
ورُوِيَ عن
الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "مَنْ أَكْثَرَ مُدارَسَةَ الْعِلْمِ لَمْ يَنْسَ ما عَلِمَ وَاسْتَفَادَ ما لَمْ يَعْلَمْ".
من اكتفى بما علم انقلب علمه إلى جهل، ومن تعلم علماً ولم يكرِّر مذاكرته نسيَه مع كرور الأيام، هذا ما تفيده المعادلة التي بين أيدينا، إنها تُبرِزُ أهمية الاستمرار في طلب العلم ومراجعته ومذاكرته، وتُلخص فلسفة تعليمية مهمّة تُشجع على الاستمرارية والتفاعل مع العلم لتحقيق أقصى استفادة منه، وتقدِّم منهجاً يجمع بين حفظ العلم وفهمه، ودرايته، واكتساب الجديد منه، وبهما يضطلع طالب العلم بدوره الرسالي في نشر المعرفة، والارتقاء بالمجتمع وتطويره والتقدّم به، واكتساب الفضائل السامية.
مِمّا لا شَكَّ فيه أن العلم يزكو وينمو بإنفاقه وتعليمه من جهة، ويترسَّخ في الذهن بالمواظبة على مدارسته ومذاكرته من جهة أخرى.
يقول الخبراء: عندما يكرِّر الإنسان دراسة المعلومات، فإنه يُنَشِّطُ الروابط العصبية في الدماغ المرتبطة بهذه المعلومات، هذا التكرار يُقلِّل من احتمالية النسيان ويُعزِّز عملية التذكر، وأثناء مراجعة المعلومات القديمة، يُمكن للدماغ أن يربطها بمعلومات جديدة، مِمّا يُسهم في فهمٍ أعمق واستيعابٍ أوسع، وهذا يُفسِّر كيف أن مدارسة العلم لا تُحافظ فقط على المعرفة السابقة، بل تُضيف إليها معرفة جديدة، فالدماغ لديه قدرة على التكيُّف مع التحديات الجديدة، فعندما يُمارس الإنسان مدارسة العلم بشكل مستمر، فإنه يُدرِّب دماغه على استقبال ومعالجة المعلومات بشكل أكثر كفاءة.
ومِمّا لا شكَّ فيه أيضاً أن مدارسة العلم ومذاكرته والمباحثة فيه، تشمل النقاش والتفاعل مع الأفكار، مِمّا يُحفِّزُ التفكير النَّقدي والإبداعي، وهذا النوع من التفاعل يُساعد على اكتشاف جوانب جديدة للموضوعات المدروسة.
نصائح ضرورية لكل طالب علم:
أولاً: حَدِّد وقتاً يومياً ثابتاً لمراجعة ما تعلمتَه مسبقاً، أو لاستكشاف موضوعات جديدة، فإن هذا يُساعدك في بناء عادة قوية للتعلم.
ثانياً: اعتمد منهج التَّنوُّع في المصادر، فإن ذلك يُضيف أبعاداً مختلفة للفهم ويجعل التعلم أكثر سَعَةً وإمتاعاً.
ثالثاً: قم بتدوين الأفكار والنقاط الرئيسية عند دراسة موضوع ما، فالكتابة تُعَزِّز من استيعاب المادة وتُسهِّل الرجوع إليها لاحقاً، وقد رُوِيَ عن الإمام جعفر الصادق (ع) أنه قال: "اكْتُبوا فَإِنَّكُمْ لا تَحْفَظُونَ حَتّى تَكْتُبُوا"، وقيلَ: "ما حُفِظَ فَرَّ، وما كُتِبَ قَرَّ".
رابعاً: أنفق ما تعلّمتَه على الآخرين، أي عِلِّمهم، فإن زكاة العلم إنفاقه، قال الإمام أمير المؤمنين (ع) لصاحبه كميل بن زياد: "يَا كُمَيْلُ، الْعِلْمُ خَيْرٌ مِنَ الْمَالِ، الْعِلْمُ يَحْرُسُكَ وَأَنْتَ تَحْرُسُ المَالَ، وَالْمَالُ تَنْقُصُهُ النَّفَقَةُ، وَالْعِلْمُ يَزْكُو عَلَى الْإِنْفَاقِ، وَصَنِيعُ الْمَالِ يَزُولُ بِزَوَالِهِ".
خامساً: حاول اختبار معرفتك بشكل دوري من خلال الإجابة على أسئلة، أو حَلِّ مشكلات تطبيقية مرتبطة بالموضوع الذي تدرسه.
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات الدينية السيد بلال وهبي