الضفة الغربية، نعم الضفة الغربية التي يفترض انها صاحبة القضية وحائط الصد الامامي في المواجهة مع العدو، وكذا الحال في سوريا وبلدان الخليج الفارسي كيف أظهروا البهجة والسرور لاستشهاد سيد المقاومة وشرف عروبتها كما تشفى وابتهج اسلافهم باستشهاد ابي عبد الله الحسين عليه السلام.
فالقوم ابناء القوم، والقضية ذات القضية والصراع الوجودي هو ذات الصراع الوجودي.
من هنا يتأكد لكل العقلاء ان الوطنية لوحدها ليست عاصمة عن الوقوع في شرك الباطل، وان السبيل الوحيد للعصمة من الوقوع في الباطل هو التماس الحق من اهله واصحابه رجال الله وقادة الميدان.
4- من مميزات هذا التشييع الاستثنائي انه أصبح معياراً لمعرفة الحق من الباطل،وفرز الخنادق باجلى صورها، ووحد الامة في ساحاتها الاجتماعية مثل وحدتها في ساحاتها العسكرية.
وبهذا تحول نصر الله الشهيد القائد الى معيار بين الحق والباطل، كما كان جده أمير المؤمنين(ع) الذي كان يدور الحق اينما دار عليه الصلاة والسلام، كيف لا وهو نطفة عقائدية انتقلت من طف كربلاء لتستقر في ضاحية بيروت الاباء .
كيف لا يكون نصر الله معيار الحق وقد تربى على يد شهيد الامة الكبيرمحمد باقر الصدر في عنفوان شبابه، وتغذى من مدرسة امام الامة وصانع عزها ومجدها ومجدد رسالتها الخميني العظيم، وقاد معارك الشرف والكرامة والدفاع عن حياض الدين وكرامة الاسلام تحت راية الامام الرباني الخامنئي العظيم؟
انه نصر من الله، لذلك فالفتح قريب باذن الله.
بقلم المحلل السياسي العراقي "د. جمعة العطواني"