
وسط الدمار والخراب التي خلفتها الإبادة الجماعية بمدينة رفح جنوبي قطاع غزة يصر أبو محسن على أن يبقى نور العلم متوهجا في عيون هؤلاء الأطفال، متحديا محاولات إسرائيل لطمس الهوية الدينية والثقافية للفلسطينيين.
من مساجد عامرة إلى مصليات
وقبل الإبادة، كانت مساجد غزة تمتلئ بالمصلين ويجتمع الأطفال داخلها للصلاة و حفظ آيات من
القرآن الكريم، لكن اليوم، تحولت هذه المشاهد إلى مجرد ذكريات، فأصبحت الخيام والمصليات الصغيرة للتعليم الدين الإسلامي.
وداخل المصلى أو الخيمة كما يقول الفلسطينيين بغزة، يجتمع الأطفال حول الشيخ أبو محسن في حلقة دائرية، يحدقون فيه بإمعان، ينصتون لكلماته بخشوع، يستلهمون من صبره وعزيمته طاقة لمواجهة قسوة الحياة في غزة، حيث دمرت المساجد ودور العبادة تحت نيران إسرائيل، في محاولة لطمس معالم الدين والحياة.
ويحل رمضان على الفلسطينيين بغزة هذا العام وسط مشهد قاتم غير مسبوق من الدمار والمعاناة، بعد قرابة 16 شهرا من الإبادة الإسرائيلية التي حولت القطاع المحاصر إلى "منطقة منكوبة".
ويواجه نحو 1.5 مليون فلسطيني من أصل 2.4 مليون نسمة في غزة مأساة التشرد القسري جراء الإبادة والتدمير الواسع الذي ألحقته إسرائيل بمنازلهم.
بنينا مصليات لتعليم الإسلام
وقال أبو محسن للأناضول: "نحن نعمل في مدينة رفح على تحفيظ القرآن الكريم في منطقة مصبح بعد أن تم هدم المسجد هناك خلال الحرب".
وأضاف: "رغم ذلك بنينا هذا المصلى من النايلون والخشب، لنحافظ على استمرار تعليم الطلاب، لأن رسالتنا أقوى من العدوان، ونحن مستمرون رغم الألم والدمار".
لفت أبو محسن، الذي يقطع يوميا مسافة 200 متر من منزله إلى المصلى على قدميه المبتورتين، إلى أن إسرائيل تعتقد أنه بقصف المساجد ودور العبادة ستتمكن من منع تعليم الدين الإسلامي.
وأوضح أنه رغم الإبادة والتدمير في كل مكان، إلا أنه تم إنشاء المصليات البسيطة بجانب أنقاض المساجد لحفظ القرآن وتعليم السنة النبوية لأطفال الناجين.
المشهد في المصلى يروي قصة التحدي في غزة المحاصرة التي صمدت أمام الإبادة ورفضت التهجير.
رغم الألواح الخشبية البسيطة والنايلون الذي يغطي السقف، وجلس الأطفال على الأرض، إلا أن ذلك لم يمنعهم من الحضور لتلقي الدروس الدينية في شهر رمضان.
داخل المصلى، يتابع الأطفال بتركيز تلاوة الشيخ أبو محسن، ويرددون وراءه الآيات بلهفة، وكأنهم يبنون بإيمانهم ما دمرته إسرائيل بصواريخه.
حرب دينية
في نظر أبو محسن، فإن هذه الحرب ليست فقط حربا على "المقاومة الفلسطينية"، بل هي حرب على الدين الإسلامي تهدف إلى محو الهوية الإسلامية في غزة.
وقال للأناضول: "الاحتلال لا يريد فقط تدمير البنية التحتية، بل يسعى أيضا للقضاء على تعاليم الإسلام في غزة، لكنه لن ينجح".
وفي 2 فبراير/ شباط الماضي، أعلن رئيس المكتب الإعلامي الحكومي بغزة سلامة معروف القطاع منطقة "منكوبة" جراء حرب الإبادة الإسرائيلية.
أعلنت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في قطاع غزة، أن الجيش الإسرائيلي دمر خلال حرب الإبادة 1109 مساجد من أصل 1244، تدميرا كليا أو جزئيا.
وعند منتصف ليل السبت/ الأحد، انتهت المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار بغزة رسميا والتي استغرقت 42 يوما، بينما تنصلت إسرائيل من الدخول في المرحلة الثانية وإنهاء الحرب.
ويريد نتنياهو تمديد المرحلة الأولى من صفقة التبادل للإفراج عن أكبر عدد ممكن من الأسرى الإسرائيليين في غزة، دون تقديم أي مقابل لذلك أو استكمال الاستحقاقات العسكرية والإنسانية المفروضة في الاتفاق خلال الفترة الماضية، وذلك إرضاء للمتطرفين في حكومته.
بينما تؤكد حماس، مرارا التزامها بتنفيذ الاتفاق وقف إطلاق النار، وتطالب بإلزام إسرائيل بما نص عليه، وتدعو الوسطاء للبدء فورا بمفاوضات المرحلة الثانية بما تشمله من انسحاب إسرائيلي من القطاع ووقف الحرب بشكل كامل.
وبدعم أمريكي ارتكبت إسرائيل بين 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 و19 يناير 2025، إبادة جماعية بغزة خلفت أكثر من 160 ألف شهید وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 14 ألف مفقود.
المصدر: وكالة الأناضول للأنباء